وفد قطري يتوجه إلى القاهرة لاستئناف المفاوضات بشأن اتفاق هدنة في غزة    شبورة مائية وأمطار خفيفة.. الأرصاد تكشف أبرز الظواهر الجوية لحالة الطقس اليوم الثلاثاء 7 مايو 2024    ياسمين عبد العزيز تكشف عن سبب طلاقها من أحمد العوضي    3 شهداء في قصف إسرائيلي استهدف منزلًا لعائلة "الدربي" غرب مدينة رفح    ضابط شرطة.. ياسمين عبد العزيز تكشف حلم طفولتها وعلاقته بفيلم «أبو شنب»    صدقي صخر: تعرضت لصدمات في حياتي خلتني أروح لدكتور نفسي    ميلكا لوبيسكا دا سيلفا: بعد خسارة الدوري والكأس أصبح لدينا حماس أكبر للتتويج ببطولة إفريقيا    خبير لوائح: أخشي أن يكون لدى محامي فيتوريا أوراق رسمية بعدم أحقيته في الشرط الجزائي    شبانة ينتقد اتحاد الكرة بسبب استمرار الأزمات    سعر الحديد والأسمنت اليوم في مصر الثلاثاء 7-5-2024 بعد الانخفاض الأخير    مصر تستعد لتجميع سيارات هيونداي النترا AD الأسبوع المقبل    وصول بعض المصابين لمستشفى الكويت جراء استهداف الاحتلال حي التنور شرق رفح    وسائل إعلام أمريكية: القبض على جندي أمريكي في روسيا بتهمة السرقة    رامي صبري يحيي واحدة من أقوى حفلاته في العبور بمناسبة شم النسيم (صور)    كاسونجو يتقدم بشكوى ضد الزمالك.. ما حقيقة الأمر؟    العاهل الأردني: الهجوم الإسرائيلي على رفح يهدد بالتسبب في مجزرة جديدة    كريم شحاتة: كثرة النجوم وراء عدم التوفيق في البنك الأهلي    صدقي صخر يكشف مواصفات فتاة أحلامه: نفسي يبقى عندي عيلة    أمين البحوث الإسلامية: أهل الإيمان محصنون ضد أى دعوة    وكيل صحة قنا يجري جولة موسعة للتأكد من توافر الدم وأمصال التسمم    لا تصالح.. أسرة ضحية عصام صاصا: «عاوزين حقنا بالقانون» (فيديو)    عيار 21 الآن بعد الارتفاع الأخير.. أسعار الذهب والسبائك اليوم الثلاثاء 7 مايو بالصاغة    مصرع سائق «تروسكيل» في تصادم مع «تريلا» ب الصف    صندوق إعانات الطوارئ للعمال تعلن أهم ملفاتها في «الجمهورية الجديدة»    عملت عملية عشان أخلف من العوضي| ياسمين عبد العزيز تفجر مفاجأة.. شاهد    صليت استخارة.. ياسمين عبد العزيز تكشف عن نيتها في الرجوع للعوضي |شاهد    التصالح في البناء.. اليوم بدء استلام أوراق المواطنين    النيابة تصرح بدفن 3 جثامين طلاب توفوا غرقا في ترعة بالغربية    مصرع شخص وإصابة 10 آخرين في حادثين منفصلين بإدفو شمال أسوان    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    وفد قطري يتوجه للقاهرة لاستئناف المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس اليوم    الدوري الإنجليزي، مانشستر يونايتد يحقق أكبر عدد هزائم في موسم واحد لأول مرة في تاريخه    مصر للطيران تعلن تخفيض 50% على تذاكر الرحلات الدولية (تفاصيل)    برلماني يطالب بإطلاق مبادرة لتعزيز وعي المصريين بالذكاء الاصطناعي    عاجل - تبادل إطلاق نار بين حماس وإسرائيل قرب بوابة معبر رفح    القومية للأنفاق تبرز رحلة بالقطار الكهربائي إلى محطة الفنون والثقافة بالعاصمة الإدارية (فيديو)    "يا ليلة العيد آنستينا وجددتي الأمل فينا".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 وأجمل عبارات التهنئة بالعيد    العمل العربيَّة: ملتزمون بحق العامل في بيئة عمل آمنة وصحية كحق من حقوق الإنسان    سؤالًا برلمانيًا بشأن عدم إنشاء فرع للنيابة الإدارية بمركز دار السلام    إبراهيم عيسى: لو 30 يونيو اتكرر 30 مرة الشعب هيختار نفس القرار    الأوقاف تعلن افتتاح 21 مسجدا الجمعة القادمة    ب800 جنيه بعد الزيادة.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي الجديدة وكيفية تجديدها من البيت    عملية جراحية في الوجه ل أسامة جلال    فيديوهات متركبة.. ياسمين عبد العزيز تكشف: مشوفتش العوضي في سحور وارحمونا.. فيديو    فرح حبايبك وأصحابك: أروع رسائل التهنئة بمناسبة قدوم عيد الأضحى المبارك 2024    استبعادات بالجملة وحكم اللقاء.. كل ما تريد معرفته عن مباراة الأهلي والاتحاد السكندري    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل كل قضاء قضيته لنا خيرًا    يوسف الحسيني: إبراهيم العرجاني له دور وطني لا ينسى    في 7 خطوات.. حدد عدد المتصلين بالراوتر We وفودافون    رغم إنشاء مدينة السيسي والاحتفالات باتحاد القبائل… تجديد حبس أهالي سيناء المطالبين بحق العودة    هل يحصل الصغار على ثواب العبادة قبل البلوغ؟ دار الإفتاء ترد    بالأسماء، إصابة 16 شخصا في حادث الطريق الصحراوي الغربي بقنا    بعد الفسيخ والرنجة.. 7 مشروبات لتنظيف جسمك من السموم    للحفاظ عليها، نصائح هامة قبل تخزين الملابس الشتوية    كيفية صنع الأرز باللبن.. طريقة سهلة    أستاذ قانون جنائي: ما حدث مع الدكتور حسام موافي مشين    في 6 خطوات.. اعرف كيفية قضاء الصلوات الفائتة    عقوبة التدخل في حياة الآخرين وعدم احترام خصوصيتهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خيبة رجل يعبد نفسه!
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 18 - 10 - 2009

عرفنا من الحلقة السابقة أن الإنسان إن وجد في نفسه ضعفا وركاكة واعوجاجا عليه أن يحترم تاريخه وما أنجزه لا أقول أن ينعزل عن الناس أو يتقاعد، بل أقول أن يحترس ولا يهذي..وحسنا جدا تفعل قناة الجزيرة إذ تنقل حرفيا ما يقوله ضيوفها علي شاشتها بالكامل، فتوضح للعالم كله شخصيتهم اللغوية وحجم ثقافتهم ونسبة معلوماتهم.. إن عصر شبكة المعلومات الدولية يكشف كالمرآة ما يتمتع به كل مشارك شفويا وتحريريا..
فلسفة الثورة
قرأت النص التالي، وكنت قد أشرت في كتابي السابق »تفكيك هيكل« إلي أن محمد حسنين هيكل يتشدق علنا بأنه هو نفسه الذي كتب كرّاس "فلسفة الثورة" الذي نشر باسم الرئيس جمال عبدالناصر! وعليه فإن هيكل قد أساء إساءة بالغة لسيده، علما بأن اسم هيكل قد بدأ " في الانتشار والشهرة لقربه من عبدالناصر بشكل لم يحظ به أي كاتب عربي أو أجنبي، واستنادا إلي هيكل نفسه أنه هو من كتب الكتيب الذي نشر باسم (فلسفة الثورة) منسوبا لجمال عبدالناصر. ومن شاهد حلقة فضائية الجزيرة (مع هيكل) بتاريخ 12 أكتوبر 2006 حول هذا الموضوع، فسيجد هيكل يكيل لنفسه الأمجاد، ويملأ ذاته بالنفخة وأدوار العظمة، ويجعل من عبدالناصر تلميذا في معبده، والحقيقة ليست هكذا أبداً!
وسواء كتب هيكل فلسفة الثورة أم لم يكتبها، فلا يحتاج الأمر إلي اللف والدوران ورواية قصص بعيدة عن الموضوع، ولا يستطيع أحد معرفة صحتها من كذبها، وكما قّلل نفسه من شأن (فلسفة الثورة)، فوصفه ب(كتيب) كي ينزع عنه أي أهمية، كونه يتألف من مقالات ثلاث جمعت في ذاك "الكتيب " . كنت أتمني أن يكون الرئيس عبدالناصر يستمع إلي هذيان هيكل وحكاياته غير الموثقة من دون شاهد اثبات!
يقول هيكل حرفيا: (أنا الكاتب ولكني لست المؤلف وجمال عبدالناصر ليس المؤلف وحده، ولكن اللحظة التاريخية وحوارات أجريتها معه وحوارات حصلت مع غيره).
يقول أحد النقاد معلقا:
" فمن من القراء يستطيع أن يفهم من هذه الجملة من هو مؤلف الكتاب؟. هل هو جمال عبدالناصر أم هيكل أم اللحظة التاريخية أم غيره؟ وهل سبق أن سمع أحد في الشرق أو الغرب عن مؤلف اسمه (اللحظة التاريخية؟). وصفة (اللف والدوران) كما يقولون في الشارع المصري سمة من سمات أحاديث هيكل، فلا تركيز علي موضوع الحلقة إذ لا مفر من اختلاق أمور شخصية كلها تؤدي لأهميته ودوره في الأحداث ودوما الدور الفاعل المؤثر الذي يؤخذ في الحسبان لدي العديد من دوائر صنع القرار، وشيء طبيعي عنده أن يقول أكثر من مرة عن ملك أو رئيس عربي أنه قابله أكثر من خمسمائة مرة، وهذا لا يعني إلا أن ذلك الرئيس أو الملك لا عمل ولا مهمات لديه سوي استقبال هيكل والجلوس معه والاستماع إليه.
في بعض حلقات أحاديثه أحصيت أنه كرَّر كلمة (أنا) أكثر من 100 مرة، وهذا لا يمكن تفسيره إلا بالغرور الزائد أو النرجسية المريضة، لأنه فيما يتعلق بحقبة الرئيس جمال عبدالناصر من يستمع لهيكل ويقرأ ما كتبه عنها لا يخرج إلا بانطباع واحد وهو أن هيكل كان الحاكم والمخطط والمنفذ وليس جمال عبدالناصر، وربما يعبر عن هذا ما هو منسوب لأحد الرؤساء أنه قال لهيكل في لقاء معه (أنت لم تكن رجل عبدالناصر، أظن أن عبدالناصر كان رجلك)، والمغزي الباطن في هذا القول لا يعني سوي ما أشرت إليه من غرور ونرجسية تصل لحد التلفيق خاصة أنه يروي عن أموات لا يستطيع أحد من البشر استنطاقهم في قبورهم ليؤكدوا أو ينفوا صحة ما يرويه عن نفسه معهم بشكل دائم.
رواسب التفكير الأنوي
إن التفكير الأنوي الذي سيطر علي شخصية هيكل منذ اكثر من خمسين سنة، لم تزل ترسباته راسخة في عقله الباطن ولم يستطع الانفصال عنه أبدا، وأن يري نفسه ليس فوق عقول وضمائر الكثير من المثقفين والسياسيين والأكاديميين العرب، بل ويجعل من نفسه أسطورة الأساطير، فإذا كان قد وصف عبدالناصر كونه أسطورة، فما معني تجريد الرجل من تأليف "فلسفة الثورة"؟
وكأنه يقول للعالم: أنا الذي خلقت هذه الأسطورة لكم، وأنا الذي صنعت هذا العملاق أمامكم..
وسنعالج لاحقا ما كتبه عن عبدالناصر وحكاياته المفبركة عن لقاءاته مع مثقفين غربيين كبار وما قالوه له عن عبدالناصر.. وستستمتع طويلا بذاك النسيج من القصص الخيالية. كنت أتمني علي الرجل وبعد كل ما كتب عنه من انتقادات علمية وسياسية ومنهجية أن يتعلم منها كون من كتب عنه ليسوا كلهم من أقرانه أو من يحمل صفاته، بل هناك من ساسة قدماء وأساتذة كبار..
إنه يتصور أن الساحة خالية تماما من المتابعين والنقاد والمحللين، وأن ليس هناك من كاتب حكائي إلا هيكل، فيذهب ويشتط بعيداً علي عادته، وليس باستطاعته أبداً التخّلي عن كل ما ترسّخ عنده أو التخلص من كل ترسباته القديمة وسيكولوجيته الصعبة برغم كل التحولات التي طرأت علي حياتنا كاملة في السنوات العشر الأخيرة.
الفراغ الفكري
إن سر بقائه مسيطر علي مثل هذه "المكانة" التي يعتبرها مع مؤيديه مكانة عليا، لم تأت إلا بسبب بؤس حياتنا السياسية العربية، والتي تعيش اليوم فراغاً سياسياً وفكرياً هائلا بسبب انسحاب تيارين أساسيين فاشلين من الساحة، أي بمعني انسحابهما من تفكيرنا وواقعنا، كما قلت ذلك في أكثر من مكان، وهما الفكر القومي العربي الذي سيطر علي عواطف الناس لمدة 30 سنة (1949 1979)، لكي يحل بدلاً منه الإسلام السياسي الذي سيكمل مع العام 2009، ثلاثين سنة من حياته.
أما ثانيهما: فكان يتمثل بالشيوعية العالمية التي سادت في منطقتنا علي مرحلتين: مرحلة التأسيس (1917- 1947) ومرحلة الحرب الباردة التي تبلورت لما بعد الحرب العالمية الثانية وحتي العام 1979 مروراً بعهد الوفاق بين المعسكرين.
دعونا منه كي نلتفت إلي تياراتنا وأهوائنا واتجاهاتنا. مائة سنة مرت ولم تحقق القومية العربية أهدافها. فهل ننتظر مائة سنة أخري حتي تتحقق تلك الأهداف؟ عشرات بل مئات الاحزاب الدينية الإسلامية ولدت في غضون أقل من ثلاثين سنة إثر ما سمي ب"الصحوة الدينية"، فهل ننتظر ثلاثين سنة أخري من أجل أن يحقق الإسلاميون أمنياتهم وتصوراتهم ولن تتحقق؟ انتهت الشيوعية العالمية من فوق الأرض بعد أن انتحرت ولم تكمل رسالتها. ولم يزل هناك من يصفق لها ويسبّح بحمدها! انتهي بعض الحكام المتوحشين الذين حكموا بالحديد والنار. ولم يزل هناك من يمجد ذكراهم بالرغم من كل ما اقترفوه بحق أوطانهم ومستقبل أجيالهم!
تخبّط جغرافي
اسمعوه ماذا يقول.. يقول هيكل: "دعونا الحاجة الغريبة إنه في مصر بالتحديد عمرها ما كان ممكن تقدر تعيش لوحدها لسبب واضح وهو إنه منبع حياتها كان خرج موقع نظرها، النيل عمرنا ما شفنا منابع النيل لكن عشنا باستمرار علي النيل لكن كان باستمرار بره، باستمرار كان هو بعيد في وسط إفريقيا وما وصلنا لوش إلا في القرن التاسع عشر، لم نعرف من أين ينبع النيل وعملنا أساطيل الدنيا، اللي أنا عايز أقوله إيه إنه بالدرجة الأولي إنه فكرة الحدود السياسية استولت علينا وارتبطت بفكر الاستقلال وهو مسألة مهمة جداً، لكن نبقي عارفين أين الاستقلال وأين.. ما هو أوسع من الاستقلال؟ أين هو الجامع المشترك؟" (انتهي النص).
وأسأل: ما الذي نفهمه من هذا الخلط والتشبيه؟ إذا ما عرفنا أن مصر ليس باستطاعتها العيش لوحدها ولا علاقة لمنابع نهر النيل بالموضوع لا من قريب ولا من بعيد، فأغلب الدول الممتلكة لأنهار طوال، لا علاقة لها بالمنابع، بل لها علاقة بالمياه المتشاطئة التي تمتلكها جيرانها، وهذا ما نلحظه من علاقة جغرافية عضوية بين مصر والسودان ليس إلا.
وإذا كانت مصر معبراً، فهي ليس بمعبر نحو أعماق أفريقيا، بل هي حلقة وصل بين الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فالعلاقة بينها وبين الاخرين إقليمية. وعليه، فهي ليست معبراً قاريا بين قارتين اثنتين مقارنة بينها وبين تركيا التي تعتبر حلقة وصل بين الشرق والغرب.
إن هيكل يدافع عن الجامع المشترك (وكنت أتمني عليه أن يسمّيه الرابط المشترك) ويقف حيال الاستقلال.. وكأن مصر لم تكن لها شخصيتها التاريخية وخصوصيتها الجغرافية. ولا ندري أين يريد هيكل الوصول بنا؟ هل يريد الدعوة إلي جامع قومي مشترك نحو الوحدة العربية التي ازدهرت شعاراتها في القرن العشرين؟ أم يريد القول بأن مصر جامع إقليمي مشترك نحو الشرق الأوسط التي تزدهر مشكلاته اليوم؟ أم يريد القول بأن مصر جامع دولي وقاري مشترك نحو أفريقيا؟ وهذا ما لم نلحظه أبداً.
تخبّط تاريخي
ونبقي مع هيكل في هذيانه وتخبطاته وخلطه المبهم بين الاشياء والعناصر بحيث يضيع علي القارئ خيوط الموضوع عمداً من دون أن يصل به إلي ما يمكن الاستفادة من كل هذا الغثاء.. لنتأمل قليلا وبعمق ما يقول: "لما بأتكلم في القاهرة مثلا علي سبيل المثال وأقول إنه مصر كانت باستمرار موجودة في الدولة، في الخلافة الأموية، موجودة قبلها في الخلافات الراشدة، موجودة في الدولة الأموية، موجودة في الدولة العباسية، موجودة في دول الفاطميين والأيوبيين والمماليك لغاية العثمانيين، لما جئنا في العثمانيين حصل مسألة مهمة أوي وهي دي أعطت القاهرة دور بشكل أو آخر العثمانيين بدأ الإمبراطورية الرباط الجامع واللي كان مقبول من كل الناس، كان مقبول وكان يعني هو الهوية أو هو الرابط المقبول وحتيEven حتي إلي درجة الرعوية، كنا بنقول رعوية عثمانية.." (انتهي النص).
أسأل وبتجرد المؤرخ الناقد المنصف: هل هذا كلام مؤرخ له قصب سبق في الثقافة علي امتداد ستين سنة؟ هل باستطاعة أحد أن ينكر حقائق وبديهيات عادية يدركها حتي طلبة المدارس الابتدائية.. مصر موجودة في الدول الإسلامية! طبعا موجودة، فلماذا كل هذه السفسطة والمماحكة؟ لقد اتخذت مركزيتها عند الفاطميين والأيوبيين والمماليك.. فما الجديد في ذلك؟ لقد بقيت بغداد هي المركز التاريخي والحضاري ومن ثم غدت القاهرة مركزاً مهما، ولكنها ياهيكل افتقدت ذلك في العصر العثماني علي غرار غيرها من الولايات العربية العثمانية.. بل وغدت ولاية لا أهمية لها نحرتها أوضاعها الاقتصادية الصعبة بسبب الانقسامات المحلية بين المتسلطين من عثمانيين ومماليك.. فلا داعي لأن تؤكد الجامع المشترك لمصر الذي افتقدته بسبب الصراعات وانهيارات الداخل الاقتصادية بشكل خاص وانتشار الفساد وخصوصا في القرن الثامن عشر .
الإمبراطورية العثمانية
يستكمل صاحبنا هذيانه.. فيقول: "فإحنا الامبراطورية الخلافة العثمانية بدأت شأنها شأن كل الدول تنزل تنهار وبدت المطامع الأوروبية تهاجم المنطقة من الشرق ومن الغرب وبدت الممالك تقام وبدت السلطة المركزية للخلافة تسقط أو تتداعي، لكن فضل العلم الإسلامي والعربي في القلب مختلف عن غيرة من إقاليم الامبراطورية في حين إن الولايات اللي في أوروبا المسيحية اللي في أوروبا لقت أسهل عليها إنها تنسلخ وتستقل، فالعالم الإسلامي العربي فضل مدرك أهمية الجامع المشترك ومشفق من خطورة ما يجري للدولة العثمانية وقلق علي مصيره، لأنه باستمرار بيشعر أو هذه الواحات المتناثرة في هذا الفضاء في هذا الإقليم بتشعر بأنها لا تقدر تحقق لا أمن ولا تحقق مصلحة ولا تحقق.. خصوصا أنه الألفين وخمسمائة سنة اللي عاشت فيهم تحت جامع مشترك وجامع سياسي وعسكري، رابط لامبراطوريات زي ما قلنا من الإغريق لغاية العثمانيين، هذا الرباط أوجد موروثه الثقافي، أوجد حقائقه الاقتصادية، الاجتماعية، الفكرية بالدرجة الأولي.. " (انتهي النص) .
ويبقي في كلامه العادي الذي لا جديد فيه وهو لا يحدد زمانا أو مكانا معينين لما يريد العناية به. هناك ضعف عثماني اعقبه انهيار عثماني اعقبه سقوط عثماني.. متي حدث كل واحد منها؟ هيكل لا يعرف! هيكل يدخل دوما أنفه في ما لا يعنيه ويخرج من الموضوع بسلة مليئة بالأخطاء التي لا يمكن أن يغفرها له المؤرخون المختصون! فهو يخلط مقارنا بين ولايات العثمانيين ولا يدرك أن هناك تمييزا عثمانيا بين أقاليم روميليا وبين أقاليم اناتوليا.. بين أقاليم الشرق وبين أقاليم الغرب (طرابلس وتونس والجزائر).. هيكل لم يقرأ ولم يطلع بما كتبه المؤرخون حول علاقة الأقاليم بالسلطة العثمانية! هيكل لا يعرف سلاسل التاريخ ولا طبيعة احقاب التاريخ البشري ليطلق جامعه المشترك علي مدي ألفي وخمسمائة سنة، وكأن لا انقطاعات ولا تفاعلات ولا متغيرات حتي في تاريخ مصر نفسه؟ هكذا اطلاق مبهم من الإغريق حتي العثمانيين ما هو إلا سذاجة في قراءة الزمن. وهنا أود من الإخوة الباحثين ألا ينساقوا وراء هكذا تعميمات لا نفع فيها، لأن مصر أو غير مصر وببساطة شديدة قد ورثت بقايا التاريخ.
وأخيراً: متي يتم تعلّم الدرس؟
كم كنت أتمني أن يكون هيكل متوازنا، ليخاطب الناس بموضوعية متناهية.. إن موضوعا إشكاليا كهذا الذي أدخل نفسه فيه، ليس من الهين التوغل فيه سياسيا، والخروج بتاريخ سليم، إلا إذا كنت تريد فرض نفسك في ميدان أنت ليس أهلا له أبدا! خصوصا أن المؤرخين أنفسهم ينقسمون إلي نقيضين في تقييم هذا "الموضوع" الصعب، وعلينا أن نحترم كل المواقف كي يتكون نقيض النقيض في قابل السنين، وسيبقي تاريخ المراحل الأولي لتكويناتنا المعاصرة أمانة بأعناق المؤرخين المختصين علي مدي الأجيال القادمة، وأن أحكامهم لا يمكن أن تطلق من دون الاستعانة بالوثائق الرسمية القديمة.
إن لدي ّ ما يمكن مناقشته مع هيكل، ولكن ليس من خلال ميدان صحفي، بل أدعوه إلي مناظرة علمية في قلب جامعة أو مركز علمي أو أكاديمي حتي أثبت للعالم كله، فشل الرجل في توصيل رسالة حقيقية إلي المشاهدين العرب خصوصا الذين يشغلهم دوما تاريخنا الحديث وتعقيداته الصعبة.. كما أريد أن أمنح الجيل الجديد فكرة صائبة ليس عن خيبة رجل لا يدرك أبسط قواعد المعرفة، بل لكي أقوم بتصويب كل ما سجله تحريرياً وشفويا من آراء في تاريخ لم يدرك معانيه أبدا.
إن التاريخ الذي سجله محمد حسنين هيكل تحريريا أو شفويا حكائيا لا يمكن البتة الاعتماد عليه من كل النواحي.. إنه (تاريخ) مخطوء فيه لغو كثير، ويفتقد إلي الحركة والفعل الكبيرين! وكم اتمني علي الرجل أن يعلن الاعتراف بأخطائه، وتحمله المسئولية في تصويب ما يراه المختصون مناسبا، كي يسجّل واحدة من الحسنات التي ننتظرها منه بكل شجاعة أدبية وأخلاقية مهنية. إنه إذن مدعو الآن إلي أمرين أساسيين في مثل هذا "الموضوع": مناظرة تاريخية في جامعة معروفة أو اعتراف بما حصل من أخطاء.. وإلا فساعتبره هارباً من أية مواجهة علنية أساسها المعرفة ورد الأمانات إلي أهلها .
دعونا نعالج في حلقات قادمة نماذج أخري من بقايا هيكل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.