اليوم.. «محامين المنيا» تعلن الإضراب عن محاكم الاستئناف رفضًا لرسوم التقاضي    الجرام يتجاوز 5540 جنيهًا.. ارتفاع كبير في أسعار الذهب والسبائك اليوم الخميس بالصاغة    بحضور نواب البرلمان.. «الاتحاد» ينظم حلقة نقاشية موسعة حول الإيجار القديم| صور    الصين: لا جدال في سيادة مصر على قناة السويس واحتفاظها بحق إدارة القناة    إعلام إسرائيلي: تل أبيب وواشنطن تسعيان لإقناع الأمم المتحدة بالمشاركة في خطة إسرائيل لغزة    تفاصيل إطلاق كوريا الشمالية عدة صواريخ اتجاه بحر الشرق    مستعد لأي شيء، حكم مباراة إنتر ميلان وبرشلونة يرد على الانتقادات    ميدو يكشف موقف الزمالك حال عدم تطبيق عقوبة الأهلي كاملة    إكرامي: عصام الحضري جامد على نفسه.. ومكنش يقدر يقعدني    شوبير يوجه رسالة بشأن قرارات لجنة التظلمات المنتظرة الخاصة بمباراة الأهلي والزمالك    تفاصيل خطة التعليم الجديدة لعام 2025/2026.. مواعيد الدراسة وتطوير المناهج وتوسيع التعليم الفني    «التعليم» تحسم مصير الطلاب المتغيبين عن امتحانات أولى وثانية ثانوي.. امتحان تكميلي رسمي خلال الثانوية العامة    خبى عليا وعرض نفسه للخطر، المخرج خالد يوسف يكشف عن مشهد لا ينسي ل خالد صالح (فيديو)    قنوات ومواعيد عرض مسلسل محمد الفاتح الحلقة 45 (ملخص وتفاصيل الحلقة)    سبب إلزام النساء بارتداء الحجاب دون الرجال.. أمين الفتوى يوضح    قاض أمريكي يمنع ترحيل مهاجرين إلى ليبيا دون منحهم فرصة للطعن القضائي    ارتفاع الأسهم الأمريكية في يوم متقلب بعد تحذيرات مجلس الاحتياط من التضخم والبطالة    "اغتيال معنوي لأبناء النادي".. كيف تعامل نجوم الزمالك مع اختيار أيمن الرمادي؟    هدنة روسيا أحادية الجانب تدخل حيز التنفيذ    محمد ياسين يكتب: وعمل إيه فينا الترند!    إطلاق موقع «بوصلة» مشروع تخرج طلاب قسم الإعلام الإلكتروني ب «إعلام جنوب الوادي»    رسميًا.. جداول امتحانات الفصل الدراسي الثاني 2025 بالمنيا    الدولار ب50.59 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الخميس 8-5-2025    الشرع يكشف عن إجراء مفاوضات غير مباشرة بين سوريا والاحتلال    قبل ضياع مستقبله، تطور يغير مجرى قضية واقعة اعتداء معلم على طفلة داخل مدرسة بالدقهلية    معتدل والعظمى في القاهرة 34.. حالة الطقس اليوم    نشرة حوادث القليوبية| شاب يشرع في قتل شقيقته بسبب السحر.. ونفوق 12 رأس ماشية في حريق    بنك التنمية الجديد يدرس تمويل مشروعات في مصر    وزارة التموين تكشف موعد التحول للدعم النقدي    السفارة المصرية بالتشيك تقيم حفل استقبال رسمي للبابا تواضروس    مستشار الرئيس الفلسطيني يرد على الخلاف بين محمود عباس وشيخ الأزهر    خبر في الجول - أشرف داري يشارك في جزء من تدريبات الأهلي الجماعية    إعلام حكومة غزة: نرفض مخططات الاحتلال إنشاء مخيمات عزل قسري    نقيب المحامين: زيادة رسوم التقاضي مخالفة للدستور ومجلس النواب صاحب القرار    بوسي شلبي ردًا على ورثة محمود عبدالعزيز: المرحوم لم يخالف الشريعة الإسلامية أو القانون    أسفر عن إصابة 17 شخصاً.. التفاصيل الكاملة لحادث الطريق الدائري بالسلام    لا حاجة للتخدير.. باحثة توضح استخدامات الليزر في علاجات الأسنان المختلفة    مدير مستشفى بأسوان يكشف تفاصيل محاولة التعدي على الأطباء والتمريض - صور    واقعة تلميذ حدائق القبة.. 7 علامات شائعة قد تشير لإصابة طفلك بمرض السكري    عودة أكرم وغياب الساعي.. قائمة الأهلي لمباراة المصري بالدوري    تحرك جديد من المحامين بشأن أزمة الرسوم القضائية - تفاصيل    رسميًا خلال أيام.. موعد صرف مرتبات شهر مايو 2025 بعد قرار وزارة المالية (احسب قبضك)    الأكثر مشاهدة على WATCH IT    «لعبة الحبّار».. يقترب من النهاية    أحد أبطال منتخب الجودو: الحفاظ على لقب بطولة إفريقيا أصعب من تحقيقه    حدث بالفن| عزاء حماة محمد السبكي وأزمة بين أسرة محمود عبدالعزيز وطليقته    تفاصيل اعتداء معلم على تلميذه في مدرسة نبروه وتعليم الدقهلية يتخذ قرارات عاجلة    بلاغ للنائب العام يتهم الفنانة جوري بكر بازدراء الأديان    سحب 116 عينة من 42 محطة وقود للتأكد من عدم «غش البنزين»    بيولي ل في الجول: الإقصاء الآسيوي كان مؤلما.. وأتحمل مسؤولية ما حدث أمام الاتحاد    "الرعاية الصحية": تقديم الخدمة ل 6 مليون مواطن عن منظومة التأمين الصحي الشامل    أخبار × 24 ساعة.. التموين: شوادر لتوفير الخراف الحية واللحوم بدءا من 20 مايو    صحة الشرقية تحتفل باليوم العالمي لنظافة الأيدي بالمستشفيات    عمرو الورداني يقدّم روشتة نبوية لتوسعة الخُلق والتخلص من العصبية    المحامين": النقاش لا يزال مفتوحًا مع الدولة بشأن رسوم التقاضي    أمين الفتوى: مفهوم الحجاب يشمل الرجل وليس مقصورًا على المرأة فقط    خالد الجندى: الاحتمال وعدم الجزم من أداب القرآن ونحتاجه فى زمننا    وائل غنيم في رسالة مطولة على فيسبوك: دخلت في عزلة لإصلاح نفسي وتوقفت عن تعاطي المخدرات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موجة ضرورية للإصلاح السياسي - د.عبد المنعم سعيد - الأهرام - 8/1/2011
نشر في مصر الجديدة يوم 08 - 01 - 2011

عندما عقدت النية في الأسبوع الماضي علي الدعوة لموجة جديدة من الإصلاح السياسي‏,‏ كان ذلك استنادا إلي أن التاريخ المعاصر لمصر شهد مع موجات الإصلاح الاقتصادي موجات مشابهة من الإصلاح السياسي قد تتلوها أو تتواكب معها‏.‏

وكان كلا النوعين من الإصلاح ينتمي إلي مدرسة واحدة في الإصلاح والتغيير القائم علي التراكم والتدرج‏,‏ وفيه الشعور بالحاجة إلي أن الأمور لا ينبغي لها أن تستمر علي ما هي عليه‏,‏ وأن العالم كثيرا ما يسبقنا في مجالات كثيرة‏.‏ وعلي النقيض من ذلك يوجد فيه الشعور بالخوف من أن التغيير قد يقلب الأوضاع رأسا علي عقب‏,‏ وقد يكون فيه ما يهدد الاستقرار‏;‏ وكان السؤال عن المستفيد مما سوف يأتي‏,‏ يطرح دائما ممن في أفئدتهم خوف من ألا يكونوا من بين المحظوظين‏,‏ أو أنهم ببساطة ليسوا مستعدين بالتعليم أو بالمهارة لتقبل الجديد‏,‏ ومن ثم فإن السعادة تكمن في أن تبقي الأمور علي حالها‏.‏
وكان الحل دائما وسطيا‏,‏ فيجري بعض من الإصلاح‏,‏ ويسير معه الكثير من المحافظة علي ما هو قائم‏,‏ وإذا وضعت هذا علي ذاك فإن البلاد تتقدم وتتغير‏,‏ ولكنها لا تبلغ الرضا أبدا‏,‏ لأن ما جري لا يكفي ومطروح للتساؤل عما إذا كان قد وصلت فوائده للجميع بالعدل والقسطاس‏!.‏ ومع ذلك كانت هناك دائما أنواع من المحفزات لكي نسرع الخطي حتي لو سبب ذلك لغطا‏;‏ ومن المؤكد أنه بعد انتصار عام‏1973‏ لم يكن أحد مستعدا للعودة إلي المسيرة التي أدت إلي هزيمة يونيو‏1967,‏ ومن ثم تولدت موجة الإصلاح الاقتصادي والسياسي الأولي‏.‏ وكانت حرب الخليج الثانية وما تلاها من تغيير العالم وإعفائنا من نصف الديون محفزا لموجة أخري في التسعينيات‏.‏ وعندما بدا أن العالم لن يبقي علي حاله عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر‏2001‏ وما تلاها من ضغوط عالمية للتغيير والإصلاح‏,‏ كان ذلك دافعا إلي الموجة الأخيرة خلال النصف الثاني من العقد الأول من القرن الحادي والعشرين‏.‏ وبالتأكيد كانت الثورة التكنولوجية‏,‏ ومعها العولمة الاقتصادية والثقافية تغير فينا صباح مساء سلبا وإيجابا‏,‏ بينما يجري القبول والرفض لها بوسائل شتي‏,‏ وتشير كلها إلي أن الحال لا تبقي علي حالها أبدا‏.‏
ولم يكن الخارج هو الذي يغيرنا طوال الوقت‏,‏ فقد كانت هناك عوامل داخلية كبري تضغط بشدة كان أكثرها وضوحا الزيادة السكانية التي ضاعفت من عدد سكان مصر خلال ثلاثين عاما فقط من أربعين مليونا إلي ثمانين مليونا‏.‏ كانت مصر قد ولدت شعبا كاملا آخر لم يكن بالبشر فقط بل الزمن والعصر أيضا‏.‏ ولم يكن عدد السكان رقما مصمتا فقد كان أغلبه شبابا ونوعيته مختلفة لأن نسبة التعليم لديه ارتفعت حينما انخفضت الأمية في مصر من نحو‏60%‏ عام‏1980‏ إلي‏28%‏ عام‏2008,‏ ولم يقل أهمية عن ذلك أن هذا الشباب أصبح أكثر اتصالا بالعالم كما لم يحدث من قبل في التاريخ‏.‏
كل ذلك كان واضحا في العقل وأشرت إليه في نهاية مقالي عن موجة الإصلاح الاقتصادي التي نحتاجها في المرحلة القادمة‏.‏ وكان في أوراقي التطورات والإصلاحات التي جرت في المجال السياسي خلال العقود الأربعة السابقة وعلاقتها المترددة مع موجات الإصلاح الاقتصادية‏.‏ فقد كانت الموجة الأولي من الإصلاح السياسي في مصر في عهد الرئيس أنور السادات‏,‏ حينما شهدت البلاد حوارا واسعا بشأن تطوير الاتحاد الاشتراكي أو الإبقاء عليه دون تطوير‏,‏ وانتهي الحوار الدائر بين المثقفين وأساتذة الجامعات والصحفيين والمهنيين إلي الإبقاء عليه مع تطويره‏,‏ وأوصي التقرير الذي أعدته اللجنة المركزية‏(‏ وكان مقررها حينذاك د‏.‏رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب فيما بعد‏)‏ بإقامة منابر تعبر عن الاتجاهات المختلفة داخل الاتحاد الاشتراكي‏,‏ وصدر قرار بإنشاء هذه المنابر داخل الاتحاد في يوليو‏1975.‏
وقام الرئيس السادات بتعيين لجنة مستقبل العمل السياسي في يناير‏1976,‏ لدراسة تأثير المنابر في دعم التوجه نحو الديمقراطية في مصر‏,‏ واعتبر أن مهمتها الأساسية تتمثل في استماع آراء وتحديد اتجاهات قطاعات المجتمع المصري‏.‏ وقد شملت اللجنة‏168‏ عضوا وعقدت‏16‏ اجتماعا فيما بين‏2‏ فبراير و‏9‏ مارس‏1976,‏ وانتهت مناقشات اللجنة إلي أربعة اتجاهات رئيسية‏,‏ وهي علي النحو التالي‏:‏
‏*‏ الاتجاه الأول هو‏(‏ اتجاه الأغلبية‏)‏ الذي دعا إلي التطوير الداخلي للاتحاد الاشتراكي‏,‏ عبر إقامة منابر ثابتة وهو ما يسهم في فاعلية التنظيم وكفاءة أدائه‏,‏ مع التحذير الشديد من صيغة التعددية الحزبية‏,‏ وأيد هذا الاتجاه‏135‏ عضوا‏.‏
‏*‏ الاتجاه الثاني هو الإبقاء علي الاتحاد الاشتراكي كما هو بما يعكس صورته القائمة حينذاك‏,‏ مع إعطائه قدرا من الفعالية عبر منابر متحركة بداخله‏,‏ وأيد هذا الاتجاه‏34‏ عضوا‏.‏
‏*‏ الاتجاه الثالث هو إقامة الأحزاب السياسية‏,‏ باعتبارها الصيغة المثلي للتعبير عن الرأي الحر وإقامة المؤسسات الديمقراطية‏,‏ وأيد هذا الاتجاه‏8‏ أعضاء‏.‏
‏*‏ الاتجاه الرابع هو السماح بإقامة منابر داخل الاتحاد الاشتراكي وخارجه‏.‏
وقد وصل عدد المنابر التي أعلن عن قيامها آنذاك إلي‏40‏ منبرا‏,‏ وقرر الرئيس السادات في مارس‏1976‏ السماح لثلاثة منابر فقط بالقيام وهي‏:‏ اليمين‏(‏ تنظيم الأحرار الاشتراكيين‏)‏ والوسط‏(‏ تنظيم مصر العربي الاشتراكي‏)‏ واليسار‏(‏ تنظيم التجمع الوطني التقدمي الوحدوي‏).‏ وخاضت هذه المنابر انتخابات مجلس الشعب في صيف ذلك العام‏.‏ وفي أول اجتماع للمجلس في‏11‏ نوفمبر‏1976,‏ أعلن رئيس الجمهورية تحويل التنظيمات السياسية الثلاثة إلي أحزاب‏,‏ ثم صدر قانون الأحزاب السياسية في يونيو‏1977,‏ أضف إلي ذلك أن الدستور المصري لعام‏1971‏ أتاح الحقوق السياسية للمصريين‏,‏ مثل الحق في حرية التفكير وإبداء الرأي‏(‏ المادة‏47),‏ وحرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية‏(‏ المادة‏46)‏ والحق في الانتخاب والتمثيل النيابي‏(‏ المادة‏98)‏ والحق في تكوين الأحزاب السياسية وإنشاء النقابات المهنية وتشكيل الجمعيات الأهلية‏(‏ المادتان‏55‏ و‏56).‏
شهد هذا الدستور تعديلا في يوليو‏1979,‏ حينما تقدم أكثر من ثلث أعضاء مجلس الشعب لتعديل الدستور‏,‏ بهدف تعديل بعض المواد وإضافة مواد جديدة إلي أحكامه‏,‏ وفي‏22‏ مايو‏1980‏ وافق الشعب في استفتاء علي تعديل الدستور‏,‏ الذي تضمن خمس مواد هي‏(1‏ و‏2‏ و‏4‏ و‏5‏ و‏77),‏ بخلاف إضافة باب جديد هو الباب السابع الخاص بإنشاء مجلس الشوري وسلطة الصحافة‏.‏ ومن أبرز هذه التعديلات تعديل المادة‏2‏ التي كانت تنص علي أن مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع لتصبح المصدر الرئيسي للتشريع‏.‏ وكذلك تعديل المادة‏5‏ التي كانت تنص علي أن الاتحاد الاشتراكي هو التنظيم السياسي في البلاد‏,‏ وبعد تعديله أصبح النظام السياسي في جمهورية مصر العربية يقوم علي أساس تعدد الأحزاب‏.‏ كما تم تعديل المادة‏77‏ التي كانت تنص علي أن مدة الرئاسة هي ست سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء ويجوز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمدة تالية ومتصلة‏,‏ بحيث يكون الغرض منها منح رئيس الجمهورية الترشيح لمرات عديدة‏,‏ وصار نص المادة بعد تعديها يجوز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمدد أخري‏.‏
أما الموجة الثانية من الإصلاح السياسي والدستوري فكانت في عهد الرئيس مبارك حينما طلب الرئيس في‏26‏ فبراير‏2005‏ استنادا إلي حكم المادة‏189‏ تعديل المادة‏76‏ من الدستور وإضافة مادة جديدة إلي نصوصه‏,‏ ليكون انتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع العام المباشر‏,‏ وتمت الموافقة من جانب الشعب علي التعديل في‏25‏ مايو من نفس العام‏.‏ وفي‏26‏ ديسمبر‏2006‏ طلب الرئيس مبارك من مجلسي الشعب والشوري إجراء تعديل في‏34‏ مادة‏,‏ بعد حوارات موسعة ومناقشات مستفيضة حولها‏,‏ ووافق عليها الشعب في استفتاء عام في‏26‏ مارس‏2007.‏
كان ذلك آخر الإصلاحات الكبري في النظام السياسي المصري‏,‏ وهي التي تم تطبيقها في الانتخابات الرئاسية السابقة‏,‏ وأضيف لها في آخر الانتخابات البرلمانية لعام‏2010‏ ما عرف بحصة المرأة التي أضافت‏64‏ عضوا جديدا إلي مجلس الشعب لكي يعطي للمرأة تمييزا إيجابيا سبق إعطاؤه للعمال والفلاحين حينما أعطاهم الدستور نصف عدد أعضاء البرلمان علي الأقل‏.‏
كما أن الاقتصاد المصري فرض الحاجة إلي موجة جديدة من الإصلاحات التي تسمح له بالانطلاق وتحقيق الأهداف التي لم يستطع تحقيقها حتي الآن‏;‏ فإن السياسة المصرية بدورها تفرض نفس الحاجة لكي تواكب الإصلاحات المطلوبة في المجتمع والدولة‏.‏ وقبل الولوج في الحديث عن هذه الإصلاحات فقد يكون من الواجب تقرير حقيقة مهمة‏,‏ وهي أن النظام السياسي المصري تعرض لاختبارين مهمين خلال المرحلة القصيرة الماضية‏:‏ الاختبار الأول كان عندما طرحت مجموعة من القوي السياسية الرسمية وغير الرسمية فكرة مقاطعة الانتخابات النيابية الماضية‏,‏ ومن ثم وضع النظام السياسي كله موضع الانقسام والفرقة بين من يشارك في الانتخابات ومن يقاطعها ويرفض شرعيتها‏.‏ والاختبار الثاني كان عندما جرت التفجيرات الإرهابية في كنيسة القديسين في الإسكندرية‏,‏ ومن ثم وضعت الوحدة الوطنية المصرية علي المحك‏.‏ وفي الحالتين فإن الدولة المصرية‏,‏ وتيارها السياسي الرئيسي ظهر أنه من القوة بحيث يكون لديه القدرة علي عبور الاختبارين معا بنجاح‏.‏ وبينما تآلفت كل القوي السياسية ذات القيمة علي المشاركة في الانتخابات والرفض القاطع لفكرة المقاطعة‏;‏ فإن كافة القوي السياسية وقفت صفا واحدا في مواجهة الفتنة والإرهاب دون خلاف بين الحكومة والمعارضة‏,‏ أو بين الأغلبية والأقلية‏.‏
ولكن عبور الاختبارين لم يخل من جروح ودروس‏,‏ وظهور جوانب خلل ربما حاول المشرع معالجة جزء منها عندما طرح تخفيض فترة وجود الحزب في البرلمان من خمس إلي ثلاث سنوات لكي يكون له حق طرح مرشح لرئاسة الجمهورية وذلك اعتبارا من عام‏2017,‏ وبينما أظهر هذا الطرح وجهة نظر لمعالجة سياسية جزئية‏;‏ فإن تجربة الأعوام الماضية والانتخابات السابقة تشير كلها إلي ضرورة السعي نحو موجة سياسية لا تقل عمقا عن الموجة الاقتصادية المنتظرة‏.‏ ولكن ذلك يحتاج منهجا ينظر في الشكل كما يفحص المضمون‏;‏ وكلاهما يجري بهدوء وتعمق ويبحث عن المصلحة العامة وليس تسجيل النقاط السياسية‏.‏ ولا يكون الأمر كذلك فقط من أجل سلامة النظر‏,‏ وإنما أيضا لأن التجربة كلها تجري تحت نظر تهديدات للأمن القومي اختبرناها جميعا توا في الإسكندرية‏,‏ وأصبح المنطق الذي شاع في السنوات الأخيرة أن الدولة تستخدم ضرورات الأمن القومي لتأخير الإصلاحات السياسية غير ذي معني بعد أن سالت الدماء وزهقت الأرواح وهددت الوحدة الوطنية إلي المدي الذي رأيناه‏.‏
التجربة إذن تتطلب موجة من الإصلاح السياسي‏;‏ والتجربة أيضا تجعلنا نعلم أن ذلك سوف يتم‏,‏ كما هي الحال مع الإصلاح الاقتصادي‏,‏ تحت موجة من أمواج التهديد عرفنا بدايتها‏,‏ ولكننا لم نعرف نهايتها بعد‏,‏ وما نعرفه تماما هو أننا سوف ننتصر عليه في كل الأحوال‏.‏ ولعل نقطة البداية في هذا الإصلاح تستند إلي المظاهر الجارفة للوحدة الوطنية التي عليها ليس فقط أن تبحث فيما يحمي الوحدة الوطنية بين المسلمين والأقباط‏;‏ وإنما أيضا معالجة ما نتج عن الانتخابات الأخيرة من نتائج‏.‏
لقد جرت خلال الأسابيع الأخيرة حوارات علنية كثيرة حول نتائج الانتخابات‏,‏ وأظن أن جميع الأطراف باتت تعرف الآن أن تقديراتها الأولية إما أنها كانت مبالغا فيها‏,‏ أو أنها كانت خاطئة تماما‏.‏ ولم يحدث أبدا أن أنكر الحزب الوطني الديمقراطي حدوث تجاوزات في الانتخابات الأخيرة جرت نتيجة ظروف اقتصادية واجتماعية وثقافية يعرفها الجميع علي المستويات المحلية‏.‏ ورغم أن المعارضة ظلت تبرر ضمور تواجدها في البرلمان بحدوث التزوير‏,‏ فإن أصحاب الحكمة فيها يعرفون أن استعداداتهم للانتخابات أصابها عوار كبير في التوقيت والاختيار‏.‏ وبغض النظر عما يراه هذا الطرف أو ذاك فإن ما تطالب به المعارضة من إصلاح سياسي لن يمكن تحقيقه عمليا ما لم يتم من خلال التشاور والحوار مع الحزب الوطني الديمقراطي خاصة أن التجربة المريرة في الإسكندرية التي تعرضت لها الوحدة الوطنية لم تكن تخص الحزب الحاكم وحده‏,‏ وإنما كانت تمس بقسوة كل الأحزاب الساعية إلي دولة مدنية وحديثة في مصر‏.‏ لقد ظهر الشر مكشرا عن أنيابه‏,‏ بقسوة بالغة ودامية وعنيفة هزت الضمير الوطني كله ودعته إلي أن يبحث بجدية كاملة عن سبل تعيد بناء التحالف المدني إلي ما كان عليه من ناحية‏;‏ وتفتح باب موجة الإصلاح السياسي من ناحية أخري‏.‏
وفي الظن أن هناك مجموعة من الواجبات التي علي طرفي التحالف المدني القيام بها‏.‏ أولها علي الحزب الوطني الديمقراطي الذي باتت أغلبيته تحتم عليه ألا يقبل الجديد من المستقلين الذين وقفوا ضده في الانتخابات‏.‏ ليس فقط لأن ذلك لا يناسب منطقا‏,‏ وإنما أيضا لأن الحزب مع ما هو عليه من حيوية حاليا لا يحتاج أرقاما جديدة تتركه عند أول اختبار‏.‏ ومن جانب آخر فإنني أدعو أغلبية الحزب إلي القبول بنتائج الأحكام القضائية والتصديق عليها فيما يتعلق بصحة نتائج الانتخابات أو بطلانها‏.‏ وعلي الناحية الأخري فإن بقية الأحزاب‏,‏ خاصة حزب الوفد‏,‏ بات عليها مراجعة بنائها السياسي وتحديث تنظيماتها ووحداتها الأساسية وبنائها القيادي وربما أيضا أفكارها السياسية‏.‏ وبصراحة فإنه لم يعد هناك في العصر الحديث أحزاب سياسية لا تتضمن قدرا من الاحتراف السياسي‏,‏ وتقتصر أفكارها فقط علي رفض ما يأتي به الحزب الحاكم‏.‏ حال حدوث ذلك فإن طرفي التحالف المدني بات عليهم بحث دءوب‏,‏ وعمل لا يكل من أجل حماية الوحدة الوطنية التي تسعي إلي تمزيقها ذات القوي التي مزقت فلسطين والسودان والعراق وأفغانستان واليمن وتحاول بلا كلل أو ملل أن تفعل ذلك في كافة الدول العربية والإسلامية‏.‏
إن الوحدة الوطنية هي أساس الدولة‏,‏ وهي ليست رموزا وشعارات‏,‏ ولكنها عمل سياسي من الدرجة الأولي يقع علي عاتق كل القوي المؤمنة بالدولة المدنية الحديثة في مصر‏.‏
مثل هذا خطوة أولي ضرورية‏,‏ وبعدها فإن الموجة القادمة من الإصلاح تتطلب التشاور حول الإصلاح السياسي‏,‏ عبر البدء بحوار وطني موسع بين ممثلي الأحزاب السياسية والتيارات الفكرية‏,‏ بهدف المشاركة وطرح الأفكار التي تتعلق بالإصلاح و تطرحها القوي السياسية المختلفة من خلال ورش عمل وحلقات نقاش هادئة وواعية‏,‏ تضع الأولويات وجدول الأعمال بحيث لا تستثني أو تستبعد قضية‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.