لو غيّر الإخوان مبدأ «اللى تغلب به» لكسبوا الجميع فى صفهم لأنهم الوحيدون القادرون على إحداث تغيير.. والدعوات الإسلامية ضلت الطريق لأنها نصّبت نفسها للدفاع عن الدين هو الخارج عن السياق دوماً، المثير للجدل والنقاش أبداً، الذى ينطبق عليه القول «بالاختلاف عُرفت». بدءاً من عنوان سكنه الموغل فى الشعبية والأصالة، متناقضاً مع فكره الباحث فى التجديد، مروراً بمنزله الغارق فى الكتب والأوراق حتى لتكاد لا تراه من خلفهما، رغم بزوغ فكره، انتهاءً بسيرته التى تمتلئ بمواقف الخروج على القديم الموروث بحثاً عن اجتهاد يثاب عليه صاحبه. هكذا يبدو الحال مع الكاتب جمال البنا، الذى يرى فى نفسه وما يقدمه للقراء عبر مقالات الصحف، وما يؤلفه من كتب، مجدداً فى الفكر الإسلامى، وصاحب دعوة فى إحياء علوم الدين، تستند على إعادة الإسلام لما كان عليه عندما نزل منذ أربعة عشر قرنا، لتحرير الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور، مؤكداً أن الإسلام أراد الإنسان ولكن الفقهاء أرادوا الإسلام. فيما يراه معارضوه، سواء كانوا من العلماء أو العامة، مثقفاً يهاجم ثوابت الدين، متبنياً آراءً مخالفة لإجماع العلماء والفقهاء المسلمين، ومنها عدم فرضية الحجاب، وتبادل القبلات بين الشباب، والتدخين فى نهار رمضان. وبينما يرى المعارضون، فى تلك الآراء «فتاوى» تفتقد للشرعية، يرفض هو ذلك التوصيف، مؤكداً أن ما يقدمه، هو «اجتهادات» تهتم بالإنسان، الذى غاب عن عيون وعقول المسئولين عن الفتوى فى ديار المسلمين. غير مُخف موقفه المناقض لنهج الفقهاء، دون معارضةً لكلام الله ورسوله، محدداً سبب الخلاف بينه وبين المحيطين به، فى اعتمادهم على الفكر السلفى، الذى يتبنى فيه العلماء فكر الأئمة السابقين، فيكتفون به، دون النظر لطبيعة الاختلاف بين عصورهم، والعصر الذى نحياه، وما يتبدى فيه من مستحدثات تواجه المسلمين. وسواء كنت من المعارضين، أو المؤيدين، أو حتى المحايدين لفكر الأستاذ جمال البنا، فإن رؤيته، وبحق، تستحق منا التوقف عندها وتأملها، لا لخلفية صاحبها المعتمدة على التكوين الشخصى، فى عالم القراءات الدينية، أو لأنها رؤية إنسانية تؤكد على فرضية التفكير فى الإسلام، وحسب، ولكن لكونها رؤية تبعث على الحراك، فى فكر أصابه الجمود، فتخلف عن العالم المحيط به. الاختلاف فى حياة جمال البنا بدأ منذ يوم المولد، الذى جاء فى الخامس عشر من ديسمبر عام 1920، فى مدينة المحمودية بمحافظة البحيرة، ولكنه لم يسجل فى الأوراق الرسمية إلا بتاريخ التاسع عشر من ذات الشهر، مؤكداً منذ اللحظة الأولى له فى الحياة أنه مختلف. أخيراً فى الترتيب جاء بين إخوته، الذين يكبرهم مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا. أما والده فهو الشيخ أحمد عبدالرحمن البنا، الذى يعود له الفضل فى تصنيف وشرح الأحاديث، التى رواها الإمام أحمد بن حنبل، وجمعها فى 22 جزءاً فى عمل استغرق منه 35 عاماً، وهو ما يقول عنه الكاتب جمال البنا:» كانت أحاديث الإمام ابن حنبل، مصنفة حسب موضوعاتها الفقهية، فهناك قسم لأحاديث السيدة عائشة، وأخرى لعبدالله بن عمر بن الخطاب، وثالثة لأبى هريرة وهكذا، فما كان من أبى ذلك الشيخ البسيط، حافظ القرآن، المُلم بمفاتيح المعرفة الإسلامية من دون تعمق، والذى عمل كإمام لأحد المساجد، ومصلحاً للساعات فى بعض الوقت، إلا أن قرر تصنيف الأحاديث وترتيبها حسب موضوعاتها التى تتناولها، فذلك باب للصلاة، وآخر للزكاة، وثالث للمعاملات وهكذا. كما قام بشرح كل حديث بطريقة بسيطة تسهل على القارئ فهمه، ثم توضيح مدى قوة سنده، وأعتقد أن ما قام به أبى من جهد فى ذلك العمل، شد من عزيمتى منذ طفولتى، وجعلنى أشعر أن قوة الإنسان فى إرادته وقدرته على الإنجاز. فهناك مئات الشيوخ الذين يتخرجون فى الأزهر كل عام ولم يفكر أحد منهم فى التصدى لهذا المشروع العملاق». يصمت ثم يضيف:«كنت آخر العنقود أنا وشقيقتى فوزية، وأطلق أبى علىَّ اسم «جمال» تيمناً بالشيخ جمال الدين الأفغانى، بل أوحى إلى وأنا صغير أننى هذا الأفغانى، وأننى قد أكمل ما بدأه، كان أبى شديد العطف والحنو على». لم يكن «الشيخ البنا» وحده صاحب التأثير على ذلك الطفل «جمال»، كان هناك الأخ الأكبر أيضاً «حسن»، الذى أعلن فى العام 1928 تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، بدأها بستة من العاملين فى قناة السويس، بعد أن تعرف عليهم على أحد مقاهى مدينة الإسماعيلية، وقتها كان جمال لم يتجاوز الثامنة من العمر، لكنه كان يتابع عاماً بعد عام، كيفية نمو تلك الجماعة التى بات لها فى مصر خلال 20 عاما فقط 500 شعبة، وفروع فى العالم الإسلامى ينتمى لها نحو 500 ألف عضو. وهو ما يقول عنه: «كان أخى حسن، صورة أخرى من الإرادة فى عينى، نجح فى جعل الدعوة ذات طابع تنظيمى فنقلها من المحلية للعالمية، كما نادى بأن يكون الإسلام منهج حياة، وليس مجرد طقوس ترتبط بفئة محددة من الناس وفى أضيق إطار، رأيت أخى وهو ينظم صفوف الجماعة التى باتت من أقوى الحركات الإسلامية حتى وقتنا هذا، لم يكل ولم يتعب، لم ييأس، ظل مثابراً حتى آخر لحظات عمره التى لم أره فيها، كما لم أودعه لأننى كنت وقتها بالمعتقل». وُلد الطفل جمال البنا ضعيفاً، معتل الصحة، إلى حد أثر على علاقته بأقرانه، فابتعد عنهم، لإحساسه بتفوقهم عليه فى القدرة العضلية، مؤثراً على اللعب فى الحارة التى كانوا يسكنون بها بالقرب من الأزهر، القراءة فى مكتبة أبيه العامرة بالمجلات والصحف والكتب أيضاً، كان يقرأ فى تلك السن، حتى ما يستعصى عليه فهمه، لتتوطد العلاقة بينه وبين أبيه، وتتصل عبر عالم الكتب. بعدها كان على الصغير أن يذهب للتعلم شأنه شأن أخوته، ولكنه لم يكن من المتفوقين فيه، فأتم دراسته الابتدائية بمدرسة العقادين، والتحق بعدها بمدرسة الخديوية الثانوية بالحلمية الجديدة، إلا أنه لم يكمل دراسته بها، لخلافه مع معلم اللغة الإنجليزية، وكان بريطانى الجنسية، فى واقعة يحكى عنها بقوله:» يبدو أننى فعلت ما أغضب هذا المعلم منى، فطلب منى الاعتذار له قائلاً بلكنته الإنجليزية: «you have to say I beg your bardon sir»، وهو ما اعتبرته إهانه فرفضت! لأرسب فى الامتحان، فكان قرار عدم إكمال دراستى الثانوية مستجيباً لإحساسى الداخلى الرافض للطبقة البرجوازية بكل ملامحها». وعلى الرغم من عدم ضغط أسرته عليه فى إكمال تعليمه الثانوى، إلا أنها أصرت أن يُكمل تعليمه فى مدرسة التجارة المتوسطة، التى حصل على دبلومها فى العام 1937، ليتفرغ من وقتها وكما يقول، لتأسيس ذاته ثقافياً. فقرأ «الكامل» لابن الأثير، و«تاريخ الطبرى»، و«البداية والنهاية»، و«الإمامة والسياسة» لابن قتيبة، كما قرأ الأدب العالمى المترجم، بدءاً من التاريخ والأدب الإغريقى، مروراً بديستوفسكى، وتولستوى، وتوغل فى الأدب العربى ليقرأ العقد الفريد، والأغانى للأصفهانى، والمعلقات الشعرية، وطه حسين، والعقاد، والحكيم. إلا أنه ظل على خصامه للغة الإنجليزية التى لم يبدأ القراءة بها إلا فى أعوام الاعتقال، فى الفترة من 1948 وحتى العام 1951. وهى الفترة التى بدأت مع إعلان النقراشى باشا رئيس وزراء مصر، وقتئذ، حل الإخوان المسلمين، والقبض على أعضاء مكتب الإرشاد ومعهم جمال البنا، رغم أنه لم يكن يوماً من الإخوان المسلمين. «كان منطقياً أن أكون إخوانياً، فأنا شقيق مؤسس الجماعة ويعتمد على فى الكثير من الأمور الخاصة بالتثقيف، والعمل بإصدارات الجماعة الصحفية، ولكننى لم أقتنع يوماً بفكر الإخوان، وكثيراً ما عرضت آرائى وأفكارى على شقيقى حول العديد من القضايا التى مثلت محكاً رئيسياً فى فكر الإخوان، كالمرأة، والفنون، وكان يستمع لى ويهز رأسه دون إعلان موافقة أو رفض، كان الفارق بينى وبين أخى، أنه قائد يجب عليه التنظيم للجماعة التى تتبعه، ولكنه كان يفتقد لقدرات التنظير كان حسن البنا يرى أن القائد لا يمكن أن يصارح شعبه بكل ما يؤمن به، على عكسى أنا، كنت أرى حاجة الدين للتخلص من الفكر السلفى المسيطر عليه، وحاجته لأن يواكب عصره. وعندما حاولت أن أمارس السياسة بطريقتى، كونت فى العام 1946 «حزب العمل الوطنى الاجتماعى» الذى لم يستمر طويلاً، لنجاحى فى التنظير دون التنظيم، على عكس شقيقى الأكبر. إلى جانب هذا فإن الإخوان كانوا برأيى يطبقون مبدأ «اللى تغلب به العب به»، وأعتقد أنهم لو غيروا طبيعتهم، لكسبوا الجميع فى صفهم، فهم الوحيدون القادرون على إحداث التغيير فى مصر الآن، ولكنهم برجوازيون لا ثوريون». يبدو للباحث فى سيرة جمال البنا، أن عدم انضوائه تحت لواء الإخوان المسلمين، لم يكن فقط بسبب الخلافات الفكرية التى كانت بينه وبينهم، فطبيعته المتمردة هى الأخرى، والباحثة عن مجال لإثبات ذاتها فيه، كانت سبباً كى لا يستقيم الحال فيما بينه وبين جماعة الإخوان، التى تقوم عضوية الفرد فيها على السمع والطاعة. بينما كان جمال البنا يرى فى ذاته كياناً، متفرداً، لا ينبغى لأحد أن يملى عليه ما يفعل، وما لا يفعل. كما حدث حينما قرر وضع كتاب، يعبر فيه عن رأيه فى ثورة الضباط الأحرار فى يوليو 1952، مؤكداً أنها حركة أقرب للانقلاب العسكرى، ومشيراً فى ذات الوقت، إلى قدرتها على التحول إلى ثورة شعبية، فقط لو بات لها منهج تؤمن به الجماهير، ويتولد عنه حزب يصير ابناً شرعياً لتلك الحركة، إلا أن هذا الكتاب لم ير النور، بعد مصادرة الرقيب لبروفات طبعاته الأولى، وهو ما أشعر البنا أن الثورة لن تسمح بنقد، فقرر قصر نشاطه على العمل النقابى دون السياسى أو الدينى. كما حول مجلته الشهرية التى كان يرأس تحريرها وحملت اسم «الفكر»، إلى كتيبات يصدرها بين فترة وأخرى، تجنباً للصدام مع النظام السياسى، الذى بات فى عداوة واضحة مع الإخوان، فأمضى وقته فى إلقاء المحاضرات فى المؤسسة الثقافية العمالية التى تأسست فى نهاية الخمسينات، وفروعها فى أنحاء القاهرة، كما حاضر فى معهد الدراسات النقابية، الذى درس به معظم قادة الاتحادات العمالية فى العالم العربى. وبعد وفاة جمال عبدالناصر، وتولى الرئيس السادات، بدا فى الأفق حالة من المصالحة، كما يقول البنا، بين النظام والإخوان الذى حُسب البنا عليهم رغم عدم انتمائه لهم، فبدأ فى إصدار مجموعة من الكتب التى تجلى فيها فكره نحو ليبرالية الإسلام، فأصدر«روح الإسلام» عام 1972، وكتاب «الأصلان العظيمان» عام 1982. كما تعرف فى الثمانينيات على دكتور أحمد عبدالعزيز النجار رائد تجربة البنوك الإسلامية الذى أعجب بفكره الإسلامى، فعينه مستشاراً فى الاتحاد الدولى للبنوك الإسلامية. «كانت مطالعاتى فى تلك الفترة الزمنية من عمرى، تنصب على فكرة الإنسان وحريته، وأصبح إيمانى بالحرية لا حدود له، ولذا تركزت دراستى للقرآن والسنة وبحثى فيهما حول ذلك المفهوم، ولم أحاول أن ألجأ لفكر الفقهاء ولا مذاهبهم» هكذا يصف جمال البنا حياته فى حقبة الثمانينيات، ويضيف:«كنت أدرس الإسلام من الخارج لا من الداخل، وهو ما منحنى القدرة على رؤية الدين ككيان شامل، بعيداً عن الجزئيات التى استغرقت المسلمين فتخلفوا. فالقرآن يبدأ برغبة الله فى أن يكون الإنسان خليفته على الأرض، علمه الأسماء، فمنحه المعرفة، وأمر الملائكة فسجدوا له، وزوده بضمير وإرادة ليكون له الاختيار، حتى فى الهدى والضلال، ولذا فالإسلام سبق الغرب فى حرية العقيدة، ويعد ديناً جامعاً لأهم مبادئ الحضارة الغربية وهى الحرية والعلم والإرادة، و قبلهما العدل الذى يصون تلك المبادئ ويحميها من الشطط». وتتبلور أفكار وقراءات جمال البنا عن الإسلام، ودراسته له والتى استغرقت منه ما يقرب من ستين عاماً، لينادى مع مجىء التسعينيات، بما أطلق عليه «دعوة الإحياء الإسلامى». ويكون التساؤل عن السبب وراء تلك الدعوة؟ وهو ما يجيب عنه بالقول: «لقد ضلت الدعوات الإسلامية الأخرى الطريق، بعد أن نصبت نفسها للدفاع عن الإسلام وإظهار مزاياه. فى الوقت الذى كان يجب أن تعنى فيه بالغاية التى جاء الإسلام لها، ونتج عن هذا فراغ فكرى فى الأمة الإسلامية، التى غرقت فى «الإسلام السلفى»، المعتمد على فكر بعض الفقهاء أو المذاهب، الأمر الذى لا يمثل إضافة للفكر الإسلامى، بل قدم عن الإسلام صورة عقيمة، كما أدى إلى تضخم «التدين الأخروى» بين معظم فئات المجتمع، خاصة شباب الجامعات والمهنيين، وتبلور هذا التدين فى الشعائر الدينية وتفاصيلها المعلومة والغيبية، كالصلاة، والصيام، وعذاب القبر والجنة والنار، وهى أمور على المسلم معرفتها، ولكن دون الإغراق فى تفاصيلها، بشكل يطغى على «التدين الدنيوى»، الذى يعنى الأخلاق والقيم التى يدعو إليها الإسلام، لتستقيم الحياة كالصدق، والإنفاق فى الخير، والتكافل، والحرية، والسماحة، والعدل، وإعمال العقل، وبذل الجهد. ولذا كانت الدعوة لإحياء الإسلام، وتجاوز الأطر السلفية، والعودة إلى القرآن واعتباره صيحة إنقاذ، ودعوة هداية وإرادة تغيير ورسالة، لتكون دعوتنا ل«تثوير القرآن لا تفسيره»، وهدفنا إشاعة القيم، وإعمال العقل، والتنظير». ويصمت ثم يضيف: «أليس عاراً أن تكون» أمة محمد هى أكثر الأمم فقراً وضعفاً ومرضاً وجهلاً، وللأسف كل هذا لا يهم فى قليل أو كثير، قادة «المؤسسة الدينية» فى الأزهر بمصر، أو الحوزات بإيران، أو الجامعات بالسعودية، فهؤلاء السادة يعيشون بعقولهم وأفكارهم فى عالم يعود إلى ألف عام خلت، ولا يحرك منهم ساكناً، وهذا أمر طبيعى لأنه إذا كان على أحد الشيوخ أن يدرس الفقه الحنبلى مثلا، فلا يعنيه إلا ما قاله الإمام أحمد وأتباعه، وبقدر تعمقه فى هذا، بقدر ما يتدعم مركزه الأدبى والمادى لدى النظام، ويتلقى الثناء والتقدير، ويقى نفسه مشاكل الاجتهاد من الخاصة والعامة. ولا يعنيه بعد هذا، أن الإسلام كاد أن يشطب من على خريطة العصر، وأن دوله أصبحت رموزا للتأخر والتبعية الذليلة، وحسبهم فخرا أن يقال عن مصر أنها بلد الأزهر. والسعودية، بلد الكعبة وقبر الرسول «صلى الله عليه وسلم». لم تستغرق دعوة الإحياء الإسلامى من جمال البنا سنوات عمره وحسب، ولكنها ألبت عليه رموز الفكر الإسلامى والإخوانى أيضاً، ممن اعتبروه خارجاً عن السياق، ومتحدثاً بلا مرجعية، وهو ما جعله هو واجتهاداته، كما يسميها، هدفاً للهجوم والنقد الحاد، من العامة قبل من يُسمون ب«علماء الدين». إلا أن هذا الأمر لم يثنه عن مواصلة ما بدأه، ولعل أبرز أرائه إثارة للجدل والنقاش، ما قاله حول جواز تبادل القبلات بين الشباب، والتى قال عنها أنها من «اللمم»، التى من الممكن أن يتجاوز عنها الله، فى ظل تأخر سن الزواج بين الشباب وتعقيدات المجتمع، المفروضة على الراغبين فيه من الجنسين، ويضيف: «الحرام هو تغيير طبيعة الناس التى فطرنا عليها الله، وعدم إتاحة الفرصة لتلبية الاحتياجات الطبيعية، والدليل أن عمر بن الخطاب، عطل حد السرقة فى عام المجاعة، والرسول أباح زواج المتعة فى الحروب، ثم عاد وحرمه بعد انتفاء سبب الإباحة، أى أن حدود الله لا تقام إلا عندما نكون عاملين بنهجه، وإلا نكون ظالمين». وإلى جانب القبلات كان هناك رفضه لحكم الردة فى الإسلام، رغم استناد معارضيه على حديثين صحيحين، تؤكد قتل المرتد، وهما «من بدل دينه فاقتلوه» و«لا يحل دم امرؤ مسلم إلا بإحدى ثلاث».. منها المفارق لدينه. وهو ما يبرره بقوله:الله تعالى يقول: «لا إكراه فى الدين» ويقول أيضا:«أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين»، ويقول فى آية آخرى: «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، ولم يوجد نص بالقرآن الكريم يضع حدا للردة. والحديث الذى يتناقض مع القرآن يجب عدم الالتزام به، و هناك نحو 650 حديثاً رواها البخارى ومسلم تتناقض مع القرآن وما جاء به، ولذا فهى أحاديث غير ملزمة، من بينها أحاديث الردة، وأعكف حالياً على إصدارها فى كتاب يحمل عنوان «تجريد البخارى ومسلم من الأحاديث التى لا تلزم». علينا فتح باب الاجتهاد، واستخدام الحكمة، التى هى ليست السنة كما روج الفقهاء على مدار مئات السنين. وأسأله قبل مفارقته، هل تؤمن بقدرة دعوتك على إحداث التغيير؟ فيجيبنى بثقة: «نعم، قد تأخذ وقتاً طويلاً كما حدث مع غيرى من المجددين، ولكن التغيير آت لا محالة، وعندما أتصفح مواقع الصحف التى أكتب بها على شبكة المعلومات، أفرح برؤية مؤيد واحد لما أطرحه حتى لو كان هناك مائة معارض. المشكلة الحقيقية أننا فى زمن كل دقيقة فيه بثمن، والوقت ليس فى صالحنا بعدما تأخرنا عن بقية دول العالم كل تلك السنوات الماضية. على سبيل المثال نجد أنه فى منتصف القرن التاسع عشر، حضر اليابانيون لمصر فى عهد محمد على، للاستفادة من التقدم الذى كنا نحيا فيه ونقله لبلادهم. لقد بدأنا مع اليابان التى تم تدميرها بالكامل فى منتصف الأربعينيات، ولكن أين نحن الآن، وأين هم؟».