إعداد :محمد الجرجاوى تشهد اليوم الأراضى الفلسطينيةالمحتلة الذكرى ال26 لقيام الانتفاضة الفلسطينية الأولى والتى سميت ب"انتفاضة الحجارة"، وذلك فى ظل حالة الانقسام التى تشهدها الساحة الفلسطينية بين حركتى (فتح – حماس) وتعطل ملف المصالحة وإصدار الاحتلال لقانون "برافر" الذى يقضى بطرد أكثر من 30000 بدوى من سكانى صحراء النقب ،لهذا ليس مستبعد أن نرى انتفاضة جديدة أو ثالثة بالمعنى الأصح أو لا يحدث شئ وتبقى الأوضاع السيئة كما هى. وحول الانتفاضة الثالثة التى اشتعلت شرارتها عندما وجه سائق شاحنة عسكرية إسرائيلية شاحنته في 8 ديسمبر 1987 عمداً نحو صف من السيارات يحمل عمالاً فلسطينيين في طريق عودتهم إلى غزة غند حاجز «إريز» الشهير الذي يفصل قطاع غزة عن بقية أرض فلسطينالمحتلة منذ سنة 1948 ،وذلك بعد يوم عمل بإسرائيل، إذ قتل سحقًاً أربعة عمال وأصاب سبعة آخرين. وقبيل ذلك شهد عام1987، وقوع نحو 55% من أراضي الضفة الغربية و30% من أراضي غزة في أيدي المستوطنين اليهود، الذين كان الكثيرون منهم ،قد هاجروا لتوهم من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة وأماكن أخرى. ولم يمضِ وقت طويل على الجريمة البشعة حتى كانت الثورة الشعبية العارمة تعم الضفة والقطاع،إذ رد الفلسطينيين على رصاص الجيش الإسرائيلي بقبضاتهم وإلقاء الحجارة. وتم إعلان العصيان الشعبى الفلسطينى "السلمى" وخروج المسيرات التى قوبلت ببطش الإرهاب الصهيوني بحقّ المنتفضين من الكبار والصغار والنساء والأطفال والشباب. ومع مرور الوقت تطورت الانتفاضة وابتدعت أساليب جديدة فى مواجهة العدوان الصهيونى ،إذ نجح أطفال الحجارة فى مواجهة الجندي والدبابة وسياسة الجنرال "إسحق رابين" لتكسير العظام. ولم تنجح الإدارة المدنية الصهيونية فى سياساتها الإجرامية بقمع الشعب المنتفض، إذ جاء ردّ الانتفاضة على القمع والهمجية والسياسة الدموية الصهيونية بتأليف القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة، التي توزعت على الفصائل والتنظيمات الفلسطينية، بالإضافة إلى الشخصيات الوطنية. وأصبحت تلك القيادة المرجعية السياسية والتنظيمية للانتفاضة. وشهدت فلسطين فى تلك الفترة الزمنية ولادة التيار الإسلامي في الضفة والقطاع، إذ برزت حركة «حماس» في بداياتها منافساً ونداً للفصائل الفلسطينية المنضوية تحت لواء منظّمة التحرير الفلسطينية. لكنها ظلت غير ظاهرة بقوة حتى ظهر "يحيى عياش" مهندس عمليات «حماس» الاستشهادية. وشعرت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في منافيها العربية بأن هناك مداً إسلامياً ينمو في فلسطينالمحتلة، وأن فرصتها ،قد أتت لتخرج من ركودها وعزلتها ولتستعيد دورها المفقود، مستفيدة من مساعدة الشعب الفلسطيني الذي قدم لها الانتفاضة عنواناً سياسياً عريضاً يمكن من خلاله المناورة والعمل لفرض شروط تلبي الحد المقبول من الطموحات الفلسطينية في التحرير والاستقلال والعودة. ونجحت قيادة المنظّمة فى الدخول فى صلب الانتفاضة وكيفية إدارتها، وذلك لإعادة دورها بقوة وتعزيز وجودها وتقويته على أرض فلسطينالمحتلة. ورأت القيادة في الانتفاضة مخرجها من المأزق والأزمة التي وقعت فيها بعد فقدانها لبيروت. وبقيت الانتفاضة مستمرّة، وازدادت اشتعالاً يوماً بعد يوم، ولم تتأثّر باعتقال الاحتلال الآلاف من الشبّان. وكذلك باستشهاد المئات وجرح الآلاف من أبناء الشعب المنتفض والثائر على الاحتلال،والحالم بحرية واستقلال وسلام حقيقي وعودة للديار المحتلة. وتقدمت الانتفاضة ببرنامج سياسي أكدت خلاله أن "منظّمة التحرير" الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وقالت المنظمة في بيانها بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين على انتفاضة الأولى الشعب الفلسطيني :"لقد ساهمت الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وانخراط الشعب الفلسطيني بأكمله في هذا الفعل النضالي، الذي وحدّ الريف، والمخيم، والمدينة في عمل نضالي وشعبي متواصل إلى هزيمة أوهام الاحتلال، في خلق واقع فلسطيني يقبل التعايش مع الاحتلال ومخلفاته. وأوضحت المنظمة أن الانتفاضة بددت الأوهام الإقليمية،التي انتعشت بعد حرب الخليج الأولى بإمكانية إضعاف وحدة التمثيل الفلسطيني،أو النيل من ممثله الشرعي الوحيد. وأضاف البيان :" لقد سطّر الفلسطينيون والحركة الوطنية الفلسطينية بكل أركانها، أروع معاني الوحدة، والتصميم على نيل أهدافه الوطنية، إذ حددت الانتفاضة الفلسطينية الأولى أهدافها المرتبطة بشكل عضوي بالبرنامج السياسي الفلسطيني الذي أقرته الشرعية الفلسطينية، وهو هدف إقامة الدولة المستلقه على جميع الأراضي التي احتلت عام 67″. وحول أراء الخبراء حول احتمالية قيام انتفاضة ثالثة بالأراضى الفلسطينية أكد د.سمير غطاس رئيس " منتدي الشرق الأوسط" للدراسات الإستراتيجية، ومدير مركز "مقدس" للدراسات الاستراتيجية أنه من الصعب حدوث انتفاضة مثل التى حدثت عام1987 وذلك لعدة أسباب أبرزها الانقسام بين الحركات والفصائل الفلسطينية،وظهور حركة "تمرد ضد الظلم" بغزة. وأوضح غطاس أن الأمور المعيشية التى يشهدها كل من قطاع غزة والضفة الغربية فى غاية الصعوبة ما يؤدى إلى استبعاد حدوث انتفاضة جديدة مثل انتفاضة "الحجارة". وحول دور المصالحة فى حدوث تلك الانتفاضة أشار رئيس منتدى "الشرق الأوسط" للدراسات الاستراتيجية إلى أن المصالحة انجزت بالكامل ،وذلك طبقاً لاتفاق القاهرة الذى وقع بين خالد مشعل رئيس أمين مكتب حماس والرئيس الفلسطينى محمود عباس ،لكن حماس مازالت تماطل فى تنفيذها لأن المصالحة مرتبطة بتنفيذ الانتخابات وتشكيل حكومة "تكنوقراط" من حماس وفتح والفصائل ،وذلك لإنخفاض شعبية حماس بالقطاع وبالمدن الفلسطينية. بينما أكد أحمد الدبش الخبير الخبير السياسى الفلسطينى أن الانتفاضة ستحدث بلا محالة بسبب إنهيار الحل السلمى من جانب الاحتلال ،وظهور قانون "برافر" الإسرائيلى. وأضاف الدبش أن عدم وجود "أفق سياسى" أى عدم وجود حل نهائى للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية التى لم تسفر عن خيار حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967. وأوضح الخبير السياسى الفلسطينى أن الإنقسام الفلسطينى متواجد جغرافياً فقط ويتمثل فى الضفة وقطاع غزة ،معرباً عن انتهاءه قريباً،لافتاً أن المصالحة لا تجوز مع المرتدين سياساً.