"الشناوي قد يلحق بمباراة الاتحاد".. يلا كورة يكشف حالة المصابين في الأهلي    الجمعة العظيمة: محاكمة وصلب المسيح وختام أسبوع الآلام    وكيل أوقاف الشرقية في خطبة الجمعة: الأوطان تبنى بيد الشرفاء والمخلصين    إعلان الفائزين بالمؤتمر السنوي العلمي الرابع للدراسات العليا بهندسة القناة (صور)    جولد بيليون: البنوك المركزية العالمية تشتري 16 طن ذهب خلال مارس2024.. تفاصيل    الكرتونة ب 80 جنيها، مبادرة جديدة في الشرقية لتخفيض أسعار البيض (فيديو وصور)    الإسكان تطرح أراضى للتخصيص الفوري بالصعيد، تفاصيل    القصير يبحث آفاق التعاون المصري القطري في الزراعة والأمن الغذائي    الشرقية تسترد 7 أفدنة و2317 مترًا من أملاك الدولة والزراعات    نائب وزير التخطيط يفتتح أعمال الدورة الثالثة للجنة تمويل التنمية في الدول الأعضاء بالإسكوا    الدفاعات الجوية الإسرائيلية تعلن اعتراض طائرة مسيرة أطلقت من لبنان    30 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى    سموتريتش: "حماس" تبحث عن اتفاق دفاعي مع أمريكا    السفيرة مشيرة خطاب تشيد بقرار النائب العام بإنشاء مكتب لحماية المسنين    متسابقون من 13 دولة.. وزير الرياضة يطلق شارة بدء ماراثون دهب الرياضي للجري    وحدات سكنية وهمية.. ضبط سيدة استولت على أموال المواطنين ببني سويف    ضبط 299 قضية مخدرات وتنفيذ 63 ألف حكم قضائى خلال 24 ساعة    ب«تفعيل الطوارئ».. «الصحة» بالقليوبية: عيادات متنقلة بمحيط الكنائس خلال احتفالات عيد القيامة    إصابة 6 سيدات في حادث انقلاب "تروسيكل" بالطريق الزراعي ب بني سويف    الثانوية العامة 2024| مواصفات أسئلة الامتحانات    مركز السينما العربية ينظم 5 فعاليات مهمة في مهرجان كان    تعرف على إيرادات فيلم السرب في السينمات خلال 24 ساعة    شاهد.. جدار تعريفى بالمحطات الرئيسة للحج بمعرض أبو ظبى للكتاب    في الذكري السنوية.. قصة الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة    فريدة سيف النصر تكشف سبب تسمية سمير غانم لها ب "فريدة سيف الرقص"    دعاء الهداية للصلاة والثبات.. ردده الآن تهزم شيطانك ولن تتركها أبداً    صور الأمانة في المجتمع المسلم.. خطيب الأوقاف يكشفها    ماذا قدمت الصحة المصرية للمصابين الفلسطينيين؟.. علاج 13 ألف من أشقائنا في غزة بالمستشفيات المصرية.. وتقديم 11 ألف جلسة دعم نفسي    أستاذ أمراض القلب: الاكتشاف المبكر لضعف عضلة القلب يسهل العلاج    الصحة: تقديم 10 آلاف و628 جلسة دعم نفسي ل927 مصابا فلسطينيا منذ بداية الحرب    التضامن تكرم إياد نصار عن مسلسل صلة رحم    فرص عمل في 55 شركة.. شروط شغل الوظائف في القطاع الخاص براتب 6000 جنيه    علام يكشف الخطوة المقبلة في أزمة الشحات والشيبي.. موقف شرط فيتوريا الجزائي وهل يترشح للانتخابات مجددا؟    «الإفتاء» تحذر من التحدث في أمور الطب بغير علم: إفساد في الأرض    تركيا: تعليق التجارة مع الاحتلال حتى وقف إطلاق نار دائم في غزة    توريد 107 آلاف و849 طن قمح لصوامع وشون كفر الشيخ    نقيب المهندسين: الاحتلال الإسرائيلي يستهدف طمس الهوية والذاكرة الفلسطينية في    برشلونة يستهدف التعاقد مع الجوهرة الإفريقية    صحف إيطاليا تبرز قتل ذئاب روما على يد ليفركوزن    رئيس البرلمان العربي: الصحافة لعبت دورا مهما في كشف جرائم الاحتلال الإسرائيلي    الفلسطينيون في الضفة الغربية يتعرضون لحملة مداهمات شرسة وهجوم المستوطنين    البنتاجون: نراقب الروس الموجودين في قاعدة يتواجد فيها الجيش الأمريكي في النيجر    قصور الثقافة: إقبال كبير على فيلم السرب في سينما الشعب.. ونشكر «المتحدة»    أيمن سلامة ل«الشاهد»: مرافعة مصر أمام العدل الدولية دحضت كافة الأكاذيب الإسرائيلية    الوزراء: 2679 شكوى من التلاعب في وزن الخبز وتفعيل 3129 كارت تكافل وكرامة    "مضوني وسرقوا العربية".. تفاصيل اختطاف شاب في القاهرة    إصابة 6 أشخاص في مشاجرة بسوهاج    أسعار الفراخ اليوم الجمعة 3-5- 2024 بعد انخفاض الكيلو في بورصة الدواجن    مصر أكتوبر: اتحاد القبائل العربية يعمل على تعزيز أمن واستقرار سيناء    واعظ بالأزهر ل«صباح الخير يا مصر»: علينا استلهام قيم التربية لأطفالنا من السيرة النبوية    وزير التنمية المحلية يهنئ محافظ الإسماعيلية بعيد القيامة المجيد    رئيس اتحاد الكرة: عامر حسين «معذور»    عبد المنصف: "نجاح خالد بيبو جزء منه بسبب مباراة ال6-1"    هل مسموح للأطفال تناول الرنجة والفسيخ؟ استشاري تغذية علاجية تجيب    تشكيل الهلال المتوقع أمام التعاون| ميتروفيتش يقود الهجوم    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدد المرات.. اعرف التصرف الشرعي    الناس لا تجتمع على أحد.. أول تعليق من حسام موافي بعد واقعة تقبيل يد محمد أبو العينين    «تحويشة عمري».. زوج عروس كفر الشيخ ضحية انقلاب سيارة الزفاف في ترعة ينعيها بكلمات مؤثرة (صورة)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المعتمد السامي «أقنوم» الشرق الأوسط
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 20 - 05 - 2010

في الحلقة التليفزيونية التي قدمها هيكل يوم 1 ديسمبر 2005 بعنوان هيكل: تغيرات الشرق الأوسط، حكي الرجل فيها عن نفسه كثيرا، وكأنه هو الذي خلق الشرق الأوسط، وأنه لا يتجزأ من تغيرات الشرق الأوسط، وكنت أتمني عليه أن يعنون حلقته بتغيرات شخصية هيكل، إن رضي قبول التحدث عن نفسه كثيرا، ولم أقبل أبدا خلط نفسه بالأحداث التي لم يقتصر فيها علي مصر، بل جعل من نفسه محورًا للشرق الأوسط بطوله وعرضه.. ولا أدري كيف يتحمل الرجل نفسه، وهو يعيش بمثل هذه النرجسية العالية؟ وكّنا سنتفهم تفاصيل ما يحكيه عن نفسه، كوننا عرفنا سيكولوجيته، ولكن أن يجعل من نفسه اقنوما يتماشي مع متغيرات الشرق الأوسط.. فهذا أمر يخرج عن كل سياقات المؤلفين والصحفيين الذين عرفنا سيرهم! إن تعامل هيكل مع مفاهيم ومصطلحات كبيرة ليلصقها بنفسه كونه يقدم "أوراق اعتماد" أو تعتمد الناس علي ما يقدمه من "خطاب اعتماد".. هو خروج فاضح عن أدبيات المؤلفين والكتّاب والصحفيين.. حتي وإن شعر نفسه بأنه هو الأفضل في تشكيلة الصحفيين العالميين.. وهو ليس الأفضل حتي بالمقارنة مع غيره من كبار الصحفيين العرب والمصريين بالذات! دعونا نستكشف من جديد خبايا هذا الرجل الذي كّنا نتمني عليه أن يكون اكثر تواضعا مما هو عليه اليوم!
قناة الجزيرة تتحمل المسئولية كاملة
يبدأ حديثه بقوله:
نحن هذه الليلة أمام مجموعة جديدة من تجربة حياة وفي واقع الأمر فقد كان في نيتي أن أترك مسافة بين المجموعات، لأنه كل مجموعة منها تشتمل علي مرحلة معينة من التجربة وفي الحلقات الماضية.. في المجموعة الماضية والتي بلغت واحد وعشرين حلقة تحدثت عن مرحلة وانتهت هذه المرحلة وكان في خيالي أو في تصوري لو أننا سوف ننتظر فترة شهورا حتي نعود ونستأنف، لكن أصدقاءنا في الجزيرة ألحوا وبشدة وكان لابد أن نستجيب وبالتالي فأنا بأعتذر إذا بدي الإلحاح شديدا والعجلة لا تنتظر، هذه الليلة.. (نص هيكل).
لا أعتقد أبدا أن هيكل بمقدوره أن يترك مسافة بين المجموعات، كونه لا يستطيع أن يبقي ضمن موضوع محدد واحد ضمن الذي أسماه، أو أسموه له تليفزيونيا ب"تجربة حياة"، ولا أعرف ما سر العجلة، وكل عمل ترافقه العجلة، فإن نواقص وأخطاء ستلحق به ، مهما حاول صاحبها أن يعتذر ويقدم لنا فيها تبريراته، ونحن ندرك بما لا يقبل مجالا للشك أن المسئولية ستقع علي صاحب النص، ولن تكون أبدا مسئولية محطة الجزيرة التي كانت ولم تزل تطلب منه المزيد.. وإذا ما جاوبه الرجل بالنقد، فإن الجزيرة لا تتحمل مسئولية ما وقع فيه الرجل من أخطاء وتجاوزات، إلا في حالة واحدة أن تسمح لمن يجابه الرجل بما ارتكبه اذاعته، فالجزيرة هنا، تتحمل مسئوليتها الإعلامية والتاريخية في الذي يقدمه هيكل أو غيره علي شاشتها.. ولن تفعل الجزيرة أبدا أن أظهرت من يقول لها علي شاشتها إن هيكل يرتكب جملة هائلة من الأخطاء التي ستؤثر كثيرا علي تكوين جيل كامل من الذين سيعتمدونه في كل ما يقوله وتذيعه أو تبثه قناة الجزيرة.. والناس تعلم أن قناة الجزيرة تؤمن حسب ما تقول بالرأي والرأي الآخر، وهي تحرص في المقابلات التي تجريها مع غير هيكل بمثل هذا الأسلوب، فلماذا جعلت من هيكل وحيدا علي شاشتها في إلقاء ما يريد قوله، من دون أن تفسح المجال لغيره ألا يبادله الرأي حسب امام العالم، بل ليحاوره ويجادله في أفكاره، وينتقد معلوماته ومنهجه.. ليصغي العالم، ولو لمرة واحدة كيف يدافع هيكل عن نفسه، بدل استحواذه علي الشاشة لوحده أو هروبه من ميدان المواجهة أمام الملايين، ونحن نعلم والدنيا كلها تعلم (وبضمنها قناة الجزيرة الفضائية) كم غرقت مواد هيكل التليفزيونية بالأخطاء التاريخية والعلمية.
أي أن الجزيرة تتحمل مسئولية إعلامية باستقطابها طرفا واحدا دون أي أطراف أخري، لا أقول توازيه في الذي يحمله من ثقافة، بل تتفوق عليه معرفيا وعلميا وحتي إعلاميا. والتفت إلي هيكل لأقول إنك تهرب من مواجهة الحقائق النقدية، بمعني أنك تصّر علي أخطائك التي لا يمكن إلا أن يعرفها ككل الناس.. إن المسألة، ليست هي العجلة وما يريده منك فلان أو علان، بل لأنك مصر علي خلط الأوراق دائما، فإن تاهت علي المشاهدين والمتابعين الكرام جملة هائلة من الأخطاء، فإنها لن تخفي علي المختصين والمؤرخين الموثوقين الذين صرفوا أعمارهم في البحث عن حقائق الأشياء.
علامات وتحقيقات
يتابع هيكل مشكلته قائلا: "هذه المجموعة التي أتحدث عنها في هذه الليلة تختلف اختلافا كبيرا جدا عن المجموعة السابقة والسبب واضح، المجموعة السابقة كان عنوانها علامات وكنت أتحدث عن مشهد أطل عليه جيلي ورأي عليه علامات وعرضت بعض هذه العلامات وعلي أي حال في قرابة نهاية هذه المرحلة كنت قد اقتربت بشكل أو آخر من الحياة السياسية التي كنت قد انتقلت إليها من التحقيقات ومن تغطية الحروب إلي آخره ولكن جاء هذه المرة أن أتحدث عن مرحلة تالية وهي مرحلة لم أكن فيها مجرد مراقب ولكن قضت الظروف وسوف أتحدث عن هذه الظروف فيما بعد أن أكون قريبا جدا إلي درجة أنني أستطيع أن أقول إنني عبرت الجدار الفاصل ما بين صحفي وما بين.. ما بين صحفي مراقب وما بين صحفي اقترب إلي درجة تمكنه من ملامسة الأشياء تقريبا .. " (نص هيكل).
لم أجد أي فروق وأنا اتابع حلقاتك التي وصفتها ب"المجموعات"، أو أخري التي تريد تقديمها ك"تحقيقات". إنك لم تقدم علامات، والعلامات كما نعرفها من توصيفاتها هي مجرد رموز.. لم تقدم مجرد علامات، بل كنت قد اسهبت واطلت وشخصت وتحدثت طويلا عن أشياء لا تعد ولا تحصي، وبطبيعة الحال، إنك كلما تطيل وتسهب كعادتك، فإنك توقع نفسك في أخطاء، وتحاصر نفسك بمشكلات لا أول لها ولا آخر! لقد تحدثت عن أحداث وشخوص، وكأنك تعيش معهم ، وتلازمهم.. بل وسمحت أن تطلق أحكاما عليهم.. وقسم من تلك الأحكام جائرة لا تتفق وطبيعة الأحوال.. ولقد كشفنا في العديد من الحلقات النقدية السابقة، ما الذي تحدثت به عن رؤساء وملوك وشخصيات وساسة ليسوا من المصريين فقط، بل كانوا عربا وغير عرب.. وسمحت لنفسك أن توزع أحكاما ظالمة علي بعض منهم، وما كانوا لا من جيلك أبدا! فكيف تصف ذلك بمجرد علامات؟ وهل تعتقد أن الإنسان عندما يكون مسئولا أو معروفا باستطاعته أن يقدم مجرد علامات؟ وهل يقبل كل الذين يدركون معني المعرفة التاريخية مثل هذا الكلام الذي تريد أن تهرب من مشكلاته التي خلقتها بنفسك؟ الذاكرة التاريخية ليست أوراق اعتماد!
يتابع هيكل مشكلاته قائلا: "في هذه المجموعة أنا بأعتقد أن أنا مطالب بأن أقدم ما يمكن أن يكون أو ما يمكن أن يشبه أوراق اعتماد، لأنه في الفترة الماضية.. الفترة التي سوف أتكلم عنها في هذه اللحظة أو في بداية هذه الحلقات.. فترة كتب عنها في الخمسين سنة الماضية كثيرون جدا، كتابات كانت كثيرة جدا كتب مؤرخون وكَتب صحفيون وكَتب حتي مشايخ والنتيجة.. وكتب فيها.. ما حدش في كل اللي كتبوا وكل اللي تكلموا وأنا مقدر الجهود اللي بذلها بعضهم وعارف إيه اللي ممكن تكون أوجه القصور في كل اللي واجهوه، لكنه اللي أنا كان مرات بيحز في نفسي إنه ما حدش.. نحن اتبعنا منطق اتبعناه في حاجات كثيرة جدا في حياتنا وهو النقل، بمعني إنه نحن نقلنا ونحن قلنا وفلان قال وفلان عاد وفيما روي فلان والناس حكت حكايات كثيرة جدا أقرب إلي الذكريات منها إلي ذاكرة محددة وذاكرة واضحة، ذاكرة لا تبدأ زي ما عملنا في أشياء كثيرة في حياتنا وصلنا في النهاية إلي.. فيه حاجات أنا باحترمها وبأقدرها وبأفهم دوافعها.. " (نص هيكل).
نعم، الذاكرة التاريخية ليست أوراق اعتماد يمتلكها شخص واحد! ولماذا استخدمت مثل هذا "التعبير" الذي يوحي للناس بأنك المعتمد السامي لتاريخ العرب الحديث؟ ما الذي تريد أن تقوله للناس؟ إنك لا تقدم إلا أوراق اعتماد لتاريخنا المعاصر الذي أجده مهلهلا ومختلطا وبلا منهج ولا حيادية ولا موضوعية البتة ؟ من نصبك سفيرا لتاريخنا المعاصر والحديث برمته ، كي تقدم أوراق اعتماد لهذا التاريخ وانت تتحدث عن نفسك فقط؟ من يجرؤ من كل أولئك الذين أفنوا أعمارهم في الدرس ومعرفة التاريخ ان يطلق علي نفسه انه يقدم (أوراق اعتماد)؟ هل وصل الأمر عندك إلي أن تصف نفسك بهذا الوصف الاحادي والذي اوصلت نفسك إلي اقصي نرجسية، والاعجاب بالذات.. والذي لم يفعلها غيرك ابدا؟ ثمة عمالقة في الادب والنقد والتاريخ والرواية والفلسفة.. ظهروا في مصر علي امتداد القرن العشرين، لم تصل نرجسية أي واحد منهم إلي عُشر معشار ما لك من نرجسية واعجاب بالذات.. رحم الله أولئك الرجال الأفذاذ الذين أفادوا حياتنا الثقافية ومعارفنا الاكاديمية ومؤسساتنا الاجتماعية، ولكنهم جميعا كانوا بالرغم من قوتهم وروعة بيانهم واتساع معلوماتهم وسلاسة اسلوبهم وتعدد مناهجهم.. من اكثر الناس تواضعا والتزاما بالموضوع دون أي تهريج، ودون أي تسويق ودون أي تنطع واستعراض عضلات! فهل نصب الدكتور طه حسين نفسه عميدا للأدب العربي أم نصبه المجتمع؟ وهل سّمت السيدة ام كلثوم نفسها ب"كوكب الشرق"، أم اسماها المجتمع بذلك؟ وهل اطلق أحمد شوقي علي نفسه "أمير الشعراء"، أم اجمع كل الشعراء في المجتمع علي ذلك؟ وهل هذا جري لشاعر القطرين خليل مطران؟ أو جري لعميد الصحافة العربية محمد التابعي؟ أو جري لشاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري؟ أو جري لشاعر النيل حافظ إبراهيم؟ وغيرهم كثير من الذين لم يروّجوا لأنفسهم القابا وتسميات؟
واعتقد أن أوراق اعتمادك سفيرا لتاريخنا المعاصر قد تمزقت ان كان لها أي وجود، بمجرد الهذيان الذي اعتاده الناس.. واذا كان الناس في الماضي يتابعونك كاتبا أوهمت العباد بكتبك العديدة، وكانت مادة دسمة للتفكيك، فلقد أسأت إلي نفسك كثيرا في أحاديثك التليفزيونية التي كشفت من خلالها علي بضاعتك!
الوهم: خطاب اعتماد معتمد سامي
يتابع هيكل قائلا: "لكن نحن وصلنا من سفور إلي حجاب إلي نقاب وقد يكون هذا مفهوماً في حالة البشر والأفراد، لكن الحقيقة لا ينبغي أن يكون لا عليها لا حجاب ولا نقاب ولا ستار من أي نوع، لكن الوصول للحقيقة يقتضي جهدا أكبر ويقتضي معرفة أكثر وأنا بأقول هذا وأنا برضه عارف إنه ناس كثير جدا عندها عذر لأنه كان في حاجات كثيرة جدا يمكن لم يطلعوا عليها، أيضا في مراجعة ما جري في التجربة اللي فاتت الأهواء استبدت والحاجة.. لم تحدث في أي سابقة أخري إنه نحن أمام تجربة واحدة خمسين سنة، نظام واحد خمسين سنة، لكنه شهد ثلاثة عصور وتقريبا كل عصر منها بذل جهدا كبيرا في أن ينافس العصر.. الجزء السابق من نفس العصر وأن.. أكثر من ينافسه، مش بس ينافسه، ينافسه ويقلل من شأنه ويكاد يكون يهدمه أحيانا، ناسين أننا بهذا نهدم شرعية حقبة بحالها، بمعني أنه الحقب التاريخية يمكن أن تصحح ويمكن أن تراجع، لكنه لابد ونحن نفعل ذلك أن ندرك تماما أنه في ذاكرة وطنية وذاكرة قومية لابد أن تُحتَرم وبالتالي فأنا في هذه الحلقة سوف أستأذن في أن أجعلها تقريبا خطاب اعتماد، ما الذي يسمح لي أن أجلس هنا وأن أتكلم بثقة وأن أقول والله هذه محاولة ليست لعرض الحقيقة ولكن علي أقل تقدير لمقاربة الحقيقة من موقع رجل رأي وسمع وهذا أظن كثيراً جدا بيسلموا لي به ثم من موقع أيضا شيء تعززه شهادات مكتوبة في وقتها وليست مؤلفة فيما بعدها؟ هابتدي أقول أولا أنا كيف جئت إلي الاقتراب من هذا المشهد .. (نص هيكل) .
أريد أن استفهم فقط عن فحوي مثل هذا الكلام الذي لا معني له أبدا! ما دخل السفور والحجاب والنقاب في خمسين سنة؟ ما معني ان هناك ثلاثة عصور في الخمسين سنة؟ ما تعريف العصر عند هيكل؟ هل هو كم سنة معدودة؟ هل هو عهد سياسي؟ كم تمنيت علي الرجل مذ فككت نصوصه قبل سنوات طوال أن يقرأ معاني المصطلحات التي يستخدمها؟ أو علي الأقل يقرأ تعاريفها المختصرة حتي لا يقع في المحظور؟ كم تمنيت عليه ألا يخلط الأشياء بعضها بالآخر؟ ماذا يقصد بالنظام الواحد خلال خمسين سنة؟ هل يقصد النظام السياسي في مصر؟ بدليل استخدامه ثلاثة عصور، ويقصد بها عصر عبد الناصر وعصر السادات وعصر مبارك! وبدل العصر كان عليه استخدام العهد ، فالعصر التاريخي يمتد لقرابة 300 سنة، في حين العهد السياسي يغطي زمن حكم زعيم معين أو أسرة حاكمة! نعم، لقد كنت قد نبهت هيكل إلي هذه "المسألة"، ولكن يبدو أن الرجل إما مصّر علي أخطائه، ام أنه لا يعترف بتصويبات غيره له.. فيبقي ينتقل من حفرة إلي أخري من دون أن يداوي جروحه وقروحه! وتستخدم مصطلح "الحقب التاريخية"، ولا تعرف ما معني الحقبة، وكم تساوي من الأزمان يا هيكل.. إن كنت جادا في معالجة التاريخ ، فعليك أن تتسلح بأسلحة المؤرخين، فما تذيعه علي الناس سيأخذونه ومن ثم يستخدمونه وتكون قد ارتكبت إثما كبيرًا.. أن أخطاءك ستنتقل إلي الآخرين، باعتبارك (حجة) في التاريخ.. ولم يعلموا انك تستخدم المصطلحات استخداما خاطئا! وكيف تتحدث بهدم الشرعية.. وكل عهد له خصائصه السياسية وظروفه التاريخية؟ من هدم شرعية الآخر؟ لم تزل الرموز وطنية .. ونحن نعرف من هدم الشرعية يا هيكل.. ومن خان الأمانة؟
الصراحة مفتقدة
وعليه، فينبغي ان تتحدث بصراحة من دون ألغاز ومن دون اياك اعني! تريد ان تحتفظ بذاكرة وطنية وذاكرة قومية.. ولا ندري لماذا تطالب باحترامها؟ هل هي غير محترمة أصلا؟ ولماذا اصبح الجيل الجديد لا يحترم ذاكرته القومية مثلا في العديد من البيئات العربية؟ وتخرج علينا الآن، وبهذه "الحلقة" التي تريد جعلها "خطاب اعتماد"! لمن هذا "الخطاب"؟ ولماذا مثل هذا التعبير الرسمي الذي تستخدمه؟ لقد وجدنا كم هي رؤيتك مقصورة وانت تدّعي شهادتك علي الاحداث! وكم وجدنا انك تتحدث عن اشياء لم تحدث اصلا؟ وكم وجدنا كم تختلق روايات علي مزاجك؟ وكم تختلق اقاويل وتضعها بأفواه اصحابها الميتين، وهم براء من ذلك..؟؟ أي خطاب اعتماد هذا الذي تريد تسويقه بعقول الناس، وانت تلعب بهم ذات اليمين وذات الشمال؟ أي خطاب اعتماد يا هيكل ونحن نري الاخطاء تتري من دون أن تصحح لا منهجك، ولا مصطلحاتك، ولا خطتك في اختلاق الأقوال، ولا حتي أسلوبك في أن تكون متواضعا؟ أن المؤلفين هم اصدق منك لأنهم يجمعون كل الروايات ويتدارسونها، ليخرجوا علي العالم بمؤلفاتهم من دون أن يكونوا شهود زور.. ومن دون أن ينطلقوا من زاوية محددة، ليكرسوا جهودهم واضحة للملأ. فهل يحق لك أن تسمي هذه "الحلقة" أو غيرها من حلقاتك ب"خطاب اعتماد"؟؟
خطاب اعتماد تعلله بقولك: "لأنه.. من مشهد ما جري في يوليو.. لأنه كان ممكن جدا لو أن طريقي المهني مشي كما كان مقدرا له كان ممكن جدا تيجي الحوادث وأنا موجود بره، لأنه في هذه الفترة أنا كنت المراسل المتجول لأخبار اليوم، لكنه حصل تغيير في الشرق الأوسط وفي أوروبا.. (نص هيكل).
أن طريقك المهني مشي في طريق سياسي معروف عند القاصي والداني، ولكنه لم يكن طريق منهج، ولا طريق موضوع، ولا طريق علم ومعرفة، ولا طريق كتابة سليمة! إن وجودك في الداخل قد منحك مزيدا من المعلومات التي لم تستطع كتابتها بأمانة وحيادية ومنهجية عالية.. لقد كنت مراسلا صحفيا ناجحا، ولكن غدوت مؤلفا فاشلا، ويا للأسف الشديد.. لنري ما حجم تأثير ذلك التغيير الذي حصل في الشرق الأوسط وفي أوروبا.. حتي يجعل منك اسطورة كما تتوهم! ثمة حاجة غريبة تحدث لهيكل عام 1949 كما يقول، تدعونا نستكشفها بانوراميا عنه في الحلقة القادمة بحول الله.. فما الذي سيغدو عليه علي مدي أكثر من ستين سنة؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.