«انتفاضة الحجارة» .. «انتفاضة المقلاع» مع اختلاف المسميات أحيا الفلسطينيون اليوم الأحد، الموافق الثامن من ديسمبر، الذكرى السادسة والعشرون للانتفاضة الفلسطينية الأولى، ومع اختلاف مظاهر الاحتفال بين الفصائل الفلسطينية، كانت السمة العامة لهذا اليوم هو الأمل والتفاؤل والفخر الذي ملأ القلوب. وعلى الرغم من أن ذكرى الانتفاضة تأتي والشعب الفلسطيني يعيش ظروف صعبة نتيجة الانقسام والحصار الذي يتعرض له والهجمات التي يتعرض لها المسجد الأقصى من قبل الجماعات اليهودية المتطرفة التي تسعي إلى تهويد القدس، إلا أن هناك إصرار ومقاومة مستمرة من جميع الفصائل ودعوات المصالحة تتواصل ومساعي الوحدة لن تتوانى. وتشكل الانتفاضة الفلسطينية الأولى، التي كانت شرارتها الأولى عندما قام سائق شاحنة إسرائيلي بدهس مجموعة من العمّال الفلسطينيّين على حاجز "إريز"، فجرا مشرقا على طريق الحرية وانتصار الشعب الفلسطيني، حيث أكدت على الهوية الفلسطينية وأعادت الاعتبار لدور منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تعيش مخاضا عسيرا وأزمة بقاء، خاصة بعد تشتتها بين عواصم العرب ومؤامرة تقزيمها وتجزئتها من خلال إيجاد البدائل لها بحيث جاءت الانتفاضة لتنسف وتقلب كافة تلك البدائل وتجعل روادها في موقف محرج وتعيد لم الشمل الفلسطيني. ومن اللافت أن عدد كبير من الحركات والفصائل الفلسطينية تناولت هذه المناسبة وتلك الذكرى كفرصة للتأكيد على أن خيار المقاومة والمواجهة هو القادر على التصدي للمؤامرات. انتصار بطولي وفي هذه الذكرى توالت المحاولات لاستثمار هذه الانتصارات التي خلفتها هذه الانتفاضة، من جديد، حيث كانت الدعوات إلى تنظيم مسيرات في كل أرجاء الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، كما توالت الدعوات إلى تعزيز الوحدة الوطنية ومواصلة طريق النضال التي جسدها الشعب الفلسطينى المعطاء بتصديه للاحتلال. فمن جانبها، أكدت جبهة التحرير الفلسطينية خلال احيائها لهذه الذكرى أنه يجب استثمار الانتصارات في تعزيز الوحدة الوطنية ومواصلة طريق النضال التي جسدها الشعب الفلسطيني بتصديه للاحتلال، مشيرة إلى أن "بطولات شعبنا الكبيرة خلال الانتفاضة المجيدة شكلت عنوان الحرية والاستقلال والعودة". وأكدت هذا أيضاَ حركة فتح، حيث أشارت إلى أن الدولة الفلسطينية ذات السيادة الكاملة وعاصمتها القدس مطلب وطني لن نتنازل عنه، وأعلنت تمسكها بالعهد الذي قطعته في الفاتح من يناير/ كانون الثاني عام 1965 بالحرية والاستقلال، وقالت: "إن بطولات شعبنا الكبيرة خلال انتفاضة الحجارة التي أقرها وصاغها الشهيد القائد ياسر عرفات وباقي هبات وثورات شعبنا ستظل منارة لنا في الطريق إلى الأستقلال الكامل". كما أشادت الجبهة والحركة بالدور الجماهيري في استمرار زخم الانتفاضة من خلال المقاومة الشعبية، حيث أدرك الشعب الفلسطيني لطاقاته الكبيرة وإيمانه بعدالة قضيته واستبساله في الدفاع عن حقوقه بمواجهة الاحتلال والاستيطان وتهويد الارض والمقدسات، مما يستدعي العودة بملف القضية إلى هيئة الأممالمتحدة والانضمام إلى منظماتها كافة، وأشاروا إلى أن الهبة الجماهيرية شكلت التفاف الشعب خلف الثورة وقيادتها في سبيل تحقيق الحقوق الوطنية، وهي هبة تعبر عن إدراك الشعب الفلسطيني لطاقاته الكبيرة وإيمانه بعدالة قضيته واستبساله في الدفاع عن حقوقه. المفاوضات مرفوضة وفي هذه المناسبة توالت دعوات المصالحة الوطنية رافضين المفاوضات التي وصفها البعض بالعبثية، والآن واستغلالا لهذه المناسبة كان أمل جميع الفصائل لإنهاء الانقسام. فمن جانبها دعت جبهة التحرير، إلى ضرورة وقف المفاوضات والحلول الثنائية بالمرجعية الأمريكية، وتعزيز المقاومة الشعبية بكافة أشكالها باعتبارها السبيل لصيانة وحدة الشعب والأرض والقضية والثوابت الوطنية، ورفض سلام كيري نتنياهو الأمني والاقتصادي والتي يتضمن دوله ذات الحدود المؤقتة، هي النقيض المطلق للدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس ولحق عودة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي شردوا منها عام 1948 وفق القرار الاممي 194 . كما دعت إلى ضرورة تطبيق آليات اتفاق المصالحة وإنهاء الانقسام الفلسطيني، الذي أوقع أفدح الأضرار بقضية شعبنا والتوافق على آليات ترتيب البيت الداخلي بما فيه الذهاب إلى انتخابات رئاسية وتشريعية وللمجلس الوطني الفلسطيني واستعادة مكانة منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل مؤسساتها من خلال شراكة وطنية حقيقية. وقال: "إن قضية الأسرى تبقى القضية الأكثر إجماعا بين كل القوى الفلسطينية والأكثر حاجة للعمل من أجل تحريرهم"، داعيا كافة القوى والشخصيات والهيئات والمؤسسات العربية والإسلامية الى الوقوف بجانب الحركة الأسيرة التي تتعرض لهجمة مسعورة من الاحتلال وانتهاكات غير مسبوقة بحق الأسرى في السجون ومطالبة المجتمع الدولي بالعمل من اجل الافراج عن الاسرى والاسيرات والبواسل . هذا وناشدت حركة فتح كافة فضائل العمل الوطني وقوي الشعب الفلسطيني إلى ضرورة التغاضي عن الآلام والجراح وترك كافة الخلافات جانبا والتوحد صفا واحدا أمام الهجمة الإسرائيلية الشرسة التي تحاك ضد شعبنا من قبل الحكومة اليمينية المتطرفة . وانتقدت الحركة تخلف بعض القوى عن المجابهات المستمرة مع الاحتلال والتقاعس في حماية المقدسات الفلسطينية، وتوجهت بالتحية إلى أهالي الشهداء والجرحى والى الأسري الصامدين داخل السجون الإسرائيلية، مؤكدة أنها ستبقي على درب الشهداء حتي تحقيق الأهداف الوطنية بالحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف . وقالت حركة فتح :" أردنا السلطة كنواة للدولة وسرعان ما رفض الاحتلال تحولنا لدولة فكانت الانتفاضة الثانية". كما دعت حركة حماس السلطة إلى وقف المفاوضات العبثية التي ثبت فشلها وعقمها، والكف عن التنسيق الأمني مع الاحتلال الذي أضرّ بمصالح الشعب ومقاومته، داعية الجماهير الفلسطينية إلى مواصلة صمودهم وثباتهم وتمسكهم بحقوقهم وثوابتهم وتصدّيهم لمخططات الاحتلال وجرائمه. كما شددت على تمسكها بتحقيق المصالحة الوطنية وبناء وحدة وطنية حقيقية قائمة على برنامج نضالي موحّد بين الفصائل والقوى الفلسطينية كافة، لمجابهة مخططات الاحتلال وجرائمه صفًا واحدًا والعمل على تحرير الأرض وبناء الدولة الفلسطينية. وأكدت حماس أيضأ أن الشعب الفلسطيني سيبقى متمسكاً بكلّ ذرّة من تراب أرضه، ولن يقبل بأيّ اتفاق أو حلول تتنازل وتفرّط في الحقوق والثوابت الوطنية والمقدسات، وتتنكّر لدماء الشهداء وتضحيات الأسرى الذي بذلوا أرواحهم وأعمارهم من أجل فلسطين من بحرها إلى نهرها. ظروفاً مشابهة هذا وقد اعتبرت حركة الجهاد الإسلامي أن فلسطين تعيش اليوم ظروفاً وعواملاً مشابهة حدّ التطابق مع تلك التي كانت قبيل اندلاع الانتفاضة الاولى، لافتةً إلى أن حجم المؤامرات التي تحاك للنيل من القضية الفلسطينية وتصفيتها كبير وخطير. وقال المتحدث باسم الحركة داوود شهاب، في هذه الذكرى: "شعبنا لا يزال يعيش ذكريات تلك الانتفاضة المباركة، والبطولات التي تخللتها في كافة مدن ومخيمات وشوارع الوطن". وشدد شهاب أن ذكرى انتفاضة الحجارة فرصة للتأكيد على أن خيار المقاومة والمواجهة هو القادر على التصدي للمؤامرات، مشددا أن المفاوضات التي لو قدر لها أن تستمر فستؤول إلى "أوسلو جديد" سيكون أخطر من "أوسلو" الذي أجهض الانتفاضة الأولى وأحبط منجزات الشعب الفلسطيني. وشدد شهاب على ضرورة وحدة الصف، وإعادة صياغة المشروع الوطني الفلسطيني على أسس تعيد الاعتبار لحركة التحرر الوطني، وتعيد توجيه البوصلة لمواجهة الاحتلال وسياساته. مسيرات للانتفاض وفي استثمار جديد لنجاح تلك الانتفاضة، جاءت دعوات ائتلاف شباب الانتفاضة في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، إلى الفلسطينيين عامة، والشباب على وجه الخصوص، للخروج اليوم الأحد، في مسيرات حاشدة، بالقرب من الحدود، فيما نشر الائتلاف أماكن تواجد المتظاهرين فى كافة المناطق. وذكر الائتلاف أن الجماهير الفلسطينية ستحتشد بالقرب من موقع "ناحل عوز" العسكرى الإسرائيلى، شرق قطاع غزة، مناشداً الجماهير الفلسطينية والشباب الثائر في الأراضى الفلسطينيةالمحتلة عام 1948 وفى مدينة القدسالمحتلة، وفى النقب الصحراوى، أن ينتفض اليوم فى الوقت ذاته بوجه الاحتلال، عند نقاط "التماس" لديهم. فشل إسرائيلي وفي حصر للمواطنين الفلسطينيين الذين خاضوا تجربة الاعتقال منذ اندلاع الانتفاضة الأولى، ذكر مركز أسرى فلسطين للدراسات أن ما يزيد عن "300" ألف مواطن فلسطيني خاضوا هذه التجربة وذلك لسنوات أو لأيام أو حتى لساعات. وذكر المركز أن 210 آلاف حالة اعتقال من بين هؤلاء من بداية الانتفاضة حتى قدوم السلطة الفلسطينية في منتصف عام 1994، و10000 حالة اعتقال ما بين عام 1994 وحتى اندلاع انتفاضة الأقصى في الثامن والعشرين من سبتمبر 2000، و81 ألف حالة اعتقال خلال سنوات انتفاضة الأقصى وحتى الآن ليصل مجموع من ذاقوا مرارة الاعتقال في سجون الاحتلال 300 ألف مواطن من مختلف الأعمار والفئات والشرائح، بما فيهم النساء والأطفال وكبار السن وأعضاء المجلس التشريعي والأكاديميين والأطباء وطلاب الجامعات. وعلى الرغم من عدد الاعتقالات هذا، إلا أن الناطق الإعلامي للمركز الباحث رياض الأشقر اعتبر أن الاحتلال فشل بشكل واضح في تحقيق أهدافه من خلال تكثيف سياسة الاعتقال، حيث فشل في بث اليأس والخوف في صدور أبناء الشعب الفلسطيني، فلا زال الشعب الفلسطيني لا يزال يقاوم ويطالب بحقوقه في أرضه ومقدساته. وأوضح الأشقر أن أوضاع الأسرى خلال الانتفاضة الأولى كانت أسوء بكثير مما هي عليه الآن، وكانت السجون تفتقر إلى الحد الأدنى من شروط الحياة البسيطة، ولا يتوفر فيها الكثير من الأدوات والأجهزة التي تنتشر في السجون في الوقت الحالي، وكان الطعام سيء كماً ونوعاً بشكل يفوق ما عليه الآن من السوء والقلة، ولا يوجد أغطيه أو فرشات أو ملابس. وأضاف الأشقر أن نسبة الاعتقالات خلال الانتفاضة الأولى كانت كبيرة جداً قياساً بالانتفاضة الثانية نظراً للاحتكاك المباشر بين المواطن الفلسطيني وقوات الاحتلال التي كانت تسيطر على الأراضي الفلسطينية بالكامل، لذلك لجأ الاحتلال إلى افتتاح سجون جديدة لاستيعاب هذا العدد الهائل من المعتقلين، ومن ابرز واكبر السجون الذي افتتحها الاحتلال "سجن النقب". "الانتفاضة" من أين إلى أين؟ وأطلق على الانتفاضة الفلسطينية الأولى «انتفاضة الحجارة» لأن الحجارة كانت الأداة الرئيسية فيها، كما عُرف الصغار من رماة الحجارة بأطفال الحجارة، حيث كانت شكل من أشكال الاحتجاج العفوي الشعبي الفلسطيني على الوضع العام المزري بالمخيمات وعلى انتشار البطالة وإهانة الشعور القومي والقمع اليومي الذي تمارسه سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين. واستمر تنظيم الانتفاضة من قبل القيادة الوطنية الموحدة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية فيما بعد، وبدأت الانتفاضة يوم 8 ديسمبر/كانون الأول 1987، وكان ذلك في جباليا، في قطاع غزة، ثمّ انتقلت إلى كل مدن وقرى ومخيّمات فلسطين. وكانت الشرارة الأولى للانتفاضة قيام سائق شاحنة إسرائيلي بدهس مجموعة من العمّال الفلسطينيّين على حاجز "إريز"، الذي يفصل قطاع غزة عن بقية الأراضي فلسطين منذ سنة 1948، وهدأت الانتفاضة في العام 1991، وتوقفت نهائياً مع توقيع اتفاقية أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993. ويُقدّر أن 1,300 فلسطيني قتلوا أثناء أحداث الانتفاضة الأولى على يد الجيش الإسرائيلي، كما قتل 160 إسرائيليّا على يد الفلسطينين، وبالإضافة لذلك يُقدّر أن 1,000 فلسطيني يُزعم أنهم متعاونين مع السلطات الإسرائيلية قتلوا على يد فلسطينين، على الرغم من أن ذلك ثبت على أقل من نصفهم فقط. وقد مرت هذه الانتفاضة بثلاث مراحل وهما: الأولى: مرحلة المواجهة الجماهيرية الشاملة من إضرابات وتظاهرات عارمة ومنظمة وخرق لحظر التجول ومقاطعة المنتجات الإسرائيلية. الثانية: مرحلة البناء المؤسساتي حيث ركزت الفصائل الفلسطينية على بناء الأطر الموازية لأطر الاحتلال مع تواصل فعاليات الانتفاضة المختلفة. الثالثة: مرحلة العمليات المسلحة والتي لم تؤثر على صورة الانتفاضة باعتبارها مواجهات جماهيرية شاملة. وكان شعار هذه الانتفاضة الذي كان يعنون لكل البيانات "لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة"، وتمخضت الانتفاضة عن اعتراف الاحتلال بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا للشعب الفسطيني ومن ثم عودة قواتها إلى فلسطين لنؤسس السلطة الوطنية الفلسطينية. وأخيراً .. الجميع يأمل أن تكون هذه المناسبة التي كانت محطة هامة من محطات نضال وصمود الشعب الفلسطيني، وتمسكه بحقوقه وثوابته الوطنية ، بداية جديدة تشعل الشعب الفلسطيني ووحدته الوطنية.