كارثة حقيقية تواجهها مصلحة الجمارك المصرية وتتطلب مواجهة سريعة للسيطرة عليها قبل أن تتفاقم آثارها وتتمثل هذه الكارثة فى تعطل جميع أجهزة الكشف بالإشعاع الموجودة بجميع الموانى المصرية، وهو مايعنى عبءًا مضاعفًا على مأمورى الجمارك الذين يواجهون حربًا شرسة من عمليات التهريب التى تضاعفت مئات المرات بعد ثورة 25 يناير تزامنا مع حالة الانفلات الأمنى والأخلاقى التى تشهدها مصر بصورة لم تحدث فى تاريخها، وتتم عمليات التهريب عن طريق جميع المنافذ الجمركية الرسمية البحرية والجوية والنهرية والتى تبلغ 60 منفذا، وأيضا عن طريق المنافذ غير الشرعية وعن طريق حدود مصر الغربية بصفة خاصة، وعن طريق البحر، وشملت عمليات التهريب مختلف أنواع البضائع بداية من الأقمشة والملابس والأحذية والماكياج، وأجهزة المحمول وحتى المخدرات والسلاح والسجائر والالعاب النارية. وشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تكثيفا لعمليات التهريب، فى ظل التغيير النوعى لأساليبها وطرقها وفى نوعية البضائع المهربة، وشهدت تلك السنوات تزايدا ملحوظا لعمليات تهريب السلاح والذى يأتى معظمه عبر الحدود الغريبة من ليبيا، وأيضا من تركيا عن طريق الموانى، وأيضا الصين، وشملت الأسلحة المهربة طبنجات الرصاص الحى والخرطوش وطبنجات الصوت، وطلقات الرصاص والألعاب النارية، وكان آخر تلك العمليات ضبط شحنة من الجاكيتات المجهزة للتفخيخ لاستخدامها فى العمليات الإرهابية واردة أيضا من تركيا! والمشكلة أن تعطل أجهزة الكشف ساعدت على صعوبة الكشف عن عمليات تهريب المخدرات والتى تدخل إلى الموانى المصرية فى حاويات خاصة ببعض السفارات وممنوع تفتيشها يدويا، ولا يمكن التفتيش إلا فى حالة الشك بنسبة مائة بالمائة،وتأتى البضائع المهربة من عدة دول غير ليبيا وتركيا ومنها دول جنوب شرق آسيا واليمن ودبى ولبنان. وفى مصر بؤرتان للتهريب من أخطر البؤر، ولابد من السيطرة عليهما لمنع عمليات التهريب، وهما السلوم وبورسعيد. وماذا يحدث فى المنافذ الجمركية؟ ولماذا تزايدت عمليات التهريب بهذه الدرجة؟ وما الذى يعطل إصلاح أجهزة الكشف بالموانى، وما صحة الشائعات التى تقول إن تعطيل أجهزة الكشف متعمد وتأخر عمليات اصلاحها أيضا متعمد لصالح أشخاص أو جهات معينة، وكيف يمكن السيطرة على عمليات التهريب التى تلحق بالاقتصاد المصرى أضرارًا فادحة خاصة أن هناك بعض الاحصائيات تقدر الخسائر بمبلغ حوالى ستة مليارات جنيه سنويا، نظرًا لأن ما يتم ضبطه هو حوالى 10% فقط من حجم التهريب.. «أكتوبر» التقت المسئول الأول عن مكافحة التهريب الجمركى وحيد هيكل وكيل وزراة المالية لأمن الجمارك.. الذى أجاب عن هذه التساؤلات. فى البداية قال وحيد هيكل إن مصر بها 60 منفذًا جمركيًا ما بين بحرى وبرى وجوى ونهرى، وأهمها المنافذ الموجودة بموانىء الإسكندرية وبورسعيد والسويس، والمنافذ البرية وأهمها السلوم ورفح، والمنافذ النهرية وأهمها ميناء السد العالى ووادى حلفا. وأضاف أن عمليات التهريب زادت بعد ثورة يناير بنسبة مفزعة قد تقدر بألف ضعف، والمشكلة أن ما يتم ضبطه يعادل حوالى عشرة بالمائة فقط من حجم التهريب،وهذا يرجع الى عدة عوامل أهمها عدم وجود انضباط أمنى والتسيب والانفلات فى الشارع المصرى شأنه شأن الانفلات المرورى والأخلاقى وانفلات السلوكيات، وكذلك تزايد العنف وعدد السلاح، كما أن موظف الجمارك مدنى لا يحمل سلاح ويتلقى فى الوقت ذاته الكثير والكثير من التهديدات، بالإضافة إلى وجود مدن لا يوجد بها مصدر للدخل إلا التهريب وخاصة السلوم وكذلك بورسعيد. ووسط تضاعف محاولات التهريب والعنف والجرأة التى تزايدت لدى المهربين،كشف وحيد هيكل عن كارثة تواجه العاملين بالمنافذ الجمركية تتمثل فى تعطل 90 %من أجهزة الكشف عن الواردات عن طريق الأشعة والموجودة بجميع الموانى المصرية، كما أنه لم يعد يعمل من هذه الأجهزة إلا عدد من الأجهزة الموجودة ببعض المطارات، وهو ما يضاعف العبء على مأمورى الجمارك الذين يضطرون إلى التفتيش اليدوى وفتح كل حاوية تصل إلى الميناء وسط تنامى محاولات التهريب وتطور آساليبها، وأضاف أن أجهزة الكشف بالإشعاع الموجودة بالموانى والمعطلة حاليا موجودة منذ عام 1997 وهى 36 جهازًا كانت منحة من المعونة الأمريكية وكانت موديلات قديمة، وللأسف أن عقود صيانة الأجهزة كانت مجحفة تماما، فالعقود كانت تشترط أن تقوم بالصيانة وتوريد قطع الغيار شركة واحدة وهى الشركة الأمريكية الموردة للأجهزة، وذلك تحت مسمى حق الملكية الفكرية، وتكلفة الصيانة كانت مرتفعة جدا فأقل تكلفة تبلغ 100 ألف دولار للجهاز الواحد،كما أن ثمن قطع الغيار كان مرتفع جدا، وللأسف ولعدم القدرة على القيام بالصيانة تعطل 90 % من الأجهزة، ولم يتبق إلا بعض الأجهزة الموجودة بالمطارات هى التى تعمل، والحقيقة أن بعض هذه الأجهزة تم تعطيله بشكل متعمد فالجهاز الموجود بميناء نويبع اصطدمت به سيارة نقل فعطلته واعتقد أن الحادث متعمد، وكذلك ما حدث بجمرك بورسعيد حيث تمت سرقة كابلات جهاز الكشف بالأشعة حتى يتم تعطيل الجهاز عن عمد، وقد أبلغنا عدة مرات عن تعطل الأجهزة التى ظلت معطلة لسنوات وطلبنا إصلاحها ولكن لم يسأل أحد، وقد أهدتنا الحكومة الصينية جهازين للكشف عن الأشعة أرسلنا جهازًا لبوسعيد والآخر لنويبع لوقف تهريب المخدرات من الأردن عن طريق ميناء نويبع، نظر الخطورة هذين المنفذين، كما أن هناك مناقصة يتم إعدادها منذ فترة لشراء أجهزة كشف حديثه قيمتها 64 مليون دولار. وأتمنى أن يتم الإسراع فى إتمام المناقصة نظرا لخطورة الموقف،وزيادة عمليات التهريب بدرجة كبيرة. وأضاف وحيد هيكل قائلا إن هناك بؤرتين من أخطر بؤر التهريب فى مصر إن لم تكن أخطرها على الإطلاق، وهما مدينتى السلوم وبورسعيد، وإن تم القضاء على هاتين البؤرتين سيتم القضاء على 80 % من محاولات التهريب التى ترد إلى مصر، والسبب إن أهل السلوم ليس لديهم أى وسيلة للعيش سوى تهريب البضائع بكافة أشكالها، فلا يوجد أى نشاط اقتصادى من أى نوع فى المدينة والتهريب يتم إما عن طريق منفذ السلوم الذى لا يوجد به تأمين كاف للعاملين بالجمارك وبالتالى يتعرضون لتهديدات وعنف من المهربين، أو يتم عن طريق البحر فالسفن الترانزيت التى تمر على الموانى المصرية ثم تتجه إلى ميناء طبرق الليبى تحمل البضائع التى تحملها على مراكب الصيد المصرية والتى تتجه بدورها إلى السواحل المصرية الممتدة من السلوم وحتى بورسعيد حيث تفرغ الحمولة فى قوارب الصيد الصغيرة التى تتجه بها إلى الشواطىء خارج موانى الصيد خاصة فى مطروح وأبو قير والمعدية وادكو وبرج البرلس وبرج مغيزل، هذه البضائع تدخل كلها إلى الأسواق بدون دفع رسوم جمركية، وهو ما يضيع على الاقتصاد المصرى مليارات الجنيهات، وهناك طريقة أخرى لإدخال البضائع المهربة عن طريق البحر وذلك بأن تقوم سفن الصيد التى تحملها بلفها جيدا لعزلها عن الماء ثم ربطها بحبال وإلقائها بالماء حتى يقوم المهربون بسحبها إلى الشاطىء فى أماكن معروفة. أما الأدوية المخدرة أيضا تم ضبط كميات ضخمة منها وأبرزها الترامادول وهى أيضا أرباحها ضخمة، وتأتى غالبا من الصين، كما يتم تهريب الهيرويين من تركياوسوريا عبر المطارات وقد تمكنا فى الفترة الأخيرة من ضبط 10 كجم هيروين و20 كجم أخرى من سوريا ومن تركيا، ويأتى الحشيش من الأردن أيضا عبر المنافذ البحرية والبرية، كما تم ضبط كميات ضخمة من الألعاب النارية وخاصة الشماريخ وتأتى غالبا من الصين، وهناك محاولات تم ضبطها أيضا لتهريب أسلحة وذخائر من الصينوتركيا، وتشمل طبنجات وبنادق خرطوش وبنادق آلية، وكان آخرها منذ أيام جاكيتات معدة للتفخيخ وردت من تركيا وكانت ستستخدم فى عمليات إرهابية، كما ضبطنا حاويات أسلحة ومسدسات واردة من تركيا على أنه منظفات، وعادة ما يتم وضع منظفات فى مقدمة الحاوية ووراءها توضع الأسلحة، وهناك وسائل أخرى يتبعها المهربون ففى أحدى المرات ضبطنا حاوية بها حبوب مخدرة، وقد وضع المهرب شكائر من مادة أكسيد الزنك فى مقدمة الحاوية لكى تتسبب فى الاختناق لمأمورى الجمارك إذا حاولوا تفتيش الحاوية ويتوقفوا عن التفتيش، ولكن لحسن الحظ استمر المأمور فى التفتيش حتى وجد المضبوطات خلف أكسيد الزنك وعن محاولات التهريب التى تم ضبطها خلال هذا العام قال من يناير الماضى وحتى سبتمبر تم تحرير 545 محضرًا بقيمة 390 مليون جنيه، يستحق عنهم 845 مليون جنيه رسوم جمركية، كما تم تحرير مخالفات جمركية للمحلات التى بها بضائع لم تسدد رسومها أو مضبوطة خارج الدوائر الجمركية قيمتها 16 مليون جنيه والمستحق عنهم ثلاثة ملايين جنيه. ويضيف قائلا ان التهريب من خلال الحدود الجنوبية اقل من بقية المناطق نظرا لان هناك منطقة صحراوية كبيرة بين مصر والسودان وهو ما يصعب المهمة على المهربين، وأهم ما يتم تهريبه من تلك المنطقة المخدرات والجمال، وللسيطرة على التهريب بتلك المنطقة تم إنشاء منفذ (قسطل) الجمركى بين الحدود المصرية والسودانية سيتم افتتاحه قريبا. تهريب النفايات ومن أخطر محاولات التهريب التى تتم فى مصر تهريب النفايات وعلى رأسها أجهزة الكمبيوتر القديمة التى يصعب على الدول المصنعة التخلص منها فتصدرها على أنها نفايات ويبيعها المستورد فى مصر على إنها أجهزة استعمال الخارج وصالحة للعمل رغم أضرارها على المستهلك وعلى البيئة، خاصة الشاشات التى تكون مخالفة لشرط عدم مرور أكثر من خمس سنوات على صنعها ويتحايل المستورد على ذلك بلصق (ستيكر) يزور تاريخ الإنتاج، وللأسف هناك نفايات طبية أيضا تهرب إلى مصر ولا اعلم كيف يسمح بها؟ وعن كيفية السيطرة على عمليات التهريب يقول وحيد هيكل إن ذلك يحتاج إلى عدة إجراءات قانونية وأمنية واجتماعية، فقد تسببت عدة قرارات وزارية فى تراخى مأمورى الضرائب فى عملهم ومنها أن وزارة المالية اتخذت قرارات بإلغاء المكافآت الخاصة بالضبطيات، وهذه المكافآت كانت حافز أساسيًا، لأن العاملين بالمصلحة يعملون بكل جهدهم فى مكافحة التهريب ،وهذه المكافأة كانت تصل إلى 40% من الرسوم المعرضة للضياع، ولكن قام وزراء مالية سابقين وتحت مسمى التخفيف عن كاهل الدولة بإلغاء القانون،ولابد من إلغاء هذا القرار لتشجيع العاملين بالجمارك على بذل أقصى جهد لهم خاصة مع الظروف السيئة التى يواجهونها من قلة الإماكنيات والتهديدات والعنف المتصاعد الذى يواجهونه. وأيضا حدث تعديل فى قانون الجمارك ينص على تخفيف عقوبة التهريب من المثلين إلى المثل إرضاء لبعض رجال الأعمال فى عهد ما قبل ثورة 25 يناير وبالتالى تم تسهيل التهريب، يضاف إلى ذلك ضعف الرقابة للجمارك على البضائع حيث أن هناك أنظمة تسمى أنظمة السماح المؤقت يقوم بمقتضاها المستورد باستيراد ما شاء له أن يستورد من خامات بغرض التصنيع فى مصر ثم إعادة تصديرها وتلك الأنظمة تهدف إلى تشغيل العمالة، ولكن ما يحدث أن البضائع التى تم استيرادها يتم تهريبها وتغيير هويتها ولا يعاد تصديرها حيث تم إلغاء تجريم التصرف فى البضائع الواردة تحت نظام السماح المؤقت، كما سمح للمستورد بسداد المخالفات الجمركية بالتقسيط تحت نظام السماح المؤقت، فهذا النظام لا يخضع لأى رقابة من النواحى الاستيرادية وأعطى للمستورد كل الصلاحيات وسحب كل الرقابة والعقوبة عنه. بالإضافة إلى ذلك يجب السيطرة الأمنية على المنافذ الجمركية وخاصة السلوم وبورسعيد وغلق المنافذ غير الشرعية وحماية العاملين بالمنافذ الجمركية وخاصة هذين المنفذين تحديدا نظرا لتعرضهم للتهديد المباشر ولا ننفى وجود عناصر فاسدة ونفوس ضعيفة أيضا. ويجب عمل كنترول على المنطقة الحرة ببورسعيد لمنع التهريب وأعادة تشغيل المصانع التى توقفت بالمدينة، وأخيرًا يجب الاهتمام بجانب مهم جدا له أكبر الأثر على عمليات التهريب وهو الجانب الاجتماعى والاقتصادى لأهالى بورسعيد والسلوم، إن يجب العمل وبسرعة على خلق فرص للعمل والبدء فى عمل انشطة اقتصادية بالمدينة لتوفير فرص عمل لأبناء المدينة لإبعادهم عن التهريب الذى يعد مصدر الرزق الوحيد لهم، وكذلك يجب الاهتمام بإعادة تشغيل مصانع بورسعيد التى توقفت لخلق فرص عمل لابنائها.