مع فتح أبواب مولد ( سيدي الريس ) ، وبدء السباق المحموم بين المرشحين المحتملين وغير المحتملين وبروز صورهم كنجوم السينما على صفحات الجرائد مصحوبة بتصريحات مدهشة تشعرك أن مصر ستكون أجمل من الجنة ، وعلى ايقاع الطبول ودراويش المولد والمريدين لهذا المرشح أو ذاك ، يهيأ لك أننا على أعتاب أم المعارك في تاريخ مصر – معركة الرئاسة – فتنحرف للأسف بوصلة الشارع والاهتمام السياسي عن المعركه الحقيقية والتحدي الأكبر (معركة الدستور) ، والذي من المفترض أن يخضع له الرئيس القادم ، وأن يحدد صلاحياته غير المعروفة حتى الآن ، ويضبط العلاقة بينه وبين الشعب ، الرئيس قبل الدستور وكأن المهم هو الرئيس وليس الدستور في ابداع مصري أصيل لمرحلة التحول الديموقراطي …في ظل هذا العبث السياسي…. قررت أن أبتعد عن صخب المولد ، وأجري مقابلة خاصة مع مرشح غير محتمل …. مع الفلاح (خونانوب) الفلاح الفصيح ، صاحبني فيها ترجمه بديعة ورائقة لشكاوى الفلاح الفصيح عن النص الفرنسي لجوستاف لوفيفر بقلم دكتور على حافظ ، و قصة الفلاح الفصيح مشهورة بما فيه الكفاية وهي قصة فلاح بسيط تعرض لظلم فادح من ملك يدعى( تحوت – نخت) فذهب الى كبير أمناء الملك ويدعى (رينسي بن ميرو) كي يعرض عليه شكايته طالبا أن يقتص له من ظالمه ، فيخاطبه قائلا : ( ان كبار الموظفين يأتون الأعمال السيئة وسراة القوم يحيدون عن الطريق السوي والقضاة يرتشون وان الذي ينبغي أن يأخذ بتلابيب المسيء لا يفعل شيئا) …. ياااااه وكأن خونانوب لم يغادرنا ، وكأنه شاهد على ما يدورعلى أرض المحروسه في هذه الأيام ويستكمل خونانوب : ( والذي ينبغي أن يقضي بالعدل قد أمسى سارقا والذي ينبغى أن يقضى الحاجات للناس قد أنزل العوز بالناس والذي ينبغى أن يستأصل الشرور أصبح يرتكب المظالم ) ولكن رينسي بن ميرو يشيح بوجهه عنه عملا بأمر الملك كي يفيض الفلاح بكل ما لديه من الفصاحة قائلا : ( أنت تعيش بين الناس بغريزة الصقر الذي يفترس ضعاف الطير، فقد وليت لتقضي فيما بين الناس من خصام ولتعاقب المجرم ، فالعدالة خالدة أبد الدهر وهي تنزل الى القبر مع من يقيمها فاذا توارى في قبره ووضع في التراب فلن يمحى ذكره من الأرض ) هذه مقتطفات مختصرة من شكاوى الفلاح الفصيح وما تثيرها من أفكار أشبه بمواد دستورية تحدد واجبات الحاكم اليوم ، و المتأمل لها يجدها أقوى صيحة في سبيل العدالة الاجتماعية في مصر القديمة وفي تاريخ الانسانية … فعبقرية المصري قادره دائما على اثارة الدهشة …. ولكن من يسمع صوت الفلاح الفصيح من بين مرشحينا المبجلين المحتملين وغير المحتملين !!