حادثة فتيات كفر السنابسة ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة التى تحصد أرواح العاملات والعمال الزراعيين، لكن حوادث الطرق قد تصبح أقل وطأة مع وجود إجراءات للسلامة والصحة المهنية. ووفقا لدراسة حديثة صدرت فى إبريل 2025، نشرتها مؤسسة المرأة الجديدة تحت عنوان: «أرواح فى الهامش.. ظروف عمل غير لائقة للعاملات فى الزراعة»، شهدت الفترة من الأول من يناير إلى 23 إبريل الماضى 25 حادثًا، وتصدر إقليم الصعيد بواقع 10 حوادث، يليه إقليم الدلتا 9 حوادث، والمحافظات الحدودية - مطروح والوادى الجديد 4 حوادث، ثم إقليم القاهرة الكبرى ومدن القناة بحادث واحد لكل منهما.
تسببت تلك الحوادث فى إصابة 305 من العاملين والعاملات، وكانت 24% من الإصابات بين النساء، كما أن 25% من المصابين كانوا من القُصّر. وتنوّعت الإصابات بين كدمات وكسور ونزيف داخلى وارتجاج فى المخ، فيما توفى 44 شخصًا بينهم 12 قاصرًا، وشكلت العاملات الزراعيات 20% من إجمالى عدد الوفيات. وأكدت الدراسة أن قطاع الزراعة يشكل أحد أعمدة الاقتصاد الريفى المصري، حيث يمثل العاملون فيه وفقًا لإحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء 20% من العاملين على مستوى الجمهورية، وتشكل النساء نحو 42% من القطاع، وهؤلاء يتحملن العبء الأكبر من الانتهاكات المهنية والصحية. وسائل نقل غير آمنة أكدت الدراسة أن العاملات الزراعيات يعملن دون عقود، ودون تأمين اجتماعى أو صحى، فى ظل تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وفى سياق مناخ قاسٍ تصبح أوضاع العاملات فى القطاع الزراعى نموذجًا مركبًا لغياب العدالة الاجتماعية. ونبّهت الدراسة إلى استخدام وسائل نقل غير آمنة لنقل العاملات الزراعيات، مثل التروسيكل وعربات النقل المفتوحة، ما يعرّضهن للحوادث والانتهاكات الجسدية . قانون العمل لسنة 2003 وترى زينب خير، رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية واستشارية النوع الاجتماعى وتشريعات العمل، أن حادث الطريق الإقليمى هو أحد مظاهر أزمة العمالة المؤقتة فى مصر، وفى القلب منها العمالة الزراعية، حيث يعانى هذا القطاع من الإهمال الكامل منذ عقود طويلة. وأوضحت ل«روزاليوسف»، أن النساء والأطفال العاملين فى الزراعة، ظلوا مستثنين من كل قوانين العمل التى صدرت فى مصر منذ القانون الأول عام 1944 وصوًلا لقانون العمل الموحد قبل الأخير رقم 12 لسنة 2003، حيث تم استثناؤهم بنص واضح. وتنص المادة (97) أنه (يستثنى من تطبيق أحكام هذا الفصل العاملات فى الزراعة البحتة) والمقصود هنا هو الفصل الثانى من باب تنظيم العمل، والخاص بتشغيل النساء وضمان حقوقهن لدى صاحب العمل، وهو تمييز قانونى صارخ ضد النساء. وأضافت أنه نظرًا لغياب الحماية القانونية لقطاع العمالة الزراعية الموسمية وغياب النقابات التى تعبر عن العاملين به بشكل واقعى «أصبح النساء والأطفال لقمة سائغة فى يد السماسرة الذين يذهبون للقرى لجمع الفتيات فى مواسم الحصاد والغرس، فى مشهد أشبه بالسخرة، حيث يذهبن بهن للمزارع أو محطات تصدير العنب، كما حدث فى واقعة الطريق الإقليمى». مفتشو مكاتب العمل تقول زينب: خير إن المسئول الأساسى فى حادث وفيات فتيات قرية السنابسة وغيره من الحوادث المتكررة للعمالة الزراعية المؤقتة، هم مفتشو مكاتب العمل التابعون لوزارة القوى العاملة. وتابعت: «الآف النساء فى العمالة الزراعية يعملن تحت وطأة استغلال السماسرة وليس لديهن أدنى حقوق، وبلا تأمين صحي، أو حد أدنى للأجور، وبلا عقود عمل، وبلا وسائل نقل وإجراءات سلامة مهنية وصحية، وفى ظل غياب مفتشى مكاتب العمل الذين من المفترض أن يقوموا بالتفتيش والرقابة». العمالة المؤقتة وأوضحت رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن أسباب ارتفاع نسب عمل النساء فى العمالة الزراعية المؤقتة، لتقاضيهن أجورًا زهيدة مقارنة بالرجال، فضلًا عن طبيعة العمل الخاص بالغرس والحصاد لمساحات شاسعة من الأراضى الزراعية، وهو ما يحتاج لأعداد كبيرة من الفتيات والأطفال، ومن ثم تقبل النساء بالأجر الزهيد فى ظل الظروف الاقتصادية القاسية وارتفاع معدلات التضخم، ويصل أجر النساء فى المتوسط إلى 60 و70 جنيهًا يوميًا فى الصعيد، مقابل ساعات عمل طويلة وغير آدمية، تبدأ من الفجر وتنتهى عند غروب الشمس. قانون العمل الجديد وأكدت، أن قانون العمل الجديد رقم 14 لسنة 2025 ألغى الحظر التى كانت تفرضه القوانين السابقة على العمالة الزراعية، ومن المنتظر العمل به فى سبتمبر 2025 بالتزامن مع إصدار لوائحه التنفيذية، ومن الإيجابى أن القانون شمل ضمن نطاقه النساء والأطفال العاملين فى الزراعة البحتة، ولكن نطالب بالإسراع فى إصدار القرارات الوزارية المنظمة للعمالة الزراعية، والسلامة والصحة المهنية، وعلى رأسها إطلاق الاستراتيجية الوطنية للسلامة والصحة المهنية التى اشترط صدورها القانون العمل الجديد. وشددت خير على ضرورة تطبيق العقوبات الواردة فى قانون العمل الجديد على مقاول الأنفار أو السمسار الذى لا يستعين بعمالة زراعية مسجلة فى مكاتب العمل، ولا يوجد شيء يمنع السمسار من الذهاب لقرية وجمع البنات دون عقود أو قانون يحميهن، وما حدث لفتيات قرية السنابسة وغيرهن من ضحايا العمالة الزراعية المؤقتة يندرج تحت بند الإتجار بالبشر، وفق قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 64 لسنة 2010. حوار مجتمعى من جانبها ترى منى عزت، رئيس مجلس أمناء مؤسسة النون لرعاية الأسرة، أن تلك الحوادث المؤسفة ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة ما دام هناك غياب لسياسات تحمى أوضاع العمالة الزراعية - التى يمثل وجودها العمود الفقرى للقطاع الزراعى - ومع عدم ضمان وسائل نقل آدمية وآمنة تحميهم من خطر الموت على الطرق الجانبية السريعة، التى تُستخدم أحيانًا هربًا من الرقابة المرورية نتيجة مخالفات جسيمة تتعلق بعدم صلاحية المركبات أو انتهاء رخص القيادة. وطالبت عزت بضرورة عقد وزير العمل حوار مجتمعى يضم النقابات والجمعيات الأهلية للعاملات الزراعيات، بالتنسيق مع وزارة التضامن وكل الأطراف المعنية بملف العمالة المؤقتة، كما يجب مناقشة كيفية تفعيل قانون العمل الجديد لتوفير الحماية القانونية للعمالة غير المنتظمة، وفى القلب منها العمالة الزراعية الموسمية، من أجل صياغة لوائح وقرارات وزارية تتلاءم مع واقع المعاناة الحقيقية لهذا القطاع. إدارة التفتيش وأضافت منى عزت، أن النساء فى قطاع العمالة الزراعية المؤقتة الأكثر عرضة للانتهاكات والعنف القائم على النوع الاجتماعي، ومن ثم يلزم تفعيل القانون بسياسات حمائية تضمن مكافحة أشكال العنف المختلفة، سواء العنف الجنسى كالتحرش، والعنف الاقتصادى من التمييز فى الأجور وغياب عقود العمل، وكذلك حمايتهن من التغيرات المناخية، ما يتطلب توفير إجراءات للسلامة المهنية والصحية. وقالت: إن السلامة حق أساسي، وليست خيارًا، لذا يجب تفعيل دور إدارة التفتيش على بيئة العمل فى هذا القطاع وإيجاد آلية فعالة للمراقبة والإبلاغ عن الحوادث والمخاطر التى تواجه العمالة الزراعية المؤقتة، أو كما يُطلق عليهم «عمال التراحيل»، كما نطالب بإدماج هذه الفئة فى برامج الحماية والتأمين الاجتماعي، خاصة النساء والفتيات، لما يتعرضن له من ظروف عمل غير لائقة. 2