منصور حسن الذي ظهر فجأة خلال الأعوام القليلة الماضية، ليس وجها جديدا علي الساحة السياسية في مصر، فهو واحد من رموز مجتمع المال والأعمال الناشط بشكل لافت في أروقة السياسة منذ سبعينيات القرن الماضي، ولعله ليس خافيا أن الرئيس الراحل أنور السادات، الذي بدأ مرحلة تغيير الاقتصاد المصري من موجه إلي حر، هو أول من استعان برجال الأعمال وأحاط نفسه بهم، وأدخلهم إلي عالم السياسة. وفي مرحلة التغيير بين نظام سياسي وآخر، واقتصادي وآخر، دفع الرئيس السادات ببعض رموز مجتمع المال والأعمال إلي مواقع القيادة السياسية والبرلمانية، فقام بتوزير رجلي الأعمال منصور حسن ومحمد عبد الحميد رضوان، وشجع دخول عدد منهم إلي البرلمان، وفتح الباب أمام ما نعاني منه الآن وهو زواج رأس المال بالسلطة. الخلاصة المهمة في هذه التجربة أن منصور حسن الوزير والبرلماني السابق، كان أحد رموز نخبة مالية غيرت وجه مصر، ولا مبالغة في أن الكثير من مشاكلنا الحالية هو نتاج سياسات راعت مصالح هذه النخبة قليلة العدد علي حساب أغلبية الشعب من طبقتيه الوسطي والفقيرة، لكن هذا ليس كل شيء فمربط الفرس هو ارتداء رموز هذه النخبة مسوحا ليبرالية لا يترجمونها إلي أفعال في الواقع، وإنما تتجلي في دعم حركات احتجاجية أو مجهولة المصدر والهوية، ومحاولة تصوير أنهم يملكون الوصفة السحرية لتخليص مصر من نتائج سياسات تم تفصيلها خصيصا لهم! علي سبيل المثال ظهر منصور حسن في حوار مع صحيفة "المصري اليوم" أمس، أتوقف فيه أمام رؤيته وتناوله للجمعية الوطنية للتغيير التي شكلتها وجوه قديمة لدعم ترشيح المدير السابق لوكالة الطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي لمنصب رئيس الجمهورية.. ومع تأكيدي علي حق البرادعي وأي مواطن آخر سواء كان مسئولا دوليا سابقا أو أيا كانت مهنته أو وظيفته، فإن تسويق هذه النخبة للجمعية الوطنية للتغيير باعتبارها جاءت بما لم تأت به الأمم هو أمر مغلوط وخاطئ. ومن يراجع مطالب هذه الجمعية التي تمثل بعضا من النخبة المالية والسياسية والفكرية، سيلحظ بلا شك أنها هي نفس مطالب الشعب المصري عامة، ونفس مطالب الأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية وغيرها من شرائح المجتمع المدني، لذلك يبدو غريبا جدا أن يطالب منصور حسن أحزاب المعارضة بالاتساق مع مبادئها وتأييد مطالب البرادعي باعتباره أضعف الإيمان. وجه الغرابة أن هذه المطالب هي في الأصل مطالب الأحزاب السياسية التي يتحفظ البرادعي علي التعامل معها، بينما هو وجمعيته، قاموا بعملية سطو في وضح النهار علي مطالب وبرامج الأحزاب السياسية وخرجوا علينا بدستور الجمعية الوطنية باعتباره من بنات أفكارهم. هكذا تبدو نخبة البرادعي الجديدة القديمة، بما فيها منصور حسن نفسه، غائبة عن الواقع السياسي في مصر، وربما تريد تغييب نفسها بنفسها، لأن أي إصلاح حقيقي في مصر يأتي عبر الوقوف وراء الأحزاب السياسية ودعم وجودها، وليس محاولة تفكيك وتدمير تلك الأحزاب، بسرقة برامجها تارة وبالشائعات وأحاديث المؤامرات في الصحف الموالية لها.. تارات وتارات!