بعيدًا عن السياسة والحرب والإرهاب قررت أن أذهب بخيالى فى زيارة عاجلة للطبيعة حتى استرد روحى بين منحنيات التاريخ والفكر والثقافة وانتقل بين العواصم العربية التى لم تلوثها المخلفات القاتلة للحروب فمنذ أيام افتتح رئيس الوزراء الجزائرى عبد المالك سلال الفعاليات الثقافية بحضور الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربى والمدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (أليسكو) محمد العزيز بن عاشور، وعشرات من الوزراء والمسئولين العرب وقد تضمن حفل الاحتفال رفع الستار عن العديد من المعارض والمرافق الثقافية والسياحية ومع هذا الجانب البرتوكولى توقفت كى أتأمل مدينة الجسور المعلقة قسطنطينية والتى تقع فى الشرق الجزائرى وتسمى مدينة الجسور المعلقة، لأنها قامت على منطقة صخرية وشيدت فوقها ثمانية جسور بطابع قديم. وأطلق الأمازيغ، وهم السكان الأصليون للمدينة على قسنطينة اسم «سيرتا»، فى عهد الملك الأمازيغى ماسينيسا، ملك نوميديا. وتعرضت المدينة إلى دمار كبير إثر حصار دام خمسة أشهر، من قبل جنود يوغرطة، ملك نوميديا الجديد وفى عام 313 للميلاد. أعاد الامبراطور قسطنطين بناءها، لتحمل اسمه وقد تعاقب على المدينة العديد من الغزاة قصد السيطرة، ومنهم الوندال والبيزنطيون قبل دخول المسلمين إليها. وخضعت المدينة بعد ذلك لسلطة العديد من الإمارات، منهم الزيريون والحماديون والموحدون، ثم اتخذها العثمانيون عاصمة لبايلك (إقليم) الشرق الجزائرى وخلال الاستعمار الفرنسى للجزائر. عرفت قسنطينة ببروز تيار النهضة العلمية والدينية على يد الشيخ عبد الحميد ابن باديس الذى يعد أحد رموز المدينة، فما كان للجزائريين إلا أن يطلقوا عليها مجازا «مدينة العلم والعلماء». وتزخر قسنطينة بالعديد من المعالم الأثرية القديمة، منها مقابر لعصر ما قبل التاريخ، وأضرحة العديد من ملوك الحضارات المتعاقبة على الجزائر، ومنهم ماسينيسا ولوليوس، إضافة إلى الأقواس الرومانية، إن استدعاء التاريخ بمراحله يكون أحيانًا بمثابة وقفة للتأمل والتقيم وتحديد عناصر وأدوات الحروب التى اشعلت المنطقة حتى ننطلق من جديد الى عالم عربى أفضل. [email protected]