المنيا.. مصرع أمين شرطة في حادث انقلاب سيارة بسمالوط    «منصة مصرية عالمية للعلم والإبداع».. مدبولي يدشن الأكاديمية الدولية للعمارة    «البترول» تصدر إنفوجرافًا يوضح نجاحها في تأمين إمدادات الطاقة بالكامل    البنك الأهلي المصري يحتفل بتخريج دفعة جديدة من الحاصلين على منح دراسية بمدينة زويل    تعكس التعطش للنهل من كتاب الله.. أوقاف الفيوم: المقارئ القرآنية تشهد إقبالًا واسعًا من رواد المساجد    تجارية الجيزة: أهلاً مدارس يواصل نجاحه.. لن نسمح بتخفيضات وهمية    نائب محافظ القليوبية تُشارك في احتفالية توزيع شنط مدرسية على 200 طالب    البورصة: ارتفاع جماعي لكافة المؤشرات بمستهل تعاملات اليوم الأربعاء    وزير المالية: زيادة 80 % فى حجم الاستثمارات الخاصة أول 9 أشهر من العام المالى    كامل الوزير: مصر أصبحت قاعدة لتصنيع وتصدير المركبات الكهربائية للعالم    جامعة سوهاج تخفض رسوم برنامج بكالوريوس العلوم المصرفية ومد التقديم لنهاية سبتمبر    البنك المصري لتنمية الصادرات يطلق النسخة الجديدة من تطبيق الموبايل البنكي    نزوح كثيف لسكان غزة على طريق الرشيد الساحلي تزامنا مع العملية العسكرية الإسرائيلية    مدبولي: مصر ترحب باستضافة المؤتمر الوزاري لمنتدى الشراكة «روسيا-أفريقيا»    برشلونة يحدد ملعب يوهان كرويف لمواجهة خيتافي في الجولة الخامسة من الليجا    تشكيل الهلال المتوقع أمام الدحيل في دوري أبطال آسيا    منتخب الطائرة يخسر من الفلبين في بطولة العالم    تشكيل آرسنال المتوقع أمام أتلتيك بلباو بدوري الأبطال    منتخب مصر للكرة النسائية تحت 20 سنة يختتم تدريباته قبل السفر إلى غينيا الاستوائية    الأهلي يفاوض روي فيتوريا والمدرب البرتغالي يتحفّظ على العرض    فوق الممتازة.. وزير التعليم: معلمون وأساتذة جامعات شاركوا في وضع المناهج    ضبط مستحضرات تجميل وسجائر وسكر مجهولة المصدر في حملة تموينية بالإسكندرية    وزير التعليم: لا يوجد ربط نهائيا بين تسليم الكتب ودفع المصروفات الدراسية    ضبط 3 متهمين بتعدى على عامل داخل محطة وقود بالبحيرة    الطقس غدا.. تحسن بالأحوال وانخفاض درجات الحرارة والعظمى بالقاهرة 33 درجة    إصابة 6 أشخاص فى حادث انقلاب توك توك على طريق جمصة المنصورة    مصرع شاب بإسفكسيا الغردقة بمنطقة الشاليهات بالقصير    يسرا: فخورة أني جزء من مهرجان الجونة    "صيف قطاع المسرح" يختتم فعالياته بالاحتفال باليوم المصري للموسيقى    أيمن وتار ضيف برنامج فضفضت أوى مع معتز التوني غداً الأربعاء    خارجية السويد: الهجوم العسكرى المكثف على غزة يفاقم الوضع الإنساني الكارثى    مهرجان الجونة السينمائي يكشف عن برنامج أفلام الدورة الثامنة خارج المسابقة    هند صبري عن والدتها الراحلة: علاقتنا كانت من نوع خاص وعايشة باللي باقي منها    هل سمعت عن زواج النفحة؟.. دار الإفتاء توضح الحكم الشرعى    موعد شهر رمضان الكريم وأول أيام الصيام فلكيًا    وزارة الصحة تطلق خطة لتأهيل 20 ألف قابلة وتحسين خدمات الولادة الطبيعية    وكيل صحة الدقهلية يتفقد مستشفى دكرنس المركزي    محافظ المنيا يتابع أعمال القافلة المجانية لخدمة 5 آلاف مواطن    وزير الصحة يترأس 
لجنة الدعم الصحى والاجتماعى للجرحى والمرضى من قطاع غزة    نتيجة تقليل الاغتراب 2025.. مكتب التنسيق يواصل فرز رغبات الطلاب    أمين الإفتاء: الكلاب طاهرة وغسل الإناء الذي ولغ فيه أمر تعبدي    أستاذ فقه: الشكر عبادة عظيمة تغيب عن كثير من الناس بسبب الانشغال بالمفقود    99.1% هندسة بترول السويس و97.5% هندسة أسيوط بتنسيق الثانوي الصناعي 5 سنوات    السكك الحديدية: إيقاف تشغيل القطارات الصيفية بين القاهرة ومرسى مطروح    كرة طائرة - خسارة منتخب مصر من الفلبين في بطولة العالم    روسيا تستهدف زابوريجيا في موجة جديدة من الهجمات الليلية    ميرتس يسعى لكسب ثقة قطاع الأعمال ويعد ب«خريف إصلاحات» لإعادة التنافسية لألمانيا    مدرب الهلال: لودي اختار قراره بالرحيل.. ويؤسفني ما حدث    ترامب يستبعد شن إسرائيل المزيد من الضربات على قطر    الإفتاء تحذر من صور متعددة للكذب يغفل عنها كثير من الناس    "الأمم المتحدة" تنظم أول ورشة عمل إقليمية حول السياحة الاستشفائية في الشرق الأوسط    ترامب يعلن مقتل 3 أشخاص باستهداف سفينة مخدرات من فنزويلا    الهلال الأحمر المصري يدفع بأكثر من 122 ألف سلة غذائية عبر قافلة زاد العزة ال38 إلى غزة    سفير إيطاليا بالقاهرة: نتشارك مع مصر في تعاون ممتد في مجال العمارة والعمران    القومي لذوي الإعاقة وتنظيم الاتصالات يوقعان بروتوكول تعاون لتعزيز الخدمات الرقمية    الصحة: حل جميع الشكاوي الواردة للخط الساخن 105 استطاع خلال أغسطس الماضي    تعرف على برجك اليوم 2025/9/16.. «العذراء»: ركّز على عالمك العاطفى .. و«الدلو»: عقلك المبدع يبحث دومًا عن الجديد    مدرب بيراميدز: لا نخشى أهلي جدة.. وهذا أصعب ما واجهناه أمام أوكلاند سيتي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خبير عالمى فى دراسة مهمة يكشف آليات «النقد الدولى» العالمية.. صندوق الفقر الدولى!
نشر في الأهرام العربي يوم 07 - 08 - 2016


أحمد السيوفى

لاعب رئيسى فى «صناعة الأزمات» حول العالم

أنهى حكم الرئيس «سالفادور» فى تشيلى بمساعدة ال «سى. آى .إيه» وسلم السلطة أوجستو بنيوشيه

سياساته حولت يوغوسلافيا إلى أكثر الدول الأوروبية مديونية مما أدى إلى تفككها

فى نفس الأسبوع الذى تزور فيه مصر بعثة صندوق النقد الدولى، يعرض باعة الصحف المصرية كتابا من إصدارات سلسلة عالم المعرفة التى تصدر فى الكويت يحمل عنوان (صندوق النقد الدولى.. قوة عظمى فى الساحة العالمية) تأليف أرنست فولف وهو ألمانى درس فى الجامعات الأمريكية، وعمل صحفيا ومترجما واهتم بالعلاقة بين الاقتصاد والسياسة ورصد الأزمات المالية العالمية واهتم كثيرا بدور صندوق النقد فى إدارة الأزمات، وترجم الكتاب المهم الدكتور عدنان عباس الحاصل على الدكتوراه فى العلوم الاقتصادية من جامعة فرانكفورت، وله دراسات عديدة فى الاقتصاد وبرامج صندوق النقد ومخاطر هذه السياسات على الدول النامية، مما يعطى لهذا الكتاب أهمية كبيرة.
المؤلف يبدأ فصله الأول بعنوان «مؤتمر بريتون دودز»، حيث يرى المؤلف أن الولايات المتحدة استضافت 44 دولة عقب نهاية الحرب العالمية الثانية فى يوليو عام 1944م الذى استمر ثلاثة أسابيع، واستغلت أمريكا انسحاب بريطانيا من دورها الإمبراطورى وعجزها عن تسديد مديونيتها بعد أن أرهقت ميزانيتها من جراء الحرب، وأصبحت الولايات المتحدة أكبر دائن بعد الحرب، وأصبح لديها ثلثا رصيد الذهب فى العالم، وتنتج ما يزيد على نصف الإنتاج الصناعى العالمى، وفى هذا الوقت شنت أمريكا هجومين نوويين على اليابان وأوروبا كلها كانت تعانى من أزمات مالية بسبب الحرب فى ظل هذه الأجواء، وفى ظل الخلل فى موازين القوى تم تشكيل مؤسسة صندوق النقد الدولى التى تأسست على أن يتمحور النظام النقدى العالمى حول الدولار، وأن يكون الدولار هو الأساس فى تحديد قيمة بقية العملات العالمية ونجح الدولار فى إزاحة الجنية الإسترلينى، واستطاعت واشنطن أن تضمن لنفسها الهيمنة المطلقة للتأثير فى القرارات الصادرة من مؤسسة صندوق النقد الدولى، وفى نهاية ديسمبر 1945 صادقت 29 حكومة على اتفاق الصندوق، وفى عام 1946 شارك ممثلو 34 دولة فى مدينة سافانا لحضور أول اجتماع لمحافظى صندوق النقد الدولى والبنك الدولى، وأصبح للولايات المتحدة حق التصويت المرجح ويجوز لها حق النقض (الفيتو) فى كل عمليات التصويت، وقد استحدث الصندوق مبدأ المشروطية وهو أن الموافقة على التمويل من الصندوق لأى دولة تطلب الموافقة على الشروط التى يضعها الصندوق، وأن منح أى دولة قرضاً يجب أن تسبقه شهادة حسن سير وسلوك تعطى للدول التى نفذت جميع المعايير والشروط المطلوبة منها، وفى المحصلة فإن الشروط والمعايير بالقطع لها أهداف سياسية، وفى كل الأحوال هى لا تلتفت إلى أى بعد اجتماعى. وفى عام 1956 شهدت باريس اجتماعا بين الصندوق والدول الدائنة، وقد شهدت باريس سلسلة من الاجتماعات بين الصندوق والدول الدائنة وبعض الدول المدينة، فتولد عن ذلك ما صار يعرف ب ( نادى باريس) الذى أصبح هو الآخر يمثل قوة تأثير وهيمنة على كثير من الدول.
استعرض المؤلف الدور التخريبى للصندوق على حد وصف المؤلف، وبدأ بالانقلاب العسكرى الذى وقع فى تشيلى عام 1973 فأنهى حكم الرئيس الاشتراكى سالفادور الليندى بمساعدة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وسلم السلطة إلى الديكتاتور الفاشى أوجستو بينوشيه، وكانت تشيلى كغيرها من الدول تعانى من أزمة اقتصادية عنيفة، وتم الاتفاق بين حكومة تشيلى العسكرية وعدد من الاقتصاديين الأمريكيين بقيادة ميلتون فريدمان الاقتصادى الأمريكى الحائز على جائزة نوبل، وتم الاتفاق بين الطرفين على أن يتكفل بينوشيه بقمع كل ضروب المعارضة السياسية والنقابات العمالية والقضاء على كل أنواع الإضرابات والانتفاضات العمالية فيما يقوم هؤلاء الاقتصاديون بصياغة برنامج يسترشد بأسس الأفكار الليبرالية الحديثة ويفرض على البلاد تقشفا ماليا عنيفا يقضى بخفض الكمية النقدية المتداولة على نحو صارم وفعال، وعلى ضرورة خفض الإنفاق الحكومى وتسريح أكبر قدر من الموظفين الحكوميين وتنفيذ الخصخصة فى القطاعين الصحى والتعليمى وضرورة خفض أجور العاملين وزيادة المعدلات الضريبية وخفض الضرائب الجمركية وسمى البرنامج بعلاج الصدمة، ونفذ الطرفان ما اتفقوا عليه وكل هذا بطبيعة الحال لصالح صندوق النقد الدولى ونفذ بينوشيه ما اتفق عليه وقمع الاحتجاجات بشكل وحشى فادت هذه الإجراءات العنيفة إلى زيادة معدل البطالة من 3% حتى وصلت إلى 18.7% وبلغ معدل التضخم فى الفترة الزمنية نفسها 341% وتعاظم الفقر، وخصوصا أفقر الفقراء الذين يعيشون تحت خط الفقر وأفرز هذا البرنامج تفاقم نسبة التفاوت الاجتماعى حتى إن عام 1980 استحوذ 1% من سكان تشيلى على 36.5% من الدخل القومى، بفعل برنامج صندوق النقد الدولى الذى من المفترض أن يكون برنامجا للإصلاح الاقتصادى كما زعم الصندوق وفى عام 1989 سيطر هؤلاء على 46.8% كما انخفضت حصة الفقراء من بقية الشعب من 20.4% إلى 16.8% وبرغم هذه الإجراءات الاقتصادية التى قادت إلى مزيد من الأزمات، وبرغم من الإجراءات الوحشية التى مارسها بينوشيه ضد معارضيه، فإن الصندوق قد ضاعف من قروضه إلى تشيلى، ثم ينتقل بنا المؤلف إلى الفصل الخامس الذى يتحدث فيه عن الديون فى أمريكا اللاتينية فيقول: إن الصندوق تحول إلى لاعب دولى رئيسى فى إدارة الأزمات، فيرى أن الأسلوب الذى انتهجته المصارف الدولية فى عمليات الإقراض سجلت ديونها زيادة قدرها 600% كما بلغت نسبة زيادة خدمة الدين 1.100% ففيما كان إجمالى ما فى ذمة دول أمريكا اللاتينية من ديون أجنبية لا يزيد على 75 مليار دولار عام 76 ارتفع إجمالى هذه الديون عام 1980 ليصل إلى ما يزيد على 314 مليار دولار بفعل انتشار الكساد، حتى إن العملة المكسيكية البيزو خسرت ما يساوى 67% من قيمتها.
وفى ديسمبر من العام 1982 أعلنت البرازيل أيضا تعليق تسديد أقساط خدمة ديونها الدولية، كما كانت الحال فى مجمل أمريكا اللاتينية، فيرى المؤلف أن هدف الصندوق فى المقام الأول ليس مساعدة الاقتصاد المكسيكى أو البرازيلى على تخطى الأزمة والتعافى من ويلاتها، بل كان يرتكز على تمكين الصندوق نفسه بغير مبالاة وبلا رحمة، ونظرا لتفاقم أزمة الديون على نحو مطرد اضطرت 16 دولة من دول أمريكا اللاتينية إلى إعادة هيكلة ديونها، علما بأن دول المكسيك والبرازيل وفنزويلا والأرجنتين كانت ديونها مقابل قطاع المصارف التجارية قد بلغت 176 مليار دولار أمريكى، وأن 37 مليار دولار كانت ديونا لمصلحة أربعة مصارف تجارية أمريكية، وارتفعت ديون الدول النامية مقابل المصارف التجارية إلى 239 مليار دولار أمريكى وفى كل المرات يتدخل الصندوق باعتباره فرقة مطافىء تمارس عملها على مستوى العالم أجمع، وأخذ يكره بلدا بعد آخر على الانصياع لبرنامج التكيف الهيكلى المعد من قبل الصندوق، ثم يتم إقرار الإجراءات المطلوبة فى رحاب نادى باريس وترتب على قرارات نادى باريس ارتفاع هائل فى التفاوت الاجتماعى السائد على المستوى العالمى.
وفى عام 1985 اجتمع وزير الخزانة الأمريكى جيمس بيكر فى إدارة الرئيس ريجان، مع رئيس البنك المركزى الأمريكى بول فولكر، خطة عرضها على الاجتماع السنوى لصندوق النقد الدولى المنعقد فى سول عاصمة كوريا الجنوبية بحضور خمس عشرة دولة من بينها عشر دول فى أمريكا اللاتينية كانت فى ذمتها ديون مجموعها 437 مليار دولار، مشيرا فيها إلى ضرورة منح هذه الدول قروضا بحدود 47 مليار دولار على مدار ثلاث سنوات، 20 مليارا من المصارف الأهلية و27 مليارا من البنك الدولى، ومنيت خطة بيكر بفشل واضح، حيث جرى على مدار عامى 1980 إلى 1993 فى 70 بلدا ناميا تنفيذ 566 برنامجا من برامج التكيف الهيكلى وبرامج التثبيت الاقتصادى، مما أدى إلى مزيد من الخراب.
لقد انتقل بنا المؤلف إلى الفصل التاسع الذى عنونه بعنوان يوغسلافيا: الصندوق يمهد للحرب ويرعاها فيقول: لقد كتب الصندوق فصلا من الفصول المثيرة للشجون وآلالام فى تاريخ أوروبا وفى تاريخ جمهورية يوغسلافيا الاشتراكية (سابقا) فبين ثمانينيات وتسعينيات القرن المنصرم لم يشارك الصندوق بنحو فاعل فقط فى دفع شعب تعداده 24 مليون نسمة إلى التهلكة وحياة البؤس والحرمان، بل قدم مساعدات فعالة لتفكيك دولة متعددة الأعراق والأجناس ولإشعال فتيل صراعات دموية على الأرض الأوروبية بعد ويلات الحرب العالمية الثانية، فقد تأسست ييوغسلافيا عام 1945 من ست جمهوريات هى سلوفينيا وكرواتيا والبوسنة والهرسك والجبل الأسود وصربيا ومقدونيا وكوسوفو وفويفودينا، حيث سجل الاقتصاد اليوغسلافى ازدهارا كبيرا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ولكن لأن قدرة السلع الصناعية والزراعية اليوغسلافية على المنافسة كانت ضعيفة، من ثم لم تحصل يوغسلافيا من العملات الأجنبية ما يسد حاجتها لخفض ارتفاع ديونها الخارجية التى كانت عام 1970 مليارى دولار فقط ارتفعت عام 1980 إلى 18 مليار دولار، فأصبحت تزيد على ربع الدخل القومى، فأدى ذلك إلى ارتفاع معدلات التضخم وقد عزم عدد من المصارف الغربية، وامتنعوا عن منح يوغسلافيا قروضا جديدة، فتدخل صندوق النقد الدولى فاقرض يوغسلافيا فى إطار ما يسمى اتفاقيات الاستعداد الائتمانى مطالبا إياها فى المقابل بضرورة زيادة الصادرات وخفض معدل التضخم وتقليص الإنفاق الحكومى، ولأن تنفيذ هذه الإجراءات استغرق أمدا طويلا، لذا تفاقم الوضع بصورة متسارعة وحينما بدت فى الأفق بعد فترة وجيزة من الزمن، نذر إعلان يوغسلافيا عجزها عن خدمة ما بذمتها من ديون اتخذت الولايات المتحدة عبر سفيرها فى بلجراد لورانس إيجلبرجر التدابير، لأن تتكاتف الأمم الصناعية الغربية مع المصارف التجارية وصندوق النقد الدولى لتؤسس رابطة أصدقاء يوغسلافيا، ونفذت هذه الرابطة فى عام 1983 أول إعادة جدولة لديون البلاد وفى سياق هذه الأزمة وافق صندوق النقد على منح يوغسلافيا قرضا قيمته 600 مليون دولار، حيث أعطى الصندوق أكبر قرض قد منحه لبلد من قبل على أن تتحمل الحكومة اليوغسلافية مسئولية تسديد قروض حصلت عليها من حكومات مختلفه قيمتها 5.5 مليار دولار وقروض أخرى فى ذمة القطاع الخاص قيمتها 10.9 مليار دولار، حيث أجبرت الولايات المتحدة والصندوق المشاريع اليوغسلافية على أن تتولى تسديد الديون الخارجية بغض النظر عن الظروف المالية السائدة فى كل هذه المشاريع وهكذا دفعت المشاريع اليوغسلافية للمصارف من عليها من أموال على الرغم عجزها من دفع أجور العاملين لديها، ولم تكن النتائج المتوقعة فقط هى التى حدثت بل ما حدث هو ما كان مقصودا عن عمد، فالمصانع انهارت بالجملة والبطالة تفاقمت بشكل كبير والأجور انخفضت بمعدل بلغ 40% حتى عام 1985 وعوضا عن بلوغ الهدف الذى زعم صندوق النقد، أنه يسعى لتحقيقه وهو خفض مستوى الديون تحقق عكس ذلك تماما وتحولت يوغسلافيا إلى أكثر الدول الأوروبية مديونية، واحتلت وفق مصادر البنك الدولى المرتبة السابعة فى قائمة الدول الأكثر مديونية والأعلى مديونية فى العالم، جاء تسلسلها بعد البرازيل والمكسيك والأرجنتين ونيجيريا والفلبين وفنزويلا، وأدى تدهور الأوضاع الاقتصادية، ومن ثم تدهور أحوال الفقراء بين بعض الجمهوريات، إلى اللعب على أوتار القومية ونغمات التوجهات الانفصالية وتدخل صندوق النقد مرة أخرى وقدم ليوغسلافيا قرضا قيمته 300 مليون دولار مع مراقبة صارمة فى إطار جدولة الديون للمرة الرابعة فأدى ذلك إلى تهريب رءوس الأموال خارج البلاد وواصل معدل البطالة ارتفاعه بنحو مطرد، وتم توجيه القطاع الأكبر من المال لخدمة الدين، فشهدت البلاد شحا ملحوظا فى المواد الغذائية وتفاقم التدهور الاقتصادى وتعرضت البلاد مرة أخرى لعجز التسديد للديون، مما أغرق البلاد مجددا فى سلسلة الاضطرابات، حيث بلغت جولات الاحتجاج إلى نحو 400 حالة احتجاج، ولقد تكاتفت قيادات البلاد مع الصندوق لدفع البلاد إلى السقوط وسمح للشركات الغربية بالدخول فى شراكة وملكية المشاريع الحكومية فى إطار شركات محاصصة أى شركات مشتركة، مسموح لها بالاستثمار فى الصناعات والقطاع المصرفى فى إطار غزوات نهب وسلب لمقدرات البلاد، حيث قاد هؤلاء نحو 250 مصنعا إلى هاوية الإفلاس، وتم تفتيت العديد من الشركات والمصانع ثم التخلص من 89.400 عامل وففى عام 1990 انهارت مشروعات أخرى بلغت نحو 900 مشروع وخسر ما يزيد على نصف مليون عامل فرص عملهم وطبقا لتصويات صندوق النقد تم تجميد الأجور عند المستوى التى هى عليه فوصل معدل التضخم إلى 70% فانخفضت الظروف المعيشية وسرعان ما تعالت النبرات القومية المتطرفة فى جميع أرجاء البلاد واستقطبت مزيدا من المؤيدين، وبدأت الدولة تنهار وتتفكك دولة دولة. وفى يونيو عام 1991 أعلنت كرواتيا وسلوفينيا استقلالهما فهاجم الجيش الشعبى اليوغسلافى سلوفينيا ودارت حرب شرسة استغرقت عشرة أيام ثم تحولت رحى الحرب صوب كرواتيا واتسعت دائرتها عام 1992 فشملت البوسنة وظلت حتى عام 1995، فتجاوب صندوق النقد مع التطورات التى وقعت فى يوغسلافيا وجمد عضويتها واستقبل سلوفينيا وكرواتيا كأعضاء جدد وهلما جرا.
ثم ينتقل المؤلف بنا إلى الفصل العاشر الذى يتحدث فيه عن الأزمة الآسيوية.. الصندوق يبرهن على جبروته فيقول: إن الاقتصاديات الآسيوية سجلت فى ستينيات القرن الماضى وأتاحت للمستثمرين الدوليين فرصا استثمارية تغدق أرباحا تتزايد بشكل مطرد، ومارست وزارة الخزانة الأمريكية وبعض المؤسسات الدولية ضغوطا على هذه البلدان لتسهيل حركة رأس المال الأجنبى دون عوائق، وهذه الضغوط دفعت دول المنطقة إلى تنفيذ عملية تحرير نشأ عنها بلوغ الحجم الكلى لقروض المصارف الأجنبية فى إندونسيا وكوريا الجنوبية والفلبين فقط أكثر من 260 مليار دولار حتى نهاية عام 1996 واشتلمت هذه القروض على قروض قصيرة الأجل كانت نسبتها تتراوح بين 50 ال 67% علما بأن هذه القروض لم تستثمر فى الاقتصاد الحقيقى بل جرى استثمارها كنقود أو أموال ساخنة فى شراء أسهم الشركات والعقارات المختلفة، وفى تلك المجالات التى تدر أعلى ربح بأسرع وقت وتسببت هذه السياسة، فى ارتفاع رهيب لأسعار العقارات، وجنى المستثمرون الأجانب من جراء ذلك أرباحاً كبيرة بفضل رفع معدلات الفائدة المفروضة على مناحى الاستثمار وهذه المخاطر تحملتها المصارف الآسيوية التى عانت منها، كما لم ير صندوق النقد له أى مسئولية للتحذير من مخاطر هذه السياسة بل إنه شجعها وقد نشر صندوق النقد فى سبتمبر 1997 نشرة قال فيها إن تدفق رءوس الأموال الخاصة أمسى عظيم الشأن بالنسبة إلى النظام النقدى الدولى وأن النظام الليبرالى المشرع الأبواب بنحو متصاعد، أثبت أنه النظام الأفضل للاقتصاد العالمى.. وقد نشر هذا البيان فى وقت تزامن مع مضاربة الملياردير الأمريكى جورج سورس على الباث التايلندى وبعد فترة وجيزة تلاحق الأحداث على نحو متسارع، فقد انفجرت أزمة العقارات وتعين تخفيض سعر صرف الباث (العملة التايلندية) عدة مرات، وسحب المستثمرون الأجانب رءوس أموالهم على نطاق واسع، وسرعان ما انطلقت عدوى الوضع المضطرب إلى دول أخرى آسيوية فغادرتها رؤوس الأموال بمقادير غير مسبوقة، وفى خلال فترة وجيزة تحول الجهاز المصرفى لكثير من الدول الآسيوية إلى حطام لعدم توافر النقد الأجنبى، وتدخل الصندوق وتم تسريح 30 ألف موظف عام 1997 وتصفية 56 مؤسسة مالية وتخفيض المصروفات الحكومية ولحقت إندونيسيا بتايلاند فراحت تصفى 16 مصرفا، ورفعت معدل الفائدة على رأس المال الأجنبى إلى 80% لجذب المستثمرين ولم تسهم هذه الإجراءات فى نشر الاستقرار، وتدخل الصندوق لتأمين ممثلى رأس المال الدولى وهم ممثلو مؤسسات أمريكية ليضمن لهم استرداد أموالهم وحصد الأرباح المنشودة، وقد أدى هذا الإجراء إلى إفلاس العديد من المشروعات الاقتصادية ومنها قطاعات إستراتيجية أصبحت فى متناول المستثمرين الأجانب، وهذه المخاطر انتقلت أيضا إلى كوريا الجنوبية بعد أن كانت حققت تطورا اقتصاديا وبعد أن كانت تمثل قوة احتلت المرتبة الحادية عشرة فى قائمة كبرى القوى الاقتصادية فى العالم وبلغ معدل النمو فيها إلى 7% وعندما اتجهت كوريا إلى الاقتراض أسفرت عملية الاقتراض عن ارتفاع مديونية كوريا 44 مليارا عام 93 فأصبح 120 مليار دولار عام 1997 وحاولت اليابان ودول النمور إنشاء صندوق لدعم الدول الآسيوية من مائة مليار دولار تدفعها الصين واليابان وتايوان وسنغافورة وهونج كونج، ولكن هذا المقترح نجحت وزارة الخزانة الأمريكية فى إجهاضه، وبعد شهرين فقط انهارت بورصة سيول عاصمة كوريا الجنوبية، وشرع مضاربون من دول مختلفة على المضاربة على سعر العملة الكورية، وحاول المصرف المركزى الكورى وقف هذه المضاربات، ولكنه فشل فى ذلك وتدخل الصندوق وقدم أكبر قرض فى تاريخه يبلغ 58.4 مليار دولار هو والبنك الدولى بمشاركة الاتحاد الأوروبى والإدارة الأمريكية واليابان، والتزمت حكومة كوريا بتنفيذ برنامج تكيف هيكلى، ويتضمن مائة شرط ومربوطاً برقابة الدول المانحة منها حظر البنك المركزى من تمويل المشاريع أو المصارف الكورية المتعثرة وسمح للمؤسسات الغربية بامتلاك المؤسسات الكورية وارتفع سعر الفائدة إلى 40% وقد أدت هذه الإجراءات إلى انهيار 14 شركة من أصل 30 شركة عملاقة وقد فتح هذا المجال لدخول الشركات الغربية الكبرى إلى الساحة الكورية، فأدى ذلك إلى خضوع كوريا لتبعية الشركات الغربية ولا يوجد لديها أى هامش للمناورة، تلك كانت أهم الكوارث التى نتجت عن تدخل صندوق النقد فى كثير من دول العالم، وفى الحلقة المقبلة نتعرض لبقية الكتاب، ونستعرض منهج الصندوق فى مكافحة الفقر وما نجم عن هذه السياسة ودور الصندوق فى العديد من الأزمات الدولية وعلى رأسها الأزمة الأرجنتينية وانهيار الجهاز المصرفى فى إيسلندا، وتصاعد الفقر فى إيرلندا، وكذلك دوره فى أزمة اليورو، وخصوصا اليونان وقبرص وما يتوقع أن تشهده ألمانيا من أزمات بفعل الصندوق فإلى الحلقة المقبلة بإذن الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.