الدولار خلال إجازة شم النسيم.. أسعار العملات في البنك الأهلي والمركزي وموقف السوق السوداء    أسعار اللحوم اليوم الأحد 5 مايو 2024.. كم سعر كيلو اللحمة في مصر    الأرصاد تحذر من انخفاض درجات الحرارة وتساقط الأمطار على هذه المناطق (تفاصيل)    مصر للبيع.. بلومبرج تحقق في تقريرها عن الاقتصاد المصري    حملة ترامب واللجنة الوطنية للحزب الجمهوري تجمعان تبرعات تزيد عن 76 مليون دولار في أبريل    مصر على موعد مع ظاهرة فلكية نادرة خلال ساعات.. تعرف عليها    روسيا تصدر مذكرة اعتقال للرئيس الأوكراني زيلينسكي    أول تعليق من مدرب سيدات طائرة الزمالك بعد التتويج ببطولة إفريقيا أمام الأهلي    نجم الأهلي السابق يوجه طلبًا إلى كولر قبل مواجهة الترجي    قصواء الخلالي: العرجاني رجل يخدم بلده.. وقرار العفو عنه صدر في عهد مبارك    بورصة الدواجن اليوم.. أسعار الفراخ والبيض اليوم الأحد 5 مايو 2024 بعد الارتفاع    هل ينخفض الدولار إلى 40 جنيها الفترة المقبلة؟    حزب العدل يشارك في قداس عيد القيامة بالكاتدرائية المرقسية    علي معلول: تشرفت بارتداء شارة قيادة أعظم نادي في الكون    العمايرة: لا توجد حالات مماثلة لحالة الشيبي والشحات.. والقضية هطول    بعد معركة قضائية، والد جيجي وبيلا حديد يعلن إفلاسه    تشييع جثمان شاب سقط من أعلي سقالة أثناء عمله (صور)    توقعات الفلك وحظك اليوم لكافة الأبراج الفلكية.. الأحد 5 مايو    كريم فهمي: لم نتدخل أنا وزوجتي في طلاق أحمد فهمي وهنا الزاهد    تامر عاشور يغني "قلبك يا حول الله" لبهاء سلطان وتفاعل كبير من الجمهور الكويتي (صور)    حسام عاشور: رفضت عرض الزمالك خوفا من جمهور الأهلي    ضياء رشوان: بعد فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها لا يتبقى أمام نتنياهو إلا العودة بالأسرى    عمرو أديب ل التجار: يا تبيع النهاردة وتنزل السعر يا تقعد وتستنى لما ينزل لوحده    الزراعة تعلن تجديد اعتماد المعمل المرجعي للرقابة على الإنتاج الداجني    حسب نتائج الدور الأول.. حتحوت يكشف سيناريوهات التأهل للبطولات الأفريقية    كاتب صحفي: نتوقع هجرة إجبارية للفلسطينيين بعد انتهاء حرب غزة    احتجاج مناهض للحرب في غزة وسط أجواء حفل التخرج بجامعة ميشيجان الأمريكية    مصرع شاب غرقا أثناء الاستحمام بترعة في الغربية    إصابة 8 مواطنين في حريق منزل بسوهاج    رئيس قضايا الدولة من الكاتدرائية: مصر تظل رمزا للنسيج الواحد بمسلميها ومسيحييها    اليوم.. قطع المياه عن 5 مناطق في أسوان    الآلاف من الأقباط يؤدون قداس عيد الميلاد بالدقهلية    محافظ الغربية يشهد قداس عيد القيامة بكنيسة مار جرجس في طنطا    البابا تواضروس يصلي قداس عيد القيامة في الكاتدرائية بالعباسية    مكياج هادئ.. زوجة ميسي تخطف الأنظار بإطلالة كلاسيكية أنيقة    دار الإفتاء تنهي عن كثرة الحلف أثناء البيع والشراء    حكم زيارة أهل البقيع بعد أداء مناسك الحج.. دار الإفتاء ترد    صناعة الدواء: النواقص بالسوق المحلي 7% فقط    أبو العينين وحسام موافي| فيديو الحقيقة الكاملة.. علاقة محبة وامتنان وتقدير.. وكيل النواب يسهب في مدح طبيب "جبر الخواطر".. والعالم يرد الحسنى بالحسنى    عاجل.. مفاجأة كبرى عن هروب نجم الأهلي    هل يجوز السفر إلى الحج دون محرم.. الإفتاء تجيب    عبارات تهنئة بمناسبة عيد شم النسيم 2024    تساحي هنجبي: القوات الإسرائيلية كانت قريبة جدا من القضاء على زعيم حماس    محافظ القليوبية يشهد قداس عيد القيامة المجيد بكنيسة السيدة العذراء ببنها    نميرة نجم: حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها غير موجود لأنها دولة احتلال    سعاد صالح: لم أندم على فتوى خرجت مني.. وانتقادات السوشيال ميديا لا تهمني    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    صيام شم النسيم في عام 2024: بين التزام الدين وتقاطع الأعياد الدينية    بعد الوحدة.. كم هاتريك أحرزه رونالدو في الدوري السعودي حتى الآن؟    عوض تاج الدين: تأجير المستشفيات الحكومية يدرس بعناية والأولوية لخدمة المواطن    لطلاب الثانوية العامة 2024.. خطوات للوصول لأعلى مستويات التركيز أثناء المذاكرة    محافظ بني سويف يشهد مراسم قداس عيد القيامة المجيد بمطرانية ببا    رسالة دكتوراة تناقش تشريعات المواريث والوصية في التلمود.. صور    نجل «موظف ماسبيرو» يكشف حقيقة «محاولة والده التخلص من حياته» بإلقاء نفسه من أعلى المبنى    شديد الحرارة ورياح وأمطار .. "الأرصاد" تعلن تفاصيل طقس شم النسيم وعيد القيامة    المنيا تستعد لاستقبال عيد القيامة المجيد وشم النسيم    مهران يكشف أهمية استخدام الذكاء الاصطناعي في التأمين    من القطب الشمالي إلى أوروبا .. اتساع النطاق البري لإنفلونزا الطيور عالميًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



احتفال گبير اليوم بإعلان الدولة
جنوب السودان ... بين الواقع المر والمستقبل الغامض

اليوم يتم تدشين دولة جنوب السودان الوليدة ، لتتغير للأبد ملامح السودان المعروفة منذ استقلاله في الاول من يناير عام 1956 .. ولتوضع علي أرض الواقع أول أساسات المخطط الأمريكي نحو" شرق اوسط جديد "!! قد أخطأ كل من تصور ان "الطلاق" بين شمال السودان وجنوبه سيضع كلمة النهاية لكل التوترات داخله ، فالاتفاق علي الانفصال الذي جاء برغبة شبه جماعية للجنوب، احترمها الشمال، كالمولود المبتسر الذي لم يكتمل نموه بعد ومعرض في أي لحظة لتوقف نبض الحياة داخل شرايينه . والمشاكل والتوترات التي ظهرت في الستة أشهر الفاصلة بين الاستفتاء والتصديق وصلت لحد الحروب وراح ضحيتها اكثر من ألفي مواطن سوداني. كل هذا ليس فقط نتاج الخيار الخطأ الذي اتخذه السودان وهو الانفصال ، ولكنه ايضاً نتاج لخطأ تطبيقه ، فلا يمكن ان يكون هناك اتفاق بهذا الحجم و هذه الأهمية يدشن لخروج دولة جديدة من رحم دولة أم دون ان يتم حل وحسم كل القضايا العالقة بين الطرفين والتي تنوعت ما بين اجتماعية تتعلق بحقوق الجنوبيين في الشمال و الشماليين في الجنوب ، واقتصادية تخص عائدات النفط والديون الخارجية للسودان و التي تجاوزت ال35 مليار دولار ، وأخيراً القضايا الجغرافية المتعلقة بترسيم الحدود بين الدولتين وانهاء الخلاف بشأن المناطق المتنازع عليها . آثار هذه الخطايا التي وقع فيها شمال السودان و جنوبه بدأت في الظهور والتضخم خلال الفترة الماضية لدرجة دفعت بعض المنظمات العربية والدولية الي التحذير من انها إرهاصات لعودة السودان لآتون الحرب مرة أخري . والاسئلة المطروحة الان هل نجح السودان في اختبار الانفصال ؟ .. وما هي المكاسب والخسائر التي نتجت عنه ؟ وهل سيكون السودان باكورة لسلسلة من الانفصالات الاخري التي تجتاح المنطقة و القارة السمراء؟ هذا الملف يحاول الاجابة علي هذه التساؤلات.
في الشمال.. لا يزال التقسيم مستمراً
الواقع يؤكد أن معالم شمال السودان ستختلف كثيرا بعد أن أخذ الانفصال مجراه بشكل رسمي ونهائي اليوم .. فالسودان ستصبح المركز الثالث من حيث المساحة في الوطن العربي هذا فضلا عن خسارة الكثير من الموارد الاقتصادية علي رأسها النفط بطبيعة الحال ..
أكثر ما يهدد الشماليين هو أحلام الدارفوريين بالانفصال وهو الأمر الذي يؤدي إلي اختصار حدود الشمال في رقعة ضيقة حتي الحدود المصرية. بل يتعدي الحلم الي التفكير في الانقلاب علي نظام الحكم ومن ثم تتجدد القلاقل والتوترات . وهذا تماما ماعبر عنه فاروق أبو عيسي رئيس الهيئة العامة لقوي الإجماع الوطني التي تضم كافة قوي المعارضة في الشمال، حيث قال إن قيادات أحزاب التحالف تعد خطة طريق للإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير وهو الامر الذي اصبح واردا جدا. وكان الزعيم السوداني المعارض حسن الترابي حذر من أن شمال السودان سيتعرض بعد الانفصال لأزمة اقتصادية قد تؤدي إلي احتجاجات وزعزعة للاستقرار مع تفاقم مشكلة التضخم حيث وصل المعدل السنوي للتضخم 16.5٪ بالفعل في ابريل الماضي ومن المتوقع ان يرتفع هذا الرقم بنهاية العام الحالي.
ومن الناحية الاقتصادية ، إذا وقعت عقب الانفصال نزاعاتٌ عسكرية أو انفلات أمني واضطرابات سياسية، فإن الوضع الاقتصاديّ سيكون في حالة متردية وفي تلك الحالة سيتوقف ضخ الأموال من أجل الاستثمار في البلاد.
وهكذا لن تستطيع الحكومة مقابلة تعهداتها الداخلية في اتفاقيات السلام تجاه تعمير وتنمية مناطق دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وشرق السودان ومن ثم قد لا تتمكن الدولة من الوفاء بمستحقاتها تجاه الديون الخارجية.
ويري الترابي أن مشكلة الحدود تتعلق بخمس مناطق في الجنوب، إلا أن أخطرها هي مشكلة أبيي، حيث تصر بعض القبائل وأبرزها قبائل المسيرية التي يصل عددها الي حدود200 ألف نسمة، علي تقنين حقها في الوجود في ولاية أبيي بينما ترفض قبائل الجنوب الاعتراف بهذا الحق وتعتبر كل أراضي أبيي ملكا لها. وبرغم أن الشماليين والجنوبيين اتفقا علي ضرورة إجراء استفتاء في ولاية أبيي يشارك فيه كل سكان الولاية، فإن خلافات الجانبين حول من له حق التصويت في هذا الاستفتاء عطل الوصول الي الاتفاق، لأن الجنوبيين يرفضون منح قبائل المسيرية حق التصويت، بينما تتمسك حكومة الخرطوم بهذا الحق وهكذ ستظل المشكلة عالقة بين الجانبين ضمن مشكلات أخري عديدة تشكل مصدر خطر يهدد باندلاع العنف بين الجانبين بعد فترة من إجراء التصديق علي قيام دولة الجنوب.
وإن كان كل من الشمال والجنوب قد توصلا الي يقين بضرورة قبول الانفصال كأمر واقع، لأن تجدد الحرب الأهلية بين الجانبين لن يحفظ للسودان وحدته علي العكس، سوف تدمر الحرب السودان شمالا وجنوبا، وسوف تؤدي الي مزيد من تفكك دولة الشمال التي تواجه تحديات صعبة في دارفور وكردفان والنوبة ومناطق الشرق، حيث تتنامي في هذه المناطق حركات تمرد مسلح.
إضافة الي كل تلك التحديات هناك الكثير من المشكلات الأخري المتعلقة بتوزيع أعباء الدين العام وحل مشكلات مواطني الدولتين الذين يرغبون في البقاء في الشمال أو الجنوب ولا يفضلون النزوح لمواطنهما الأصلية.
..و الجنوب.. الانقسام هو المصير
رغم كل التحذيرات للسودان من مغبة الانقسام وما حدث من تداعيات منذ الاستفتاء علي الانفصال في يناير الماضي والمطامع الخارجية الواضحة في تفتيت هذا البلد ، الا ان التقسيم بات امراً واقعاً ، واصبح للسودان خريطة جديدة واحصائيات مختلفة تتعلق بالسكان والاقتصاد والتنمية والاديان والتركيبة العرقية. كما اصبحت هناك دولة جديدة بالفعل تصنف علي انها الدولة 193 في العالم، كل هذا تم وسط تساؤلات عديدة حول مستقبل الدولة الوليدة .
لكن هناك كثير من الدلالات التي تؤكد أن استقلال الجنوب لن يكتب له النجاح في ظل التوترات الأمنية التي يشهدها الجنوب والتي ستظل قائمة حتي بعد الانفصال ، خاصة أن الجنوبيين غير متفقين فيما بينهم وسوف ينزحون إلي الشمال عند انطلاق أول طلقة بين الجيوش والمليشيات المتناحرة . يضاف لذلك تحدي بناء دولة من مرحلة (الصفر) في غياب شبه تام للبني التحتية حيث ستتقلص مساحته ويقل تعداده بالاضافو الي 70٪ من موارده الطبيعية .
ويري المراقبون ان النظام القائم في السودان لم يخطئ فقط بسياساته التي انتهت إلي إضاعة وحدة البلد الذي كان أكبر بلد عربي وأفريقي مساحة، بل بتبنيه خطابا جعل البعض يصدقون أن الانفصال سيكون افضل ، وأن تأثيراته السلبية ستكون محدودة. فالواقع غير ذلك تماما، والتأثيرات ستكون بالغة الضرر، خصوصا في ظل التوترات الراهنة بين حكومة الإنقاذ وحكومة جوبا، والخلافات علي الملفات العالقة وعلي رأسها ترسيم الحدود ، والموارد النفطية . لهذا شهدنا الاشتباكات في منطقة أبيي ، والمعارك في جنوب كردفان، علما بأن هناك مخاوف من أن ينتهي الأمر إلي حروب بين الشمال والجنوب، بمعني أن يدعم كل طرف الحركات المسلحة التي تقاتل ضد الطرف الآخر. وليس سرا أن الجنوب استقبل بعض قادة الحركات المسلحة في دارفور بعد اتهامه للخرطوم بدعم المنشقين عن الحركة الشعبية ومعارضيها الذين رفعوا السلاح ضدها. إلا أن أخطر المشكلات قد تنفجر في منطقة جبال النوبة، خصوصا أن عدد الشماليين في الجيش الشعبي لجنوب السودان كان يقدر بأكثر من 24 ألفا الكثير منهم من جنوب كردفان والنيل الأزرق ، وهما منطقتان شماليتان اتفق علي إجراء مشورة شعبية بشأن ترتيب أوضاعهما، إلا أنهما تبقيان عرضة للمشاكل والنزاعات، إذا استمر التوتر بين الشمال والجنوب وانفجرت الصراعات بينهما.
ومع هذا فانه بانفصال جنوب السودان عن شماله لن تنتهي تلك الصراعات ، بل المتوقع ان اندلاع الحرب بين الشطرين مرة اخري سيكون امرا حتميا . خاصة ان هناك مجموعة من المسائل العالقة الباقية دون حل ، والاختلافات العرقية والدينية واللغوية الموجودة ، بالإضافة الي خطر الجماعات المسلحة التي ستزيد الاوضاع سوءا
من يدفع فاتورة الحرب بين شطري السودان ؟
يأتي الاعلان الرسمي اليوم لانفصال شمال السودان عن جنوبه وسط مخاوف عدة من تطور المناوشات العسكرية بين الجانبين لتكون بداية لحرب أهلية، خاصة بعد أن يتعامل كل طرف من منطلق" شيء ما في نفس يعقوب". يري كثير من المراقبين أن المشكلة لم تنته بتوقيع اتفاق الانفصال بين الجزء الشمالي والجنوبي في أكبر دولة أفريقية " سابقا " من حيث المساحة، فالمشكلة تكمن في أن مسألة الحدود لم تحسم بعد. وهو ما أكده الرئيس السوداني عمر البشير بعد الاستفتاء قائلا " إن مشكلة الحدود لم تحسم بعد وأن هناك مناطق داخل الجنوب لدينا وثائق بأنها تابعة للشمال وأخري في الشمال يدعي الجنوبيون أنها لهم ، وأنه ليس هناك أجل معين لحل هذه المشكلة وأن التفاوض سيستمر حتي بعد الانفصال". وعلي الرغم من فرحة الجنوبيين العارمة بالانفصال، إلا أن صحيفة الجارديان كان لها رأي آخر . حيث تري الصحيفة أن انفصال جنوب السودان عن شماله من شأنه أن يقود البلاد إلي الفوضي، وأن حالة عدم الرضا بين السودانيين بشكل عام من شأنه أن يعرض البلاد للفوضي والاقتتال والحرب الأهلية التي ستستمر لعقود قادمة. وكان الهجوم الأخير الذي نفذه الجيش الشعبي قبل أسابيع قليلة علي عدد من آليات القوات السودانية وبعض قوات البعثة الأممية المشتركة في منطقة أبيي رغم اتفاق المسئولين الحكوميين في الخرطوم مع نظرائهم من الحركة الشعبية في اتفاقية "كادوقلي"، لينذر ببداية النهاية في المنطقة. وهذه التصاعدات التي يغذيها فقر سكانها والخلافات التاريخية القائمة فيها بين قبائل " الدينكا " في جنوب أبيي وبدو قبيلة "المسيرية" في شمالها.
وتري الكاتبة بالصحيفة البريطانية روس جونز، أن نذر الحرب القادمة بين الجانبين من شأنه أن يعرض البلاد كلها للخطر، بما في ذلك حرمان الدولة الجديدة من قروض البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وهروب الاستثمارات، مما يصب في صالح "أعداء" السودان.
يأتي ذلك في الوقت الذي وصفت فيه 22 منظمة مصرية وسودانية وغربية الوضع في السودان بأنه أقرب إلي الحرب من أي وقت مضي. مشيرين إلي أنه من دون المشاركة الفعالة من المجتمع الدولي التي تتضمن إجراءات صارمة وعقوبات موجهة لأي طرف يشعل الصراع، فإن احتمالات الاستقرار بين الشمال والجنوب ستكون قاتمة.
تقول الصحيفة إن السودان والسودانيين عاشوا قرابة ست سنوات في حالة من السلام الهش، وإنه لا بد أنهم يعرفون جيدا الآن ما معني معاناة الحرب، وخاصة أن البلاد شهدت حروبا أهلية طاحنة وقاسية علي مدار سنوات شهدت تجنيد الأطفال واغتصاب النساء والاستعباد .
وتخاطب الصحيفة العالم بأنه يجب أن يحضر نفسه بدءا من الآن للحرب الأهلية في السودان التي لا يمكن تجنبها، خاصة أن السودانيين بمن فيهم رئيسهم البشير متشائمون بشكل كبير، ولا يستبعدون الحرب في ظل تقاسم الثروات وعوائد النفط التي تعتمد علي حكومة الشمال بشكل كبير . ووسط هذه الصور القاتمة التي تنذر بالحرب بين الشطرين الجنوبي والشمالي . ، تتساءل الصحيفة من يدفع فاتورة هذه الحرب، هل الشعب السوداني أم القارة الافريقية أم الشرق الاوسط كله ؟
عدوي الانفصال تهدد افريقيا
هل تجتاح حمي الانفصال القارة الافريقية؟ سؤال يطرح نفسه بعد التصديق الرسمي علي انفصال السودان .لا يخفي المراقبون وبخاصة الافريقيون توقعاتهم بحدوث ذلك . شيهو ساني ، رئيس التجمع من أجل حقوق الانسان في نيجيريا يري ان تداعيات احداث السودان تتخطي حدود هذا البلد الاكبر أفريقيا ويزيد من احتمالات تقسيم عدد من البلدان الافريقية الاخري و علي رأسها نيجيريا وساحل العاج و الكونغو . يقول ساني وفقاً "لنظرية الدومينو" فانه من المرجح ان تصيب العدوي معظم الدول ، خصوصا الواقعة غرب القارة الافريقية والتي تشهد تنوعاً كبيراً من التعددية الدينية و الثقافية و العرقية بالاضافة الي مختلف انواع الازمات و المشاكل السياسية العالقة . فعلي الرغم من ان الحدود التي رسمتها القوي الاستعمارية بين البلدان الافريقية لم تقم علي أسس منطقية الا انه بعد استقلال تلك الدول منذ 50 عاما تقريبا اعتبرت منظمة الوحدة الافريقية تلك الحدود غير قابلة للتغيير . لذلك فان تقسيم السودان يعد تحديا غير مسبوقا لهذه القاعدة وهو ما قد يدفع دولاً اخري لان تحذو حذوها. فعلي سبيل المثال هناك أزمة تتمثل في النزاع القائم بين المسلمين في شمال نيجيريا و المسيحيين في الجنوب الغني بالنفط . وفي ساحل العاج تجددت المخاوف من عودة شبح الحرب الاهلية بين الشمال و الجنوب المضطرب ليس فقط بسبب الخلاف الديني بينهما ولكن نتيجة للاختلافات الثقافية واللغوية التي تزيد من التوتر بين أبناء البلد الواحد . هناك ايضاً اقليم أرض الصومال في القرن الافريقي والذي يسعي لنيل الاعتراف الدولي بانفصاله عن الصومال . كذلك يطالب متمردو كابينجا في انجولا بالاستقلال عن حكومة كمبالا . من هنا يعتقد عدد من المحللين السياسيين ان تقسيم السودان سيصبح مرجعية للانفصال و الانقسام في افريقيا وسيدعم قضايا الشعوب التي تري انها لا تستطيع العيش معاً مفضلة الانفصال . جريج ميلز رئيس مؤسسة "برينثيرس" للدراسات بجوهانسبرج ،الذي الف كتابا بعنوان "لماذا تقبع افريقيا في الفقر" يري ان ذلك لا يعني انه لا تتوافر لدي الافارقة وسيلة اخري سوي التمرد المسلح ثم الانفصال الذي يري انه ربما يسهم في تفتيت المجتمعات الافريقية وتهيئة الظروف لتدخل دول اخري ذات مصالح واهداف ، خاصة ان دول افريقيا محط اطماع جهات عدة.
أصابع خفية تلعب في مقدرات القارة السمراء
رغم ان أصابع الاتهام في قضية انفصال جنوب السودان عن شماله تشير الي نظام الحكم في السودان الذي ظل لسنوات يهيمن علي مقدرات البلاد وثرواتها لصالح الشمال مع تهميش قوميات البلاد سياسياً من خلال اقصائها من السلطة ، بالاضافة الي اهمال الجنوب وعدم تنميته اقتصاديا و ثقافيا . لا شك ان هناك أصابع كانت تعبث في الخفاء من أجل الوصول لهذه النتيجة لخدمة أهدافها الخاصة . فبخلاف كون السودان جزءا من مخطط شامل لتقسيم المنطقة العربية فإن بعض الدول تجد مصالح خاصة بها في تفتيت دولة كانت في يوما من الايام من اكبر الدول الافريقية من حيث المساحة . علي رأس المنتفعين من هذا الوضع اسرائيل . يقول المحرر تسيفي بارئيل في صحيفة هآرتس " ان العلاقة الاسرائيلية السودانية بدأت من عام 1967 عندما رفض الجنرال جوزيف اونجا مؤسس حركة التمرد الجنوب سودانية مشاركة جيشه في الحرب ضد اسرائيل . وكان الرد علي هذه الخدمة الجليلة دعوة جولدا مائير له لزيارة اسرائيل وتنظيم تدريب عسكري خاص له في جيش الدفاع الاسرائيلي . والحقيقة ان المراقبين يرون ان السودان بمساحته الهائلة وثرواته المعدنية والنفطية و تربته الخصبة وموارده البكر التي لم تستغل جيداً مطمع يثير له لعاب دول كاسرائيل . هذه الاطماع زادت واتضحت بعد الاعلان عن وجود اليورانيوم الذي زاد من أطماع دول اخري كأمريكا و بعض الدول الغربية ، خاصة لو علمنا ان اول من اكتشف النفط السوداني شركة شيفرون الامريكية التي اكدت ان السودان يسبح علي بحيرة من النفط . لكن الغضب الامريكي بدأ يحل علي السودان عندما قامت ثورة الانقاذ بطرد شركة "شيفرون" وسلمت الابار التي حفرتها الشركة الي بعض الشركات الصينية . من هنا بدأت دخلت امريكا علي الخط لحماية مصالحها قامت باستخدام أسلحتها المعروفة من فرض عقوبات اقتصادية ، لحصار ، للجوء الي المحكمة الدولية حتي وصل الامر الي حد اصدار مذكرة توقيف للرئيس البشير وهو لا يزال علي رأس الحكم في سابقة لم تحدث من قبل .
وعودة للمخطط الصهيوني نجد انه عمل علي اغراق السودان في الازمات و دعم الاقليات واذكاء نير الحرب بين الشمال و الجنوب طمعاً في أخذ دور البطولة عندما تنفصل الجنوب المهيمنة علي 75٪ من يبار البترول و 45٪ من الموارد المائية للبلاد . من أجل هذا الهدف لم تأل اسرائيل جهدا في تقديم كل دعم ممكن بدء من دفع مرتبات لقادة وضباط جيش التحرير ، حتي ان مجلة "معرخوت" العسكرية قدرت مجموع ما قدمته اسرائيل لجيش تحرير الجنوب ب 500 مليون دولار، قامت امريكا بتغطية الجزء الاكبر منه . وعندما ظهر النفط في جنوب السودان في منتصف الثمانينيات، أوفدت اسرائيل أحد اكبر خبرائها ايلياهو لون فسكي ، الذي قدر احتياطات النفط في الجنوب ب 7 مليارات برميل . من هنا سرع الجنوبيين في المطالبة بحقهم وعارضوا انشاء مصفاة "كوستي" للنفط في الشمال .
الخطر الاكبر في هذه العلاقة التاريخية التي تربط امريكا و اسرائيل بجنوب السودان علي وجه الخصوص ، كما يري المحللون ، يكمن في توظيف الجنوب كرأس حربة للقوي الغربية و الصهيونية ضد اي مد اسلامي داخل القارة . وهناك خطر آخر يكمن في ان تستغل اسرائيل الوضع للتحكم في مصر من خلال إغلاق "المحبس" عليها من الجنوب في حالة عدم الانسياق وراء الرغبات الاسرائيلية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.