جوتيريش يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة والأنشطة الاستيطانية بالضفة الغربية    اليوم.. وزير خارجية أمريكا يُجري محادثات مع مستشاري الأمن القومي بأوكرانيا وأوروبا    بدء دخول 20 شاحنة مساعدات إلى معبر كرم أبو سالم لدخولها لقطاع غزة    "بعد انضمامه للفريق".. وسام أبو علي يوجه رسالة إلى جماهير كولومبوس الأمريكي    أغسطس "خارج التوقعات"، انخفاض بدرجات الحرارة، أمطار ورياح مثيرة للرمال بهذه المناطق، وارتفاع الأمواج يعكر صفو المصطافين    نجم الزمالك السابق يتوقع طريقة لعب الأبيض أمام مودرن سبورت الليلة    اشتباه إصابة محمود نبيل بتمزق في العضلة الخلفية.. وبسام وليد يواصل التأهيل لعلاج التهاب أوتار الساق اليمنى    هبوط حاد ل الدولار الأمريكي اليوم الخميس 21-8-2025 عالميًا.. واستقرار بقية العملات الأجنبية    عاجل.. مايكروسوفت تراجع استخدام الجيش الإسرائيلي لتقنياتها بسبب حرب غزة    فصل رأس عن جسده.. تنفيذ حكم الإعدام بحق "سفاح الإسماعيلية" في قضية قتل صديقه    وداعا القاضى الأمريكى الرحيم فرانك كابريو فى كاريكاتير اليوم السابع    محافظ المنيا يشهد احتفالية ختام الأنشطة الصيفية ويفتتح ملعبين    دعاء الفجر| اللهم اجعل هذا الفجر فرجًا لكل صابر وشفاءً لكل مريض    وداعا لمكالمات المبيعات والتسويق.. القومي للاتصالات: الإيقاف للخطوط والهواتف غير الملتزمة بالتسجيل    فلكيًا.. موعد المولد النبوي الشريف 2025 رسميًا في مصر وعدد أيام الإجازة    مروة يسري: جهة أمنية احتجزتني في 2023 أما قلت إني بنت مبارك.. وأفرجوا عني بعد التأكد من سلامة موقفي    كشف المجتمع    رجل الدولة ورجل السياسة    رئيس شعبة السيارات: خفض الأسعار 20% ليس قرار الحكومة.. والأوفر برايس مستمر    أذكار الصباح اليوم الخميس.. حصن يومك بالذكر والدعاء    للرجال فقط.. اكتشف شخصيتك من شكل أصابعك    سعر التفاح والمانجو والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 21 أغسطس 2025    إصابة مواطن ب«خرطوش» في «السلام»    «ظهر من أول لمسة.. وعنده ثقة في نفسه».. علاء ميهوب يشيد بنجم الزمالك    توقعات الأبراج حظك اليوم الخميس 21-8-2025.. «الثور» أمام أرباح تتجاوز التوقعات    سامح الصريطي عن انضمامه للجبهة الوطنية: المرحلة الجديدة تفتح ذراعيها لكل الأفكار والآراء    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات الأخرى قبل بداية تعاملات الخميس 21 أغسطس 2025    تعاون علمي بين جامعة العريش والجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا    الآن.. شروط القبول في أقسام كلية الآداب جامعة القاهرة 2025-2026 (انتظام)    «لجنة الأمومة الآمنة بالمنوفية» تناقش أسباب وفيات الأمهات| صور    لماذا لا يستطيع برج العقرب النوم ليلاً؟    استشاري تغذية يُحذر: «الأغذية الخارقة» خدعة تجارية.. والسكر الدايت «كارثة»    الصحة في غزة: ارتفاع حصيلة ضحايا المجاعة وسوء التغذية إلى 269 بينهم 112 طفلًا    لبنان: ارتفاع عدد ضحايا الغارة الإسرائيلية على بلدة "الحوش" إلى 7 جرحى    الجنائية الدولية: العقوبات الأمريكية هجوم صارخ على استقلالنا    غزة: ارتفاع عدد ضحايا الغارات الإسرائيلية إلى 94 خلال يوم واحد    ضربها ب ملة السرير.. مصرع ربة منزل على يد زوجها بسبب خلافات أسرية بسوهاج    شراكة جديدة بين "المتحدة" و"تيك توك" لتعزيز الحضور الإعلامي وتوسيع نطاق الانتشار    علاء عز: معارض «أهلا مدارس» الأقوى هذا العام بمشاركة 2500 عارض وخصومات حتى %50    رئيس اتحاد الجاليات المصرية بألمانيا يزور مجمع عمال مصر    استخدم أسد في ترويع عامل مصري.. النيابة العامة الليبية تٌقرر حبس ليبي على ذمة التحقيقات    بعد التحقيق معها.. "المهن التمثيلية" تحيل بدرية طلبة لمجلس تأديب    بعد معاناة مع السرطان.. وفاة القاضي الأمريكي "الرحيم" فرانك كابريو    ليلة فنية رائعة فى مهرجان القلعة للموسيقى والغناء.. النجم إيهاب توفيق يستحضر ذكريات قصص الحب وحكايات الشباب.. فرقة رسائل كنعان الفلسطينية تحمل عطور أشجار الزيتون.. وعلم فلسطين يرفرف فى سماء المهرجان.. صور    ناصر أطلقها والسيسي يقود ثورتها الرقمية| إذاعة القرآن الكريم.. صوت مصر الروحي    بالصور.. أحدث جلسة تصوير جريئة ل دينا الشربيني بفستان قصير    الجبهة الوطنية يعين عددًا من الأمناء المساعدين بسوهاج    "أخطأ في رسم خط التسلل".. الإسماعيلي يقدم احتجاجا رسميا ضد حكم لقاء الاتحاد    محافظ كفر الشيخ يقدم واجب العزاء في وفاة والد الكابتن محمد الشناوي    اتحاد الكرة يفاوض اتحادات أوروبية لاختيار طاقم تحكيم أجنبي لمباراة الأهلي وبيراميدز    90 دقيقة تحسم 7 بطاقات أخيرة.. من يتأهل إلى دوري أبطال أوروبا؟    أخبار× 24 ساعة.. مياه الجيزة: عودة الخدمة تدريجيا لمنطقة كفر طهرمس    جمال شعبان: سرعة تناول الأدوية التي توضع تحت اللسان لخفض الضغط خطر    كلب ضال جديد يعقر 12 شخصا جديدا في بيانكي وارتفاع العدد إلى 21 حالة خلال 24 ساعة    عودة المياه تدريجيا إلى كفر طهرمس بالجيزة بعد إصلاح خط الطرد الرئيسي    ما الفرق بين التبديل والتزوير في القرآن الكريم؟.. خالد الجندي يوضح    أمين الفتوى يوضح الفرق بين الاكتئاب والفتور في العبادة (فيديو)    طلقها وبعد 4 أشهر تريد العودة لزوجها فكيف تكون الرجعة؟.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خيبة رجل يعبد نفسه!
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 18 - 10 - 2009

عرفنا من الحلقة السابقة أن الإنسان إن وجد في نفسه ضعفا وركاكة واعوجاجا عليه أن يحترم تاريخه وما أنجزه لا أقول أن ينعزل عن الناس أو يتقاعد، بل أقول أن يحترس ولا يهذي..وحسنا جدا تفعل قناة الجزيرة إذ تنقل حرفيا ما يقوله ضيوفها علي شاشتها بالكامل، فتوضح للعالم كله شخصيتهم اللغوية وحجم ثقافتهم ونسبة معلوماتهم.. إن عصر شبكة المعلومات الدولية يكشف كالمرآة ما يتمتع به كل مشارك شفويا وتحريريا..
فلسفة الثورة
قرأت النص التالي، وكنت قد أشرت في كتابي السابق »تفكيك هيكل« إلي أن محمد حسنين هيكل يتشدق علنا بأنه هو نفسه الذي كتب كرّاس "فلسفة الثورة" الذي نشر باسم الرئيس جمال عبدالناصر! وعليه فإن هيكل قد أساء إساءة بالغة لسيده، علما بأن اسم هيكل قد بدأ " في الانتشار والشهرة لقربه من عبدالناصر بشكل لم يحظ به أي كاتب عربي أو أجنبي، واستنادا إلي هيكل نفسه أنه هو من كتب الكتيب الذي نشر باسم (فلسفة الثورة) منسوبا لجمال عبدالناصر. ومن شاهد حلقة فضائية الجزيرة (مع هيكل) بتاريخ 12 أكتوبر 2006 حول هذا الموضوع، فسيجد هيكل يكيل لنفسه الأمجاد، ويملأ ذاته بالنفخة وأدوار العظمة، ويجعل من عبدالناصر تلميذا في معبده، والحقيقة ليست هكذا أبداً!
وسواء كتب هيكل فلسفة الثورة أم لم يكتبها، فلا يحتاج الأمر إلي اللف والدوران ورواية قصص بعيدة عن الموضوع، ولا يستطيع أحد معرفة صحتها من كذبها، وكما قّلل نفسه من شأن (فلسفة الثورة)، فوصفه ب(كتيب) كي ينزع عنه أي أهمية، كونه يتألف من مقالات ثلاث جمعت في ذاك "الكتيب " . كنت أتمني أن يكون الرئيس عبدالناصر يستمع إلي هذيان هيكل وحكاياته غير الموثقة من دون شاهد اثبات!
يقول هيكل حرفيا: (أنا الكاتب ولكني لست المؤلف وجمال عبدالناصر ليس المؤلف وحده، ولكن اللحظة التاريخية وحوارات أجريتها معه وحوارات حصلت مع غيره).
يقول أحد النقاد معلقا:
" فمن من القراء يستطيع أن يفهم من هذه الجملة من هو مؤلف الكتاب؟. هل هو جمال عبدالناصر أم هيكل أم اللحظة التاريخية أم غيره؟ وهل سبق أن سمع أحد في الشرق أو الغرب عن مؤلف اسمه (اللحظة التاريخية؟). وصفة (اللف والدوران) كما يقولون في الشارع المصري سمة من سمات أحاديث هيكل، فلا تركيز علي موضوع الحلقة إذ لا مفر من اختلاق أمور شخصية كلها تؤدي لأهميته ودوره في الأحداث ودوما الدور الفاعل المؤثر الذي يؤخذ في الحسبان لدي العديد من دوائر صنع القرار، وشيء طبيعي عنده أن يقول أكثر من مرة عن ملك أو رئيس عربي أنه قابله أكثر من خمسمائة مرة، وهذا لا يعني إلا أن ذلك الرئيس أو الملك لا عمل ولا مهمات لديه سوي استقبال هيكل والجلوس معه والاستماع إليه.
في بعض حلقات أحاديثه أحصيت أنه كرَّر كلمة (أنا) أكثر من 100 مرة، وهذا لا يمكن تفسيره إلا بالغرور الزائد أو النرجسية المريضة، لأنه فيما يتعلق بحقبة الرئيس جمال عبدالناصر من يستمع لهيكل ويقرأ ما كتبه عنها لا يخرج إلا بانطباع واحد وهو أن هيكل كان الحاكم والمخطط والمنفذ وليس جمال عبدالناصر، وربما يعبر عن هذا ما هو منسوب لأحد الرؤساء أنه قال لهيكل في لقاء معه (أنت لم تكن رجل عبدالناصر، أظن أن عبدالناصر كان رجلك)، والمغزي الباطن في هذا القول لا يعني سوي ما أشرت إليه من غرور ونرجسية تصل لحد التلفيق خاصة أنه يروي عن أموات لا يستطيع أحد من البشر استنطاقهم في قبورهم ليؤكدوا أو ينفوا صحة ما يرويه عن نفسه معهم بشكل دائم.
رواسب التفكير الأنوي
إن التفكير الأنوي الذي سيطر علي شخصية هيكل منذ اكثر من خمسين سنة، لم تزل ترسباته راسخة في عقله الباطن ولم يستطع الانفصال عنه أبدا، وأن يري نفسه ليس فوق عقول وضمائر الكثير من المثقفين والسياسيين والأكاديميين العرب، بل ويجعل من نفسه أسطورة الأساطير، فإذا كان قد وصف عبدالناصر كونه أسطورة، فما معني تجريد الرجل من تأليف "فلسفة الثورة"؟
وكأنه يقول للعالم: أنا الذي خلقت هذه الأسطورة لكم، وأنا الذي صنعت هذا العملاق أمامكم..
وسنعالج لاحقا ما كتبه عن عبدالناصر وحكاياته المفبركة عن لقاءاته مع مثقفين غربيين كبار وما قالوه له عن عبدالناصر.. وستستمتع طويلا بذاك النسيج من القصص الخيالية. كنت أتمني علي الرجل وبعد كل ما كتب عنه من انتقادات علمية وسياسية ومنهجية أن يتعلم منها كون من كتب عنه ليسوا كلهم من أقرانه أو من يحمل صفاته، بل هناك من ساسة قدماء وأساتذة كبار..
إنه يتصور أن الساحة خالية تماما من المتابعين والنقاد والمحللين، وأن ليس هناك من كاتب حكائي إلا هيكل، فيذهب ويشتط بعيداً علي عادته، وليس باستطاعته أبداً التخّلي عن كل ما ترسّخ عنده أو التخلص من كل ترسباته القديمة وسيكولوجيته الصعبة برغم كل التحولات التي طرأت علي حياتنا كاملة في السنوات العشر الأخيرة.
الفراغ الفكري
إن سر بقائه مسيطر علي مثل هذه "المكانة" التي يعتبرها مع مؤيديه مكانة عليا، لم تأت إلا بسبب بؤس حياتنا السياسية العربية، والتي تعيش اليوم فراغاً سياسياً وفكرياً هائلا بسبب انسحاب تيارين أساسيين فاشلين من الساحة، أي بمعني انسحابهما من تفكيرنا وواقعنا، كما قلت ذلك في أكثر من مكان، وهما الفكر القومي العربي الذي سيطر علي عواطف الناس لمدة 30 سنة (1949 1979)، لكي يحل بدلاً منه الإسلام السياسي الذي سيكمل مع العام 2009، ثلاثين سنة من حياته.
أما ثانيهما: فكان يتمثل بالشيوعية العالمية التي سادت في منطقتنا علي مرحلتين: مرحلة التأسيس (1917- 1947) ومرحلة الحرب الباردة التي تبلورت لما بعد الحرب العالمية الثانية وحتي العام 1979 مروراً بعهد الوفاق بين المعسكرين.
دعونا منه كي نلتفت إلي تياراتنا وأهوائنا واتجاهاتنا. مائة سنة مرت ولم تحقق القومية العربية أهدافها. فهل ننتظر مائة سنة أخري حتي تتحقق تلك الأهداف؟ عشرات بل مئات الاحزاب الدينية الإسلامية ولدت في غضون أقل من ثلاثين سنة إثر ما سمي ب"الصحوة الدينية"، فهل ننتظر ثلاثين سنة أخري من أجل أن يحقق الإسلاميون أمنياتهم وتصوراتهم ولن تتحقق؟ انتهت الشيوعية العالمية من فوق الأرض بعد أن انتحرت ولم تكمل رسالتها. ولم يزل هناك من يصفق لها ويسبّح بحمدها! انتهي بعض الحكام المتوحشين الذين حكموا بالحديد والنار. ولم يزل هناك من يمجد ذكراهم بالرغم من كل ما اقترفوه بحق أوطانهم ومستقبل أجيالهم!
تخبّط جغرافي
اسمعوه ماذا يقول.. يقول هيكل: "دعونا الحاجة الغريبة إنه في مصر بالتحديد عمرها ما كان ممكن تقدر تعيش لوحدها لسبب واضح وهو إنه منبع حياتها كان خرج موقع نظرها، النيل عمرنا ما شفنا منابع النيل لكن عشنا باستمرار علي النيل لكن كان باستمرار بره، باستمرار كان هو بعيد في وسط إفريقيا وما وصلنا لوش إلا في القرن التاسع عشر، لم نعرف من أين ينبع النيل وعملنا أساطيل الدنيا، اللي أنا عايز أقوله إيه إنه بالدرجة الأولي إنه فكرة الحدود السياسية استولت علينا وارتبطت بفكر الاستقلال وهو مسألة مهمة جداً، لكن نبقي عارفين أين الاستقلال وأين.. ما هو أوسع من الاستقلال؟ أين هو الجامع المشترك؟" (انتهي النص).
وأسأل: ما الذي نفهمه من هذا الخلط والتشبيه؟ إذا ما عرفنا أن مصر ليس باستطاعتها العيش لوحدها ولا علاقة لمنابع نهر النيل بالموضوع لا من قريب ولا من بعيد، فأغلب الدول الممتلكة لأنهار طوال، لا علاقة لها بالمنابع، بل لها علاقة بالمياه المتشاطئة التي تمتلكها جيرانها، وهذا ما نلحظه من علاقة جغرافية عضوية بين مصر والسودان ليس إلا.
وإذا كانت مصر معبراً، فهي ليس بمعبر نحو أعماق أفريقيا، بل هي حلقة وصل بين الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فالعلاقة بينها وبين الاخرين إقليمية. وعليه، فهي ليست معبراً قاريا بين قارتين اثنتين مقارنة بينها وبين تركيا التي تعتبر حلقة وصل بين الشرق والغرب.
إن هيكل يدافع عن الجامع المشترك (وكنت أتمني عليه أن يسمّيه الرابط المشترك) ويقف حيال الاستقلال.. وكأن مصر لم تكن لها شخصيتها التاريخية وخصوصيتها الجغرافية. ولا ندري أين يريد هيكل الوصول بنا؟ هل يريد الدعوة إلي جامع قومي مشترك نحو الوحدة العربية التي ازدهرت شعاراتها في القرن العشرين؟ أم يريد القول بأن مصر جامع إقليمي مشترك نحو الشرق الأوسط التي تزدهر مشكلاته اليوم؟ أم يريد القول بأن مصر جامع دولي وقاري مشترك نحو أفريقيا؟ وهذا ما لم نلحظه أبداً.
تخبّط تاريخي
ونبقي مع هيكل في هذيانه وتخبطاته وخلطه المبهم بين الاشياء والعناصر بحيث يضيع علي القارئ خيوط الموضوع عمداً من دون أن يصل به إلي ما يمكن الاستفادة من كل هذا الغثاء.. لنتأمل قليلا وبعمق ما يقول: "لما بأتكلم في القاهرة مثلا علي سبيل المثال وأقول إنه مصر كانت باستمرار موجودة في الدولة، في الخلافة الأموية، موجودة قبلها في الخلافات الراشدة، موجودة في الدولة الأموية، موجودة في الدولة العباسية، موجودة في دول الفاطميين والأيوبيين والمماليك لغاية العثمانيين، لما جئنا في العثمانيين حصل مسألة مهمة أوي وهي دي أعطت القاهرة دور بشكل أو آخر العثمانيين بدأ الإمبراطورية الرباط الجامع واللي كان مقبول من كل الناس، كان مقبول وكان يعني هو الهوية أو هو الرابط المقبول وحتيEven حتي إلي درجة الرعوية، كنا بنقول رعوية عثمانية.." (انتهي النص).
أسأل وبتجرد المؤرخ الناقد المنصف: هل هذا كلام مؤرخ له قصب سبق في الثقافة علي امتداد ستين سنة؟ هل باستطاعة أحد أن ينكر حقائق وبديهيات عادية يدركها حتي طلبة المدارس الابتدائية.. مصر موجودة في الدول الإسلامية! طبعا موجودة، فلماذا كل هذه السفسطة والمماحكة؟ لقد اتخذت مركزيتها عند الفاطميين والأيوبيين والمماليك.. فما الجديد في ذلك؟ لقد بقيت بغداد هي المركز التاريخي والحضاري ومن ثم غدت القاهرة مركزاً مهما، ولكنها ياهيكل افتقدت ذلك في العصر العثماني علي غرار غيرها من الولايات العربية العثمانية.. بل وغدت ولاية لا أهمية لها نحرتها أوضاعها الاقتصادية الصعبة بسبب الانقسامات المحلية بين المتسلطين من عثمانيين ومماليك.. فلا داعي لأن تؤكد الجامع المشترك لمصر الذي افتقدته بسبب الصراعات وانهيارات الداخل الاقتصادية بشكل خاص وانتشار الفساد وخصوصا في القرن الثامن عشر .
الإمبراطورية العثمانية
يستكمل صاحبنا هذيانه.. فيقول: "فإحنا الامبراطورية الخلافة العثمانية بدأت شأنها شأن كل الدول تنزل تنهار وبدت المطامع الأوروبية تهاجم المنطقة من الشرق ومن الغرب وبدت الممالك تقام وبدت السلطة المركزية للخلافة تسقط أو تتداعي، لكن فضل العلم الإسلامي والعربي في القلب مختلف عن غيرة من إقاليم الامبراطورية في حين إن الولايات اللي في أوروبا المسيحية اللي في أوروبا لقت أسهل عليها إنها تنسلخ وتستقل، فالعالم الإسلامي العربي فضل مدرك أهمية الجامع المشترك ومشفق من خطورة ما يجري للدولة العثمانية وقلق علي مصيره، لأنه باستمرار بيشعر أو هذه الواحات المتناثرة في هذا الفضاء في هذا الإقليم بتشعر بأنها لا تقدر تحقق لا أمن ولا تحقق مصلحة ولا تحقق.. خصوصا أنه الألفين وخمسمائة سنة اللي عاشت فيهم تحت جامع مشترك وجامع سياسي وعسكري، رابط لامبراطوريات زي ما قلنا من الإغريق لغاية العثمانيين، هذا الرباط أوجد موروثه الثقافي، أوجد حقائقه الاقتصادية، الاجتماعية، الفكرية بالدرجة الأولي.. " (انتهي النص) .
ويبقي في كلامه العادي الذي لا جديد فيه وهو لا يحدد زمانا أو مكانا معينين لما يريد العناية به. هناك ضعف عثماني اعقبه انهيار عثماني اعقبه سقوط عثماني.. متي حدث كل واحد منها؟ هيكل لا يعرف! هيكل يدخل دوما أنفه في ما لا يعنيه ويخرج من الموضوع بسلة مليئة بالأخطاء التي لا يمكن أن يغفرها له المؤرخون المختصون! فهو يخلط مقارنا بين ولايات العثمانيين ولا يدرك أن هناك تمييزا عثمانيا بين أقاليم روميليا وبين أقاليم اناتوليا.. بين أقاليم الشرق وبين أقاليم الغرب (طرابلس وتونس والجزائر).. هيكل لم يقرأ ولم يطلع بما كتبه المؤرخون حول علاقة الأقاليم بالسلطة العثمانية! هيكل لا يعرف سلاسل التاريخ ولا طبيعة احقاب التاريخ البشري ليطلق جامعه المشترك علي مدي ألفي وخمسمائة سنة، وكأن لا انقطاعات ولا تفاعلات ولا متغيرات حتي في تاريخ مصر نفسه؟ هكذا اطلاق مبهم من الإغريق حتي العثمانيين ما هو إلا سذاجة في قراءة الزمن. وهنا أود من الإخوة الباحثين ألا ينساقوا وراء هكذا تعميمات لا نفع فيها، لأن مصر أو غير مصر وببساطة شديدة قد ورثت بقايا التاريخ.
وأخيراً: متي يتم تعلّم الدرس؟
كم كنت أتمني أن يكون هيكل متوازنا، ليخاطب الناس بموضوعية متناهية.. إن موضوعا إشكاليا كهذا الذي أدخل نفسه فيه، ليس من الهين التوغل فيه سياسيا، والخروج بتاريخ سليم، إلا إذا كنت تريد فرض نفسك في ميدان أنت ليس أهلا له أبدا! خصوصا أن المؤرخين أنفسهم ينقسمون إلي نقيضين في تقييم هذا "الموضوع" الصعب، وعلينا أن نحترم كل المواقف كي يتكون نقيض النقيض في قابل السنين، وسيبقي تاريخ المراحل الأولي لتكويناتنا المعاصرة أمانة بأعناق المؤرخين المختصين علي مدي الأجيال القادمة، وأن أحكامهم لا يمكن أن تطلق من دون الاستعانة بالوثائق الرسمية القديمة.
إن لدي ّ ما يمكن مناقشته مع هيكل، ولكن ليس من خلال ميدان صحفي، بل أدعوه إلي مناظرة علمية في قلب جامعة أو مركز علمي أو أكاديمي حتي أثبت للعالم كله، فشل الرجل في توصيل رسالة حقيقية إلي المشاهدين العرب خصوصا الذين يشغلهم دوما تاريخنا الحديث وتعقيداته الصعبة.. كما أريد أن أمنح الجيل الجديد فكرة صائبة ليس عن خيبة رجل لا يدرك أبسط قواعد المعرفة، بل لكي أقوم بتصويب كل ما سجله تحريرياً وشفويا من آراء في تاريخ لم يدرك معانيه أبدا.
إن التاريخ الذي سجله محمد حسنين هيكل تحريريا أو شفويا حكائيا لا يمكن البتة الاعتماد عليه من كل النواحي.. إنه (تاريخ) مخطوء فيه لغو كثير، ويفتقد إلي الحركة والفعل الكبيرين! وكم اتمني علي الرجل أن يعلن الاعتراف بأخطائه، وتحمله المسئولية في تصويب ما يراه المختصون مناسبا، كي يسجّل واحدة من الحسنات التي ننتظرها منه بكل شجاعة أدبية وأخلاقية مهنية. إنه إذن مدعو الآن إلي أمرين أساسيين في مثل هذا "الموضوع": مناظرة تاريخية في جامعة معروفة أو اعتراف بما حصل من أخطاء.. وإلا فساعتبره هارباً من أية مواجهة علنية أساسها المعرفة ورد الأمانات إلي أهلها .
دعونا نعالج في حلقات قادمة نماذج أخري من بقايا هيكل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.