استراتيجية الفوضى المعلوماتية.. مخطط إخواني لضرب استقرار مصر واستهداف مؤسسات الدولة    انتخابات مجلس الشيوخ.. الآليات والضوابط المنظمة لتصويت المصريين فى الخارج    هذا العيار أقل من 3920 جنيها، أسعار الذهب ببداية تعاملات اليوم الأربعاء    ارتفاع سعر الذهب اليوم في مصر ببداية تعاملات الأربعاء    لأول مرة منذ أسبوع، استقرار أسعار الدواجن اليوم الأربعاء 30-7-2028 بالفيوم    ارتفع في بنكين.. سعر الدولار اليوم ببداية تعاملات الأربعاء    أسعار البيض اليوم الأربعاء بالأسواق (موقع رسمي)    إغلاق جميع الموانئ التجارية في هاواي بسبب أمواج تسونامي    نائبة إسبانية تعلن تضامنها مع أسطول الصمود العالمي لدعم غزة    ملك المغرب يؤكد استعداد بلاده لحوار صريح وأخوي مع الجزائر حول القضايا العالقة بين البلدين    وزير الخارجية: مصر تهتم بتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري مع الولايات المتحدة    تحليل جديد: رسوم ترامب الجمركية سترفع نفقات المصانع الأمريكية بنسبة 4.5%    الخارجية الأمريكية: قمنا بتقييم عواقب العقوبات الجديدة ضد روسيا علينا    رابطة الأندية: لن نلغي الهبوط في الموسم الجديد    إخماد حريق نشب داخل شقة سكنية فى أوسيم    فقد الوعي بشكل جزئي، آخر تطورات الحالة الصحية للفنان لطفي لبيب    عزاء شقيق المخرج خالد جلال في الحامدية الشاذلية اليوم    وفري في الميزانية، طريقة عمل الآيس كوفي في البيت زي الكافيهات    قافلة طبية توقع الكشف على 1586 مواطنا في "المستعمرة الشرقية" بالدقهلية (صور)    محافظ الدقهلية:1586 مواطن استفادوا من القافلة الطبية المجانية بقرية المستعمرة الشرقية بلقاس    وزير الإعلام السوري يتوسط لدى الداخلية للإفراج عن الصحفية نور سليمان    فتح باب التقدم لاختبارات الدبلومات والمعاهد الفنية لدخول كلية الحقوق والرابط الرسمي    حظك اليوم الأربعاء 30 يوليو وتوقعات الأبراج    السيد أمين شلبي يقدم «كبسولة فكرية» في الأدب والسياسة    ليلى علوي تسترجع ذكريات «حب البنات» بصور من الكواليس: «كل الحب»    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 1447-2026    "البترول" تتلقى إخطارًا باندلاع حريق في غرفة ماكينات مركب الحاويات PUMBA    البنك العربى الإفريقى يقود إصدار سندات توريق ب 4.7 مليار جنيه ل«تساهيل»    جدول مباريات بيراميدز في الدوري المصري الممتاز الموسم الجديد 2025-2026    لا تتبع الوزارة.. البترول: السيطرة على حريق سفينة حاويات قرب منصة جنوب شرق الحمد    وزير الثقافة: جوائز الدولة هذا العام ضمت نخبة عظيمة.. ونقدم برنامجا متكاملا بمهرجان العلمين    تنسيق الثانوية 2025.. ماذا تعرف عن دراسة "الأوتوترونكس" بجامعة حلوان التكنولوجية؟    إبراهيم ربيع: «مرتزقة الإخوان» يفبركون الفيديوهات لنشر الفوضى    متابعة تطورات حركة جماعة الإخوان الإرهابية مع الإعلامية آلاء شتا.. فيديو    الدقيقة بتفرق في إنقاذ حياة .. أعراض السكتة الدماغية    إخماد حريق في محول كهرباء في «أبو النمرس» بالجيزة    تنسيق الجامعات 2025 .. تفاصيل برامج كلية التجارة جامعة عين شمس (مصروفات)    اليوم، طرح تذاكر حفل الموسقار العالمي عمر خيرت في دبي أوبرا    يسمح ب«تقسيط المصروفات».. حكاية معهد السياحة والفنادق بعد قضية تزوير رمضان صبحي    إنجاز غير مسبوق.. إجراء 52 عملية جراحية في يوم واحد بمستشفى نجع حمادي    مطران دشنا يترأس صلوات رفع بخور عشية بكنيسة الشهيد العظيم أبو سيفين (صور)    عاجل- ترمب: زوجتي ميلانيا شاهدت الصور المروعة من غزة والوضع هناك قاس ويجب إدخال المساعدات    نبيل الكوكي يقيم مأدبة عشاء للاعبى وأفراد بعثة المصرى بمعسكر تونس    أسامة نبيه يضم 33 لاعبا فى معسكر منتخب الشباب تحت 20 سنة    مصرع عامل اختل توازنه وسقط من أعلى سطح المنزل في شبين القناطر    الجنايني يتحدث عن مفاوضات عبد القادر.. وعرض نيوم "الكوبري" وصدمة الجفالي    رسميًا.. جدول صرف مرتبات شهر أغسطس 2025 بعد تصريحات وزارة المالية (تفاصيل)    سبب غياب كريم فؤاد عن ودية الأهلي وإنبي وموعد عودته    الجنايني عن شروط عبدالله السعيد للتجديد مع الزمالك: "سيب اللي يفتي يفتي"    عمرو الجناينى: تفاجأت باعتزال شيكابالا.. ولم أتفاوض مع أحمد عبد القادر    تنسيق المرحلة الثانية 2025.. موعد الانطلاق والمؤشرات الأولية المتوقعة للقبول    جدول امتحانات الثانوية العامة دور ثاني 2025 (اعرف التفاصيل)    «الجو هيقلب» .. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم : أمطار وانخفاض «مفاجئ»    التفاصيل الكاملة لسيدة تدعي أنها "ابنة مبارك" واتهمت مشاهير بجرائم خطيرة    هل يُحاسب الطفل على الحسنات والسيئات قبل البلوغ؟.. واعظة تجيب    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر يرد في هذه الحالة    ما الذي يُفِيدُه حديث النبي: (أفضل الأعمال الصلاة على وقتها)؟.. الإفتاء توضح    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بقايا هيكل ..الدكتور سيار الجميل يكتب خصيصا لروزاليوسف - الحلقه الاولى
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 27 - 09 - 2009

بارع في اللف والدوران.. يستطيع أن يجعل من اللون الأبيض أسود ومن الأسود أبيض.. ولكنه يفر من الميدان حين يري أن هناك من سيجادله أو يعلمه أسلوب الكشف عن الحقيقة!
لاقيت عنتا وواجهت خصوما واتهمّت باتهامات شتي لا أساس لها من الصحة لأني انتقدت مقام هيكل العالي.. وأُسيء إلي ظلما وعدواناً من قبل سياسيين عرب وأشباه مثقفين وزملاء أكاديميين وقراء مناصرين وحزبيين مؤدلجين
قالوا لي: لماذا تضيع وقتك وأنت الأكاديمي الكبير في نقد هيكل وهو لم يحصل إلا علي الشهادة الثانوية؟.. وقلت: الإنسان ليس بشهاداته وحتي لو لم أقبل أن أكون مشرفاً علي رسالة ماجستير لهيكل فإنه من أعمدة الصحافة العربية
الذين قالوا إن الأردن وقفت وراء كتابي (تفكيك هيكل).. رددوا تهمة بليدة.. فليس للأردن أي علاقة به والصحافة الأردنية لم تنشغل بالكتاب إلا بعد أن صدر بسنوات.. وبعد أن انتقد هيكل الأردن
بقايا هيكل
قصتي مع الأستاذ محمد حسنين هيكل معروفة للجميع، ولا داعي لأن أعيدها عندما قمت بتأليف كتابي عنه والموسوم ب(تفكيك هيكل)، الذي لاقي اهتماما كبيرا منذ العام 2000 وحتي اليوم، ونكررها من جديد، ذلك أن كل جديد أقدمه في نقد أفكار الأستاذ هيكل وتصريحاته، إنما يصّب أساسا في مصّب (التفكيك) الذي أزعم أنني قد نجحت في تحديد ما أردت قوله تنظيرا وممارسة.
وها نحن اليوم نراقب عن كثب ليس كتاباته وتصريحاته في مناسبات معينة، بل أحاديثه التليفزيونية منذ عشر سنوات علي صدور (تفكيك هيكل)، إذ أجده في بعض منها قد تخلي عن أفكاره القديمة التي كان يروجها، ولكنه بقي يدور في النهج نفسه وعلي المنوال ذاته الذي اختطه لنفسه سيكولوجيا وسياسيا بعيدا كل البعد عن حقائق الحياة العربية التي غدت اليوم تاريخاً، أو عن الواقع العربي الذي يزدحم يوماً بعد آخر بالمشكلات والمعضلات الصعبة من دون أن يري هيكل جذور مشاكل المنطقة، ومن الذي ساهم في خلقها علي امتداد نصف قرن مضي من ساسة مضوا إلي حال سبيلهم، وغدوا في عداد التاريخ.. وسواء كان مؤيداً لهم ومناصراًً لسياساتهم ومروجاً لشعاراتهم، أو كان متلون الاتجاهات من حولهم، إن هيكل لا يستطيع أن يقطع بأحكام صارمة، كما يفعل العلماء ورجال المعرفة والتاريخ .
إنه أضعف من أن يطلق أحكاماً قاطعة، فهو بارع في اللف والدوران.. إن باستطاعة هيكل أن يجعل من اللون الأبيض أسود ومن الأسود أبيض، ولكن يفر من الميدان ساعة يري أن هناك من سيجادله أو يعلمه أسلوب الكشف عن الحقيقة.. إنني أعجب جداً من رجل عالي الثقافة ويعد من سدنة الصحافة العربية المعاصرة لم يستطع أن يغّير من نهجه وأسلوبه مقارنة بما يحمله من متغيرات في الرؤية والتفكير.
هيكل والزعماء
هنا لابد أن أعيد وأكرر ما كنت قد قلته في "تفكيك هيكل "ذلك أن سر عقدة هيكل توهمه أنه يكشف أسراراً لم يكشفها سواه، وأنه يتخيل أنها "أسرار" لم يعرفها غيره، و أنه صانع تاريخ لا كاتبه فقط، وأن الزعماء العرب لا دراية لهم من دون أن يوجههم محمد حسنين هيكل، وأنه مستودع أسرارهم وحركاتهم وسكناتهم، وهو يعرف مخادع نومهم وتفصيلات برامجهم ومناهج بروتوكولاتهم.
لقد توضح لنا الآن عند نهايات عُمر محمد حسنين هيكل (وكل العمر له إن شاء الله) ورؤية نتاجاته، وما كتبه من (الأسرار) والمعلومات والأفكار والأخبار والآراء التي قالها وحكاها له زعماء عديدون لم ينشرها في حياتهم، إنما أبقاها - إن كانت صحيحة كما يدعي- كي ينشرها بعد وفاتهم واحداً بعد الآخر، ومنهم: جمال عبدالناصر ومحمد رضا بهلوي، شاه إيران، وأنور السادات والملك الحسين بن طلال والملك الحسن الثاني والرئيسان بورقيبة وعبدالسلام عارف والملك فيصل آل سعود والملك فهد آل سعود وغيرهم من الزعماء والمسئولين العرب وغير العرب.. وهو الآن، لا شك ينتظر أجل غيرهم من الزعماء العرب كي يبدأ بنشر تفصيلات وأسرار سياساته، وطبيعة علاقاته.. ثم يكرس الصفحات الطوال لتدبيج لقاءاته بهم، وما حكاه إليهم، وما ساقه عنهم.. إلي آخره من البضاعة المعهودة.. ناهيكم عن دور هيكل في رسم طريق هذه الدولة أو تلك، فضلاً عن دوره في الكشف عن أسرار زعيمها وعلاقاته وارتباطاته وزياراته!
وعليه، لماذا تمكث المعلومة الخطيرة حسب ما يراه هيكل، طويلاً في أرشيفه الخاص ولا يفكر بنشرها إلا حين يكون شهودها غائبين.
إنني أخلص هنا بأن هيكل لا تهمه كتابات الناس ولا السياسيون ولا المثقفون ولا رجال الدين ولا حتي الأكاديميين المختصين.. إن ما يهمه أصلا الزعماء والمسئولون. إن عقدة هيكل ويا للأسف الشديد هؤلاء فقط ولا غير، فهو يستهين بكل من ذكرت، ولكنه يقف صنماً إزاء الزعماء والمسئولين، ولكن لما يتحقق منهم إزاءه، فمن يعره أهمية يضفي عليه كل التبجيل وما إن يغادر أو يموت حتي ينقلب ضده! أما من لم يعره أهمية، فدوماً ما يصنع منه خصماً، ليجعل من نفسه بموازاته!
بعيداً عن حقائق الأشياء
يضع هيكل نفسه باستمرار في مركزية الأشياء محاولاً أن يضع الآخرين من حوله مهما بلغت قيمة ذلك الآخر.. إنه دوماً يختارهم أو بالأحري يلتقطهم من ذوي الكاريزمات التاريخية الباهرة.. وسرعان ما يضعهم جميعاً في نقاط خلاف سياسية معه، بعد أن يجعلهم مهتمين به أشد الاهتمام، وأنه لا عمل لديهم إلا السعي لملاقاته والتحدث إليه ساعات وساعات.. وأنه يستجيب لذلك من خلال المهام الموكولة إليه، يدخل معهم في جدل مصوراً إياهم كونه في مستواهم.. فيعطي لنفسه الحق في أن يجيبهم بحدة!! كما يحرص علي أن يشعر القراء أنه يعرفهم منذ زمن طويل وأن ثمة ذكريات يحملها حتي عن مشتريات خاصة بهم من إحدي أسواق القاهرة!
هكذا، مرة أخري أعيد القول وبعد قرابة عشر سنوات علي إصداري "تفكيك هيكل" إنني لا أثق أبدا بصدق روايات الرجل ولا بقوة توثيقه، وأري أن كتاباته كلها تهدف إلي هدف سياسي آنٍ ومرحلي معين أو لغرض شخصي أو ذاتي معين.. أو لغرض يرضي فئات معينة من الناس المعجبين به، وحسب الظروف السياسية القائمة أو التي تمر بها المنطقة.. أغراض لا علاقة لها بكشف الحقائق، إذ للرجل قدرة كبيرة في أن يخفي الحقيقة أو يميتها!!
وكما كتبت في "تفكيك هيكل " وأن هذه من أخطر ما يمكن التعّرض له.. إن طريقة صنع الملابسات لا يمكن لأحد أن يجيدها، إلا من تمّرن عليها لأزمان طوال.. وأصبحت نهجاً له في أن يخرج أي معلومة مصبوغة بالصبغة التي يريدها، لا بصبغتها الأصلية.. إنه نوع من خداع التفكير الذي يمارسه البعض وإيهام الجماهير سواء كانوا من القراء أو المستمعين ب"حقائق" لا أساس لها من الصحة أبداً.. خصوصا عندما يدخل صاحبها نفسه وذاته في صناعتها، أو الاقتراب من صنّاعها، ولا أصل أو حقيقة لذلك أبداً أبداً.
إن إيهام الناس من قبل هيكل أنه قد قابل فلاناً أو علاناً من المسئولين الكبار، وترتيب الكلام علي أفواههم وكأنه ذلك الشخص الذي يدّعي أنه واقف في مركز الكون أو الأرض.. ومن يعترض عليه، يجيبه.. إن كنت تعترض علي، فلك أن تتأكد من كلامي بأن تذرع الأرض أو الكون بنفسك كي تتأكد! ولا يوجد هناك من يكون باستطاعته التأكد!
يندرج هذا "العمل" النقدي الجديد، وهو من قبيل المكاشفات أيضا ويلد في رحم ذلك "التفكيك "الأول الذي منحني فرصة رائعة في سبر أغوار النص ومعرفة ما يختبئ وراءه.. إنني أتحمل هنا مسئولية هذا النقد الآخر مثلما تحملت مسئولية الكتاب الأول.
وهنا أيضا لابد أن أوضح للقراء الأعزاء أنني لاقيت عنتاً ولاقيت خصومًا واتهمت باتهامات شتي لا أساس لها من الصحة أبداً كوني انتقدت مقام هيكل العالي.. لقد أسيء إلي ظلماً وعدواناً من قبل سياسيين عرب وأشباه مثقفين وزملاء أكاديميين وقراء مناصرين وحزبيين مؤدلجين.. قال أحدهم معلقا في جريدة الشرق الأوسط: "مع الاحترام الشديد لسيار الذي قرأناه في أماكن عديدة، فإن التهمة الأولي والأخيرة التي يواجهها في عمله الناقد أو المكاشف لهيكل، أن عمله محتضن من دولة ينتقدها هيكل، وعلي الرغم من ما نكنه للأردن والهاشميين إلا أننا نتمني أن تكون المرة القادمة في مواجهة هيكل هي إيجاد شخصية فذة تستطيع إقناعنا بشرعية علمية أن جميع الأفعال التي يقومون بها نابعة عن تأصيل علمي وبعد أكاديمي"!!
وهنا أقول إن مثل هذه "التهمة" البليدة التي أول من وجهها لي أولئك البعثيون والناصريون كوني اشتغلت في الأردن أستاذاً بجامعتي اليرموك وآل البيت علي مدي خمس سنوات، إذ ربط الأغبياء عملي كأستاذ هناك بالكتاب، متهمين إياي بأن الأردن قد دفعني إلي نشره.. وهنا لابد لي أن أرد عليهم بأن علاقتي بالأردن لم تكن أكثر من تعاقد بين أستاذ عراقي وجامعة أردنية تعاقداً شخصياً، وليس هناك أي صلة أو دور للأردن في إصدار كتابي "تفكيك هيكل"! إذ لم أخصص الكتاب عن الأردن وحده، بل تألف الكتاب من ستة فصول، شغل فصله الأول عن هيكل نفسه وعالج الفصل الثاني مصر، أما الثالث فعالج الأردن والرابع عالج المغرب والخامس عالج العراق والسادس عالج الخليج العربي.
إن الصحافة الأردنية لم تطبل للكتاب ولم تزّمر له.. وكنت قد استغربت موقف الأردنيين، ولكن بعد مضي سنوات طوال وما حدث قبل أشهر من موقف للأردن إزاء عرض قناة الجزيرة القطرية برنامجاً لمحمد حسنين هيكل ضد الأردن والهاشميين، تذكر الأردنيون كتاب "تفكيك هيكل"، وبدءوا ينهلون منه .
نزاهة "تفكيك هيكل"
إنني أعلن للملأ أن "تفكيك هيكل "الذي قمت بتأليفه أثناء إقامتي في الأردن، لا علاقة للأردن ملكاً وحكومة وشعباً به.. وأتحدي أي شخص يؤكد للناس أن "تفكيك هيكل "ولد من خلال علاقة بأحد.. إنه منطق العاجزين أمام من هو أكبر منهم، وفي إلقاء التهم جزافاً علي مخالفيهم.. لقد غادرت الأردن عام 2000 بعد أن تلقيت تهديدات معينة إثر إصداري "تفكيك هيكل "إذ جن جنون أولئك الذين كانوا وما زالوا يتشدقون بالشعارات القومية والناصرية، وأيدهم البعثيون أيضا.. واعتبروا كتابي بمثابة طعنة في أيديولوجيتهم، من دون أن يدركوا يوماً أن هيكل قد أساء لهم ولرموزهم إساءات بالغة.. ومن دون أن يعرفوا أن هيكل لم يكن في يوم من الأيام حاملاً لأيديولوجية معينة.. إن هيكل لا يخدم إلا هيكل نفسه وذاته ومصلحته.
لقد غادرت الأردن علي عجل إلي الإمارات كي أكون أستاذاً في قسم التاريخ بجامعة الإمارات في شهر سبتمبر 2000.. وصلت وكان خبر "تفكيك هيكل "قد طار إلي هناك أيضاً.. ومنذ تلك اللحظة حتي اليوم وأنا ألاقي أذي وضرراً لا حدود لها من قبل بعض مسئولين وجامعيين وسياسيين عرب كوني تعرّضت إلي هيكل الذي يعد بالنسبة لهم الذات العليا أو المشبّه عندهم ب"المقدّس"!
هناك والله يشهد من وقف معي، وكان ولم يزل مشجعاً ومعجباً بطريقتي النقدية في معالجة إشكاليات محمد حسنين هيكل، إذ التقيت المئات بل الآلاف من الناس الذين يؤمنون بأن هيكل قد أساء جداً لكل من تاريخنا وواقعنا ومستقبلنا.
التفت إلي زميل في واحدة من الجامعات ليقول لي معاتباً: من يكون هيكل حتي تصرف وقتك الثمين علي كتاباته؟ أجيبه: حتي أوضح للناس والأجيال انحرافات أعماله ومشكلات تفكيره وأشعل ضوءاً أخضر أمام الأجيال القادمة، كاشفاً خطورة ما نشره من (معلومات) لا أساس لها من الصحة! يجيب زميلي: ومن سيلتفت إليه، فأنت أستاذ أكاديمي، أرفع بكثير من كتابات شخص لا يحمل شهادة الثانوية!
أجيبه: أنا أخالفك الرأي لا المعلومة.. الإنسان ليس بشهاداته فقط، بل بقدراته وكفاءاته. إن هيكل من أعمدة الصحافة العربية في القرن العشرين، وقد تربي من سنوات مراهقته علي أيدي كبار الصحفيين المصريين واعتني بلغته، وتعلم أسرار صناعة الأخبار والحبكة والإثارة.. إنه شخص يجيد الهجوم لكنه لا يجيد الدفاع.. إنه يغتنم اللحظات الأولي ليلقي قولته ويهرب من الميدان.. إذ ليس لديه القدرة علي المجادلة والحوار الند للند.. إنه ذكي باختيار اللحظات المهمة ليصنع من نفسه فارساً لها.. ثم ينسي ما كان قد قاله أصلا..
لماذا الصمت؟ لماذا الهروب ؟
كنت أتمني علي الرجل أن يجيب عن كل الأسئلة المهمة التي طرحها عليه نقاده، وهم كثر، وأنا واحد من بينهم، خصوصا أولئك الأكاديميين المختصين الذين واجهوه علناً أمام الناس.. كي يكوِّن الناس حكماً بينه وبين نقاده، لكنه بقي صامتاً أو هارباً، وربما سيتعلل كونه أرفع مستوي من كل العالم ومن كل نقاده، ومن كل مخالفيه أو مجادليه.. والعالم كله يدرك أن المعرفة لا تعرف إلا أصحابها بعيداً عن السياسيين والمهنيين والمعرفة تعاون وتلاقح، فالمعرفة والبحث عن الحقيقة وفلسفة التاريخ.. لا تعرف كلها أي معني للنرجسية أبدًا.. إن المعرفة الحقيقية يمتلكها الأكاديميون الذين توكل إليهم مهمات البحث العلمي والإشراف الأكاديمي وتقييم الكتابات ومناقشة المشروعات.. إن الدراسات العليا لا يمكن أن يشرف عليها مثلاً محمد حسنين هيكل، بل هي من مهام أساتذة المعرفة.. وعليه، لو أتوا لي باسم محمد حسنين هيكل وقالوا: هل تقبل الإشراف علي رسالة يقدمها لنيل الماجستير؟ لرفضت ذلك، ليس لأنه لا يحمل شهادتي الثانوية البكالوريا والجامعية الليسانس أو البكالوريوس.. بل لأن الرجل لا يمتلك مؤهلات الباحث الأكاديمي أبداً!
وعليه، أقول إن هيكل ليس باستطاعته هو نفسه أن يرد علي الآخرين كي لا تنزلق رجلاه أمامهم، ويعجز عن دحض آرائهم ويرد علي نقداتهم.. فليس من سبيل أمامه إلا دفع هذا أو ذاك للقيام بأدوار الدفاع عنه، وتمجيد أدواره وكتاباته، والنيل شخصيا من نقاده، وخلط الأوراق بين منتقديه السياسيين مع الصحفيين مع الأكاديميين.. إن علي من يحترم نفسه إن كان فعلا يريد الدفاع عن هيكل، ألا يكون مطبلاً له أو مزمرا لكتاباته.. بل أن يعالج ما كتبه النقاد نقطة بعد أخري بإقامة الدليل علي خلافاتهم مع هيكل ومعالجة الحيثيات التي قدموها.
كتب أحدهم يقول إن سيار الجميل ما كان عليه أن ينتقد هيكل علي كتاباته ويطالبه بالمنهج كون هيكل ليس مؤرخاً، بل صحفيا! هنا أسأل: إذا كان هيكل صحفيا، فقد كان عليه أن يكتفي بكتابة مقال الرأي أو معالجة الأخبار علي الصحف من دون أن يؤلف كتباً في تواريخ معاصرة، أو أنه يعالج سيرا بيوغرافية، أو أنه يكتب عن تواريخ بلدان.. إلخ، فما دام قد أدخل نفسه هذا "المدخل"، فإن عليه أن يتحّمل نتائج ما فعله.. فالرجل غير متسّلح بأبسط قواعد منهجية كتابة التاريخ، ولا يعرف معاني الكتابة التاريخية الحيادية ولا قيمها المعرفية.. لا يعرف الاختزال ولا المنهج المقارن، ولم يقرأ بحوثاً تاريخية.. وليست له قدرة الباحثين والمؤرخين في الأمانة والموضوعية والحيادية وصولاً إلي جهله التام في كتابة هامش من الهوامش!
وانتقدني آخر كوني قد انتقدته بمنهجية أكاديمية.. وكيف أن أكاديميا يستخدم لغة خطاب مباشرة في توجيه أسئلته إلي هيكل واستفزازه من قبيل: أهذا صحيح يا هيكل؟ ما هكذا يا هيكل!.. إلخ، هنا أجيب بأن كتاب تفكيك هيكل وحتي بقايا هيكل.. يتخذان أسلوب المناظرة أو الجدل.. بين اثنين أحدهما يسأل ويستفهم والآخر صامت لا يتكلم.. وعندما تتم التجاوزات علي الحقائق، تنتفي صفة المعرفة، وهنا يكون الدور بين معلم وتلميذ في كيفيةإلقاء المعلم أسئلته علي تلميذه الذي لم يحسن التصرف في كتابته أو معلوماته أو مواقفه!
ثمة من كتب يقول إن كتاب "تفكيك هيكل" هو بمثابة تصفية حسابات تاريخية مألوفة بين مصر والعراق، إذ كانا علي امتداد التاريخ ندين.. وفي مثل هذا "التوصيف"سذاجة بالغة، لأنني عندما بدأت "المشروع" لم يكن في خاطري مثل هذا الميراث، واعتقادي أن مصر والعراق قد تبادلا الأدوار السياسية والحضارية علي امتداد التاريخ .
وقال لي أحد أصدقائي من المفكرين المصريين في لقاء عابر معه: عتبي عليك يا سيار خفيف جدا، إذ كيف تطلق عنوان "تفكيك هيكل".. تفكيك.. تفكيك حتي لو كان من باب التورية؟ وهي تورية جميلة وساحرة، ولكنها في الحقيقة حقيقة ساخرة!! أجبته: صديقي العزيز، ثمة منهج تفكيكي اليوم واقرأها كما تشاء..
لا أريد أن استدعي كل ما قيل من سفاسف ومعارضات، ولكنها مجرد فتات إزاء ما نشر من ملاحظات وإيجابيات وتشجيعات ومواقف موافقة للعمل ومؤيدة له..
===========
الحلقه التاليه يوم الاربعاء


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.