يبدو أن الأحزاب والقوى السياسية اللبنانية فشلت فى إنتاج قانون جديد للانتخابات وهذا يعنى عدم التوافق على إجراء الانتخابات فى موعدها بما يعنى توجيه ضربة قاسية للتجربة الديمقراطية فى لبنان، ووضع البلد كله على طريق النفق المظلم والمجهول. فلم يعد أمام مجلس النواب اللبنانى إلا الاختيار بين أمرين، إما قانون جديد للانتخابات «القانون المختلط»، وإما الاستمرارعلى مشروع قانون تمديد للمجلس النيابى وإجراء الانتخابات على القانون الحالى أى قانون الستين، لينبثق منها مجلس نيابى يضع قانوناً جديداً ثم يستقيل لتجرى انتخابات على أساس القانون الجديد، وهذا ما اعتبره الرئيس اللبنانى الخيار الأفضل من عدم إجراء الانتخابات وفق موعدها الدستورى. وفى الوقت نفسه يرفض التيار الشيعى فى لبنان استمرار القانون السارى للانتخابات « قانون الستين « لأنه ينص على وجود هيئة الإشراف على الانتخابات وهذه لم تشكل بعد، وأن إجراء الانتخابات بحاجة إلى أموال غير متوافرة، إضافة إلى عدم وجود قيود متعلقة باقتراع المغتربين حسب ما تنص عليه التعديلات التى أدخلت على هذا القانون فى وقت سابق. يذكر أن حزب القوات اللبنانية المسيحى تمكن من الاتفاق مع حليفه تيار المستقبل ومع جنبلاط على صيغة لقانون انتخابات آخر اطلق عليه اسم «القانون المختلط» يقوم على تقسيم الدوائر الانتخابية بين النظامين الأكثرى والنسبى، وذلك بعد رفض «قانون اللقاء الارثوذكسى» من قبل الأوساط الثقافية والنخبوية بحجة أنه يكرس الطائفية والمذهبية فى لبنان. وفى المقابل حظى المشروع بتأييد قوى الغالبية الحكومية، وأبرزها هو «حزب الله» وحركة «أمل» الشيعيان، وتكتل التغيير والإصلاح بزعامة النائب المسيحى ميشال عون، إضافة إلى تاييد الأحزاب المسيحية المعارضة.. يذكر أن اللبنانيين يبحثون منذ أشهر طويلة عن بديل للقانون الانتخابى النافذ حاليا والمعروف باسم «قانون الستين»، كونه يعود إلى الستينات، والذى ترفضه غالبية القوى السياسية، لا سيما المسيحية منها. ويؤخذ على هذا القانون انه يعتمد الأكثرية فى دوائر مختلطة تذوب فى عدد كبير منها أصوات المسيحيين بنسبة 34 فى المائة تقريبا من السكان، ولكن فى حالة عدم إقرار قانون جديد، سيجد اللبنانيون أنفسهم أمام خيارى العودة للقانون القديم أو تمديد ولاية البرلمان المؤلف من 128 نائبا موزعين مناصفة بين المسيحيين والمسلمين. والخيار الأخير هو المرجح. ويشار إلى أن أزمة التجربة البرلمانية اللبنانية بعد عام 2009 كانت مقتصرة على الحاجة إلى راع خارجى للنظام الانتخابى، لكن الأزمة الراهنة لم تعد كذلك بل تعدتها إلى الالتزام بنتائج تفرزها الانتخابات نفسها. وكان حزب الله متكئاً إلى حلفائه، خصوصاً التيار الوطنى الحر بقيادة ميشال عون نسف، أى معنى للممارسة الديمقراطية تقتضيها الحياة السياسية البرلمانية، وناقض نفسه ويناقضها عند الحاجة من دون وجل، ليفرض برنامجه ورؤيته للسلطة. قبل انتخابات 2009 وقال إن لمن يفوز بالأكثرية النيابية الحق بتشكيل الحكومة وعلى الأقلية أن تعارض، وبعد الانتخابات التى لم تأت نتائجها فى مصلحته لجأ إلى استعراضات القوة لتغيير الوقائع البرلمانية والحكومية. ولا توحى مواقف الحزب فى الأزمة الراهنة بأى تغيير بل على العكس، فهو إذ ينخرط بقوة وعلانية فى برنامجه السورى والإقليمى ويراكم العوائق أمام أى حل لبنانى بل ويفرض أيضا مطالب يصعب التعامل معها انطلاقاً من بديهيات العمل البرلمانى المفترض. ويبدو أن الأزمة اللبنانية الراهنة ستحتاج من القيادات السياسية اللبنانية إلى الانتقال إلى الالتزام الفعلى بمصالح لبنان وشعبه الأساسية، وهذا لن يتحقق إلا باتحاد جميع الحريصين على البلاد ونظامها لفرض نقاش فى العمق توصلاً إلى قناعات مشتركة قبل أن يفرض الخارج تسوياته العاصفة نتيجة حسابات داخلية مغامرة ومقامرة.