أكد الدكتور كمال حبيب أحد القيادات التاريخية للجماعات الإسلامية في مصر أن هناك تطورات عديدة طرأت على فكر الجماعة أهمها المراجعات والانتقال من فكرة التغليب والصراع إلى فكرة التعايش والتداخل مع المجتمعات التي تعيش فيها . وأن الجماعة كانت تطرح نفسها بديلاً للنظام السياسي في بدايات ظهورها , لكنها صارت تطرح نفسها الآن كمنافس بين القوى السياسية المختلفة . وقال حبيب أن قوة جماعة الاخوان المسلمين لا يمكن تجاهلها , وأن الأمن وتعامله مع الملفات السياسية لم يسمح بنمو تيارات منافسة للحزب الوطني والاخوان . كما تطرق حبيب إلى العديد من القضايا في حواره التالي : * ماهي أهم التطورات الفكرية للجماعات الإسلامية في الوقت الراهن؟ - أهم تطور هو المراجعات بالمعنى العريض أو الواسع, والانتقال من فكرة التغليب والصراع إلى فكرة التعايش والتداخل مع المجتمعات التي تعيش فيها، لأن الجماعات كانت تطرح نفسها بديلاً عن النظام السياسي ولكنها أصبحت تطرح نفسها كمنافس بين القوى السياسية المختلفة، كما أنها رأت أن التغيير من خلال القوى المسلحة, وفكرة التنظيمات السرية بالنسبة للحالة المصرية ليس مناسباً ولم يعد مجدياً، والآن يلجأون إلى الحوار والنقاش في كل قضايا المجتمع، وبالتالي فقد حدث تحول في المزاج الإسلامي العام من فترة السبعينيات، والانتقال من الرؤية السطحية وعدم التقدير للعالم والأنظمة السياسية والمجتمعات التي تعيش فيها إلى رؤية أكثر تنظيماً وعمقاً ونضجاً. - وما أهم المآخذ عليها؟ - بداية القوى السياسية هي قوى وطنية موجودة في الشارع وهي تتحرك وفق ماهو مسموح به تبعاً للقاعدة السياسية الموجودة أما من ناحية المآخذ فهناك حالة نقدية داخلية فأنا ابن الحركة الإسلامية، ولا أرى أن فيها شيئاً غير خاضع للنقل (شيء مقدس)، وقد انتقدت فيها القوى المسلحة والتنظيمات السرية، كما أن هناك أشياء في فكر الجماعات لاينبغي أن تتمدد على حساب بعض الجوانب السياسية الأخرى كالفقه والعقيدة، ولايجوز أن تعيش الجماعات الإسلامية في عالم وتكون غير مدركة له، فمثلاً الحالة السلفية لاينبغي أن تنفصل عن العالم ككل، وهو ماأسميه (علم اجتماع ديني جديد) يميز بين الثابت والمتغير، والجماعة في النهاية محكومة بقواعد اللعبة السياسية، وهنا أود أن أقول أنه على النظام السياسي أن يدمج هذه الجماعات في العملية السياسية كقوى فاعلة، فلا يجوز أن تكون جماعة كجماعة الإخوان المسلمين جماعة محظورة، ولابد التحرر من القبضة الأمنية، ويجب أيضاً مراعاة حقهم في تشكيل أحزابها السياسية. - وماذا عن الانقسامات بين الجماعات الإسلامية الموجودة على الساحة رغم وحدة التوجه الفكري؟ - الطبيعة الإسلامية طبيعة تعددية وأنا من الذين ينادون بوجود عدد من القوى السياسية، ولكن أهم شيء ألا يكون هناك قوة انقسام رأسي بحيث لاينفي كل منها الآخر، فهناك حركات تأخذ القطاع الدعوي، وهناك مستوى ثان عنده رغبة في العمل السياسي مثل الإخوان المسلمين، وهناك حركة عندها رغبة في العمل الاجتماعي ولابد من هذا التنوع، وهذا ليس في مصر فقط ولكنه في العالم الإسلامي ككل، فظاهرة الاختلافات والتعددات ظاهرة صحية ولكن بشرط أن تكون تكاملية، ومن الضروري أن نعلم أنه بعد سقوط الخلافة الإسلامية لم تعد هناك جماعة قادرة على ملء هذا الفراغ الضخم بمفردها. - بعض المحللين السياسين يرون أن مراجعات الجماعة الإسلامية مراجعات شكلية فما تعليقك؟ - هذا كلام خاطئ فمراجعات الجماعة الإسلامية مراجعات حقيقية ويكفي أن نتذكر أن الجماعة الإسلامية أعدادها تصل في وقت من الأوقات إلى الآلاف، وقبل المراجعات كانت تتبنى فكرة الصدام مع السلطة، وهناك آلاف من أبناء هذه الجماعة دخلوا المعتقلات، وحكم على مايقارب المائة منهم بأحكام مختلفة كإعدام وغيره، وقاموا بعدد من العمليات في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات إلى عام 97 تقريباً الذي نفذت فيه حادثة الأقصر، وفي هذا الوقت كان التوافق على المراجعات لم يكن شيئاً سهلاً، ولكن بعد إعلان المراجعات لاتوجد عملية واحدة نفذت باسم الجماعة وهذا دليل على أن المراجعات حقيقة، كما أن الجماعات فيها قدر كبير من التماسك الأبوي قائمة على فكرة الطاعة، وإذا صدر عن أحدهم قول يلتزم الجميع به، كما أن الجماعة لم تكتف بالكتب الأربعة الأولى، ولكنها تخطت الآن الثلاثين كتاباً، وموقع الجماعة الآن يتحدث عن هذه المراجعات، فكل هذه الحيثيات تقول أن المراجعات حقيقية ومن يقول بغير ذلك يجافي الحقيقة. - هل استطاع الإخوان المسلمون فرض أنفسهم على الساحة السياسية في مصر؟ - طبعاً استطاع الإخوان المسلمون فرض لأنفسهم ، لأنها جماعة كبيرة وقديم وأقدم من النظام السياسي نفسه "نظام يوليو" وأنا قلت: إنها حركة قادرة على امتصاص الصدمات على مر العصور، فقد تعرضت لصدمات كثيرة من الليبرالين وعبد الناصر ومبارك واستطاعت أن تمتص كل هذا، هذا بالإضافة إلى أنها جماعة متماسكة ومن ثم فكل الحركات السياسية الأخرى تبحث عنها ، وترى أنها بدون الإخوان لن يكون لها تأثير في الشارع، والآن نرى حركات مثل مايحكمش و6 أبريل وغير ذلك نجد أن الإخوان ضالعون فيها بشكل أساسي ، لأن الحركات الأخرى حركات خفيفة، وليس لها قوى اجتماعية حقيقية في الشارع، وعلى سبيل المثال في سنة 2005 استطاعوا أن يحصلوا على 88 مقعدا في البرلمان في الجولة الأولى والثانية ، وبعض الناس قالوا: إنهم كان من الممكن أن يحصلوا على أكثر من ذلك لولا التزوير الذي حدث في الجولة الأخيرة، وهذا يتضح أكثر من خلال التقارير والمقالات التي تكتب في الصحف الأجنبية عن الإخوان وعلاقتهم بالنظام، ومواقفهم الفكرية وتحولاتهم وبالتالي فهي قوة لايمكن إنكارها. - وماتفسيرك لمحاولة الحكومة عقد صفقات مع الإخوان؟ - محاولة الحكومة عقد صفقات مع الإخوان لأن فترات الانتخابات هي فترات التخلي عن المبادئ من أجل عقد الصفقات، وكما ذكرت جماعة الإخوان كبيرة ولايمكن للنظام نفسه أن يتجاهلها، فمثلاً في انتخابات نقابة الصحفيين، كان النقيب يذهب لمكتب الإرشاد، فالذي أريد أن أقوله أن النظام في فترات الانتخابات لاينظر إلى قوة الجماعة على أساس أنها قوة معادية ولكنه ينظر إليها كقوة تصويتية، وهذا ماحدث أيضاً في عهد السادات، عندما عرض عليهم أن يكونوا جمعية وأن يتحالفوا معه ولكنهم رفضوا، فلحظات الانتخابات لحظات مفصلية ولحظات تحولية. - وما تصورك للمشهد السياسي بدون جماعة الإخوان؟ - إذا اختفى الإخوان المسلمون من الساحة السياسية فمن الطبيعي أن يحدث خلل، وسيكون الحزب الوطني هو المحتكر للحالة السياسية، ثم إلى جوار الحزب الوطني قوى قزمية وهشة، ثم الحركات الاجتماعية الأخرى، وخاصة أن النظام السياسي من خلال أدواته الأمنية والدستورية لم يسمح بنمو قوى سياسية أخرى، وبشكل عام ستختفي عملية التوازن وهي عملية مهمة جداً في كل جوانب الحياة. - وصف القرضاوي عصام العريان بأفقه الموجودين ولذلك يرى تصعيده لمكتب الإرشاد فما تعليقك؟ - الشيخ القرضاوي سلطة فقهية ورمزية بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين باعتباره اخواني قديم، ولكنه ليس عضواً في التنظيم، وهو قريب من جيل الوسط أو حزب الوسط وهو متمس لهم وقد كانوا قاطرة لجماعة الإخوان في فترة السبعينيات عندما أنهكتهم ضربات عبد الناصر وهو يرى أن يفسح لهم المجال لكي يأخذوا حقهم، ومن الناحية الفكرية فهم مستلهمون لأفكار القرضاوي. - كيف ترى عرقلة الحكومة لتأسيس حزب الوسط في حين أن القائمين عليه من المنشقين عن الإخوان المسلمين والمسيحين العلمانيين؟ - في الحقيقة القبضة الأمنية في مصر غير مفهومة وكان من الممكن لهؤلاء أن يحدثوا حالة من الإثراء في الحياة السياسية والاجتماعية، وأن يخلقوا فضاء للأجيال الجديدة من الشباب بأن يذهبوا لهذا الحزب بدلاً من الذهاب لدهاليز الإخوان، وأنا أعتقد أن الرموز الجديدة في الوسط كأبو العلا ماضي ومن معه عندهم أفكار جديدة ومهمة، وكان من الممكن أن يمثلوا إضافة للحالة الإسلامية المصرية ، لأنهم يقدمون طرحا للحالة المصرية بخاصة بخلاف الإخوان الذين يقدمون طرحاً للأمة الإسلامية عامة، فالنظام السياسي لايريد أن يغامر الآن بقرارات كبيرة لأنه في حالة ترقب وانتظار، وهناك تخوف من الحالة الإسلامية حتى لو كانت وسطية، وذلك بسبب سيطرة فكرة الصراع على العلاقة بين الطرفين، والأمن بشكل عام يغلِّب فكرة السكون أو الجمود على أي فكرة أخرى من الممكن أن تقدم إضافة. - بعض الصحف عرضت أسماء لمرشحي الانتخابات الرئاسية، فهل ترى أن الانتخابات القادمة ستعطي فرصة لهؤلاء المرشحين. - المشكلة أن هناك موجة من الآراء سواء من المعارضة أو أي أحد آخر بحيث أن أي أحد الآن يطرح أسماء لمرشحين ويطرح برامج، وفي الحقيقة كل هذا الكلام لمثقفين يعيشون في غرف مغلقة لايدركون حجم معاناة الشعب، وبالتالي فهي أفكار تتصارع مع طواحين الهواء، ومن المنظور النفسي ربما أن تكون هذه الأفكار تعويض عن النقص الذي يشعر به هؤلاء لأنهم عاجزون عن أن يكون لهم تأثير في الواقع، فالمسألة ليست اقتراحات أو ترشيح أسماء وهذا ماأسميه بالفعل الاجتماعي المضطرب، ولكن التغيير الاجتماعي يقتضي مشروع وقوة وتضحية، وأنا أشبه هذه الحالة بالطفل الذي يتعلم الكلام ويتلعثم في النطق، فالحالة السياسية في مصر لم تصل إلى النضج الذي يساعدها على نطق أحرفها بشكل ناضج وصحيح. - ماتحليلك لظهور أزمة النقاب، وكيف ترى توجه هذه الأزمة؟ - هناك يد تعبث بالمجتمع المصري ، ونحن كنا ندرس في السياسة أن هناك قوى خفية لا أحد يراها، وهذه القوة تحرك المشهد على المسرح ، وفي كل يوم تخرج موضوع لاستنزاف طاقة الناس وتفكيرهم، ودائما هناك أجندة مفتوحة مسلطة على العقل المصري لتعبث بالاهتمامات الحقيقية، أو العقل الحقيقي الذي يجب فعله، وتحول الأمر غلى معركة أو صراع، وأنا أرى أن الأمر لم يكن كل هذا الافتعال، ومن المنظور الاجتماعي فأنا أميل إلى أن الحالة المصرية يناسبها الحجاب وليس النقاب، فالنقاب من الممكن أن يسبب نوعاً من التفكك الأسري، فالمنتقبات موجودات في العمل وفي الشارع بشكل مكثف، وهو نوع من التناقض، لأن النقاب مرتبط بمنظومة ، فالمنتقبة يجب عليها أن تكون مرتبطة ببيتها أكثر وهو حق لمن تريد ذلك، كما أنني أخاف على النقاب كرمز في المستقبل، لأن هناك من ترتديه ولاتعطيه احترامه فهو يتطلب التزام معين، فالحجاب المصري الذي نراه هو أعدل الأمور للحالة المصرية الموجودة، وأنا أتحدث عن الحالة المصرية، وربما أن تكون هناك دول يناسبها شيء آخر فلا نستطيع أن أعمم قولي على كل الدول. - أخيراً لماذا هاجم الدكتور كمال حبيب الجماعات الإسلامية واتهمها بالخلط في فهم الفقه والعقيدة وقد كان أحد ممثليها؟ - أنا لم أهاجم ، ولكني أحد المجددين داخل الحركات الإسلامية، والاجتهادية على وجه الخصوص، وقد طرحت أفكاراً جديدة، وهذا الكلام من فترة طويلة من مدة تقارب العشر سنوات، فالمسألة كانت نوعا من النقد الذاتي ومراجعة الأفكار، ولم يكن هجوماً، وقد جمعت كل هذا الكلام في كتابي "الحركة الإسلامية من المواجهة إلى المراجعة" وهذه الأفكار كنت بدأت أنشرها وحدث جدل حولها، فقد كانت مدخلاً مهما لأنها تكسر حالة التردد للجماعات الإسلامية لكي تكشف غطاء أفكارها وتناقشه بناء على ماطرحته من أفكار.