حجازي يشارك في فعاليات المُنتدى العالمي للتعليم 2024 بلندن    رئيس جامعة المنصورة يتفقد سير امتحانات الفصل الدراسي الثاني بالكليات    وزير العمل يُعلن عدم إدراج مصر على قائمة الملاحظات الدولية لعام 2024    رئيس النواب: القطاع الخاص لن يؤثر على تقديم الخدمة للمواطن أو سعرها    وزيرة التضامن تلتقي بنظيرها البحريني لبحث موضوعات ريادة الأعمال الاجتماعية    باسل رحمي: جهاز تنمية المشروعات يحرص على دعم للمشروعات الابتكارية    نواب يوافقون على مشروع قانون المنشآت الصحية: صحة المواطن أولوية    رئيس جهاز السويس الجديدة تستقبل ممثلي القرى السياحية غرب سوميد    شون وصوامع المنيا تواصل استقبال القمح وتوريد 244 ألف طن منذ بدء الموسم    زياده 11%.. موانئ البحر الأحمر تحقق تداول 704 آلاف طن بضائع عامة خلال أبريل الماضي    وزارة التجارة والصناعة تستضيف اجتماع لجنة المنطقة الصناعية بأبو زنيمة    الشرطة الإسرائيلية تقتل فلسطينيا بزعم محاولته تنفيذ عملية طعن    الوقوف فى طابور وحفر المراحيض وصنع الخيام..اقتصاد الحرب يظهر فى غزة    ولي العهد السعودى يبحث مع مستشار الأمن القومى الأمريكى الأوضاع فى غزة    أوكرانيا: القوات الجوية تسقط 37 طائرة روسية دون طيار    المصرين الأحرار عن غزة: الأطراف المتصارعة جميعها خاسرة ولن يخرج منها فائز في هذه الحرب    أخبار الأهلي: تفاصيل إصابة علي معلول    مدينة مصر توقع عقد رعاية أبطال فريق الماسترز لكرة اليد    نصائح لأولياء أمور طلاب الثانوية العامة.. كيف نواجه قلق الامتحانات؟    الأرصاد: استمرار الموجة شديدة الحارة حتى هذا الموعد    ضبط 100 مخالفة متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز والأسواق فى المنيا    إصابة 4 مواطنين فى مشاجرة بين عائلتين بالفيوم    إحالة أوراق عامل للمفتى قتل جدته المسنة لسرقة مشغولاتها الذهبية في البحيرة    الحب لا يعرف المستحيل.. قصة زواج صابرين من حبيبها الأول بعد 30 سنة    عماد الدين حسين: تعطيل دخول المساعدات الإنسانية لغزة فضح الرواية الإسرائيلية    وزيرة التضامن الاجتماعي تشهد إطلاق الدورة الثانية لملتقى تمكين المرأة بالفن    توقعات الأبراج 2024.. «الثور والجوزاء والسرطان» فرص لتكوين العلاقات العاطفية الناجحة    رئيس النواب يذكر الأعضاء بالضوابط: ارفض القانون أو جزءا منه دون مخالفة القواعد    إزاي تحمى أطفالك من أضرار الموجة الحارة    تعرف على شروط مسابقة «التأليف» في الدورة ال 17 لمهرجان المسرح المصري    صور| باسم سمرة ينشر كواليس فيلمه الجديد «اللعب مع العيال»    في ذكرى وفاته.. محطات بارزة في تاريخ حسن مصطفى    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-5-2024    ترامب ينتقد بايدن مجددًا: «لا يستطيع أن يجمع جملتين معًا»    حنورة: يمكن للشركات المصرية التقدم لعطاءات الطرح العالمي للجهات الدولية بالخارج    وزير الصحة: التأمين الصحي الشامل "مشروع الدولة المصرية"    طريقة عمل الكمونية المصرية.. وصفة مناسبة للعزومات    رضا عبد العال: الأهلي حقق المطلوب أمام الترجي    افتتاح دورة تدريبية عن تطبيقات تقنيات تشتت النيوترونات    القومي لحقوق الإنسان يستقبل السفير الفرنسي بالقاهرة لمناقشة التعاون المشترك    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    موعد عيد الأضحى 2024 وجدول الإجازات الرسمية في مصر    الأمور تشتعل.. التفاصيل الكاملة للخلافات داخل مجلس الحرب الإسرائيلي    بيت الأمة.. متحف يوثق كفاح وتضحيات المصريين من أجل استقلال وتحرير بلادهم    رفع اسم محمد أبو تريكة من قوائم الإرهاب    منها «تناول الفلفل الحار والبطيخ».. نصائح لمواجهة ارتفاع درجات الحرارة    «البحوث الإسلامية» يوضح أعمال المتمتع بالعمرة إلى الحج.. «لبيك اللهم لبيك»    استقرار سعر الدولار مقابل الجنيه المصري في أول أيام عمل البنوك    إقبال الأطفال على النشاط الصيفي بمساجد الإسكندرية لحفظ القرآن (صور)    حقيقة فيديو حركات إستعراضية بموكب زفاف بطريق إسماعيلية الصحراوى    إصابات مباشرة.. حزب الله ينشر تفاصيل عملياته ضد القوات الإسرائيلية عند الحدود اللبنانية    بعثة الأهلي تغادر تونس في رحلة العودة للقاهرة بعد التعادل مع الترجي    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    الحكم الشرعي لتوريث شقق الإيجار القديم.. دار الإفتاء حسمت الأمر    تعليق غريب من مدرب الأهلي السابق بعد التعادل مع الترجي التونسي    محمود أبو الدهب: الأهلي حقق نتيجة جيدة أمام الترجي    عماد النحاس: وسام أبو علي قدم مجهود متميز.. ولم نشعر بغياب علي معلول    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيها ال (بابا) لو أعملتَ عقلكَ.. لاعتنقتَ الإسلامَ الذي تتهجّم عليه
نشر في الشعب يوم 23 - 09 - 2006


بقلم : الدكتور محمد بسام يوسف

يقول الدكتور (غرونييه) : [إني تتبّعت كل الآيات القرآنية ذات الارتباط بالعلوم الطبية والصحية والطبيعية.. فوجدتُ هذه الآيات منطبقةً كل الانطباق على معارفنا الحديثة.. فأعلنتُ إسلامي، لأنني تيقّنت أنّ محمداً (عليه الصلاة والسلام) قد أتى بالحق الأبلج.. ولو أنّ كلَّ صاحب علمٍ من العلوم قارن جيداً كلَّ الآيات القرآنية المرتبطة بما تعلّمه، كما فعلتُ أنا.. لأسلم بلا شك، إن كان عاقلاً خالياً من الأغراض]!.. (من كتاب: محمد رسول الله، للكاتب آتين دينييه).
والدكتور (غرونييه) نائب في البرلمان الفرنسيّ، اعتنق الإسلام لسببٍ واحدٍ فقط، هو أنه وجد في هذا الدين العظيم أساساً لكل العلوم الحديثة، وأنّ القرآن العظيم الذي نزل من عند الله سبحانه وتعالى منذ أكثر من أربعة عشر قرناً مضت.. فيه من المنهج العلميّ، ما يجعله مرشداً واسعاً، لكل صاحب عقلٍ علميٍ يبتغي الوصول إلى حقائق المعرفة والعلم، ولكل مَن ينهج نهج العلم المحض والتفكير العلميّ السليم!..
لقد قام الإسلام على الإيمان الحرّ المطلق، ودعا إلى اعتناق عقيدته بالحجة والبرهان، وأثار عند الإنسان مَلَكَةَ التفكير، واستحثّ عقلَه ليصل إلى اليقين الكامل إيماناً والتزاماً وثباتاً، وعملاً خالصاً لوجه الخالق عز وجل، ولتحرير الإنسانية من الشقاء والعذاب، وذلك بتنفيذ منهج الله عز وجل الحكيم الرحمن الرحيم العليم: (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ..) (يونس:101)، (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ..)!.. (العنكبوت:20).. وحين يدعو الإسلامُ الناسَ إلى الإيمان، يبيّن لهم طريقَ الخير وطريقَ الشرّ، ثم يحثّ على التفكير بكلٍ منهما، وعلى استثارة العقل بأعلى طاقاته، لاتخاذ القرار الحاسم: إما إلى الإيمان أو إلى الضلال والكفر: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ..) (الروم: من الآية8)، وكل مَن يُعمِل عقلَه ويفكّر ويتدبّر ويتحرّر من هوى النفس.. كل مَن يفعل ذلك عبر التاريخ.. لا شك سيؤمن بعقيدة الإسلام عن اقتناعٍ وإصرارٍ وثبات.. وحين يزداد الإنسان علماً وقدرةً على استخدام طاقاته العقلية.. فإنه سيكون أقرب ما يكون إلى الإيمان بعقيدة الإسلام: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الجاثية:13)، نعم، لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ!..
الإنسان في نهج الإسلام حرّ في اختياره، ومسؤول عن هذا الاختيار، والإسلام لم ينتشر بالعنف ولم يُجبِر الناسَ على اعتناقه إجباراً، وإنما كان الإسلام دائماً يدعو إلى تحقيق عزّة المسلم، وإلى امتلاك القوة الكفيلة بحماية المسلمين وأوطانهم وثرواتهم وأعراضهم ودمائهم، من اعتداءات الآخرين.. وحين كان طواغيت الأرض يحولون بين الناس وبين الإسلام العادل المحرِّر لهم.. كانت القوة كفيلةً بتحطيم عروش أولئك الطواغيت، بهدف تحرير الناس من عبودية بعضهم بعضاً، إلى عبادة الله عز وجل الواحد الأحد، وليس بهدف السيطرة على الأوطان ونشر القتل والفساد والدمار، وسرقة الثروات وتحقيق المآرب العدوانية.. فقد كان الإسلام وما يزال، محرِّراً للبشر وليس محوِّلاً لهم إلى عبيدٍ يُسَبِّحون بحمد القوة التي تسيطر عليهم وعلى أوطانهم وثرواتهم وأعراضهم وإنسانيتهم!..
الفرق واسع جداً، بين أن يجاهدَ الإنسان لتحرير الناس، من العبودية البشرية الظالمة بشتى أنواعها، ونقلهم إلى عبادة الخالق وحده سبحانه وتعالى.. وبين أن يقوم مَن يمتلكون القوّة ويحتكمون إليها بالسيطرة على الإنسان، لإذلاله وإخضاعه لمخططاتهم الدنيئة الطاغية الظالمة غير الإنسانية، وكذلك لنزعاتهم العدوانية الدموية، التي تسحق الإنسان، وتجرّده تماماً من كرامته وإنسانيته!.. وهل كانت (العُهْدة العُمَرية) أو وثيقة الخليفة (عمر بن الخطاب) رضي الله عنه، بمنح الأمان لنصارى بيت المقدس، وباحترام كرامتهم الإنسانية ودينهم وعقيدتهم النصرانية التي اختاروها لأنفسهم.. هل كانت إلا ضمن هذا السياق الإسلاميّ، الذي يمثّل تنفيذ أرقى ما يمكن من العلاقات الإنسانية بين البشر؟!.. وهل كان نهج الرسول الكريم محمدٍ صلى الله عليه وسلم: (اذهبوا فأنتم الطلقاء)، الذي اتبعه مع مَن طردوه وطاردوه وحاصروه وعذّبوا أصحابَه وقتلوا أعز الناس إلى قلبه ونفسه.. هل كانت إلا ترجمةً حيّةً لأسطع الأدلّة على سماحة الإسلام، وعلى رقيّ الأخلاق التي يدعو إليها، لتحقيق كرامة الإنسان في أفضل حالاتها؟!.. وهل دخل الناس في دين الإسلام أفواجاً إلا باختيارهم الكامل، بعد أن ظهر الحق وزهق الباطل، وتبيّن للناس النور من الظلام؟!..
لقد تنزّل الإسلام، على قاعدةٍ ربانيةٍ خلاّقةٍ كريمة: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ..) (البقرة: من الآية256)، ثم تأسّس على: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ) (الغاشية:21 و22)، ثم انتشر على غير ما يزعمه بابا الفاتيكان (بنيديكت السادس عشر)، بل على عكس ما زعمه وأصرّ عليه وافتراه: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)؟!.. (يونس:99).
(.. قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ..)؟!.. (الزمر: من الآية9).. هي القاعدة الأساس في النهج الإسلاميّ القويم، وفي كينونته ووسيلته في الارتقاء المستمر، الذي لا ينتهي عند حدٍ من الحدود.. هي القاعدة التي يؤكّدها قول العزيز الحكيم، راسماً طريق الفكر والتفكّر المستمر، لاستمرار الحياة الإنسانية في أرقى درجاتها: (.. قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ)؟!.. (الأنعام: من الآية50).. وعلى هذه القاعدة الربانية اعتنق ملايينُ البشر في العصر الحديث الإسلامَ، ولم يكن لهم من وسيلةٍ للوصول إليه إلا التفكير، وانطلاق العقل من عقاله، وانطلاقة العلم في إشعاعات عقلٍ سليمٍ معافى.. وعلى هذا الأساس أسلم آلاف المفكرين والسياسيين والعلماء والمتنوِّرين والمثقّفين الغربيين، من أمثال: (روجيه جارودي)، الذي اكتشف عظمة الإسلام من خلال (كشف زيف الحضارة الغربية والأميركية القائمة على العنف والقتل واستباحة الشعوب)، والبروفيسور الهندي عز الدين أو (ناشكانتا)، الذي وجد (أنّ الإسلام يتناغم منسجماً مع الحكمة والعقل).. والمبشِّرة النصرانية الأصل (فيلما وليم) التي أسلمت فور سماعها (سورة مريم) واكتشافها من خلال ذلك (عظمة الإسلام ورقيّه الأخلاقي وشموله كلَ الخير للبشرية)، فتحوّلت من مبشِّرةٍ نصرانية إلى داعيةٍ إسلامية.. والمحامي الإيطالي (روزايو باسكويني)، الذي اعتنق الإسلام (بعد دراساتٍ معمّقة وبحثٍ عميقٍ عن الحقيقة).. والبروفيسور الأميركي (ريكيفول)، الذي (انبهر بسماحة الإسلام ومنطقه العلميّ الدقيق وبساطته وعقلانيته وتوازنه وحَثّه على الرقيّ الحضاريّ والثقافيّ)، ومدير مكتب البابا بولس السادس (الكونت دو)، الذي أعمل عقله فاكتشف أنه (من المستحيل أن يكون يسوع ابن الله) أو (أن تكون مريم العذراء والدة الله)!.. كما اكتشف (أنّ الإسلام يحترم النصرانية واليهودية ويُجِلّ أنبياءهما لأنهما دينان سماويان)!.. (مجلة نور الإسلام).
لقد جسّد اعتناقُ مَن ذكرنا آنفاً دينَ الإسلام.. جسّد بكل التفاصيل قولَ العزيز الحكيم: (.. إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء..) (فاطر: من الآية28).. فهل كل هؤلاء وغيرهم من ملايين الغربيين الذين اعتنقوا الإسلام.. اعتنقوه بالعنف بعيداً عن العقل والعلم؟!.. وهل جسّدت مزاعم بابا الفاتيكان موقف العالِم العاقل الخالي من الأغراض المشبوهة؟!..
لعله قد غاب عن (البابا) أنّ الحضارة الإسلامية الأندلسية وعلومها.. قد أنارت أوروبة والغرب بإشعاعاتها وفنونها، يوم كان قومه مندثرين تحت ظلاماتٍ متراكمة، وأنّ ذلك التقدّم الحضاري العلمي العقلي كله، كان الإسلام هو مادته وقوّته الدافعة الحقيقية الوحيدة!.. ولعل (البابا) لا يعرف حتى الآن، بأنّ الحضارة الغربية القائمة اليوم، قد تأسّست على حضارة المسلمين المنبثقة عن الإسلام نفسه.. بل لعله لم يكتشف أنّ كل ما يُنسَب اليوم إلى الغرب من علمٍ وعلوم، قد قام أصلاً على المنهج التجريبي الإسلاميّ، الذي أسّسه المسلمون وعلماؤهم الأفذاذ في بغداد ودمشق وقرطبة!..
ليست تصريحات بابا الفاتيكان الأخيرة، إلا حلقةً في سياق الحرب المفتوحة، التي أعلنها ويخوضها ضد الإسلام والمسلمين، بعضُ قادة الغرب وزعماؤهم، الذين جمّدوا عقولهم، وانساقوا وراء سطوة القوة والجبروت والطغيان، وجسّدوا في سلوكهم الفرق الجوهريّ بين عقل الإسلام والعقل الغربي المأسور بقيد الوسيلة-الغاية، التي يستملكونها، ثم يستخدمونها بعيداً عن مقتضيات العقل والحكمة، فتتحوّل منتجات حضارتهم إلى أدواتٍ فتّاكةٍ تفتك بمصائر الشعوب والأوطان، وتقود العالَم إلى التدمير الشامل!.. بينما كان سرّ ارتقاء الحضارة الإسلامية هو الربط المحكَم بين أركان منظومةٍ محكَمة الترابط: (العلم، ولخلق الإنسانيّ القويم، والإيمان)، فالعقل والعلم يبحثان عن الوسائل الراقية للتقدّم، والخلق القويم يقيّد الوسيلة بقيد السلوك الإنسانيّ الهادف البنّاء، والإيمان يضبط كل ذلك ويفتح المجالات على مصاريعها لانطلاق طاقات العقل على أشدها.. فتنتج عن هذه التفاعلات حضارة راقية تنهل من خيرها كلُ البشرية، وتحقق عمارة الأرض بأفضل صورةٍ إنسانيةٍ حقيقية.. وشتان بين حضارة التعمير وحضارة التدمير!.. (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (الروم:9).
قلنا : إن تصريحات (البابا) الأخيرة الظالمة، لا تخرج عن السياق العام الذي رسمته الإدارة الأميركية المتصهينة، في حملتها التي أطلق عليها (بوش الصغير) اسم: (الحملة الصليبية)، وقد تكامل الدور الصليبي الأميركي مع الدورَيْن الأوروبي والصهيوني، ليخلّف دماراً هائلاً لأوطاننا وشعوبنا وأرضنا، بدأ في أفغانستان، ولم ينتهِ في العراق، وما يزال يمارَس فيهما وفي فلسطين والشيشان وغيرها من أوطان المسلمين.. يمارَس بأبشع درجات الجنون والبشاعة والعنف والعدوان.. وقد سبقت تصريحَ (البابا) تصريحاتٌ متناغمة صدرت عن بعض رجالات الكنيسة ودوائر السياسة الغربية: [في كانون الثاني 2004م، وصف عضو الحزب الوطني البريطاني (نيك جريفن) الإسلامَ بأنه (عقيدة فاسدة)!.. وفي أيار 2005م دعا المذيع الأميركي (مايكل غراهام) إلى ضرب مكة المكرمة وتدمير الكعبة المشرَّفة.. بالسلاح النووي، فضلاً عن تصريحات القس الأميركي (فرانكلن غراهام)، الذي وصف فيها الإسلام بالدين الشرّير والعنيف.. وتصريحات الحاخام الأميركي (مارفين هير)، الذي وصف القرآن بالكتاب المتطرّف،..].. فهل سمع (البابا) عما مارسه ويمارسه حلفاؤه هؤلاء، من عنفٍ وجنونٍ وطغيانٍ وسيطرةٍ واحتلالاتٍ وإذلالٍ وهتكٍ لإنسانية الإنسان؟!.. أفلا يحق لنا أن نتساءل: لماذا يتجاهل (البابا) كل ما يجري من عدوان، ثم يتحدّث بلسان الظالم الجلاد ضد المظلوم الضحية؟!.. ولماذا يتجاهل كلَ التاريخ الدمويّ للكنيسة وللحملات الصليبية المتعدّدة التي أنعشها حلفاؤه اليوم، ويتجاهل عدوانَ الصهاينة المغتصِبين، الذين يمارسون القتل والتشريد والذبح والفساد في الأرض.. على مدار الساعة؟!..
أي عقلٍ يتحدث عنه (البابا) والطائرات الحربية لحلفائه تجوب سماءَ العراق، ودباباتهم تملأ أرضَه، فتعيث فيها فساداً وقتلاً وانتهاكاً وعدواناً وتخريباً وتدميراً، وقد رُفِعَ الصليب على مقدّمة مدافع تلك الدبابات الأميركية، التي تفتك بشبابنا ونسائنا وأطفالنا؟!.. وعن أي عنفٍ يتحدّث (البابا)، وقد قُتِلَ وجُرِحَ في أفغانستان والعراق وفلسطين والشيشان أكثر من مليون نفسٍ بشرية من المسلمين حتى الآن؟!.. وهل لهذا (البابا) أن يُنبئنا: ماذا تفعل جيوش الصليب والصليبيين في أوطاننا وقد قدمت إليها من وراء البحار؟!.. وهل سمع هذا (البابا) نفسه، عن محاكم التفتيش في الأندلس وأوروبة و(أبو غريب) و(غوانتانامو)، وهل حقاً لا يعرف هوية أو جنسية المسؤولين عنها؟!..
أيها البابا (بنيديكت السادس عشر) : أي القولين يدعو إلى (العنف الذي يتنافى مع العقل) كما تزعم، قول الله عز وجل في قرآننا العظيم: (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً) (الاسراء:28).. وكذلك قوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الانبياء:107).. أم هذا النص من (سفر صموئيل الأول) في (الكتاب المقدس): (.. ولا تعفُ عنهم، بل اقتل رجلاً وامرأة، طفلاً ورضيعاً، بقراً وغنماً، جملاً وحماراً)!.. وكذلك ما ورد في (سفر أشعيا): (كل مَن وُجِدَ يُطعَن بالسيف، وتُحَطَّم أطفالهم أمام عيونهم، وتُنهَب بيوتهم، وتُفضَح نساؤهم)؟!..
من مظاهر اختلال العقل، أن يتجاهل (البابا) كل هذا الكم الهائل من طغيان حلفائه وأهله وبني جلدته، ومن معالم الجنون وفقدان الحكمة أن تغيب عن بصيرته رؤيةُ كل هذا الحجم من عنف طغاة العصر من بني قومه.. بينما يجاهد لالتقاط ردود الفعل الصادرة عن الضحايا الأبرياء ضد جلاديهم!.. أوَبعدَ كل ذلك العمى والانحراف المتعمّد في أحكامه.. يريد (البابا) أن يعيشَ الغربُ آمناً مطمئناً، ويريد للحضارات أن تتحاور؟!..
15 من أيلول 2006م
* * *


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.