لاشك ان تدهور الاقتصاد السودانى وارتفاع درجة الاحتقان السياسى دفع الى توالي الاحتجاجات المتفرقة ضد الحكومة السودانية التي رفعت الدعم عن الطاقة واتجهت لفرض مزيد من الضرائب المباشرة وغير المباشرة الامر الذى دفع بعض الخبراء والسياسيين السودانيين إلى ترجيح وقوع ثورة حقيقية بالسودان. بداية أكد د. الطيب زين العابدين- أستاذ العلوم الإسلامية في جامعة الخرطوم -ان الحكومة السودانية ليس لها حق في مطالبة الناس بربط الأحزمة على البطون لأنها تضرب أسوأ مثل في التضحية والعدالة وحسن الإدارة والتصرف في المال العام.موضحا ان الوضع الاقتصادي تدهور بصورة مزرية، وفشلت كل السياسات في إيقاف التدهور، او تحقيق أي قدر من التنمية، مما زاد من حدة التضخم وارتفعت الأسعار بصورة لم يسبق لها مثيل، واستحال على المواطن الحصول على ضرورياته، إما لانعدامها أو ارتفاع أسعارها مما جعل الكثير من أبناء الوطن يعيشون على حافة المجاعة. واضاف ان التدهور الاقتصادي ادى ايضا إلى خراب المؤسسات العامة وانهيار الخدمات الصحية والتعليمية وتعطيل الإنتاج . وقال زين: بعد أن كنا نطمع أن تكون بلادنا سلة غذاء العالم أصبحنا أمة متسولة تستجدي غذاءها وضرورياتها من خارج الحدود. وحدد أربعة أسباب أساسية جعلت وتيرة الاحتجاجات تتصاعد في الخرطوم وبعض المدن الأخرى، وهي الغلاء،و تدهور الخدمات و الفساد، وبطالة الشباب. ولم يستبعد أن تسوء الأمور في البلاد وأن تسير إلى مزيد من الغليان، وأن تتخذ الحكومة مزيدًا من الإجراءات القمعية ضد المتظاهرين . وشدد الناشط السوداني على أن المظاهرات ستتحول إلى ثورة شاملة ضد حكم البشير وحزب المؤتمر الإسلامي في السودان، إذا لم تتخذ الحكومة السودانية إجراءات ملموسة لمعالجة الأزمات الطاحنة التي يعانى منها الشعب السوداني. وأشار الى موقف الحكومة السودانية التى ترفض مجرد الحديث عن ثورة او مظاهرات لكنها تعترف أن أمامها أزمة غير مسبوقة مع تصاعد الاحتجاجات الشعبية ضد سياساتها المالية والاقتصادية الأخيرة، وتصاعد الدعوات لإسقاطها بين المتظاهرين. من جهته حذر د. محمود أبوالعينين - عميد معهد البحوث والدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة- من تصاعد الازمة وتحولها من اقتصادية الى سياسية خاصة بعد دعوة قوى المعارضة إلى الإطاحة بنظام حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان وتغيير الدستور وتشكيل حكومة انتقالية لمدة عامين تضم جميع الأحزاب السياسية المعارضة ومنظمات المجتمع المدني في البلاد , الى جانب ان قوى المعارضة نادت بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بعد الفترة الانتقالية وبإطلاق الحريات والإفراج عن المعتقلين السياسيين. واوضح ان الاقتصاد السودانى يعانى من صعوبات منذ انفصال جنوب السودان في يوليو 2011، حيث اصبح 75% من إنتاج النفط تحت سيطرة الدولة الجديدة ما ادى الى ارتفاع معدلات التضخم حتى وصلت الي 30% وتراجع قيمة العملة السودانية. مضيفا أن عائدات النفط قبل انفصال الجنوب كانت تغطي النفقات الباهظة، لكن بعد توقف تصدير النفط فقدت الحكومة السودانية مواردها خاصة الرسوم التي كان يمكن أن تحصل عليها من تصدير النفط عبر الشمال. ويرى أن الخروج من الوضع الحالى المتأزم فى السودان يستلزم العودة إلى طاولة المفاوضات للوصول إلى تسوية للنزاعات بين الشمال والجنوب السودانى .. فالتفاوض مطلوب مع دولة جنوب السودان ومع الحركات المسلحة في دارفور ومع الذين يحملون السلاح في جبال النوبة والنيل الأزرق خاصة ان استمراراتساع الفجوة بين الصادرات والواردات، وخروج عائدات البترول من الميزانية، وعمليات الحرب في هجليج سيؤدى كل هذا الى انهيار الاوضاع الاقتصادية فى السودان وهو ما يتطلب قيام حكومة قوية لها شرعية لحماية شعبها وتحقيق إصلاحات حقيقة على أرض الواقع. وأشار ابو العينين إلى التأزم الشديد فى العلاقة بين حكومتى جمهورية جنوب السودان وجمهورية السودان. بدليل فشلهما المستمر في التوصل إلى اتفاقيات في الموضوعات الحيوية، مثل الحدود والأمن والتجارة العابرة، وترتيبات ضخ النفط الجنوبي عبر الأنابيب لميناء بورتسودان. وحسبما بدا من جولات التفاوض الاخيرة في أديس أبابا فما زالت أزمة الثقة متعمقة بين الطرفين بل إن جانب حكومة جنوب السودان تحدث عن اللجوء إلى التحكيم الدولي للفصل فى هذه النزاعات. وهكذا يتضح أن التوتر وضياع المصالح يستمر بما يشكل خسارة فادحة للطرفين على المستوى السياسى والاقتصادى والاجتماعى .