وزير التعليم العالي يؤكد أهمية تنوع الأنشطة الطلابية لذوي الإعاقة بالجامعات    محافظة الدقهلية تواصل فعاليات دمج أطفال دور الرعاية بالمجتمع (صور)    أسعار البيض اليوم الجمعة بالأسواق (موقع رسمي)    قمة مصرية روسية اليوم بموسكو لتعزيز العلاقات في مختلف المجالات    لأول مرة.. بابا الفاتيكان أمريكيا| وترامب يعلق    خلافات عميقة وتهميش متبادل.. العلاقة بين ترامب ونتنياهو إلى أين؟    ريال مدريد يستعد لإعلان تنصيب ألونسو خلفًا ل أنشيلوتي    إحباط محاولة غسل 50 مليون جنيه من تهريب المخدرات وضبط عنصرين أجنبيين بمدينة نصر    5 حالات اختناق بمنزل وحادث اعتداء على سوداني بالجيزة    ضبط عناصر إجرامية بحوزتهم مخدرات بقيمة 3.5 مليون جنيه    عرض فيلم "Only the River Flows " بمكتبة مصر الجديدة العامة    بوتين: روسيا ستبقى قوة عالمية غير قابلة للهزيمة    وفد «محلية النواب» يتفقد الخدمات الصحية لمستشفى الناس بشبرا الخيمة (صور)    احتفالات روسيا بالذكرى ال 80 للنصر العظيم..حقائق وأرقام    مصلحة الضرائب: 1.5 مليار وثيقة إلكترونية على منظومة الفاتورة الإلكترونية حتى الآن    فاركو يواجه بتروجت لتحسين الوضع في الدوري    ماركا: تشابي ألونسو سيكون المدرب الجديد لريال مدريد    إنفانتينو يستعد لزيارة السعودية خلال جولة ترامب    وزير الري: سرعة اتخاذ قرارات طلبات تراخيص الشواطئ تيسيرا ودعما للمستثمرين    وزير الإسكان: بدء تنفيذ مشروع «ديارنا» السكني بمدينة القاهرة الجديدة    جدول امتحانات خامسة ابتدائي الترم الثاني 2025 بالقليوبية «المواد المضافة للمجموع»    بسبب الأقراص المنشطة.. أولى جلسات محاكمة عاطلين أمام محكمة القاهرة| غدا    انطلاق امتحانات الفصل الدراسي الثاني للطلبة المصريين في الخارج غدا    الموافقة على الإعلان عن التعاقد لشغل عدة وظائف بجامعة أسيوط الأهلية (تفاصيل)    وزير المالية: الاقتصاد المصري يتحرك بخطى جيدة ويوفر فرصًا استثمارية كبيرة    مروان موسى ل«أجمد 7» ألبومى الجديد 23 أغنية..ويعبر عن حياتي بعد فقدان والدتي    حفيدة الشيخ محمد رفعت: جدى كان شخص زاهد يميل للبسطاء ومحب للقرآن الكريم    الجيش الأوكراني: تصدينا خلال ال24 ساعة الماضية لهجمات روسية بمسيرات وصواريخ    اقتحام مستشفى حُميّات أسوان بسلاح أبيض يكشف انهيار المنظومة الصحية في زمن السيسي    الهيئة العامة للرعاية الصحية تُقرر فتح باب التقدم للقيد بسجل الموردين والمقاولين والاستشاريين    «دمياط للصحة النفسية» تطلق مرحلة تطوير استثنائية    افتتاح وحدة عناية مركزة متطورة بمستشفى دمياط العام    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 9- 5- 2025 والقنوات الناقلة    أسعار الدولار أمام الجنيه المصري.. اليوم الجمعة 9 مايو 2025    أحمد داش: الجيل الجديد بياخد فرص حقيقية.. وده تطور طبيعي في الفن    التنمر والتحرش والازدراء لغة العصر الحديث    زعيم كوريا الشمالية يشرف على تجارب لأنظمة صواريخ باليستية قصيرة المدى    أسرة «بوابة أخبار اليوم» تقدم العزاء في وفاة زوج الزميلة شيرين الكردي    في أجواء من الفرح والسعادة.. مستقبل وطن يحتفي بالأيتام في نجع حمادي    الهباش ينفي ما نشرته «صفحات صفراء» عن خلافات فلسطينية مع الأزهر الشريف    طريقة عمل الآيس كوفي، الاحترافي وبأقل التكاليف    رئيس الطائفة الإنجيلية مهنئا بابا الفاتيكان: نشكر الله على استمرار الكنيسة في أداء دورها العظيم    سالم: تأجيل قرار لجنة الاستئناف بالفصل في أزمة القمة غير مُبرر    تفاصيل لقاء الفنان العالمي مينا مسعود ورئيس مدينة الإنتاج الإعلامي    «ملحقش يتفرج عليه».. ريهام عبدالغفور تكشف عن آخر أعمال والدها الراحل    غزو القاهرة بالشعر.. الوثائقية تعرض رحلة أحمد عبد المعطي حجازي من الريف إلى العاصمة    الأهلي يتفق مع جوميز مقابل 150 ألف دولار.. صحيفة سعودية تكشف    الجثمان مفقود.. غرق شاب في ترعة بالإسكندرية    في المقابر وصوروها.. ضبط 3 طلاب بالإعدادية هتكوا عرض زميلتهم بالقليوبية    طلب مدرب ساوثهامبتون قبل نهاية الموسم الإنجليزي    وسائل إعلام إسرائيلية: ترامب يقترب من إعلان "صفقة شاملة" لإنهاء الحرب في غزة    «إسكان النواب»: المستأجر سيتعرض لزيادة كبيرة في الإيجار حال اللجوء للمحاكم    حكم إخفاء الذهب عن الزوج والكذب؟ أمين الفتوى يوضح    عيسى إسكندر يمثل مصر في مؤتمر عالمي بروما لتعزيز التقارب بين الثقافات    محافظة الجيزة: غلق جزئى بكوبري 26 يوليو    ب3 مواقف من القرآن.. خالد الجندي يكشف كيف يتحول البلاء إلى نعمة عظيمة تدخل الجنة    علي جمعة: السيرة النبوية تطبيق عملي معصوم للقرآن    "10 دقائق من الصمت الواعي".. نصائح عمرو الورداني لاستعادة الاتزان الروحي والتخلص من العصبية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإخوان‏..‏ والصعود نحو الهاوية‏23‏

لامجال للمقارنة مع آراء أبو العلا ماضي التي تطالب بمراجعة الأفكار الموروثة حول قضايا المرأة والحزبية والعنف والمواطنة‏.‏الإخوان التقليديون يعيشون خارج النظام‏,‏
ويؤمنون بأنهم بعيدون عن المنافسة‏ وأنهم سياسيون من طراز مختلف‏:‏ يفيدون من العمل السياسي ولاينبغي أن يتعرضوا لأخطاره‏!‏ يطرح أبو العلا ماضي تساؤلات تزلزل الموروث‏,‏ وتنتقل بالجماعة من الإطار الفضفاض إلي ساحة السياسة المحددة الواضحة‏:‏ هل نحن هدفنا الوصول للسلطة أم المشاركة في الحكم؟‏...‏ هل الإخوان جماعة إصلاحية دعوية ملك للأمة أم هي حزب سياسي؟ الاثنان مطلوبان‏...‏ ولكن جمعهما في شكل أو جماعة أو تنظيم واحد مستحيل محضر نقاش مع‏:‏ أبو العلا ماضي لامفر من الاختيار‏,‏ ولابديل عن تغيير شامل في التعامل مع الآخرين‏,‏ وفي التعامل الداخلي حيث تتراكم الأمراض والسلبيات‏:‏ العلانية والحزب يعنيان إجراء انتخابات للقيادة بشكل علني وحر وباقتراع سري‏,‏ ويعنيان آليات للمحاسبة‏,‏ وشفافية في التمويل وبنود الصرف‏,‏ وكل هذا سيدفع بهؤلاء الناس إلي زاوية المشهد‏,‏ وسينهي سيطرتهم التي يحتفظون بها علي خلفية الظروف الأمنية والمطاردات والحفاظ علي وحدة التنظيم‏...‏ إلي أخر تلك المقولات التي يستخدمونها كفزاعة في وجه كل من يطالب بالتغيير‏.‏
ثانيا‏:‏ عالمية الجماعة‏:‏
حرص حسن البنا المرشد الأول والمؤسس ل الأخوان المسلمين علي تأكيد عالمية فكرته ودعوته‏,‏ منذ أول رسائله إلي أي شيء ندعو الناس؟‏(‏ حسن البنا‏:‏ رسائل الإمام الشهيد‏,‏ ص‏32:‏ ص‏52)‏
وحرص أول قانون للنظام الأساسي للاخوان المسلمين علي تأكيد عالمية دعوة الإخوان‏...‏ الإخوان المسلمون هيئة إسلامية تعمل لتحقيق الأغراض التي جاء من أجلها الإسلام‏...‏ فاستهدفوا بدعوتهم المصريين ثم توسعوا فشملت الأقطار العربية الشقيقة ثم تعدت دعوتهم حدود العرب إلي كل مكان في العالم ينتمي إلي الإسلام أو يستشرف إليه ويبحث عنه‏.(‏جمعة أمين عبد العزيز‏,‏ ج‏3,‏ مرجع سابق‏,‏ ص‏254).‏
والإخوان المسلمون باعتبارها أكبر الفرق الإسلامية السنية كانت عالمية في نشر الدعوة وسعي البنا لهذه الغاية مبكرا‏.(‏ المرجع السابق‏,‏ ص‏253).‏
وتعود أول محاولة للايجاد فرع خارجي لجمعية الأخوان المسلمين إلي عام‏1933‏ حين نجح البنا في تشكيل شعبة للاخوان في جيبوتي‏,‏ وقد آتخذ المؤتمر الثالث‏(1935‏ قرارا بتعميم الدعوة في الخارج بمختلف الوسائل‏....(‏ د‏.‏ رفعت السعيد‏...‏ الشرق الأوسط‏2006/12/17).‏
وتوسع الإخوان في النصف الثاني من أربعينيات القرن الماضي عقب المؤتمر العام‏(1945)‏ في إنشاء الفروع وتأسيسها خارج مصر‏...‏ فبعد الفرع السوري الذي تشكل عام‏1944‏ أو‏1945,‏ جاء تأسيس فرع القدس‏1946,‏ ثم الفرع السوداني‏1946‏ وتأسس في أسمرة‏(‏ إريتريا‏)‏ فرع للأخوان في شرقي أفريقيا‏,‏ وفي المغربي الأقصي‏(‏ تطوان‏)‏ تأسس فرع للأخوان‏,‏ وفي منطقة الخليج كان الفرع الكويتي أول فرع تم تشكيله للاخوان وذلك في عام‏1947.‏ وفي العراق نشط الإخوان تحت اسم جمعية الإخوة الإسلامية في بغداد في ذات التوقيت تقريبا‏.‏
وفي لبنان أصدر الإخوان المسلمون في لبنان القانون الأساسي للجماعة في‏1949.‏
وخلال هذه الفترة تأسست شعب إخوانية في إندونيسيا وسيلان وباكستان وإيران وأفغانستان وتركيا‏,‏ وتم تقسيم قسم الاتصال بالعالم الخارجي إلي ثلاث لجان هي‏:‏
‏1‏ لجنة الشرق الأدني وتضم البلاد العربية والشعوب الإسلامية في افريقيا‏.‏
‏2‏ لجنة الشرق الأقصي وتشمل دول شرق آسيا ووسطها‏.‏
‏3‏ لجنة الإسلام في أوروبا‏.(‏ د‏.‏ عبد المنعم الحفني‏:‏ موسوعة الفرق والجماعات والمذاهب والحركات الإسلامية‏.‏ مكتبة مدبولي‏,‏ ط‏2005,2,‏ ص‏53)‏
وفي الفترة التي شهدت الصدام بين الجماعة والحكم الناصري‏.‏ وبسبب ما لاقاه الإخوان من تضييق وسجون ومعتقلات كان لها الأ ثر الكبير علي نشاط وحركة الجماعة في تلك الفترة‏,‏ أسندت إدارة حركة الإخوان المسلمين إلي المكتب التنفيذي للإخوان المسلمين في البلاد العربية‏,‏ وذلك في منتصف السبعينيات من القرن الماضي وذلك في ظل غياب مكتب الإرشاد العام‏.‏
وفي تلك الفترة أيضا بدأت تظهر بوادر الاختلاف في التنظيم الدولي للإخوان وهل هو إطار قيادي ملزم في قراراته لكل التنظيمات القطرية؟ أم هو بمثابة إطار تنسيقي؟ أم مكتب اتصال مابين تنظيمات مستقلة؟
الميلاد الحقيقي للتنظيم الدولي
لعل الجماعة قد استفادت إلي حد كبير من محنتها الثانية التي بدأت عام‏1954,‏ فقد هاجر العديد من قيادات الجماعة إلي السعودية وإلي دول الخليج وتمركزوا هناك ليقيموا ركائز إخوانية‏.‏ كما هاجر زوج ابنة الامام حسن البنا الأستاذ سعيد رمضان ليتنقل من السعودية إلي بلدان الخليج‏,‏ ثم استقر به المقام في ميونيخ حيث أنشأ بتمويل كبير لا تستطيعه إلا دولة ثرية المركز الاسلامي هناك‏.‏ ويمكن القول إن هذا المركز كان بداية الميلاد الحقيقي للتنظيم الدولي‏.‏ فمن هناك تخرج الكثيرون منهم أندونيسيون وعديدون من شرق آسيا وأفارقة وعرب‏.‏ وكمثال فإن الزعيم التركي ورئيس الوزراء السابق رجب طيب أردوغان انضم للاخوان‏,‏ وهو يدرس الهندسة في ألمانيا‏,‏ وتتلمذ هناك في المركز الاسلامي في ميونيخ‏.‏ وإذا أتينا إلي الحرب الأفغانية‏,‏ فإن أصبع التنظيم الدولي كانت موجودة دوما‏,‏ فهناك كمثال أساسي د‏.‏ عبدالله عزام الذي ولد في قرية سيلة الحارثية قضاء جنين‏(1941)‏ وانخرط في جماعة الاخوان وهو دون الخامسة عشرة‏.‏ وقد أكد عزام أكثر من مرة أن كتابات البنا وضعت الأساس العام للحركة الاسلامية‏.‏ وطوال زمن المحنة‏(1954‏ 1971)‏ كان سعيد رمضان هو المهندس الأول والمنظم الأساسي للتنظيم الدولي‏,‏ ولكن‏,‏ وفور الافراج عن الكوادر الأساسية سافر عدد منهم إلي الخارج ليقوموا بإعادة هيكلة هذا التنظيم‏.‏ ويمكن ملاحظة أمرين أساسيين‏:‏ أولهما‏:‏ ارتباط التنظيم الدولي بشبكة الاستثمارات المالية للجماعة‏.‏
وثانيهما‏:‏ سيطرة قيادة الجهاز الخاص‏(‏ السري‏)‏ علي الشبكتين شبكة التنظيم الدولي وشبكة الاستثمارات المالية‏.‏ ومع ذلك فإن وقوع مشكلات وخلافات في المواقف وربما خلافات حول الهيمنة علي التنظيم الدولي‏,‏ وإصرار إخوان مصر علي أن مرشد التنظيم الدولي هو ذاته مرشد الجماعة في مصر‏,‏ قد أدي إلي عدد من الانقسامات في هيكل التنظيم الدولي لعل أشهرها انقسام حسن الترابي بعد أن حاول عبر هيمنته علي الحكم في السودان الهيمنة علي التنظيم الدولي للجماعة‏.‏
ومن هنا بدأت القيادة المصرية للجماعة تدرك ضرورة المرونة‏,‏ وخاصة فيما يتعلق بالمواقف السياسية‏,‏ وإن كانت لم تزل تترك مسألة التنظيم الدولي غائمة وفقا للمعتاد عند الجماعة‏.‏ لكن يبقي الحبل السري موجودا دوما عبر مسارين هما البيعة والمال‏.‏ أما عن الاستثمارات الاخوانية عبر العالم‏,‏ فتتناثر معلومات عن استثمارات واسعة في مصر وأندونيسيا وأوروبا ودول إفريقية‏.‏ لكن أكثر هذه الاستثمارات شهرة هو بنك التقوي‏,‏ الذي يرأس مجلس إدارته يوسف ندا‏,‏ والذي تحدث عن مشروعات وتعاملات بعشرات ومئات الملايين‏,‏ معلنا أنه‏,‏ بالاضافة إلي موقعه في بنك التقوي‏,‏ فإنه مسئول العلاقات الخارجية في جماعة الاخوان‏.‏ أما البنك الذي تعرض بعد أحداث‏11‏ سبتمبر‏(‏ ايلول‏)‏ لحملة امريكية جمدت أرصدته واتهمته بأنه قام بعمليات غسيل أموال لابن لادن‏,‏ وقام بتمويل بعض أنشطته فقد نشر موازنته عن عام‏1994‏ معلنا عن نفسه بنك التقوي المحدود البهاما‏,‏ موضحا أن الميزانية المجمعة للبنك في‏31‏ ديسمبر‏1994‏ مبينة بالدولار هي‏258,676.162‏ دولارا‏.‏ ولكي لا يثور أي جدل حول هوية البنك‏,‏ فإننا نورد نعيا باسم أسرة البنك للدكتور أحمد الملط الذي قالت عنه إنه كان مع الامام الشهيد حسن البنا من الأوائل الذين أسهموا في رعاية الغرسة الأولي لجماعة الاخوان المسلمين‏,‏ ثم بقي من بعده يتعهدها وإخوانه الأبرار بالرعاية والذود عنها بالنفس والنفيس‏.‏ ولا يمثل بنك التقوي سوي أحد من جوانب الاستثمار المالي للجماعة‏,‏ فقد أشرنا إلي استثمارات أخري لعل أشهرها تلك الأموال التي توفي سعيد رمضان وهي في ذمته‏,‏ ويقال إنها العديد من ملايين الدولارات‏.‏ وقد باءت محاولات عديدة لخال أولاد سعيد رمضان سيف الاسلام حسن البنا في استعادتها للجماعة‏,‏ ولعل هذا الفشل كان أحد أسباب خفوت صوته في صفوف مكتب الارشاد‏,‏ الذي هو عضو فيه‏.(‏ جمعة أمين عبدالعزيز‏,‏ ج‏5,‏ مرجع سابق‏,‏ ص‏24).‏
وعقب هزيمة يونيو‏/‏ حزيران‏1967‏ أصدر المكتب التنفيذي للاخوان مذكرة طرحها للنقاش داخل تنظيماته القطرية لمناقشة بعض القضايا الخلافية من بينها الاختيار بين الدعوة السلمية والجهادية والسرية والعلنية ومفهوم الشوري ونظام الحكم الاسلامي‏,‏ والعلاقة بين المسلمين وغير المسلمين علي المستوي المحلي والوطن‏.‏ ولم تأخذ هذه المذكرة حقها في النقاش ولم تساعد في حسم الخلاف مما أدي إلي انهيار المكتب التنفيذي للاخوان في‏1969.‏ كما شهدت التنظيمات الاخوانية القطرية علي خلفية هذه الأوضاع السلبية انشقاقات واختلافات‏(‏ سوريا الأردن السودان‏).‏
ومع بداية مرحلة جديدة من مسيرة الاخوان المسلمين في مصر عقب تولي الرئيس السادات الحكم في مصر‏(1970)‏ والانفراجة التي شهدتها علاقة النظام مع الاخوان‏,‏ كان علي المرشد العام‏(‏ الهضيبي‏)‏ أن يتعامل مع هذا الواقع التنظيمي المتردي‏,‏ وصرف المرشد العام الكثير من جهده لبناء حركة الاخوان المسلمين العامة‏..(‏ أي التنظيمات القطرية‏)‏ بهدف إخضاعها لسلطة المرشد العام بمنطق أخذ البيعة وعلي أثر هذه المجهودات التي بذلها الهضيبي ومصطفي مشهور وثيقة التنظيم الدولي لجماعة الاخوان المسلمين في يوليو‏/‏ تموز‏1982‏ ونصت اللائحة الداخلية للتنظيم علي أن الاخوان في كل مكان جماعة واحدة يجمعها النظام الأساسي وأهدافها تحرير الوطن الاسلامي بكافة أجزائه من كل سلطان غير إسلامي وقيام الدولة الاسلامية‏..‏ وكل تنظيم قطري جزء من التنظيم العالمي للاخوان‏..‏ ومراقبة‏(‏ مرشده‏)‏ يعطي البيعة للمرشد العام‏(‏ في مصر‏)‏ وفي هذا التوقيت عقد اجتماع لمجلس الشوري العالمي‏.‏
ويذكر في هذا السياق الدور الخاص والمتميز الذي قام به مصطفي مشهور في فترة المرشد الأسبق عمر التلمساني في تنظيم وتقوية التنظيم الدولي لذا يعتبره الكثير من المؤرخين بمثابة الأب الروحي للتنظيم الدولي للاخوان المسلمين‏.‏
ومنذ تأسيسه كانت خيوط التنظيم الدولي تبدأ وتنتهي عند الرجل الحديدي مصطفي مشهور‏,‏ ولم يكن خافيا أن سلطته علي هذا التنظيم كانت تفوق سلطة المرشد العام نفسه سواء أكان المرحوم عمر التلمساني أو محمد حامد أبو النصر المرشدين السابقين عليه قبل إعلانه مرشدا خامسا في‏1996.(‏ حسام تمام‏,‏ المنار الجديد‏,‏ العددد‏27,‏ سبتمبر‏2004:‏ التنظيم الدولي للاخوان‏..‏ الوعد والمسيرة والمال‏,‏ ص‏4)‏ ونواصل‏.‏
دعما لاستراتيجيتها غير المعلنة في التركيز علي دور سياسي داخلي أكبر‏.)‏ نفسه‏,‏ ص‏13(.‏
ثالثا اقتصاديات الاخوان‏:‏
أوضحت البدايات الأولي لنشأة جماعة الاخوان المسلمين شأن أي بدايات محدودية عدد الأعضاء والمنتسبين‏,‏ وبالتالي محدودية الموارد والامكانات المادية والمالية خاصة أن أغلب مؤسسي الجماعة في فترة الاسماعيلية من البسطاء محدودي الدخل‏,‏ واعتمد حسن البنا في تلك المرحلة‏,‏ علي آلية الاشتراك الشهري البسيط القيمة وإن حرص علي أهمية ووجوب تسديد هذا الاشتراك‏,‏ وعكست ذلك كل اللوائح الداخلية للتنظيم‏(‏ بداية من لائحة‏30‏ 1931‏ وحتي إقرار قانون النظام الأساسي لهيئة الاخوان المسلمين العامة عام‏..1945‏ حيث ينص باب العضوية وشروطها علي‏):‏
أن يعد الأخ المسلم عضو الجماعة بأن يدفع مبلغا شهريا كاشتراك للعضوية وأن يدفع مبلغا اضافيا إذا استطاع لصندوق الزكاة‏,‏ أما غير القادرين علي الدفع فيتم اعفاؤهم من قبل رئيس الشعبة بعد أن يتأكد من انهم غير قادرين فعلا علي الدفع‏.‏
‏(‏ريتشارد ميتشل الإخوان المسلمين الجزء الثاني ص‏50)‏
وكما يوضح مؤرخ الاخوان المسلمين جمعة أمين عبد العزيز في أوراق من تاريخ الاخوان المسلمين‏,‏ الكتاب الرابع‏:‏ المال هو عماد الدعوات وسندها ولا تبقي دعوة دون أن يضحي قادتها وجنودها بأموالهم في سبيلها‏,‏ جعل الاخوان لكل عمل يقومون به اشتراكا يتم تقديمه من المشاركين في العمل يكفي لأدائه‏.(‏ جمعة أمين عبد العزيز أوراق من تاريخ الاخوان المسلمين الجزء الرابع ص‏105).‏
وفطن البنا لأهمية وجود عناصر ومساندين من الأغنياء والميسورين في جماعته‏,‏ بما يحققه ذلك من كسب مادي ومعنوي يسمح بنمو الجماعة وتزايد نفوذها‏.‏
ونشط البنا في نشر الدعوة وإنشاء الشعب‏..‏ ويلاحظ ان هذه الشعب كان يتصدرها وجهاء الريف وأغنياؤه من الفلاحين والاقطاعيين في هذه المناطق‏.(‏ السيد يوسف الإخوان والمسلمون الجزء الأول ص‏165).‏
إلا أن النمو والانتشار الذي تحقق لجماعة الاخوان‏(83‏ 1943)‏ جعل من الاعتماد علي الاشتراكات والتبرعات والهبات أمرا صعبا في تغطية أنشطة الاخوان واحتياجاتها المالية‏..‏ ومع تنامي طموحات الجماعة ومرشدها العام‏,‏ اتضحت أهمية التمويل والحاجة اليه‏.‏
مما سبب كثيرا من الضيق للمرشد العام فكان يشكو لإخوانه في مكتب الإرشاد من ذلك‏,‏ ويقول لهم‏:‏ لو تهيأت لنا العدة المالية لفعلنا الكثير من الأعمال‏..‏ لو يوجد معي أربعة الاف جنيه لكنت كفيلا ان أغير بها وجه القطر المصري كله‏.‏
‏(‏جمعة أمين عبد العزيز‏(‏ سابق‏)‏ الجزء الرابع ص‏.114)‏
ومن هنا جاءت فكرة سهم الدعوة التي اقترحها عبد الحكيم عابدين عضو مكتب الارشاد ووافقه عليها المرشد العام حسن البنا‏,‏ وقد شرح عابدين في مقترحه سهم الدعوة كيفية تنفيذه‏..‏ فهو يؤكد علي استمرار العمل بنظام الاشتراك الشهري لكل عضو مع تعيين سهم ثابت في دخل كل واحد من الاخوان يسمي سهم الدعوة‏,‏ ويتم اخراجه بانتظام تام من دخلهم سواء كان سنويا أو شهريا‏.‏
ولا يقل عن‏20‏ في المائة من الايراد أي خمس الإيراد تماما‏..‏ واعلموا انما غنمتم من شيء فإن لله خمسة‏.‏
ويعلق مؤرخ الاخوان جمعة أمين بقوله علي هذه الاركان يجب ان نبني السياسة المالية للاخوان‏,‏ وبهذا الميزان ان تحدد درجات الايمان‏.(‏ جمعة أمين المصدر السابق ص‏106)‏
ويختلف المقيمون لمشروع سهم الدعوة فيما يري البعض انه فشل ولم يبلغ مراده ولم يكتب له الاستمرار ومن بين من ذهب لهذا الرأي صاحب الاقتراح عبد الحكيم عابدين وصالح العشماوي‏(‏ عضو مكتب الارشاد‏)‏ عندما لاحظ تأخر الاخوة في دفع حصتهم من الأسهم‏,‏ بينما كان لآخرين منهم المرشد العام حسن البنا تبرير لتعثر المشروع‏,‏ تفهما لظروف وأعذار الاخوة‏..‏ لكن الجميع اتفق علي أن المشروع توقف مع أحداث فلسطين والصدامات التي حدثت بين الجماعة والحكومة‏,‏ والتي انتهت بحل الجماعة واغتيال حسن البنا‏.‏
غموض وتساؤلات‏:‏
ومع أن الاخوان يرجحون دائما قضية تمويل أنشطة ومشروعات الجماعة لحصيلة اشتراكات العضوية والتبرعات والهبات التي يتقدم بها الأعضاء والمساندون‏..‏ إلا أن هناك نقاطا تظل غامضة ومحل تساؤل ونقد منها ما جاء في الجزء الثاني من كتاب السيد يوسف الاخوان المسلمون‏:‏ هل هي صحوة إسلامية وما أورده من تلك التساؤلات‏,‏ خاصة عن المرحلة من التأسيس وحتي حل الجماعة في عام‏.1948‏
كان تمويل الجماعة لنشاطها المتنوع الذي غطي كل انحاء مصر مثار تساؤلات واتهامات كثيرة‏,‏ وأثيرت علامات استفهام متعددة حول كيفية تدبير الموارد المالية لنشاط جماعة امتدت لكل مكان في مصر وتجاوزت الحدود الي العالم العربي والإسلامي‏..‏ وعند حصر أصول الجماعة بعد حلها بلغ اجمالي هذه الاصول أرقاما خيالية لا تتناسب مع حزب سياسي أغلب أعضائه يعجز مستواهم المادي عن توفير هذه الأصول ومواجهة تكاليف ونفقات النشاط الواسع للجماعة‏,‏ وقد أحاطت علامات الاستفهام بعدة مواقف منها‏:‏
‏*‏ تبرع شركة قناة السويس الاستعمارية بمبلغ‏500‏ جنيه‏(1928)‏ لبناء دار مسجد للجماعة بالاسماعيلية‏,‏ وقد اعترف البنا بهذا التبرع ورد علي الاتهامات التي وجهت اليها بسببها وبرر قبوله لهذا التبرع بأن القناة قناتنا وهذه الأموال أموالنا‏.‏
‏*‏ أقر البنا أن اسماعيل صدقي عرض عليه معونة مالية مقابل تأييد الوضع السياسي القائم‏,‏ وانه قد رفضها‏..‏ إلا ان تاريخ هذه المرحلة وتحالف الإخوان مع صدقي ووقوفهم معه ضد الحركة الوطنية يلقي بظلال من الشك حول مزاعم رفض هذه المعونة‏.‏
‏*‏ كان موضوع المالية أحد الموضوعات الأساسية والقاسم المشترك في كل الانشقاقات والانقسامات داخل الجماعة‏,‏ وكانت نقطة انطلاق الهجوم علي حسن البنا منذ الانقسام الأول بالإسماعيلية‏..‏ خاصة وأن حسن البنا كان يحكم قبضته علي مالية الجماعة وينفرد بالتصرف فيها‏.(‏ السيد يوسف‏(‏ سابق‏)‏ الجزء الثاني ص‏130).‏
‏*‏ كما يعلق ريتشارد ميتشل علي ما تردد عن تلقي الإخوان تبرعات من الإنجليز أو الأمريكان أن المعلومات المتعلقة بالمساعدات الأجنبية قليلة وغير متوافرة‏.‏ فالسفارة البريطانية علي ما يبدو كانت تعرض المساعدات المالية للجماعة في أول سني الحرب العالمية الثانية‏,‏ إلا أننا لا نستطيع أن نقر ما إذا كانت الجماعة قبلتها أو قبلت أي مساعدات أجنبية أخري‏(‏ ريتشارد ميتشل‏(‏ سابق‏)‏ الجزء الثاني ص‏48).‏ إلا أن الثابت في هذا الشأن كما يري ميتشل أن الجماعة أفادت كثيرا من هبات تلقتها من العديد من جماعات الطبقة الحاكمة الذين فكروا في جني ما يفيد مصالحهم السياسية والاقتصادية‏,‏ والواقع أن جوانب تلك المصالح كانت تتفق مع أهداف الجماعة المعلنة‏.(‏ المصدر السابق ص‏47).‏
كذلك من الأمور الثابتة تلقي الجماعة أموال‏(‏ إعانة‏)‏ من وزارة الشئون الاجتماعية وهو ما يرد تفصيلا في كشف الحساب الختامي لميزانيات المناطق والشعب في أعوام‏1945/44,1944/43‏ وأثبته جمعة أمين عبدالعزيز في الكتاب الخامس من أوراق تاريخ الإخوان المسلمين‏,‏ ويضيف ومن الجدير بالذكر أن المركز العام أرسل خطابا إلي وزارة الشئون الاجتماعية يستفسر عن مصدر أموال الإعانات التي تقدمها للإخوان بعدما نشرت الصحف أن تلك الإعانات التي تقدم للجمعيات إنما تجمعها الوزارة من الضرائب علي المراهنات واليانصيب وكلها أمور حرام‏,‏ وطالب الإخوان الوزارة أن تكون الأموال التي تقدمها لهم من مصادر حلال‏,‏ وإلا فإن الإخوان يرفضون تلك الإعانات‏.(‏ المصدر السابق ص‏34‏ إلي ص‏40).‏
ومع قرار الحل الأول لجماعة الإخوان المسلمين‏(1948)‏ وسقوط الشرعية القانونية عن الجماعة‏(‏ باعتبارها تخضع لوزارة الشئون الاجتماعية‏)‏ وبالتالي التعامل معها ككيان غير قانوني‏,‏ وتحولها أي جماعة الإخوان إلي تنظيم سري‏,‏ بدأ الحرص علي سرية أوضاع الجماعة التنظيمية والمالية بشكل مطلق‏,‏ ثم جاء الصدام والمحنة الثانية في العهد الناصري‏(1954)‏ والذي أسفرر عن قرار حل الجماعة ومصادرة جميع ممتلكاتها وأصولها‏,‏ ليدفع جماعة الإخوان باتجاه مزيد من السرية والغموض في جميع مجالات حركتها ونشاطها خاصة ما تعلق منها بالعضوية والموارد المالية للجماعة‏.‏
وشهدت مرحلتا الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي هروب وفرار قيادات وكوادر أساسية من جماعة الإخوان إلي بعض بلدان أوربا والدول العربية‏(‏ وبشكل خاص السعودية ودول الخليج‏)‏ ومكنت التسهيلات والمساعدات التي منحتها لهم هذه الدول‏(‏ خاصة السعودية‏)‏ علي خلفية العداء والمواجهة مع النظام الناصري من تكوين ثروات مالية ضخمة‏,‏ انعكس أثرها الإيجابي علي حركة ونشاط الإخوان عندما توافرت الظروف المواتية في بداية السبعينيات عند تولي الرئيس الراحل أنور السادات الحكم‏,‏ وشهدت السنوات‏(1971‏ إلي منتصف السبعينيات‏)‏ حالة من التفاهم وحرية الحركة والنشاط الدعوي والسياسي والاقتصادي للجماعة‏,‏ عزز منها اتجاه السادات إلي الأخذ بمفاهيم الاقتصاد الحر‏(‏ الانفتاح الاقتصادي‏)‏ وتشجيع القطاع الخاص علي الاستثمار في مصر والتسهيلات التي حصل عليها أصحاب رؤوس الأموال‏(‏ من مصريين وعرب وأجانب‏)‏ لدعم تجربة التحول من الاقتصاد الموجه إلي اقتصاد السوق‏..‏ هذا المناخ أحسنت الجماعة استثماره ماليا بواسطة رجال الأعمال المنتمين للإخوان‏,‏ أو أولئك المتعاطفين معها في توفير وتدبير أرصدة مالية ضخمة‏,‏ بذات القدر الذي أحسنت فيه الجماعة استثماره حركيا وتنظيميا لزيادة نفوذها وتنمية مواردها البشرية‏.‏
وإن ظلت مالية الجماعة لأسباب استمرار عدم شرعيتها القانونية محاطة بدرجة عالية من الغموض والسرية‏,‏ وبقيت الأوضاع المالية للإخوان ومصادر التمويل وحجم الأموال وأساليب إنفاقها في يد عدد محدود من أهل الثقة من قيادات الإخوان‏,‏ لا تزيد بحال من الأحوال علي أصابع اليد الواحدة‏.‏ ونواصل‏.‏
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.