40 عامًا وصندوق النقد الدولى يقدم العديد من المساعدات المالية للدول التى تواجه العديد من المشاكل الاقتصادية المزمنة، ولكن بلا أى زيادة فى معدلات النمو أو الرخاء فى الدول التى لجأت إليه باعتباره الملاذ الأخير للوصول إلى توازن اقتصادى. • الابتزاز!! يكشف أرنست فولف الألمانى فى كتابه «صندوق النقد الدولى» قوة عظمة فى الساحة العالمية وترجمة عدنان عباس, ممارسات الصندوق فى العالم الثالث تعيد إلى الأذهان أبشع عصور الهيمنة وكانت أول مهمة يسعى إليها الصندوق هى النظر بإمعان فى وضع جميع الدول المشاركة بهدف تحديد إسهامات الدول الأعضاء فى رأسمال الصندوق، فنجد أنه خلال الحرب العالمية الثانية استضافت الولاياتالمتحدةالأمريكية وفودًا من 44 دولة لحضور مؤتمر «بريتون وودز» وكان الهدف المعلن من هذا المؤتمر هو صياغة أسس نظام اقتصادى جديد للعصر التالى لنهاية الحرب العالمية الثانية بحيث يضفى الاستقرار على الاقتصاد العالمى ويحول دون تكرار الأخطاء التى وقعت أثناء الحربين العالميتين الأولى والثانية.. فمنذ الثلاثينيات ذلك القرن على وجه الخصوص كان قد شهد معدلات تضخم عالية وتحققت طفرات كبيرة فى أسعار الصرف الأجنبى، وندرة ملحوظة فى معدن الذهب وتراجع النشاط الاقتصادى بأكثر من 60%، بالإضافة إلى التوترات الاجتماعية التى هددت استقرار النظام. وبدأ الصندوق عملياته برأسمال بلغ 8.8 مليار دولار أمريكى، تم جمعها من حصص دول الأعضاء التى تكونت إسهاماتها من 25% «ذهب» و75% بعملة البلد العضو وكانت الولاياتالمتحدةالأمريكية استحوذت على أكبر حصة فقد بلغ إسهامها 2.9 مليار دولار وكان هذا الإسهام ضعف إسهام بريطانيا. • خيوط العنكبوت!! ومن هنا بدأ صندوق النقد الدولى ينصب حبائله على الدول من خلال المنح والقروض فخلال العامين 1947، 1948 استدانت من الصندوق إحدى عشرة دولة فقط، وفى عام 1950 لم تطلب الاستلاف من الصندوق ولا حتى دولة واحدة، ولكن بعد هذا التاريخ زادت حدة الصندوق وأصبحت شروطه أكثر صرامة، وفى هذه الفترة ركز الصندوق أنظاره على حقل جديد من حقول نشاطه، فعلى خلفية موجة استقلال العديد من الدول الأفريقية فى مطلع ستينيات القرن العشرين أخذت البلدان التى نهب الاستعمار خيراتها وجعلها عاجزة كلية عن الوقوف على قدميها اقتصاديًا فقد انتهز الصندوق هذه الفرصة وعرض نفسه على هذه الدول كطرف مستعد لفتح نوافذ الاقتراض لها. وكعادة الصندوق يرمى شباكه على الدول التى تعانى من المشاكل ويقف على أهبة الاستعداد عارضًا مساعداته فى هيئة قروض وفى المقابل يطلب الصندوق تنفيذ إجراءات تضمن قدرة البلد المعنى على تسديد القروض، لذا ليس أمام حكومات البلدان المأزومة غير القبول بعروض وشروط صندوق النقد الدولى وإن ترتب على ذلك السقوط أكثر فأكثر فى فخ المديونية التى تحدث بسبب شروط الصندوق، وبما أن هذه الأعباء المالية «الفوائد والفوائد المركبة وأقساط تسديد الديون» تنعكس سلبًا على الموازنة الحكومية والاقتصاد الوطنى للبلاد التى لجأت للصندوق، لذلك نجد أن الصندوق يفرض برامج تقشفية لا نهاية لها ولا آخر. • التقشف!! ومن أهم السياسات التى يتبعها صندوق النقد الدولى للموافقة على تمويل الدول النامية هى نهج برنامج التقشف المالى وارتفاع الأسعار وخسارة ملايين العمال فرص عملهم وباتوا محرومين من رعاية صحية فعالة، ونظام تعليمى مناسب، ومسكن يراعى كرامة الإنسان، ولقد تسببت هذه البرامج فى ارتفاع أسعار ما يستهلكونه من مواد غذائية إلى مستويات لا قدرة لهم على تحمل تكاليفها، مما ساعد على توسيع دائرة المشردين الذين لا مأوى لهم، وعززت انتشار الأمراض وخفضت متوسط الأعمار وزادت من معدلات وفيات الأطفال، وفى المقابل فى الطرف الآخر من السلم الاجتماعى فإن الحقيقة التى لا خلاف عليها هى أن سياسة الصندوق قد جعلت الأغنياء زادوا غنى والفقراء زادوا فقرًا. حيث إن الإجراءات المدعوة من قبل الصندوق كانت عاملاً جوهريًا فى بلوغ اللاعدالة الاجتماعية فى العالم أجمع، مستويات لا مثيل لها فى تاريخ البشرية. • الأرجنتين!! وعرض المؤلف أهم التجارب التى تدخل فيها صندوق النقد الدولى بحجة الإنقاذ وتأتى على رأس هذه الدول دولة الأرجنتين التى كانت فى ثلاثينيات القرن العشرين واحدة من أغنى بلدان العالم، ولكن مع بداية الخمسينيات والستينيات سادت حالة من الركود المفزع واضطرابات اقتصادية رهيبة، وانخفضت حصة الأجور من إجمالى الناتج القومى من 43% إلى 22%، وتراجع الإنتاج الصناعى بنسبة بلغت 40% وارتفعت الديون الخارجية من 8 مليارات دولار إلى أكثر من 43 مليار دولار. وبدأ الصندوق الضغط على الحكومة الأرجنتينية لإخضاع العديد من المشاريع لعملية الخصخصة ورفع معدلات الفائدة بحجة جذب المستثمرين الدوليين، وإلغاء جميع القيود المعيقة للنشاط التجارى لتسهيل استيراد البضائع الأجنبية ومن هنا لم تفلت هذه الفرصة من الشركات المتعددة الجنسية والمصارف الغربية والمضاربين وراحوا يقطفون ثمار هذه الفرص الجديدة وتحولوا إلى رجال أعمال من أصحاب الملايين، بالإضافة إلى هذا التدهور الملموس لم يمنع صندوق النقد الدولى من الإشادة بالأرجنتين ووصفها «بالتلميذ النموذجى» والمثال الساطع على فاعلية برامج التكييف الهيكلى، فى الوقت الذى بيع فيه 40% من مجمل مشاريع الأرجنتين، و90% من مصارف البلد. ولم يأبه صندوق النقد الدولى بأن المستحوذين الجدد على المشاريع المخصخصة قد اعتادوا على مطالبة المصرف المركزى الأرجنتينى باستبدال أرباحهم المحققة بالعملات الصعبة، ودأبوا على تحويل هذه الأرصدة إلى أمريكا الشمالية وأوروبا فى الحال مما استنزف من رصيد الأرجنتين من الاحتياطى النقدى ومن هنا لم تر الأرجنتين تعافيًا منذ التقرب من صندوق النقد الدولى. • اليونان!! وأشار المؤلف فى كتابه إلى تجربة اليونان التى كانت بداية لعودة المجاعات إلى أوروبا، فمنذ عام 2009 أعلن رئيس وزراء اليونان أن عجز ميزانية بلاده سيبلغ أكثر من ضعف العجز مشيرًا إلى تعرض اليونان للإفلاس ومن هنا تدخل صندوق النقد الدولى يلزم البلاد بضرورة تنفيذ أشد برنامج تقشف واشتمل هذا البرنامج على أمور مختلفة كان من أهمها تخفيض الإنفاق العام بنسبة 10%، وتقليص الإنفاق على النظام الصحى وزيادة معدلات الضرائب، وتخفيض دخول العاملين فى القطاع العام وتسريح أكبر عدد ممكن من العاملين لدى الدولة. وعلى الرغم من هذه الإجراءات فإن الوضع ازداد سوءًا ومن هنا قدم الصندوق قرضًا لليونان يسمى «قرض الإنقاذ» يلزم اليونان بتنفيذ حزمتى تقشف جديتين تتركز نتائجهما على أصحاب الدخول المتوسطة والمتدنية أيضًا وتخفيض رواتب الموظفين مرة أخرى وتقليص فرص العمل بنسبة تصل إلى 80%. ورفع قيمة الضريبة المضافة من 21% إلى 23% حتى انتهت اليونان. ويقول مؤلف الكتاب فى النهاية إن دور الصندوق أنه لم يستخدم أسلحة أو جنودًا بل كان يستعين بوسيلة فى غاية البساطة وبواحدة من آليات النظام الرأسمالى وهى عمليات التمويل. وتابع: خلال الأعوام الخمسين المنصرمة كان صندوق النقد الدولى أكثر المؤسسات المالية تأثيرًا فى حياة جموع بنى البشر، فمنذ تأسيسه واظب الصندوق على أن تتسع دائرة نفوذه لتمتد إلى أقصى الأنحاء، فعدد أعضائه بلغ اليوم 188 دولة موزعة على 5 قارات. وعلى مدى عقود كثيرة كان الصندوق يمارس نشاطه فى أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية فى المقام الأول ثم توالت البلاد بعد ذلك. •