يمثل القرآنالكريم حجر الأساس في إثبات صدق رسالة الإسلام، وعليه فإنَّ إبطال حجيته في الإعجازيعني انهيار صرح الإسلام تماما، ذلك الصرح الذي أرَّق منذ بزغ فجره الشرق والغربعلى السواء. وبعيداً عن تفاصيل أوجه الإعجاز التي تناولها الباحثون في علوم القرآن، فإنني سأقتصر في هذا البحث على أصلموضوع الإعجاز، ذلك الإعجاز المقرون بالتحدي، والذي يستند إلى الخطاب القرآني الواضح والمباشر بهذا الصدد، ذلك الخطاب الذي يتميز بالبساطة والسلاسة في فهمه من قِبَلِ كل من سمع به. وقَبْلَ أن أشرع في تناوللبِّ موضوع إعجاز القرآن وما يصحبه من تحدٍّ ملازم له، لا بد من استعراض أساس ما يستند إليه هذا الموضوع من تصورات، كونه ركنا من أركان العقيدة الإسلامية. نظراً لأنَّ مكونات الطبيعة الملموسة تفتقد ميزة العقل وتتصف بمحدودية حيزها،كان وجودها وتنظيمها الأخّاذ على النحو الذي تنساب فيه كالدرر المتلألئة في العقدالفريد بحاجة إلى قوة كبرى، تتمتع بإمكانية الخلق من العدم والقدرة على التحكمالدقيق بالأشياء والتنظيم البديع لأشياء الوجود. وهو ما لا يتأتى وقوعه من الطبيعةالصماء نفسها بحال، فالنظام الذي يسود الكون يستند إلى حِكَم وقوانين مشاهدة لايمكن إغفالها، ولا يمكن إنكار حاجتها إلى خالقٍ مدبرٍ حكيم. لا يمكن استثناء الإنسان من القاعدة السابقة تذرعاً بما يتمتع به من قدرة عقليةوإرادة في الاختيار، لأنه يقرُّ بمحدوديته وبعجزه أمام قوانين الكون القاهرة، تلكالتي يجهد لفهمها ويخضع لها عند الابتكار. وإذا كان هذا هو حال الإنسان الذي استعمرالأرض وخاض غمار الفضاء، كانت بقية المخلوقات التي يصل إليها حس الإنسان أشد عجزاًمنه. لذلك كان صاحب الخلق وواضع قوانين الطبيعة المتحكم فيها خارجاً عن إطارالكائنات المخلوقات بداهة. وقد تعارف الفلاسفة والمفكرون على تعريف صاحب هذه القدرةاللامحدودة في إبداع وتنظيم الكون والإنسان والحياة بواجب الوجود، أي الخالق الأزليالذي تستند كافة المخلوقات في وجودها إليه. ينظر الإنسان حوله، تدفعه نوازع عدة لفهم دوره في الحياة، يفتش عن إجاباتٍلتساؤلاته الكثيرة عن طبيعة دنياه، التي لم يُستشَر في قدومه إليها ولم يُخير فيكثير من تفاصيلها، فضلاً عن أنه لا يمتلك القدرة على استمرار البقاء فيها. يضطرالإنسان إلى إيجاد فلسفة ما تجيبه عن أسئلته، إلا أنه لا يشعر بالراحة ولا تسكنقلبه الطمأنينة بل ويبقى أبد الدهر مضطرباً قلقاً حائراً مهما بلغ شأن فذلكةالفلسفة المتبناة، ما لم تحقق له هذه الفلسفة رؤية مستنيرة تعالج له أسباب وجودهورحيله القصري بشكلٍ شامل متكاملٍ يقنع عقله وينسجم مع فطرته. تهبط الرسالة من الله تعالى (واجب الوجود) على من يختاره من بني البشر ويصطفيه (أي الرسول) ليرشد الإنسان إلى الغاية من خلقه، محدداً له طبيعة دوره في الحياة،واضعاً له منهجاً يسير عليه، ليرتقي به إلى ما ينسجم مع تكريم الله تبارك وتعالى لهوتفضيله إياه عن بقية المخلوقات. تأتي الحاجة هنا إلى توثيق مصدر هذه الرسالة، حيث يلزممنح صاحبها الدليل على صدق ما يحمل، وأنه ليس مجرد دعيّ، وإلا لزعم النبوة كل منهبّ ودبّ وضاع الناس في حيص بيص. تأتي المعجزة هنا كديل يقيني دامغ يحسم صحة الرسالة وصدق الرسول، وتكون تلك المعجزة بمستوى دليل رفيع لائق بالرسالة التي تنشد ربط أهل الأرضبخالق الكون والحياة، حيث يبهر ذلك الدليل بني البشر بما يمثل من اختراق لقوانين الطبيعةالسائدة التي يتحكم فيها الخالق وحده، ولا قبل لأحد غيره سبحانه على الإتيان بمثله، فيطرح الدليل بذلك تحدياً يعجز معه الناسبقدراتهم عن الإتيان بمثله مجتمعين ومتفرقين، ما يوثق صحّة نبوة حامل الرسالة،ويصبح ذلك الدليل برهاناً فاصلاً بين الكفر والإيمان. وفي هذا السياق نشاهد كيف أمد الله أنبياءه بالمعجزات التي تكسر قوانين الطبيعة الحتمية، حيث يزول قانون الإحراق من النار فلا تتمكن من إيذاء إبراهيم عليه السلام،وتنقلب عصا موسى كليم الله إلى ثعبان، ويُحيي عيسى عليه السلام الموتى بإذن الله. هكذا تتدخل الإرادة الإلهية في قوانين الطبيعة مؤثرة فيها، محولة لها عن طبيعتها لتكون هذه الشواهد معجزاتلأصحابها توثق صدق نبواتهم لكل من شاهدها واطلع عليها. إلا أن تلك المعجزات قدتوقفت في حجيتها على أزمنة وأمم معينة، واقتصرت على من اطلع عليها في حينها، وأما إيماننا نحن بصدق وقوعها فيرجع لأنها وردت فيكتاب الله، المعجزة الخالدة، الذي لا تتوقف حجيته على زمان ولا ترتبط بأمة دونالأمم. من المستفيض معرفته بشكل بديهي ومتواتر أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم هو من أتى بالقرآن الكريم. وهو لم يدَّع قطأنه ألفه أو ألف جزءا منه، ولو افترضنا حصول ذلك جدلاً، لأمكن أن يأتي أحد في زمانه أو بعده بما أتى به أوبخير منه جزئياً أو كلياً، ويرجع ذلك إلى الطبيعة البشرية وإلى سنن الحياة التي تقتضي ذلك حتماً، وهذا لم يحصل أبداً. كما لم يدََّع أحد آخر غير محمدتأليفه، ولو فعلوا، لانطبق عليهم نفس الحكم، أي طالما تمكن إنسان ما من تأليف القرآنفلن يلبث آخر أن يأتي بمثله أو بخير منه، وهو ما لم يتحقق وقوعه البتتة أيضا. وسنفصل في استحالةأن يقع مثل ذلك، ما يدلّ على أن القرآن الكريم هو كتاب الله تبارك وتعالى قطعاً. لقد صِيغَ القرآن بلغة عربية صرفة، بقواعدها ومعارفها التي تخضع لها أحرف لغة الضادمن الألف إلى الياء. وقد تجسد القرآن في ثلاثين جزءاً، مفصلة في مئة وأربع عشرة سورة،مؤلفة من ستة آلاف ومئتين وستّ وثلاثين آية، كثيرٌ من آياته أكبر حجماً من أقصرسوره. توجه النبي الكريم محمد صلّى الله عليه وسلّم إلى مناوئيه ممن أتقن اللغةالعربية وأجادها شعراً ونثراً على نحو بارز بلغ فيها العرب ذروة القمة، على النحوالذي بلغه سحرة فرعون في فن السحر، وقوم عيسى عليه السلام في الطب. تحداهم أن يأتوابمثل القرآن الكريم "قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْيَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَبَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا "الإسراء 88. طلب أن يأتوا ببضع سور فقط إمعاناً فيالتحدي وإظهاراً لقوته " أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍمِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْكُنْتُمْ صَادِقِين"َ هود 13. طالبهم بأن يأتوا بأقل ما يمكن أن يقع فيه التحدي، أيسورة واحدة " أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِوَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " يونس 38، أكد هذا التحدي وكرره مجدداً في قوله "وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّانَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُواشُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" البقرة 23. لم يكن بإمكان قريش تجاهل التحدي بحال، ذلك أنَّ القرآن الكريم يمثل الركنالأساس في إثبات صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وصدق رسالة الإسلام، تلك التيتتضمن عقائد وشرائع مثلت منهج حياة جديد، صدمت المجتمع الجاهلي في مكوناتهالأساسية، أصابته في صميمه بشكلٍ حاد على نحو يؤثر في قلب الأوضاع رأساً على عقب،عقائديا وسياسياً واقتصاديا واجتماعيا. ولهذا لم يكن بد من أن يستجيب سادة مكة للتحدي، فحاولوا جاهدين، إنما ذهبت محاولاتهم أدراج الرياح وباؤوا بالفشل الذريع، ما أدى إلى ترك محاججتهم باللسان والانتقال إلى مقاومة دعوة الإسلامبضراوة وشراسة. ولذلك فقد حاولوا سحق دعوة الإسلام، ومارسوا القتل والتعذيب والنفي والحصار للقضاء على دعوةاقتصرت ثلاثة عشر عاماً على الصدع بالكلمة، وبتحدي أصحاب اللغة والبيان على الإتيان ولو بسورة واحدة، من غير استعمال للسلاح من قبل النبي وصحبه وبدون إعلانه أية ثورة وبلا ممارسته أي شكل من أشكال العنف. هكذا تغلبت كلمات القرآن الجليلات عليهم، مع أنها تتشكل من حروفهم الهجائيةوباللغة التي يفهمونها ويعظمون شأنها ويُجلون مكانتها ويعون خباياها ويعلقونروائعها في جوف الكعبة. وبدلاً من التسليم بالمعجزة الربانية والانصياع لأمر الإسلام من قبيل طواغيت مكة ازداد أذاهم لأتباع النبي الكريم، وفي الوقت ذاته ازدادت الدعوة الإسلامية صلابة واكتسبت أنصارا جددا، فأسقطفي أيدي زعماء مكة فازدادوا شراسة وتآمروا على النبي الكريم وأحكموا خطة لقتلهكما زاد تنكيلهم بأتباعه. وبهذا نرى أنهم مارسوا كل الموبقات بحق أهل الإسلام مع أنه كان يكفيهم الإتيان بمثل سورة واحدة من القرآن، ولو فعلوا، لَكُفُوا معهاهمََّ الإسلام إلى الأبد، ولكن أنّى لهم ذلك (تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم) الأحقاف 2. بمنتهى البساطة، كان ولا يزال يكفي الإتيان بسورة واحدة من مثل ما سطره القرآنالكريم حتى تبطل دعوة الإسلام. هذا مع العلم أنه لا حاجة لمن قَبِِلَ التحدي أن يأتيبمثل سورة البقرة، التي يبلغ عدد كلماتها 6144، بل يكفيه الإتيان بمثل سورة الكوثر،التي تتشكل من عشر كلمات فقط لا غير وتتكون من ثلاث آيات قصيرات. نعم، جملة واحدة، أقل منسطر واحد، كانت ولا تزال تكفي أرباب النثر والشعر من خصوم هذا الدين للقضاء على الإسلام وطي صفحته بشكلٍ نهائي. هذا مع التنبيه إلى أن القرآن الكريم قد أتى بمثل تلك الكلمات العشر في سورة كاملة أي في عدة آيات، وفي آية واحدة وفي جزء من آية، وقد صيغت تلك الآيات بنماذج متباينة وأشكال متعددة، بمعنى أن القرآن لم يقتصر على أسلوب واحد في الصياغة، بل اشتمل على طيف واسعٍ من الجمل، والتي بلغت عدة آلاف، ما يعني أن مجال التحدي أمام المعاندي واسع ومفتوح وليس محدداً بنمط واحد. وبهذا يفتح القرآن الباب على مصراعيه أمام خصوم العقيدة الإسلامية لكي يختاروا ما يشاؤوا من القرآن لتقليده والإتيان بمثله مما يناسبهم وينسجم مع مهاراتهم، وهذا أمر ظاهرٌ فيه قوة التحدي ويجعله غاية في الإبهار. وقد قُبِلَ هذا التحدي منذ فجر الإٍسلام، ولم يحدث أن أتى أحد قط بما يحدض الإعجاز القرآني، كما أن ذلك لن يحدث أبداً، ويرجع ذلك إلى سبب جوهري هو أن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى وليس من لدنأحد من البشر، تم نظم درره على نحو فريد بديع، جعل الوليد بن المغيرة ألد أعداءالنبي الكريم وأكثر من يهمه هدم أمر الإسلام في زمنه يصفه قائلاً:" "والله لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلامالإنس ولا من كلام الجن، إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفلهلمغدق وإنه يعلو وما يعلى". ولعلَّ قائلاً يجادل: لو افترضنا الإعجاز في القرآن، لانحصر إدراكه في العرب،لأنهم يستطيعون تذوق اللغة ويعون خباياها، فيتمكنون بذلك من إدراك أوجه الإعجاز فيالقرآن، ولا ينطبق هذا على غير العرب، فكيف يعتبر القرآن حجة على العالمين تلزمهماعتناق الإسلام!؟ فات أصحاب هذا الجدل أن الإيمان بالقرآن واعتناق الإسلام لا يشترطان احتراف علوماللغة العربية فضلاً عن معرفتها، فهذا المطلب غير متحقق عند أكثر المسلمين، حيث أنغالبيتهم لا تفقه العربية، كما أن الإلمام باللغة لتذوق القرآن وسبر أغواره والغوصفي لآلئه بات عصياً حتى على أكثر العرب في أيامنا هذه. أمّا ما ينبغي إدراكه من قبلمن أراد اعتناق الإسلام، هو أنَّ الإعجاز القرآني قائمٌ ومنصبُّ على التحدي بأنيأتي أحد من البشر بمثل سورة من القرآن، وللتبسيط، فإن القرآن يتحدى البشريةجمعاءأن تأتي بما يماثل سورة من القرآن تتألف من عشر كلمات لا تتجاوز سطراً، ولمرة واحدةلا غير لإبطال أمر الإسلام. وهو ما لم يتمكن أحد قط من فعله، مع أنّ اللغة العربيةبتناول اليد، ما زال معمولٌ بها وبقواعدها وينطق بها مئات الملايين من البشر، مادلَّ على أن القرآن من عند خالق البشر. فما ينبغي إدراكه، وهو ما يعيه المسلمون تماما، العرب منهم والعجم، إنَّ الأممكافة عجزت مجتمعة ومتفرقة فرادى وجماعات عن الإتيان بمثل سورة واحدة من القرآنالكريم، وإدراك المسلمين لهذا العجز عن الإتيان بمثل هذا القدر البسيط من القرآنعلى مرور الأزمان، مع علمهم إتقان كثير من غير المسلمين للغة العربية، ووجود عواملقبول التفاعل مع التحدي، هذا هو، لا مهاراتهم اللغوية، ما جعلهم يسلمون بقدسيةالقرآن الكريم وأنه من عند الله تعالى. ويكرر بعض المجادلين السؤال بصيغة أخرى، لكن غير العرب من غير المسلمين لنيستطيعوا محاكمة النص القرآني وتبيان إعجازه ما لم يعرفوا العربية، بالتالي كيفيُطالبونَ بإدراك حجية القرآن وإعجازه!؟ نؤكد مجدداً أن المطلوب هو إدراك أن الإعجاز واقعٌ في استعصاء بني البشر علىالإتيان بسورة من مثل ما ورد في القرآن الكريم ولو كانت بحجم جملة تتألف من عشركلمات، وهو ما لم يتأتّ وقوعه قط. وبهذا تكون حجية القرآن ملزمة لجميع من وصله هذاالوجه الإعجازي ببيانه. ولإزالة كل لبس نضيف، صحيحٌ أن السورة لا يتأتى نظمها إلا باللغة العربية، لذاكان لا بد من إتقان اللغة العربية لإجراء المحاولة، إلا أن المطلوب هو إدراك أنهناك من امتلك تلك المهارات الفائقة وفشل رغم أنهم كانوا أهل اللغة الأصليينوأساطينها، كذلك ما زال يوجد من يمتلك مثل تلك المهارات ويهمه هدم الإسلام بالكليةوفشل بدوره أيضا، وبالتالي فإنّ هذا هو ما يُلزِم الاعتقاد بصدق معجزة القرآن الكريم. إضافة إلى ما سبق، فإن باب التحدي ما زال مفتوحاً على مصراعيه، ولا شك بأن أمرالإسلام يتعاظم في العالم، ومسألة إفشاله تهم دولاً كبرى وأمماً شتى. وفهم وتعلماللغة العربية أمر متأتٍ لكل من يهمه الأمر، كيف لا، وتعلم عامة اللغات أمر معمولبه منذ القدم، بل ويمتلك كثيرون مهاراتٍ فائقة في العديد من اللغات في نفس الوقتعلى نحو لافت للنظر. والواقع أن أمثال هؤلاء، ممن يتقنون أكثر من لغة، يتعزز لديهمواقع الإعجاز القرآني، لأنهم يعون أكثر من غيرهم معنى استعصاء الإتيان بجملة واحدةلمرة واحدة لا تتجاوز كلمات السطر الواحد في لغة كل عوامل التأليف فيها متوافرة. وفي موضوعنا فإنَّ الأمر يتعلق بإتقان لغة يكفي إثبات خطأ ادعاء واقع الإعجازفيها مؤونة شقاء المتهالكين في حملاتهم المتعاقبة للقضاء على الإسلام، في حروبصليبية استمرت لقرون، وفي صراع حضارات دموي، وفي حملات شتى للقضاء على جذور "الإرهاب"!. وليس هذا بشيء جديد، فقد مثل الإسلام أهم عوامل الصراع لقرون طويلة ومازال وسيستمر، وكان مركز تنبه الدول الكبرى والإمبراطوريات على الدوام لما يجسده منتحدٍ وتهديدٍ لها لا يمكن إغفاله بحال، وقد أرَّق الإسلام سهاد ساسة الغرب والشرقعلى السواء. ولقد بذل خصوم الإسلام جهوداً مضنية لإلغاء عامل الدين في صراعهم مع الأمةالإسلامية، بخاصة ما شاهدناه من قبل الغرب في القرون المتأخرة. حيث استفحلت أنشطةالمستشرقين، وحاولوا مطولاً النيل من الإسلام بطرائق شتى، محاولين إثارة الشبهاتواللغط المغلوط حول أحكامه. وليس مقبولاً أن يخطر ببال أحد أن قد فات هؤلاء التحديالقرآني بالإتيان بمثل سورة من القرآن عبارة عن جملة واحدة من عشر كلمات لإبطالالإسلام من أساسه. كما أن لدى الغرب من الباحثين والخبراء المهرة في مراكز الدراسات المتخصصة فيالإسلام واللغة العربية ما يقفون معه على أدق تفاصيل الأمور، وهو أمرٌ مشهود ومعروف، ولهم فيهباعٌ طويل تجسد بآلاف الدراسات. ومن زار المعاهد والمؤسسات المتخصّصة في لندنوموسكو وواشنطن وباريس لوجد من الأساتذة المحترفين من غير المسلمين من يتقن العربيةبشكلٍ فذ، حتى ليظن المرء أنَّ أولئك النفر قد زاملوا الشافعي ومالك وأبو أسودالدؤلي. كما تنفق المؤسسات العلمية في الغرب أموالاً طائلة على الأبحاث المتعلقة بالإسلام، كذلك يزداد إقبال الذين يريدون الاطلاع على الإسلام وتعلم العربية يوماً بعد آخر بشكل لافت للنظر، وتزداد الأنظمة السياسية الدولية اهتماماً بالوقوف على أدق تفاصيل الحضارة الإسلامية بغية فهم كيفية التصدي لها ودرء الأخطار المحتملة عن عودة الإسلام إلى واقع الحياة متمثلاً بأمة واحدة تحمل رسالة سامية تتضارب مع كافة التوجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ينشد الغرب عولمتها. وعليه فإننا نرى إخفاق أصحاب النفوذ في الشأن العالمي في أيامنا هذه كما شاهدنا إخفاق طواغيت مكة من قبل بالإتيان ولو بمثل سورة واحدة لا تتجاوز العشر كلمات، الأمر الذي لو تحقق لبطل أمر الإسلام بالكلية. وبهذا يثبت لدينا، طالما أن الخبراء وذوي الاختصاص على الصعيد العالمي قد أخفقوا مع كل ما يمتلكونه من مؤهلات ومحفزات وإمكانيات وتطورات علمية وتقنية هائلة لمقابة التحدي القرآني والإتيان بما يشبه الجملة الواحدة القصيرة منه، أكرر مع وجود المحفزات الضرورية لذلك إضافة إلى انتفاء الموانع التي تحول بينهم وبين القيامبذلك، فما على الإنسان بعد كل هذا إلا أن يقر بعظم منزلة هذا القرآن والتسليم بإعجازهوبصدق رسالة الإسلام. وما يزيد الإعجاز القرآني قوة وقهراً وإبهاراً فضلاً عن قلة المطلوب تحقيقه فيذلك المجال مع وجود تحدٍ موجب للتفاعل معه وتوفر الإمكانات المهولة لدى خصومه، كماسبق وذكرنا، هو إبقاء باب التحدي مفتوحاً على مصراعيه إلى قيام الساعة، فلا يوجدموعد مؤقتٌ بأجل يتوقف عنده. وبهذا يظل التحدي القرآني ماثلاً أمام البشرية جمعاءلإبطال أمر الإسلام بالكلية، وهو أمرٌ محال، لأنه كلام الله المعجز المحفوظ إلىقيام الساعة، فكان القرآن بذلك هو المعجزة الخالدة، ليربط لزوماً وجوب الإيمانبرسالة الإسلام وبالتالي بالرسول الكريم محمد حامل الرسالة ومبلغها عن الله تباركوتعالى. حسن الحسن