اسعار اللحوم اليوم الثلاثاء 9ديسمبر 2025 فى مجازر المنيا    عاجل- تنسيق حكومي مشترك لتعزيز حماية نهر النيل وإزالة التعديات بشكل عاجل    الصادرات الألمانية تتباطأ وتسجل تراجعا حادا في التعاملات مع الولايات المتحدة    المشاط تتسلم جائزة «القيادة الدولية» من معهد شوازيل    حزب المؤتمر: قرار فلوريدا بحظر الإخوان وكير ضربة قاصمة تكشف الوجه الحقيقي لأخطر تنظيم عابر للحدود    قيادي في حماس: على إسرائيل وقف انتهاكاتها لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة لبدء المرحلة الثانية منه    الدفاع الروسية تعلن السيطرة على بلدة "أوستابيفسكي" في منطقة دنيبروبتروفسك الأوكرانية    ارتفاع ضحايا زلزال شرق اليابان إلى 50 شخصًا.. وتحذيرات من زلزال أقوى    لحظة بلحظة.. مصر والأردن.. كأس العرب    أول تعليق من ألونسو على احتمالية إقالته من تدريب ريال مدريد    أمطار وسيول خفيفة بوادي المالحة بمدينة رأس سدر في جنوب سيناء    قيمتها 85 مليون جنيه.. ضبط عنصر شديد الخطورة بحوزته مواد مخدرة بالإسماعيلية    ليوناردو دي كابريو يهاجم تقنيات الذكاء الاصطناعي: تفتقد للإنسانية وكثيرون سيخسرون وظائفهم    جامعة قناة السويس تقدّم خدمات علاجية وتوعوية ل711 مواطنًا خلال قافلة طبية بحي الأربعين    انخفاض جديد في قيمة محمد صلاح التسويقية بعد أزمة سلوت    المصريون في الخارج يتوافدون للإدلاء بأصواتهم في الدوائر الملغاة    شيخ الصيادين بالشرقية: مستعد أرمى نفسى للتمساح عشان أنقذ البلد    رئيس البرلمان العربي يدين بشدة اقتحام قوات الاحتلال لمقر الأونروا بالقدس    آيات أباظة: حب الناس كان سر قوتي خلال أصعب 8 شهور في حياتي    إلهام شاهين تشيد بفيلم «القصص» بعد عرضه بمهرجان البحر الأحمر 2025    قائمة برشلونة - عودة تير شتيجن.. واستمرار غياب أراوخو ضد فرانكفورت    حزب الاتحاد: لقاء الرئيس السيسي مع حفتر يؤكد حرص مصر على استقرار ليبيا    غزة تتصدر حصيلة قتلى الصحافة في 2025... ومراسلون بلا حدود تُدين إسرائيل    القائد العام للقوات المسلحة يشهد مناقشة البحث الرئيسي للأكاديمية العسكرية    مدبولي يتفقد مشروع رفع كفاءة مركز تكنولوجيا دباغة الجلود بمدينة الروبيكي    منال عوض تبحث مع قيادات وزارة الاتصالات عددًا من الملفات    رياضة النواب تهنئ وزير الشباب بفوزه برئاسة لجنة التربية البدنية باليونسكو    اتحاد الكرة يعلن عن اشتراطات الأمن والسلامة والأكواد الطبية في المباريات والتدريبات    صلاح وسلوت.. مدرب ليفربول: أنا مش ضعيف وقلتله أنت مش هتسافر معانا.. فيديو    وزارة الاستثمار تبحث فرض إجراءات وقائية على واردات البيليت    اتفاقيات لتوسيع الشراكة العلمية والأكاديمية بين مصر وروسيا    بعد إحالته للجنة الشباب بالشيوخ، النص الكامل لتعديلات قانون المهن الرياضية    أمطار غزيرة وسيول، الأرصاد السعودية تحذر من طقس الساعات المقبلة    قرار عاجل لمواجهة أزمة الكلاب الضالة في القاهرة    تأجيل استئناف «سفاح المعمورة» على حكم إعدامه ل4 يناير    رئيس جامعة العاصمة يعلن الهوية البصرية الجديدة لها ويكشف أسباب تغيير الاسم    ضبط شخص بتهم التحريض وإطلاق ألفاظ خارجة على مواقع التواصل    رنا سماحة تُحذر: «الجواز مش عبودية وإذلال.. والأهل لهم دور في حماية بناتهم»    مراسلة قطاع الأخبار بالرياض: الأعداد تتزايد على لجان الانتخاب في السعودية    تطورات جديدة في الحالة الصحية للفنان تامر حسني.. اعرف التفاصيل    البابا تواضروس الثاني يؤكد وحدة الكنيسة خلال لقائه طلاب مدرسة مارمرقس بسيدني    فحص 7.4 مليون تلميذ ضمن مبادرة الكشف المبكر عن «الأنيميا والسمنة والتقزم»    فحص أكثر من 195 ألف طالب ضمن مبادرة "100 مليون صحة" بالمنيا    طريقة عمل بلح البحر بتتبيلة مميزة ولا تقاوم    احذر، هذه العادة كارثية بعد الطعام تدمر الصحة    رئيس اللجنة القضائية: تسجيل عمومية الزمالك يتم بتنظيم كامل    غدا.. بدء عرض فيلم الست بسينما الشعب في 9 محافظات بأسعار مخفضة    قطر تحتفي بالأوبرا المصرية في افتتاح مهرجان الأوبرا العربية بالدوحة    سحب 878 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 9ديسمبر2025فى محافظة المنيا    ضبط 1.5 طن سكر ناقص الوزن وغير مصحوب بفواتير بمركز ديروط فى أسيوط    وزير الثقافة يلتقي نظيره الأذربيجاني لبحث التعاون بين البلدين    السكك الحديدية: تطبيق إجراءات السلامة الخاصة بسوء الأحوال الجوية على بعض الخطوط    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ماذا تعمل ?!    دعاء الفجر| اللهم ارزقنا نجاحًا في كل أمر    الكواليس الكاملة.. ماذا قال عبد الله السعيد عن خلافه مع جون إدوارد؟    هل يجوز إعطاء المتطوعين لدى الجمعيات الخيرية وجبات غذائية من أموال الصدقات أوالزكاة؟    لليوم الثالث على التوالي.. استمرار فعاليات التصفيات النهائية للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خيبة رجل يعبد نفسه!
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 18 - 10 - 2009

عرفنا من الحلقة السابقة أن الإنسان إن وجد في نفسه ضعفا وركاكة واعوجاجا عليه أن يحترم تاريخه وما أنجزه لا أقول أن ينعزل عن الناس أو يتقاعد، بل أقول أن يحترس ولا يهذي..وحسنا جدا تفعل قناة الجزيرة إذ تنقل حرفيا ما يقوله ضيوفها علي شاشتها بالكامل، فتوضح للعالم كله شخصيتهم اللغوية وحجم ثقافتهم ونسبة معلوماتهم.. إن عصر شبكة المعلومات الدولية يكشف كالمرآة ما يتمتع به كل مشارك شفويا وتحريريا..
فلسفة الثورة
قرأت النص التالي، وكنت قد أشرت في كتابي السابق »تفكيك هيكل« إلي أن محمد حسنين هيكل يتشدق علنا بأنه هو نفسه الذي كتب كرّاس "فلسفة الثورة" الذي نشر باسم الرئيس جمال عبدالناصر! وعليه فإن هيكل قد أساء إساءة بالغة لسيده، علما بأن اسم هيكل قد بدأ " في الانتشار والشهرة لقربه من عبدالناصر بشكل لم يحظ به أي كاتب عربي أو أجنبي، واستنادا إلي هيكل نفسه أنه هو من كتب الكتيب الذي نشر باسم (فلسفة الثورة) منسوبا لجمال عبدالناصر. ومن شاهد حلقة فضائية الجزيرة (مع هيكل) بتاريخ 12 أكتوبر 2006 حول هذا الموضوع، فسيجد هيكل يكيل لنفسه الأمجاد، ويملأ ذاته بالنفخة وأدوار العظمة، ويجعل من عبدالناصر تلميذا في معبده، والحقيقة ليست هكذا أبداً!
وسواء كتب هيكل فلسفة الثورة أم لم يكتبها، فلا يحتاج الأمر إلي اللف والدوران ورواية قصص بعيدة عن الموضوع، ولا يستطيع أحد معرفة صحتها من كذبها، وكما قّلل نفسه من شأن (فلسفة الثورة)، فوصفه ب(كتيب) كي ينزع عنه أي أهمية، كونه يتألف من مقالات ثلاث جمعت في ذاك "الكتيب " . كنت أتمني أن يكون الرئيس عبدالناصر يستمع إلي هذيان هيكل وحكاياته غير الموثقة من دون شاهد اثبات!
يقول هيكل حرفيا: (أنا الكاتب ولكني لست المؤلف وجمال عبدالناصر ليس المؤلف وحده، ولكن اللحظة التاريخية وحوارات أجريتها معه وحوارات حصلت مع غيره).
يقول أحد النقاد معلقا:
" فمن من القراء يستطيع أن يفهم من هذه الجملة من هو مؤلف الكتاب؟. هل هو جمال عبدالناصر أم هيكل أم اللحظة التاريخية أم غيره؟ وهل سبق أن سمع أحد في الشرق أو الغرب عن مؤلف اسمه (اللحظة التاريخية؟). وصفة (اللف والدوران) كما يقولون في الشارع المصري سمة من سمات أحاديث هيكل، فلا تركيز علي موضوع الحلقة إذ لا مفر من اختلاق أمور شخصية كلها تؤدي لأهميته ودوره في الأحداث ودوما الدور الفاعل المؤثر الذي يؤخذ في الحسبان لدي العديد من دوائر صنع القرار، وشيء طبيعي عنده أن يقول أكثر من مرة عن ملك أو رئيس عربي أنه قابله أكثر من خمسمائة مرة، وهذا لا يعني إلا أن ذلك الرئيس أو الملك لا عمل ولا مهمات لديه سوي استقبال هيكل والجلوس معه والاستماع إليه.
في بعض حلقات أحاديثه أحصيت أنه كرَّر كلمة (أنا) أكثر من 100 مرة، وهذا لا يمكن تفسيره إلا بالغرور الزائد أو النرجسية المريضة، لأنه فيما يتعلق بحقبة الرئيس جمال عبدالناصر من يستمع لهيكل ويقرأ ما كتبه عنها لا يخرج إلا بانطباع واحد وهو أن هيكل كان الحاكم والمخطط والمنفذ وليس جمال عبدالناصر، وربما يعبر عن هذا ما هو منسوب لأحد الرؤساء أنه قال لهيكل في لقاء معه (أنت لم تكن رجل عبدالناصر، أظن أن عبدالناصر كان رجلك)، والمغزي الباطن في هذا القول لا يعني سوي ما أشرت إليه من غرور ونرجسية تصل لحد التلفيق خاصة أنه يروي عن أموات لا يستطيع أحد من البشر استنطاقهم في قبورهم ليؤكدوا أو ينفوا صحة ما يرويه عن نفسه معهم بشكل دائم.
رواسب التفكير الأنوي
إن التفكير الأنوي الذي سيطر علي شخصية هيكل منذ اكثر من خمسين سنة، لم تزل ترسباته راسخة في عقله الباطن ولم يستطع الانفصال عنه أبدا، وأن يري نفسه ليس فوق عقول وضمائر الكثير من المثقفين والسياسيين والأكاديميين العرب، بل ويجعل من نفسه أسطورة الأساطير، فإذا كان قد وصف عبدالناصر كونه أسطورة، فما معني تجريد الرجل من تأليف "فلسفة الثورة"؟
وكأنه يقول للعالم: أنا الذي خلقت هذه الأسطورة لكم، وأنا الذي صنعت هذا العملاق أمامكم..
وسنعالج لاحقا ما كتبه عن عبدالناصر وحكاياته المفبركة عن لقاءاته مع مثقفين غربيين كبار وما قالوه له عن عبدالناصر.. وستستمتع طويلا بذاك النسيج من القصص الخيالية. كنت أتمني علي الرجل وبعد كل ما كتب عنه من انتقادات علمية وسياسية ومنهجية أن يتعلم منها كون من كتب عنه ليسوا كلهم من أقرانه أو من يحمل صفاته، بل هناك من ساسة قدماء وأساتذة كبار..
إنه يتصور أن الساحة خالية تماما من المتابعين والنقاد والمحللين، وأن ليس هناك من كاتب حكائي إلا هيكل، فيذهب ويشتط بعيداً علي عادته، وليس باستطاعته أبداً التخّلي عن كل ما ترسّخ عنده أو التخلص من كل ترسباته القديمة وسيكولوجيته الصعبة برغم كل التحولات التي طرأت علي حياتنا كاملة في السنوات العشر الأخيرة.
الفراغ الفكري
إن سر بقائه مسيطر علي مثل هذه "المكانة" التي يعتبرها مع مؤيديه مكانة عليا، لم تأت إلا بسبب بؤس حياتنا السياسية العربية، والتي تعيش اليوم فراغاً سياسياً وفكرياً هائلا بسبب انسحاب تيارين أساسيين فاشلين من الساحة، أي بمعني انسحابهما من تفكيرنا وواقعنا، كما قلت ذلك في أكثر من مكان، وهما الفكر القومي العربي الذي سيطر علي عواطف الناس لمدة 30 سنة (1949 1979)، لكي يحل بدلاً منه الإسلام السياسي الذي سيكمل مع العام 2009، ثلاثين سنة من حياته.
أما ثانيهما: فكان يتمثل بالشيوعية العالمية التي سادت في منطقتنا علي مرحلتين: مرحلة التأسيس (1917- 1947) ومرحلة الحرب الباردة التي تبلورت لما بعد الحرب العالمية الثانية وحتي العام 1979 مروراً بعهد الوفاق بين المعسكرين.
دعونا منه كي نلتفت إلي تياراتنا وأهوائنا واتجاهاتنا. مائة سنة مرت ولم تحقق القومية العربية أهدافها. فهل ننتظر مائة سنة أخري حتي تتحقق تلك الأهداف؟ عشرات بل مئات الاحزاب الدينية الإسلامية ولدت في غضون أقل من ثلاثين سنة إثر ما سمي ب"الصحوة الدينية"، فهل ننتظر ثلاثين سنة أخري من أجل أن يحقق الإسلاميون أمنياتهم وتصوراتهم ولن تتحقق؟ انتهت الشيوعية العالمية من فوق الأرض بعد أن انتحرت ولم تكمل رسالتها. ولم يزل هناك من يصفق لها ويسبّح بحمدها! انتهي بعض الحكام المتوحشين الذين حكموا بالحديد والنار. ولم يزل هناك من يمجد ذكراهم بالرغم من كل ما اقترفوه بحق أوطانهم ومستقبل أجيالهم!
تخبّط جغرافي
اسمعوه ماذا يقول.. يقول هيكل: "دعونا الحاجة الغريبة إنه في مصر بالتحديد عمرها ما كان ممكن تقدر تعيش لوحدها لسبب واضح وهو إنه منبع حياتها كان خرج موقع نظرها، النيل عمرنا ما شفنا منابع النيل لكن عشنا باستمرار علي النيل لكن كان باستمرار بره، باستمرار كان هو بعيد في وسط إفريقيا وما وصلنا لوش إلا في القرن التاسع عشر، لم نعرف من أين ينبع النيل وعملنا أساطيل الدنيا، اللي أنا عايز أقوله إيه إنه بالدرجة الأولي إنه فكرة الحدود السياسية استولت علينا وارتبطت بفكر الاستقلال وهو مسألة مهمة جداً، لكن نبقي عارفين أين الاستقلال وأين.. ما هو أوسع من الاستقلال؟ أين هو الجامع المشترك؟" (انتهي النص).
وأسأل: ما الذي نفهمه من هذا الخلط والتشبيه؟ إذا ما عرفنا أن مصر ليس باستطاعتها العيش لوحدها ولا علاقة لمنابع نهر النيل بالموضوع لا من قريب ولا من بعيد، فأغلب الدول الممتلكة لأنهار طوال، لا علاقة لها بالمنابع، بل لها علاقة بالمياه المتشاطئة التي تمتلكها جيرانها، وهذا ما نلحظه من علاقة جغرافية عضوية بين مصر والسودان ليس إلا.
وإذا كانت مصر معبراً، فهي ليس بمعبر نحو أعماق أفريقيا، بل هي حلقة وصل بين الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فالعلاقة بينها وبين الاخرين إقليمية. وعليه، فهي ليست معبراً قاريا بين قارتين اثنتين مقارنة بينها وبين تركيا التي تعتبر حلقة وصل بين الشرق والغرب.
إن هيكل يدافع عن الجامع المشترك (وكنت أتمني عليه أن يسمّيه الرابط المشترك) ويقف حيال الاستقلال.. وكأن مصر لم تكن لها شخصيتها التاريخية وخصوصيتها الجغرافية. ولا ندري أين يريد هيكل الوصول بنا؟ هل يريد الدعوة إلي جامع قومي مشترك نحو الوحدة العربية التي ازدهرت شعاراتها في القرن العشرين؟ أم يريد القول بأن مصر جامع إقليمي مشترك نحو الشرق الأوسط التي تزدهر مشكلاته اليوم؟ أم يريد القول بأن مصر جامع دولي وقاري مشترك نحو أفريقيا؟ وهذا ما لم نلحظه أبداً.
تخبّط تاريخي
ونبقي مع هيكل في هذيانه وتخبطاته وخلطه المبهم بين الاشياء والعناصر بحيث يضيع علي القارئ خيوط الموضوع عمداً من دون أن يصل به إلي ما يمكن الاستفادة من كل هذا الغثاء.. لنتأمل قليلا وبعمق ما يقول: "لما بأتكلم في القاهرة مثلا علي سبيل المثال وأقول إنه مصر كانت باستمرار موجودة في الدولة، في الخلافة الأموية، موجودة قبلها في الخلافات الراشدة، موجودة في الدولة الأموية، موجودة في الدولة العباسية، موجودة في دول الفاطميين والأيوبيين والمماليك لغاية العثمانيين، لما جئنا في العثمانيين حصل مسألة مهمة أوي وهي دي أعطت القاهرة دور بشكل أو آخر العثمانيين بدأ الإمبراطورية الرباط الجامع واللي كان مقبول من كل الناس، كان مقبول وكان يعني هو الهوية أو هو الرابط المقبول وحتيEven حتي إلي درجة الرعوية، كنا بنقول رعوية عثمانية.." (انتهي النص).
أسأل وبتجرد المؤرخ الناقد المنصف: هل هذا كلام مؤرخ له قصب سبق في الثقافة علي امتداد ستين سنة؟ هل باستطاعة أحد أن ينكر حقائق وبديهيات عادية يدركها حتي طلبة المدارس الابتدائية.. مصر موجودة في الدول الإسلامية! طبعا موجودة، فلماذا كل هذه السفسطة والمماحكة؟ لقد اتخذت مركزيتها عند الفاطميين والأيوبيين والمماليك.. فما الجديد في ذلك؟ لقد بقيت بغداد هي المركز التاريخي والحضاري ومن ثم غدت القاهرة مركزاً مهما، ولكنها ياهيكل افتقدت ذلك في العصر العثماني علي غرار غيرها من الولايات العربية العثمانية.. بل وغدت ولاية لا أهمية لها نحرتها أوضاعها الاقتصادية الصعبة بسبب الانقسامات المحلية بين المتسلطين من عثمانيين ومماليك.. فلا داعي لأن تؤكد الجامع المشترك لمصر الذي افتقدته بسبب الصراعات وانهيارات الداخل الاقتصادية بشكل خاص وانتشار الفساد وخصوصا في القرن الثامن عشر .
الإمبراطورية العثمانية
يستكمل صاحبنا هذيانه.. فيقول: "فإحنا الامبراطورية الخلافة العثمانية بدأت شأنها شأن كل الدول تنزل تنهار وبدت المطامع الأوروبية تهاجم المنطقة من الشرق ومن الغرب وبدت الممالك تقام وبدت السلطة المركزية للخلافة تسقط أو تتداعي، لكن فضل العلم الإسلامي والعربي في القلب مختلف عن غيرة من إقاليم الامبراطورية في حين إن الولايات اللي في أوروبا المسيحية اللي في أوروبا لقت أسهل عليها إنها تنسلخ وتستقل، فالعالم الإسلامي العربي فضل مدرك أهمية الجامع المشترك ومشفق من خطورة ما يجري للدولة العثمانية وقلق علي مصيره، لأنه باستمرار بيشعر أو هذه الواحات المتناثرة في هذا الفضاء في هذا الإقليم بتشعر بأنها لا تقدر تحقق لا أمن ولا تحقق مصلحة ولا تحقق.. خصوصا أنه الألفين وخمسمائة سنة اللي عاشت فيهم تحت جامع مشترك وجامع سياسي وعسكري، رابط لامبراطوريات زي ما قلنا من الإغريق لغاية العثمانيين، هذا الرباط أوجد موروثه الثقافي، أوجد حقائقه الاقتصادية، الاجتماعية، الفكرية بالدرجة الأولي.. " (انتهي النص) .
ويبقي في كلامه العادي الذي لا جديد فيه وهو لا يحدد زمانا أو مكانا معينين لما يريد العناية به. هناك ضعف عثماني اعقبه انهيار عثماني اعقبه سقوط عثماني.. متي حدث كل واحد منها؟ هيكل لا يعرف! هيكل يدخل دوما أنفه في ما لا يعنيه ويخرج من الموضوع بسلة مليئة بالأخطاء التي لا يمكن أن يغفرها له المؤرخون المختصون! فهو يخلط مقارنا بين ولايات العثمانيين ولا يدرك أن هناك تمييزا عثمانيا بين أقاليم روميليا وبين أقاليم اناتوليا.. بين أقاليم الشرق وبين أقاليم الغرب (طرابلس وتونس والجزائر).. هيكل لم يقرأ ولم يطلع بما كتبه المؤرخون حول علاقة الأقاليم بالسلطة العثمانية! هيكل لا يعرف سلاسل التاريخ ولا طبيعة احقاب التاريخ البشري ليطلق جامعه المشترك علي مدي ألفي وخمسمائة سنة، وكأن لا انقطاعات ولا تفاعلات ولا متغيرات حتي في تاريخ مصر نفسه؟ هكذا اطلاق مبهم من الإغريق حتي العثمانيين ما هو إلا سذاجة في قراءة الزمن. وهنا أود من الإخوة الباحثين ألا ينساقوا وراء هكذا تعميمات لا نفع فيها، لأن مصر أو غير مصر وببساطة شديدة قد ورثت بقايا التاريخ.
وأخيراً: متي يتم تعلّم الدرس؟
كم كنت أتمني أن يكون هيكل متوازنا، ليخاطب الناس بموضوعية متناهية.. إن موضوعا إشكاليا كهذا الذي أدخل نفسه فيه، ليس من الهين التوغل فيه سياسيا، والخروج بتاريخ سليم، إلا إذا كنت تريد فرض نفسك في ميدان أنت ليس أهلا له أبدا! خصوصا أن المؤرخين أنفسهم ينقسمون إلي نقيضين في تقييم هذا "الموضوع" الصعب، وعلينا أن نحترم كل المواقف كي يتكون نقيض النقيض في قابل السنين، وسيبقي تاريخ المراحل الأولي لتكويناتنا المعاصرة أمانة بأعناق المؤرخين المختصين علي مدي الأجيال القادمة، وأن أحكامهم لا يمكن أن تطلق من دون الاستعانة بالوثائق الرسمية القديمة.
إن لدي ّ ما يمكن مناقشته مع هيكل، ولكن ليس من خلال ميدان صحفي، بل أدعوه إلي مناظرة علمية في قلب جامعة أو مركز علمي أو أكاديمي حتي أثبت للعالم كله، فشل الرجل في توصيل رسالة حقيقية إلي المشاهدين العرب خصوصا الذين يشغلهم دوما تاريخنا الحديث وتعقيداته الصعبة.. كما أريد أن أمنح الجيل الجديد فكرة صائبة ليس عن خيبة رجل لا يدرك أبسط قواعد المعرفة، بل لكي أقوم بتصويب كل ما سجله تحريرياً وشفويا من آراء في تاريخ لم يدرك معانيه أبدا.
إن التاريخ الذي سجله محمد حسنين هيكل تحريريا أو شفويا حكائيا لا يمكن البتة الاعتماد عليه من كل النواحي.. إنه (تاريخ) مخطوء فيه لغو كثير، ويفتقد إلي الحركة والفعل الكبيرين! وكم اتمني علي الرجل أن يعلن الاعتراف بأخطائه، وتحمله المسئولية في تصويب ما يراه المختصون مناسبا، كي يسجّل واحدة من الحسنات التي ننتظرها منه بكل شجاعة أدبية وأخلاقية مهنية. إنه إذن مدعو الآن إلي أمرين أساسيين في مثل هذا "الموضوع": مناظرة تاريخية في جامعة معروفة أو اعتراف بما حصل من أخطاء.. وإلا فساعتبره هارباً من أية مواجهة علنية أساسها المعرفة ورد الأمانات إلي أهلها .
دعونا نعالج في حلقات قادمة نماذج أخري من بقايا هيكل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.