نشأت الديهي: بوادر توتر إيراني إسرائيلي وتصعيد محتمل مع اقتراب 2026    أمم أفريقيا 2025| انطلاق مباراة مصر وزيمبابوي    ضبط 1.7 طن دقيق دون فواتير دالة على مصدرهم بالقليوبية    نقيب أطباء الأسنان: "الخريجون مش لاقيين شغل"    رئيس وزراء جرينلاند: لن نحيد عن قيمنا الديمقراطية وجرينلاند ملك لشعبها    مسؤول سابق بالناتو: احتجاجات مزارعين أوروبا تتصاعد بسبب تقليص الدعم    رئيس الوزراء يلتقي الملحقين العسكريين المرشحين للعمل بالخارج    وليد صلاح عبداللطيف: محمد صلاح خارج التقييم.. وحسام حسن يشبه محمود الجوهري    مصر و الأردن يؤكدان تعزيز التعاون في النقل البري خلال اجتماعات اللجنة الفنية المشتركة بعمان    كبار نجوم الفن فى عزاء الفنانة الراحلة سمية الألفى    فضل صيام شهر رجب وأثره الروحي في تهيئة النفس لشهر رمضان    "الحكومة": أكثر من 5 مليون مواطن استفادوا من التأمين الصحي الشامل    السيسي: مستعدون لدفع المزيد من الاستثمارات المصرية إلى السوق التنزانية    زيلينسكي: أوكرانيا بدأت إنتاج أنظمة الدفاع الجوي محليًا    ميرال الطحاوي تفوز بجائزة سرد الذهب فرع السرود الشعبية    جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا ضمن أفضل الجامعات العربية في تصنيف 2025    رمضان عبدالمعز: دعوة المظلوم لا تُرد    رئيس الهيئة الدولية لدعم فلسطين: الاحتلال لا يسمح سوى بدخول أقل من ثلث المساعدات المتفق عليها إلى غزة    تعيينات جديدة بكلية التربية جامعة عين شمس    الكويت وروسيا تبحثان تعزيز التعاون في مجالات الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية    توني يقود هجوم الأهلي ضد الشرطة العراقي في دوري أبطال آسيا للنخبة    البورصة تختتم تعاملاتها اليوم الإثنين بتباين كافة المؤشرات    مصلحة الضرائب تكشف تفاصيل الحزمة الجديدة من التسهيلات الضريبية    مصدر من الأهلي ل في الجول: لا نعرقل انتقال حمزة عبد الكريم ل برشلونة.. وهذا موقفنا    "يتمتع بخصوصية مميزة".. أزهري يكشف فضل شهر رجب(فيديو)    آيتن عامر تعتذر عن استكمال "حق ضايع" قبل بدء التصوير    لأول مرة بجامعة عين شمس.. نجاح جراحة زرع جهاز تحفيز العصب العجزي    خلال 24 ساعة.. رصد 153 مخالفة على الطرق في الغربية    نائب الصحة لشئون الحوكمة والرقابة يشهد الاجتماع الأول للجنة تطوير منظومة طب الأسنان    "هعيش حزين".. أول تعليق من أحمد الفيشاوي بعد وفاة والدته    جنايات الإرهاب تقضى بالمؤبد والسجن المشدد ل5 متهمين بخلية التجمع    يضم 950 قطعة أثرية.... محافظ المنيا يتفقد متحف آثار ملوي    في مشهد مهيب.. الأزهر ينجح في إخماد فتنة ثأرية بالصعيد    قائد أوغندا قبل مواجهة تونس: لن نكون لقمة سائغة لمنافسينا في أمم إفريقيا    انتظام أعمال امتحانات الفصل الدراسي الأول بجامعة قنا    قصة قصيرة ..بدران والهلباوى ..بقلم ..القاص : على صلاح    فرحة وحيدة لمنتخب مصر في الاستضافة العربية لأمم أفريقيا    رئيس جامعة القاهرة يجري سلسلة لقاءات رفيعة المستوى بالصين لتعزيز التعاون الأكاديمي والبحثي    مدير تعليم الجيزة يواصل سياسة العمل الميداني بزيارة مفاجئة لإدارتي «العياط والصف»    الانتقام المجنون.. حكاية جريمة حضرها الشيطان في شقة «أبو يوسف»    حداد ودموع في طابور الصباح.. مدرسة بمعصرة صاوي تنعى تلميذين لقيا مصرعهما في حادث الطريق الإقليمي    السيطرة على حريق بسوق عرفان فى محرم بك بالإسكندرية دون إصابات.. صور    هل طلب بيراميدز ضم ناصر ماهر من الزمالك ..مصدر يوضح    وزارة شئون القدس تطالب بتدخل دولي عاجل لوقف هدم منازل المقدسيين    تشكيل مجلس إدارة غرفة الرعاية الصحية فى اتحاد الصناعات    إطلاق حملة "ستر ودفا وإطعام" بالشرقية    مصدر من الأهلي يكشف ل في الجول تطورات ملف المحترفين والراحلين.. وموقف توروب    مدبولي: توجيهات من الرئيس بإسراع الخطى في تنفيذ منظومة التأمين الصحي الشامل    محافظ المنوفية يتفقد مركز خدمة عملاء مركز معلومات شبكات المرافق بقويسنا.. صور    كنز بطلمي يخرج من باطن الأرض محافظ بني سويف يتفقد أسرار معبد بطليموس الثاني بجبل النور بعد أكثر من عقد على اكتشافه    محافظ سوهاج يعلن إتاحة التصديق القنصلي على المستندات بمكاتب البريد    ننشر مواعيد امتحانات الفصل الدراسى الأول بمحافظة القاهرة    الحقيقة الكاملة لسحب الجنسية من البلوجر علي حسن    وكيل الأزهر يحذِّر من الفراغ التربوي: إذا لم يُملأ بالقيم ملأته الأفكار المنحرفة    وزير الثقافة ورئيس صندوق التنمية الحضرية يوقّعان بروتوكول تعاون لتنظيم فعاليات ثقافية وفنية بحديقة «تلال الفسطاط»    وزير قطاع الأعمال: نحرص على تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 22-12-2025 في محافظة قنا    مواعيد مباريات الإثنين 22 ديسمبر والقنوات الناقلة.. مصر تبدأ مشوارها في أمم أفريقيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قمة خماسية عربية لمواجهة التطورات في السودان عشية استفتاء 9 يناير
نشر في القاهرة يوم 28 - 12 - 2010

بينما بدأ العد التنازلي لإجراء استفتاء تقرير المصير للجنوب السوداني في التاسع من يناير المقبل، تسارعت الجهود الإقليمية ممثلة في قمة خماسية (مصر- ليبيا- السودان- موريتانيا وسلفا كير ممثل الجنوب السوداني) شهدها الأسبوع الماضي في الخرطوم، بهدف التأكيد علي ضرورة الحفاظ علي الروابط العضوية بين شمال السودان وجنوبه، أيا كانت نتيجة الاستفتاء حول تقرير مصير الجنوب السوداني.
وكان الرئيس السوداني عمر البشير قد أعلن منذ أيام أن السودان ستتبني دستورا إسلاميا في حالة انفصال الجنوب، وأنه لن يكون هناك مجال حينئذ للحديث عن التعدد الثقافي والاثني، وأن الشريعة والإسلام سيكونان المصدر الرئيسي للدستور، وسيكون الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، وستكون اللغة العربية هي اللغة الرسمية، كما أكد البشير من ناحيته أن انفصال الجنوب لن يكون "نهاية الدنيا" حتي وإن كان ذلك يعني "اقتطاع جزء من جسم الوطن"، وهي التصريحات التي أثارت ردود فعل قوية داخل السودان وخارجها.
وبينما تدل الشواهد علي ترجيح انفصال الجنوب السوداني، إذا بالولايات المتحدة تقوم مجددا بتعيين السفير المتقاعد دين سميث مبعوثا خاصا لدارفور، فيما يعد الخطوة الأولي من نوعها منذ اندلاع أزمة دارفور، بعد أن كان مبعوث الرئيس الأمريكي للسودان سكود غرايشن هو من يتولي الإشراف علي كل الملفات المتعلقة بالسودان، ومن ثمة اعتبرت خطوة تعيين المبعوث الجديد لدارفور من قبيل الإعداد لمنح إقليم دارفور بدوره حق تقرير المصير، مما يدخل في عداد إعداد "المسرح السوداني" لما هو قادم من أحداث كبري . وكان السودان قد شهد في الفترة من 11إلي 15 إبريل الماضي الانتخابات التشريعية والرئاسية، وهي الانتخابات التي كرست سيطرة حزب المؤتمر المنفردة علي الشمال، وسيطرة الجبهة الشعبية علي الجنوب. وفي 30 يونية 2010 أصدر الرئيس عمر البشير مرسوما جمهوريا بتعيين مفوضية تختص باستفتاء جنوب السودان، وهي هيئة مستقلة خولت الإشراف علي عملية الاستفتاء .
وفي غضون هذه الأحداث، تزايدت حدة الاتهامات بين الجيش السوداني، والجيش الشعبي لتحرير السودان، وفي اكتوبر الماضي، اتهم الجيش الشعبي الجيش السوداني الشمالي بحشد القوات علي الشريط الحدودي بين شمال السودان وجنوبه.
المشكلة السودانية
يعود أصل المشكلة السودانية إلي عقود مضت، استفادت خلالها العناصر الشمالية من التوزيع "الانتقائي" للمزايا والمهارات والمناصب والتعليم والتنمية، الأمر الذي جعل عملية تحديث السودان تسير علي نفس النهج الانتقائي، مما جعل الشمال هو مركز الدولة، والذي يضم السودانيين المسلمين العرب، مما عمّق الفوارق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين مناطق الشمال، ومناطق الجنوب والشرق والغرب، وفيها السكان من أصول غير عربية.
ومن المعروف أن السودان ذات المساحة الشاسعة التي تصل إلي25 مليون كيلو متر مربع (العاشرة علي مستوي العالم) تتمتع بدرجة عالية من التنوع السكاني، وفيها 570 قبيلة، وأكثر من 100 لغة، ونحو 58 أثنية عرقية. غير أن التركيبة الاثنية تتوزع بين 39% من العرب، و52% من العنصر المحلي الافريقي، والبجا 6%، والأجانب 2%، والعرقيات الأخري 1% . أما عن الديانة فهناك 70% مسلمون، 25% معتقدات وثنية، 5% مسيحيون معظمهم في الجنوب والخرطوم. وعلي الرغم من انتشار عملية الأسلمة والتعريب بين قبائل السودان شرقا وغربا ، فإن أزمة الهوية استمرت وتفاقمت مع استمرار سياسات التمييز التي لم تشعر الجميع بأنهم متساوون ومواطنون من الدرجة الأولي، وفشلت الحكومات السودانية في خلق هوية وطنية واحدة، ومن هنا تجذرت تدريجيا في المناطق السودانية شرقا وغربا وجنوبا مشكلات التهميش والإقصاء السياسي والحرمان الاقتصادي والاجتماعي، فضلا عن شيوع نوع من الخطاب الاستعلائي سياسيا وإعلاميا من جانب النخبة الشمالية .
وتدل الشواهد علي أنه منذ العقد الأخير للقرن العشرين تنامت المشاعر القومية الطرفية الاثنو/ ثقافية، والوعي بالذات أكثر مما كانت عليه سابقا في مناطق الجنوب والشرق والغرب، وتجاهلت النخبة السودانية الحاكمة، وأهملت " القوة " التي تبلورت لدي التجمعات الإقليمية (جهوية واثنية ) والتي تزايدت مطالبها سواء في الجنوب أو شرق السودان وغربه، وتمحورت حول مطالب سياسية واقتصادية، مع ملاحظة أن ديناميكية هذه الحركات كانت في بداياتها تتبلور في إطار الدولة، ودون مستوي المطالب الانفصالية.
ولكن مع تفاقم مشكلات المناطق الطرفية، واستمرار منهاجية التمييز والتجاهل الشمالية، تعززت مطالب المشاركة في السلطة، والعدالة الاجتماعية، والمساواة في توزيع المناصب، والثروة. وتعددت الحركات والكتل، ومنها : اتحاد جبال النوبة، جماعة البجا، وحدة غرب السودان، وحركة العدل والمساواة في دارفور، وابناء جبال النوبة جنوب كردفان الذين انضموا في منتصف ثمانينات القرن الماضي إلي الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الراحل جون قرنقSPLM A .
وعندما جاء أوان اتفاق " ماشاكوس " تمت مقايضة تكريس الشريعة الإسلامية في الشمال، بحق تقرير المصير في الجنوب، وعندما وقع اتفاق "نيفاشا " 2005، وبالرغم من إعطاء ستة أعوام فترة انتقالية، فقد كررت حكومة السودان سياساتها، وتمت عملية تقاسم الثروة، واستخدامها في التسليح، وصولا إلي تصريحات البشير التي يعتبر فيها أن انفصال الجنوب «ليس نهاية الدنيا».
مشاكل الانفصال
يمثل استفتاء 9 يناير بندا في اتفاقية السلام التي وقعت في 2005، والتي أنهت حربا استمرت لعدة عقود بين الشمال والجنوب . ويبدو أن النخبة الشمالية تؤكد فشل الجهود التي بذلت للحفاظ علي وحدة السودان . ويؤكد نافع علي نافع مساعد الرئيس السوداني أن انفصال الجنوب صار أمرا راجحا لأنه يمثل توجه الحركة الشعبية، الحزب الحاكم في جنوب السودان، المدعوم من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. كما يؤكد روبين مريال بنجامين نائب ممثل حكومة الجنوب أن الاستفتاء سيجري في موعده، في جميع ولايات الجنوب العشر، لأن هذه هي إرادة شعب الجنوب .
وبالنظر إلي ظروف دولة كالسودان، تتعدد مشاكلها السياسية والاقتصادية، يبدو أن انفصال الجنوب سيكون هو نفسه سببا جديدا لمضاعفة قسوة هذه الظروف، وتحويلها إلي أسباب جديدة للعداء والاحتكاكات بين الجماعات والقبائل السودانية . فالسودان دولة مثقلة أصلا بمشاكل الفقر وتدني مستوي التنمية البشرية (تحتل السودان الرقم 154 في دليل التنمية البشرية للأمم المتحدة لعام 2010) هذا، فضلا عن مشكلات الانقسام والانفصال والنزوح السكاني (أكثر من 4 ملايين نازح).
في الوقت نفسه، فإنه من حقائق البيئة القبلية في السودان، اعتماد حوالي 3 ملايين فرد علي حرية التنقل بين الشمال والجنوب، بحثا عن الماء والكلأ، ولايقابل حرمان هؤلاء من مصدر عيشهم وقوت حياتهم سوي حمل السلاح والحرب، دفاعا عن " الرزق، والولد، والقطعان " . وفضلا عن مشكلات تصدير النفط عبر منفذ وحيد في الشمال هو ميناء بور سودان، وضرورة حصول الجنوبيين علي مايحتاجون من سلع عن طريق الشمال، فإن عددا من القبائل التي تقضي وقتا من السنة في الجنوب تطالب بحقها في المشاركة في الاستفتاء، الأمر الذي يعارضه الجنوبيون.
ويؤكد ياسر عرمان نائب الأمين العام للحركة الشعبية، قطاع الشمال أن مناطق التماس بين الشمال والجنوب يوجد بها 13 مليونًا من الرعاة والمزارعين، تسعة ملايين شماليين، وأربعة ملايين من الجنوبيين. ويطالب عرمان المؤتمر الوطني بطرح مشروع جديد، قبل ذهاب الجنوبيين للتصويت، يتنازل فيه عن فلك السلطة، من أجل وحدة البلاد، علي أن يشمل الطرح التنازل عن البترول لصالح الجنوب، والإبقاء علي الجيش الشعبي، حال تحقق الوحدة، والرئاسة الدورية . ومن القضايا العالقة التي لم تجد حلا بعد، موضوع النفط، والموارد الطبيعية، والجنسية، والمواطنة، والديون الخارجية، وأصول الدولة، والمعاهدات الدولية، وملف أبيي الغنية بالنفط والتي يتعذر حتي الآن الاتفاق علي إجراء الاستفتاء بها، كما تشكل مسألة ترسيم الحدود أزمة بين الشمال والجنوب . هذا، فضلا عن مشكلة مليون ونصف مليون جنوبي يعيشون في الشمال . وفي الأيام القليلة الماضية، نزح من الشمال حوالي 800 ألف جنوبي، تحسبا لاندلاع موجة من العنف في أعقاب الاستفتاء . وتؤكد مصادر الأمم المتحدة أن عشرات الآلاف من اللاجئين السودانيين سيتوجهون إلي دول أفريقية مجاورة، وقدرت توقعاتها بوصول 100 ألف إلي أوغندا، و100 ألف إلي كينيا، و80 ألفا إلي أثيوبيا، و50 ألفا إلي مصر.
وفي سياق تداعيات موقف الانفصال المحتمل برمته، يمكن الإشارة إلي عدة حقائق:
1- تؤكد دوائر سودانية خشيتها من احتمالات خروج دارفور، وشرق السودان، والنيل الأزرق، وجنوب كردفان من إطار الدولة السودانية، خاصة إذا ما نفذ الرئيس السوداني "وعوده" التي أعلنها مؤخرا حول إقرار دستور إسلامي، ورفض التنوع والتعددية. وفي هذا السياق، تحذر المعارضة السودانية من أن السودان قد يتحول إلي دولة أحادية أو دولة دينية . ويقول المتحدث باسم تحالف المعارضة فاروق عيسي إن الحكومة تريد التحول إلي" دولة بوليسية " وشمولية تصادر الحريات باسم الدين . وكان البشير قد أشار في كلمته إلي أن الحدود في الشريعة الإسلامية تأمر بالجلد والقطع والقتل، وأضاف "ولن نجامل في حدود الله والشريعة الإسلامية " وذلك في إشارة إلي حالة المرأة السودانية التي تعرضت للجلد مؤخرا علي أيدي الشرطة، وانتشرت صورتها في العالم . ودعا البشير معارضي هذه الأحكام إلي " العودة إلي الإسلام " . ويري محللون سودانيون أن توجهات أسلمة الشمال السوداني علي النحو الذي أعلنه البشير سيجعل الشمال في أزمة حقيقية لاتقل عن مشكلة الجنوب، خاصة ما يتعلق برفض التعددية، والحديث عن تطبيق صارم للشريعة . كما يري محللون أن الشمال سيصير أضعف بعد انفصال الجنوب، خاصة مع حالة الأزمة السياسية التي تعتري مؤسسة الحكم، وفي ظل رئيس مطلوب من المحكمة الجنائية الدولية .
2- فجرت تصريحات البشير عن " دستور إسلامي، وتطبيق الشريعة، وإعمال حدودها بقوة، ورفض التنوع " ردود فعل قوية ومستنكرة داخل السودان وخارجها، ففي الداخل عقدت الحركة الشعبية وقيادات دارفور وشرق السودان مؤتمرا صحفيا للرد عليها، مؤكدين أن (التعددية ستكون أساس الدولة في الشمال، وأن الحركة ستبقي في النيل الأزرق، وجنوب كردفان، كآلية شعبية لتوفيق الأوضاع) . وفي الولايات المتحدة، انتقدت منظمات أمريكية هذه التصريحات، وأكدت هيومان رايتس ووتش أن تصريحات البشير خطيرة ومدمرة للغاية. 3- في هذا الإطار، خفت الحديث، وتواري حول مشكلات السودان الحقيقية وفي مقدمتها : المشكلة الاقتصادية، وسبل معالجة الفقر، ومشروعات التنمية، ورفع مستوي المعيشة للسودانيين، وأساسا، عدم تمكن الدولة من القيام بوظيفتها الرئيسية في الحفاظ علي التكامل الوطني للسودان ككل كوظيفة أساسية لأية دولة.
4- بالنسبة لمصر، ودول أفريقية أخري، يتمثل الخطر الأكبر في احتمال أن يؤدي انفصال الجنوب السوداني إلي تدخلات أجنبية متعاظمة، تضمر أهدافا تآمرية، عنوانها المبدئي تفكيك السودان، وصولا بصورة ما إلي احتمالات ترتيب دولي للوصاية علي السودان أو أجزاء منه، أو أن تكون هذه الخطوة بداية لدورة جديدة من انتشار العنف والفوضي، بأبعاد إقليمية، تمس الأمن القومي لهذه الدول، في مقتل.
5-تحذر دوائر أفريقية، وعالمية من احتمالات نشوب الحرب الأهلية مجددا في السودان بين الشمال والجنوب، إذا لم تتم عملية الاستفتاء بهدوء وسلاسة، وفي هذه الحالة ستنعكس الحرب الأهلية سلبا علي السودان وقارة أفريقيا، بخسائر تصل إلي آلاف الضحايا، ومليارات الدولارات، وضياع أو توقف خطط التنمية والمشروعات الاقتصادية، وهي تكلفة غالية تدفعها الشعوب الأفريقية.
الموقف الإقليمي والعالمي
يبدو الموقف الإقليمي والعالمي أقرب ما يكون إلي " الاعتراف بالأمر الواقع " إزاء ما يجري في السودان، مع ترقب كل الأطراف المعنية ما يمكن أن يسفر عنه مشهد استفتاء 9 يناير في السودان، غير أن كل طرف ينظر إلي الحدث من زاوية مصالحه الخاصة، ورؤيته لمستقبل السودان، ودول الجوار (عربيا، وأفريقيا) هذا، مع إعلان الجميع عن رغبتهم في تجنيب السودان الحرب، والعنف، وما يمكن أن يثير مزيدا من التوتر في المنطقة .
ومع ذلك، فإن موقف مسايرة الأمر الواقع، سواء بالحفاظ علي وحدة السودان، أو انفصال الجنوب، و الانتظار والترقب لما يمكن أن يسفر عنه الاستفتاء، لايخفي مخاوف شائعة لدي الكثيرين إزاء تطورات الموقف في السودان، واحتمالات أن يؤدي انفصال الجنوب إلي إعادة رسم خريطة السودان ووادي النيل، وتغيير في توازنات القوي لدي عدة أطراف محلية وإقليمية . فهناك حركات تمرد جمدت نشاطها انتظارا لما سيسفر عنه استفتاء جنوب السودان، وهناك دول أفريقية تخشي من انتقال "عدوي" المطالب الانفصالية إليها.
ومع تنوع المواقف، فإن القمة الخماسية (مبارك- القذافي- البشير- محمد ولد عبد العزيز- سلفا كير) أكدت الروابط العضوية بين الشمال والجنوب في السودان، واعتبارات التاريخ والجغرافيا والثقافة والقيم الاجتماعية والمصالح المشتركة، واستمرار الوشائج السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مع احترام إرادة شعب جنوب السودان . أما عن الجامعة العربية، فلا يبدو أن لها دورا مؤثرا، اللهم إلا التمنيات الطيبة للجميع، وردود فعل " خجولة " من جانب الدول العربية علي الصعيد الرسمي.
أما بالنسبة للموقف الأمريكي، فقد بدا واضحا اهتمام واشنطن بضرورة بذل جهود اقليمية للضغط علي البشير لضمان اجراء الاستفتاء في موعده، واحترام نتائجه، وجاءت تأكيدات المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي أن " السودان يمثل أحد أولويات الإدارة الأمريكية "، وتلمح واشنطن بحزمة اغراءات للخرطوم منها رفع العقوبات، وضمها للمنظمات الدولية، بهدف تمرير الاستفتاء .
أما المبعوث البريطاني للسلام في السودان رئيس مفوضية التقييم والتقدير لاتفاقية السلام الشامل ديرك بلمبلي فيعلق قائلا: إن السودان بلد غني بالموارد الطبيعية من حيث النفط والموارد الزراعية والبشرية، وهو ما يجعل الجميع يأملون في علاقات جيدة بين دولتين متجاورتين في الشمال والجنوب) ويبدو واضحا اتجاهات الولايات المتحدة والغرب في تفضيل تقسيم السودان إلي كيانات متعددة، جريا علي سياسات التفكيك التي يجري الإعداد لها للمنطقة العربية . وبالنسبة للسودان تحديدا، فإن الهدف هو إضفاء شرعية الخرطوم علي عملية الانفصال، وخلق حالة من " فراغ القوة " في المنطقة، في ظل منهاجية غربية، يصفها كاتب عربي بأنها من الثبات بحيث لن تنجو منها دولة عربية واحدة.
الكيان الجديد
يري البعض أن لدولة جنوب السودان المرتقبة مقومات الدولة، ومن ذلك مؤسسات قائمة بعيدا عن سيطرة الخرطوم، وهناك الجيش، والعلاقات الدولية، خاصة مع الغرب، والموارد واهمها النفط مما يساعد علي استكمال عناصر الدولة الوليدة، وصولا إلي اكتساب " السيادة " والانضمام إلي الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية.
ولكن يبدو أن الخطر الأعظم الذي يواجه الكيان الجديد (الذي يمثل 20% من حجم السودان) يتمثل في احتمالات نشوب صراعات داخلية بين العشائر والميلشيات الجنوبية نفسها. ومنذ أيام، قامت قوات جنوبية متمردة بعمليات ضد الجيش الشعبي لتحرير السودان، قام بها الجنرال الجنوبي المتمرد جورج اثور، بعد ما خسر انتخابات جرت علي منصب حاكم ولاية جونقلي المنتجة للنفط .
كذلك ،يلفت الانتباه مطالبة أحد قياديي الجنوب بأنه يفضل أن تعتمد دولة جنوب السودان المرتقبة علي دعم كل من دولتي كينيا وأوغندا، كدولتين مجاورتين، أكثر من الاعتماد علي الولايات المتحدة، وذلك نظرا لما أسماه " السياسة الأمريكية المتناقضة، والتي تعطي إحساسا بعدم الثقة، قد يصل إلي حد الخيانة ". ويفصّل القيادي الجنوبي بأن أمريكا في حقيقتها لاتفرق بين العدو والصديق، وأن الذين يعتقدون أنهم أصدقاء أمريكا هم الذين يصابون بالصدمة عندما يواجهون سياساتها المتناقضة . ويضيف القيادي الجنوبي أن الولايات المتحدة ساعدت في وقف الحرب بين الشمال والجنوب، وساهمت في الدفع في طريق اتفاق السلام 2005، وقدمت ملايين الدولارات لإنشاء مشاريع تنمية في الجنوب، وتؤيد أمريكا تماما انفصال جنوب السودان، ( ويتردد أن الانفصاليين الجنوبيين كانوا ومازالوا يتلقون دعما قويا من الانجليين الأمريكيين، وغيرهم من الجهات الدينية، التي تسعي لتنصير السودانيين) .. ولكن أمريكا برغم ذلك كله، يمكن أن تقرر في لحظة ما، رفض طموحات دولة جنوب السودان ! ".
ومنذ أيام، نشر موقع ويكيليكس وثائق أمريكية تضمنت متابعة الولايات المتحدة لشحنات سرية من الأسلحة والدبابات مرسلة من أوكرانيا إلي جنوب السودان. وتؤكد الوثائق أن الرئيس السابق جورج بوش كان يعلم بأمر هذه الشحنات، وقد قرر عدم اعتراضها . وبكلمات لاتنقصها الصراحة، كتب السفير الأمريكي لدي كينيا " إنه من أهداف الولايات المتحدة تحويل الجيش الشعبي لتحرير السودان إلي قوة تقليدية صغيرة، قادرة علي الدفاع عن جوبا، ولكن بدون أن تصل هذه القوة إلي امكانية الزحف لاحتلال الخرطوم " . وبوجه عام، يمكن تلمس حقيقة التوجهات الأمريكية تجاه ما يعد للسودان، وللمنطقة عموما، عندما نعرف أنه من الطروحات الأمريكية لمستقبل العلاقة بين شمال وجنوب السودان هو إنشاء " منطقة عازلة " بين الجانبين عرضها 16 كيلو مترا، كحزام فاصل بين القبائل الشمالية والقبائل الجنوبية، وتتركز فيه قوات الأمم المتحدة، وذلك علي غرار الطريقة الغربية المعتادة في نشر" المناطق العازلة " في الوطن العربي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.