الانتهاء من استعدادات المرحلة الأولى لانتخابات مجلس النواب    قومي المرأة يدعو سيدات مصر للمشاركة بقوة في انتخابات النواب    رئيس الوزراء يشهد بدء التشغيل التجريبي للخط الأول للقطار الكهربائي السريع    مراسل "إكسترا نيوز" يرصد خول المساعدات إلى قطاع غزة    إعصار فونج-وونج يصل مقاطعة أورورا شمال شرقى الفلبين    توافد جماهير الأهلي والزمالك على ملعب محمد بن زايد لحضور نهائي السوبر    مقتل مزارع بطلق نارى فى ظروف غامضة بإحدى قرى مركز قوص بقنا    خالد عبدالغفار يبحث مع ممثلي منظمة الصحة العالمية تعزيز جهود مواجهة الكوارث    وزير الكهرباء يشهد مراسم توقيع اتفاقية مبادلة الديون بين مصر وألمانيا    محافظ بني سويف ورئيسة المجلس القومي للطفولة والأمومة يفتتحان فرع المجلس بديوان عام المحافظة    موفدو الأوقاف بالخارج يبادرون لأداء واجبهم الوطني في انتخابات مجلس النواب بمقار السفارات والقنصليات المصرية بالخارج    ضبط زوجين إيرانيين يحملان جوازي سفر إسرائيليين مزورين بدولة إفريقية    المجلس التشريعي الفلسطيني: إسرائيل تتبع استراتيجية طويلة المدى بالضفة لتهجير شعبنا    تحسين الأسطل : الأوضاع في قطاع غزة ما زالت تشهد خروقات متكررة    زلزال قوي يضرب الساحل الشمالي لليابان وتحذير من تسونامي    محافظ البحيرة تتفقد مدرسة STEM.. أول صرح تعليمي متخصص لدعم المتفوقين    محافظ قنا يترأس اجتماع لجنة استرداد أراضي الدولة لمتابعة جهود التقنين وتوحيد الإجراءات    «الداخلية» تكشف حقيقة فيديو دهس مواطن بالإسكندرية    مصرع سائق وإصابة 5 أشخاص في تصادم بالقناطر الخيرية    من يحضر تنفيذ العقوبة؟.. بعد حكم إعدام قاتلة زوجها وأبنائه ال6.. إنفوجراف    ب«مفيش راجل بيتخطف».. اَيتن عامر تثير الجدل بفيديو على «السوشيال ميديا»    رئيس منتدى مصر للإعلام تستقبل رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام    «تنتظره على أحر من الجمر».. 3 أبراج تقع في غرام الشتاء    سمير عمر رئيس قطاع الأخبار بالشركة المتحدة يشارك في ندوات منتدى مصر للإعلام    مرفت عمر بلجنة تحكيم مهرجان ZIFFA في السنغال    المشاط: ألمانيا من أبرز شركاء التنمية الدوليين لمصر.. وتربط البلدين علاقات تعاون ثنائي تمتد لعقود    علاج مجانى ل1382 مواطنا من أبناء مدينة أبو سمبل السياحية    أحمد سعد يتألق على مسرح "يايلا أرينا" في ألمانيا.. صور    رئيس البورصة: 5 شركات جديدة تستعد للقيد خلال 2026    رسميًا.. موعد صرف معاشات شهر ديسمبر 2025 ل 11 مليون مواطن    رئيس الجامعة الفيوم يستقبل فريق الهيئة القومية لضمان جودة التعليم    توقيع مذكرة تفاهم بين التعليم العالي والتضامن ومستشفى شفاء الأورمان لتعزيز التعاون في صعيد مصر    ضبط تشكيل عصابي لتهريب المخدرات بقيمة 105 مليون جنيه بأسوان    امتحانات الشهادة الإعدادية للترم الأول وموعد تسجيل استمارة البيانات    ما حكم الخروج من الصلاة للذهاب إلى الحمام؟ (الإفتاء تفسر)    أهم 10 معلومات عن حفل The Grand Ball الملكي بعد إقامته في قصر عابدين    القاهرة تحتضن منتدى مصر للإعلام بمشاركة نخبة من الخبراء    «زي كولر».. شوبير يعلق على أسلوب توروب مع الأهلي قبل قمة الزمالك    الداخلية تطلق خدمة VIP إكسبريس لتصاريح العمل.. استلام الكارت المميكن خلال ساعة واحدة    وجبات خفيفة صحية، تمنح الشبع بدون زيادة الوزن    الأوقاف توضح ديانة المصريين القدماء: فيهم أنبياء ومؤمنون وليسوا عبدة أوثان    «كفاية كوباية قهوة وشاي واحدة».. مشروبات ممنوعة لمرضى ضغط الدم    الزمالك كعبه عالي على بيراميدز وعبدالرؤوف نجح في دعم لاعبيه نفسيًا    مواعيد مباريات الأحد 9 نوفمبر - نهائي السوبر المصري.. ومانشستر سيتي ضد ليفربول    تشييع جنازة مصطفى نصر عصر اليوم من مسجد السلطان بالإسكندرية    طولان: محمد عبد الله في قائمة منتخب مصر الأولية لكأس العرب    «لعبت 3 مباريات».. شوبير يوجه رسالة لناصر ماهر بعد استبعاده من منتخب مصر    أمين الفتوى: الصلاة بملابس البيت صحيحة بشرط ستر الجسد وعدم الشفافية    على خطى النبي.. رحلة روحانية تمتد من مكة إلى المدينة لإحياء معاني الهجرة    قافلة «زاد العزة» ال 68 تدخل إلى الفلسطينيين بقطاع غزة    جاهزية 56 لجنة ومركز انتخابي موزعة على دائرتين و 375543 لهم حق التوصيت بمطروح    مئات المستوطنين يقتحمون باحات المسجد الأقصى والاحتلال يواصل الاعتقالات في الضفة الغربية    التشكيل المتوقع للزمالك أمام الأهلي في نهائي السوبر    معلومات الوزراء : 70.8% من المصريين تابعوا افتتاح المتحف الكبير عبر التليفزيون    قبل بدء التصويت في انتخابات مجلس النواب 2025.. تعرف على لجنتك الانتخابية بالخطوات    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    اليوم.. نظر محاكمة 213 متهما بخلية النزهة    «الكلام اللي قولته يجهلنا.. هي دي ثقافتك؟».. أحمد بلال يفتح النار على خالد الغندور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من القاهرة
موجة ضرورية للإصلاح السياسي
نشر في الأهرام اليومي يوم 06 - 01 - 2011

عندما عقدت النية في الأسبوع الماضي علي الدعوة لموجة جديدة من الإصلاح السياسي‏,‏ كان ذلك استنادا إلي أن التاريخ المعاصر لمصر شهد مع موجات الإصلاح الاقتصادي موجات مشابهة من الإصلاح السياسي قد تتلوها أو تتواكب معها‏.‏ وكان كلا النوعين من الإصلاح ينتمي إلي مدرسة واحدة في الإصلاح والتغيير القائم علي التراكم والتدرج‏,‏ وفيه الشعور بالحاجة إلي أن الأمور لا ينبغي لها أن تستمر علي ما هي عليه‏,‏ وأن العالم كثيرا ما يسبقنا في مجالات كثيرة‏.‏ وعلي النقيض من ذلك يوجد فيه الشعور بالخوف من أن التغيير قد يقلب الأوضاع رأسا علي عقب‏,‏ وقد يكون فيه ما يهدد الاستقرار‏;‏ وكان السؤال عن المستفيد مما سوف يأتي‏,‏ يطرح دائما ممن في أفئدتهم خوف من ألا يكونوا من بين المحظوظين‏,‏ أو أنهم ببساطة ليسوا مستعدين بالتعليم أو بالمهارة لتقبل الجديد‏,‏ ومن ثم فإن السعادة تكمن في أن تبقي الأمور علي حالها‏.‏
وكان الحل دائما وسطيا‏,‏ فيجري بعض من الإصلاح‏,‏ ويسير معه الكثير من المحافظة علي ما هو قائم‏,‏ وإذا وضعت هذا علي ذاك فإن البلاد تتقدم وتتغير‏,‏ ولكنها لا تبلغ الرضا أبدا‏,‏ لأن ما جري لا يكفي ومطروح للتساؤل عما إذا كان قد وصلت فوائده للجميع بالعدل والقسطاس‏!.‏ ومع ذلك كانت هناك دائما أنواع من المحفزات لكي نسرع الخطي حتي لو سبب ذلك لغطا‏;‏ ومن المؤكد أنه بعد انتصار عام‏1973‏ لم يكن أحد مستعدا للعودة إلي المسيرة التي أدت إلي هزيمة يونيو‏1967,‏ ومن ثم تولدت موجة الإصلاح الاقتصادي والسياسي الأولي‏.‏ وكانت حرب الخليج الثانية وما تلاها من تغيير العالم وإعفائنا من نصف الديون محفزا لموجة أخري في التسعينيات‏.‏ وعندما بدا أن العالم لن يبقي علي حاله عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر‏2001‏ وما تلاها من ضغوط عالمية للتغيير والإصلاح‏,‏ كان ذلك دافعا إلي الموجة الأخيرة خلال النصف الثاني من العقد الأول من القرن الحادي والعشرين‏.‏ وبالتأكيد كانت الثورة التكنولوجية‏,‏ ومعها العولمة الاقتصادية والثقافية تغير فينا صباح مساء سلبا وإيجابا‏,‏ بينما يجري القبول والرفض لها بوسائل شتي‏,‏ وتشير كلها إلي أن الحال لا تبقي علي حالها أبدا‏.‏
ولم يكن الخارج هو الذي يغيرنا طوال الوقت‏,‏ فقد كانت هناك عوامل داخلية كبري تضغط بشدة كان أكثرها وضوحا الزيادة السكانية التي ضاعفت من عدد سكان مصر خلال ثلاثين عاما فقط من أربعين مليونا إلي ثمانين مليونا‏.‏ كانت مصر قد ولدت شعبا كاملا آخر لم يكن بالبشر فقط بل الزمن والعصر أيضا‏.‏ ولم يكن عدد السكان رقما مصمتا فقد كان أغلبه شبابا ونوعيته مختلفة لأن نسبة التعليم لديه ارتفعت حينما انخفضت الأمية في مصر من نحو‏60%‏ عام‏1980‏ إلي‏28%‏ عام‏2008,‏ ولم يقل أهمية عن ذلك أن هذا الشباب أصبح أكثر اتصالا بالعالم كما لم يحدث من قبل في التاريخ‏.‏
كل ذلك كان واضحا في العقل وأشرت إليه في نهاية مقالي عن موجة الإصلاح الاقتصادي التي نحتاجها في المرحلة القادمة‏.‏ وكان في أوراقي التطورات والإصلاحات التي جرت في المجال السياسي خلال العقود الأربعة السابقة وعلاقتها المترددة مع موجات الإصلاح الاقتصادية‏.‏ فقد كانت الموجة الأولي من الإصلاح السياسي في مصر في عهد الرئيس أنور السادات‏,‏ حينما شهدت البلاد حوارا واسعا بشأن تطوير الاتحاد الاشتراكي أو الإبقاء عليه دون تطوير‏,‏ وانتهي الحوار الدائر بين المثقفين وأساتذة الجامعات والصحفيين والمهنيين إلي الإبقاء عليه مع تطويره‏,‏ وأوصي التقرير الذي أعدته اللجنة المركزية‏(‏ وكان مقررها حينذاك د‏.‏رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب فيما بعد‏)‏ بإقامة منابر تعبر عن الاتجاهات المختلفة داخل الاتحاد الاشتراكي‏,‏ وصدر قرار بإنشاء هذه المنابر داخل الاتحاد في يوليو‏1975.‏
وقام الرئيس السادات بتعيين لجنة مستقبل العمل السياسي في يناير‏1976,‏ لدراسة تأثير المنابر في دعم التوجه نحو الديمقراطية في مصر‏,‏ واعتبر أن مهمتها الأساسية تتمثل في استماع آراء وتحديد اتجاهات قطاعات المجتمع المصري‏.‏ وقد شملت اللجنة‏168‏ عضوا وعقدت‏16‏ اجتماعا فيما بين‏2‏ فبراير و‏9‏ مارس‏1976,‏ وانتهت مناقشات اللجنة إلي أربعة اتجاهات رئيسية‏,‏ وهي علي النحو التالي‏:‏
‏*‏ الاتجاه الأول هو‏(‏ اتجاه الأغلبية‏)‏ الذي دعا إلي التطوير الداخلي للاتحاد الاشتراكي‏,‏ عبر إقامة منابر ثابتة وهو ما يسهم في فاعلية التنظيم وكفاءة أدائه‏,‏ مع التحذير الشديد من صيغة التعددية الحزبية‏,‏ وأيد هذا الاتجاه‏135‏ عضوا‏.‏
‏*‏ الاتجاه الثاني هو الإبقاء علي الاتحاد الاشتراكي كما هو بما يعكس صورته القائمة حينذاك‏,‏ مع إعطائه قدرا من الفعالية عبر منابر متحركة بداخله‏,‏ وأيد هذا الاتجاه‏34‏ عضوا‏.‏
‏*‏ الاتجاه الثالث هو إقامة الأحزاب السياسية‏,‏ باعتبارها الصيغة المثلي للتعبير عن الرأي الحر وإقامة المؤسسات الديمقراطية‏,‏ وأيد هذا الاتجاه‏8‏ أعضاء‏.‏
‏*‏ الاتجاه الرابع هو السماح بإقامة منابر داخل الاتحاد الاشتراكي وخارجه‏.‏
وقد وصل عدد المنابر التي أعلن عن قيامها آنذاك إلي‏40‏ منبرا‏,‏ وقرر الرئيس السادات في مارس‏1976‏ السماح لثلاثة منابر فقط بالقيام وهي‏:‏ اليمين‏(‏ تنظيم الأحرار الاشتراكيين‏)‏ والوسط‏(‏ تنظيم مصر العربي الاشتراكي‏)‏ واليسار‏(‏ تنظيم التجمع الوطني التقدمي الوحدوي‏).‏ وخاضت هذه المنابر انتخابات مجلس الشعب في صيف ذلك العام‏.‏ وفي أول اجتماع للمجلس في‏11‏ نوفمبر‏1976,‏ أعلن رئيس الجمهورية تحويل التنظيمات السياسية الثلاثة إلي أحزاب‏,‏ ثم صدر قانون الأحزاب السياسية في يونيو‏1977,‏ أضف إلي ذلك أن الدستور المصري لعام‏1971‏ أتاح الحقوق السياسية للمصريين‏,‏ مثل الحق في حرية التفكير وإبداء الرأي‏(‏ المادة‏47),‏ وحرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية‏(‏ المادة‏46)‏ والحق في الانتخاب والتمثيل النيابي‏(‏ المادة‏98)‏ والحق في تكوين الأحزاب السياسية وإنشاء النقابات المهنية وتشكيل الجمعيات الأهلية‏(‏ المادتان‏55‏ و‏56).‏
شهد هذا الدستور تعديلا في يوليو‏1979,‏ حينما تقدم أكثر من ثلث أعضاء مجلس الشعب لتعديل الدستور‏,‏ بهدف تعديل بعض المواد وإضافة مواد جديدة إلي أحكامه‏,‏ وفي‏22‏ مايو‏1980‏ وافق الشعب في استفتاء علي تعديل الدستور‏,‏ الذي تضمن خمس مواد هي‏(1‏ و‏2‏ و‏4‏ و‏5‏ و‏77),‏ بخلاف إضافة باب جديد هو الباب السابع الخاص بإنشاء مجلس الشوري وسلطة الصحافة‏.‏ ومن أبرز هذه التعديلات تعديل المادة‏2‏ التي كانت تنص علي أن مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع لتصبح المصدر الرئيسي للتشريع‏.‏ وكذلك تعديل المادة‏5‏ التي كانت تنص علي أن الاتحاد الاشتراكي هو التنظيم السياسي في البلاد‏,‏ وبعد تعديله أصبح النظام السياسي في جمهورية مصر العربية يقوم علي أساس تعدد الأحزاب‏.‏ كما تم تعديل المادة‏77‏ التي كانت تنص علي أن مدة الرئاسة هي ست سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء ويجوز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمدة تالية ومتصلة‏,‏ بحيث يكون الغرض منها منح رئيس الجمهورية الترشيح لمرات عديدة‏,‏ وصار نص المادة بعد تعديها يجوز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمدد أخري‏.‏
أما الموجة الثانية من الإصلاح السياسي والدستوري فكانت في عهد الرئيس مبارك حينما طلب الرئيس في‏26‏ فبراير‏2005‏ استنادا إلي حكم المادة‏189‏ تعديل المادة‏76‏ من الدستور وإضافة مادة جديدة إلي نصوصه‏,‏ ليكون انتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع العام المباشر‏,‏ وتمت الموافقة من جانب الشعب علي التعديل في‏25‏ مايو من نفس العام‏.‏ وفي‏26‏ ديسمبر‏2006‏ طلب الرئيس مبارك من مجلسي الشعب والشوري إجراء تعديل في‏34‏ مادة‏,‏ بعد حوارات موسعة ومناقشات مستفيضة حولها‏,‏ ووافق عليها الشعب في استفتاء عام في‏26‏ مارس‏2007.‏
كان ذلك آخر الإصلاحات الكبري في النظام السياسي المصري‏,‏ وهي التي تم تطبيقها في الانتخابات الرئاسية السابقة‏,‏ وأضيف لها في آخر الانتخابات البرلمانية لعام‏2010‏ ما عرف بحصة المرأة التي أضافت‏64‏ عضوا جديدا إلي مجلس الشعب لكي يعطي للمرأة تمييزا إيجابيا سبق إعطاؤه للعمال والفلاحين حينما أعطاهم الدستور نصف عدد أعضاء البرلمان علي الأقل‏.‏
كما أن الاقتصاد المصري فرض الحاجة إلي موجة جديدة من الإصلاحات التي تسمح له بالانطلاق وتحقيق الأهداف التي لم يستطع تحقيقها حتي الآن‏;‏ فإن السياسة المصرية بدورها تفرض نفس الحاجة لكي تواكب الإصلاحات المطلوبة في المجتمع والدولة‏.‏ وقبل الولوج في الحديث عن هذه الإصلاحات فقد يكون من الواجب تقرير حقيقة مهمة‏,‏ وهي أن النظام السياسي المصري تعرض لاختبارين مهمين خلال المرحلة القصيرة الماضية‏:‏ الاختبار الأول كان عندما طرحت مجموعة من القوي السياسية الرسمية وغير الرسمية فكرة مقاطعة الانتخابات النيابية الماضية‏,‏ ومن ثم وضع النظام السياسي كله موضع الانقسام والفرقة بين من يشارك في الانتخابات ومن يقاطعها ويرفض شرعيتها‏.‏ والاختبار الثاني كان عندما جرت التفجيرات الإرهابية في كنيسة القديسين في الإسكندرية‏,‏ ومن ثم وضعت الوحدة الوطنية المصرية علي المحك‏.‏ وفي الحالتين فإن الدولة المصرية‏,‏ وتيارها السياسي الرئيسي ظهر أنه من القوة بحيث يكون لديه القدرة علي عبور الاختبارين معا بنجاح‏.‏ وبينما تآلفت كل القوي السياسية ذات القيمة علي المشاركة في الانتخابات والرفض القاطع لفكرة المقاطعة‏;‏ فإن كافة القوي السياسية وقفت صفا واحدا في مواجهة الفتنة والإرهاب دون خلاف بين الحكومة والمعارضة‏,‏ أو بين الأغلبية والأقلية‏.‏
ولكن عبور الاختبارين لم يخل من جروح ودروس‏,‏ وظهور جوانب خلل ربما حاول المشرع معالجة جزء منها عندما طرح تخفيض فترة وجود الحزب في البرلمان من خمس إلي ثلاث سنوات لكي يكون له حق طرح مرشح لرئاسة الجمهورية وذلك اعتبارا من عام‏2017,‏ وبينما أظهر هذا الطرح وجهة نظر لمعالجة سياسية جزئية‏;‏ فإن تجربة الأعوام الماضية والانتخابات السابقة تشير كلها إلي ضرورة السعي نحو موجة سياسية لا تقل عمقا عن الموجة الاقتصادية المنتظرة‏.‏ ولكن ذلك يحتاج منهجا ينظر في الشكل كما يفحص المضمون‏;‏ وكلاهما يجري بهدوء وتعمق ويبحث عن المصلحة العامة وليس تسجيل النقاط السياسية‏.‏ ولا يكون الأمر كذلك فقط من أجل سلامة النظر‏,‏ وإنما أيضا لأن التجربة كلها تجري تحت نظر تهديدات للأمن القومي اختبرناها جميعا توا في الإسكندرية‏,‏ وأصبح المنطق الذي شاع في السنوات الأخيرة أن الدولة تستخدم ضرورات الأمن القومي لتأخير الإصلاحات السياسية غير ذي معني بعد أن سالت الدماء وزهقت الأرواح وهددت الوحدة الوطنية إلي المدي الذي رأيناه‏.‏
التجربة إذن تتطلب موجة من الإصلاح السياسي‏;‏ والتجربة أيضا تجعلنا نعلم أن ذلك سوف يتم‏,‏ كما هي الحال مع الإصلاح الاقتصادي‏,‏ تحت موجة من أمواج التهديد عرفنا بدايتها‏,‏ ولكننا لم نعرف نهايتها بعد‏,‏ وما نعرفه تماما هو أننا سوف ننتصر عليه في كل الأحوال‏.‏ ولعل نقطة البداية في هذا الإصلاح تستند إلي المظاهر الجارفة للوحدة الوطنية التي عليها ليس فقط أن تبحث فيما يحمي الوحدة الوطنية بين المسلمين والأقباط‏;‏ وإنما أيضا معالجة ما نتج عن الانتخابات الأخيرة من نتائج‏.‏
لقد جرت خلال الأسابيع الأخيرة حوارات علنية كثيرة حول نتائج الانتخابات‏,‏ وأظن أن جميع الأطراف باتت تعرف الآن أن تقديراتها الأولية إما أنها كانت مبالغا فيها‏,‏ أو أنها كانت خاطئة تماما‏.‏ ولم يحدث أبدا أن أنكر الحزب الوطني الديمقراطي حدوث تجاوزات في الانتخابات الأخيرة جرت نتيجة ظروف اقتصادية واجتماعية وثقافية يعرفها الجميع علي المستويات المحلية‏.‏ ورغم أن المعارضة ظلت تبرر ضمور تواجدها في البرلمان بحدوث التزوير‏,‏ فإن أصحاب الحكمة فيها يعرفون أن استعداداتهم للانتخابات أصابها عوار كبير في التوقيت والاختيار‏.‏ وبغض النظر عما يراه هذا الطرف أو ذاك فإن ما تطالب به المعارضة من إصلاح سياسي لن يمكن تحقيقه عمليا ما لم يتم من خلال التشاور والحوار مع الحزب الوطني الديمقراطي خاصة أن التجربة المريرة في الإسكندرية التي تعرضت لها الوحدة الوطنية لم تكن تخص الحزب الحاكم وحده‏,‏ وإنما كانت تمس بقسوة كل الأحزاب الساعية إلي دولة مدنية وحديثة في مصر‏.‏ لقد ظهر الشر مكشرا عن أنيابه‏,‏ بقسوة بالغة ودامية وعنيفة هزت الضمير الوطني كله ودعته إلي أن يبحث بجدية كاملة عن سبل تعيد بناء التحالف المدني إلي ما كان عليه من ناحية‏;‏ وتفتح باب موجة الإصلاح السياسي من ناحية أخري‏.‏
وفي الظن أن هناك مجموعة من الواجبات التي علي طرفي التحالف المدني القيام بها‏.‏ أولها علي الحزب الوطني الديمقراطي الذي باتت أغلبيته تحتم عليه ألا يقبل الجديد من المستقلين الذين وقفوا ضده في الانتخابات‏.‏ ليس فقط لأن ذلك لا يناسب منطقا‏,‏ وإنما أيضا لأن الحزب مع ما هو عليه من حيوية حاليا لا يحتاج أرقاما جديدة تتركه عند أول اختبار‏.‏ ومن جانب آخر فإنني أدعو أغلبية الحزب إلي القبول بنتائج الأحكام القضائية والتصديق عليها فيما يتعلق بصحة نتائج الانتخابات أو بطلانها‏.‏ وعلي الناحية الأخري فإن بقية الأحزاب‏,‏ خاصة حزب الوفد‏,‏ بات عليها مراجعة بنائها السياسي وتحديث تنظيماتها ووحداتها الأساسية وبنائها القيادي وربما أيضا أفكارها السياسية‏.‏ وبصراحة فإنه لم يعد هناك في العصر الحديث أحزاب سياسية لا تتضمن قدرا من الاحتراف السياسي‏,‏ وتقتصر أفكارها فقط علي رفض ما يأتي به الحزب الحاكم‏.‏ حال حدوث ذلك فإن طرفي التحالف المدني بات عليهم بحث دءوب‏,‏ وعمل لا يكل من أجل حماية الوحدة الوطنية التي تسعي إلي تمزيقها ذات القوي التي مزقت فلسطين والسودان والعراق وأفغانستان واليمن وتحاول بلا كلل أو ملل أن تفعل ذلك في كافة الدول العربية والإسلامية‏.‏
إن الوحدة الوطنية هي أساس الدولة‏,‏ وهي ليست رموزا وشعارات‏,‏ ولكنها عمل سياسي من الدرجة الأولي يقع علي عاتق كل القوي المؤمنة بالدولة المدنية الحديثة في مصر‏.‏
مثل هذا خطوة أولي ضرورية‏,‏ وبعدها فإن الموجة القادمة من الإصلاح تتطلب التشاور حول الإصلاح السياسي‏,‏ عبر البدء بحوار وطني موسع بين ممثلي الأحزاب السياسية والتيارات الفكرية‏,‏ بهدف المشاركة وطرح الأفكار التي تتعلق بالإصلاح و تطرحها القوي السياسية المختلفة من خلال ورش عمل وحلقات نقاش هادئة وواعية‏,‏ تضع الأولويات وجدول الأعمال بحيث لا تستثني أو تستبعد قضية‏.‏
[email protected]
المزيد من مقالات د.عبد المنعم سعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.