بالرغم من ارتفاع أسعار الذهب فى العام الماضى، فإن معظم متاجر ومحال الذهب والمجوهرات فى العراق قد توقف نشاطها فى ظل حالة الخوف والرعب اللتين تسيطران على أصحابها إثر سلسلة الهجمات المسلحة التى استهدفت محال الصاغة فى العديد من المدن العراقية خلال الأشهر القليلة الماضية وأدت إلى مقتل وإصابة العشرات من أصحاب هذه المحال وزبائنها. ووفقا لصحيفة «نيويورك تايمز»، تشير التقارير الأخيرة من مناطق مختلفة فى العراق إلى أن المهاجمين يستخدمون كواتم للصوت لقتل ضباط الشرطة والأمن، وكذلك قنابل يدوية وبنادق رشاشة وأسلحة أخرى، ويقومون بتفجير سيارات فردية باستخدام قنابل مغناطيسية. وداخل المتجر الصغير الذى يمتلكه أمجد عابد فى حى البياع بالعاصمة بغداد، تجد نصف طاولات ونوافذ العرض فارغة وذكريات نجليه الراحلين حاضرة فى الثقوب التى أحدثتها طلقات الرصاص فى الجدران، ففى مايو الماضى، اقتحم ثلاثة مسلحين متجره وقاموا بنهب ما فيه من مشغولات ذهبية، وقتل نجليه اللذين كانا يديران المتجر، ويقول عابد، (55 عامًا): «لقد فقدت ابنى، وفقدت كل أموالى. لا أستطيع أن أصف ما حدث». أما أبو إيهاب، صاحب متجر الذهب المجاور والذى قُتل شقيقه وابن شقيقه واثنان من أبناء عمه فى نفس الهجوم الذى قُتل فيه نجلا عابد فيقول إنه لم يتبق له شيء ليبيعه أو مال يكفى لاستئناف نشاطه، مشيرا إلى أن المجرمين الذين نفذوا الهجوم على متجره لم يُظهروا أى رحمة، فقد جاءوا للقتل. وفى هذا الصدد، يؤكد ضباط الأمن وشهود عيان أن هذه السرقات يتم تنفيذها بقسوة شديدة، حيث يقوم اللصوص بإطلاق النار على النوافذ، وقتل الموجودين فى المتجر بسرعة كبيرة ثم نهب الذهب والمجوهرات، فى حين يقف شخص واحد عند الباب للقيام بالمراقبة. وفى الوقت الذى لم تعلن فيه حتى الآن أى جماعة مسئوليتها عن هذه الهجمات، ولم تعلن الشرطة عن اعتقال أى شخص على صلة بها، فإن اللواء قاسم عطا، المتحدث باسم قيادة عمليات بغداد، يرى أن عمليات السطو هذه تستخدم لتمويل شبكات مثل تنظيم القاعدة. ومع استمرار عمليات السطو زادت مخاوف تجار الذهب فى العراق لدرجة أنها دفعت بعضهم إلى إغلاق محلاتهم بصورة مؤقتة بينما اضطر آخرون إلى تغيير ساعات عملهم كل بضعة أيام، مما أدى إلى تباطؤ وتيرة العمل بهذه المتاجر والمحلات، حتى إن البعض فكر فى تصفية أعماله بصورة نهائية، إلا أنه يوجد من لا يستطع القيام بذلك، ويتساءل فهد الطائى (22 عاما) الذى ورث نشاط بيع الذهب عن والده وجده «ماذا سنعمل إذا توقفنا عن بيع الذهب؟ نحن لا نعرف أى عمل آخر. نحن الآن ننتظر الموت». ومثلما يفعل الكثير من تجار الذهب فى العراق فى الوقت الحالى، قام أبو أحمد، 48 عاما، بسحب المجوهرات من نافذة العرض الأمامية، وإخفاء مسدس أسفل زجاج نوافذ العرض الداخلية. وعن هذا يقول «أضع رصاصة فى داخله، حتى يكون جاهزا للاستخدام. لكن حتى مع ذلك لا أستطيع أن أحمى نفسى، فنحن لا نستطيع حماية متجرنا حتى لو وضعنا مدفعا هنا». ويذكر الكثير من تجار الذهب أن قدرة أفراد هذه العصابات على الهروب بسرعة فى مدينة مثل بغداد تعانى من الاختناقات المرورية وتنتشر بها المئات من نقاط التفتيش، جعلهم يشكون فى تورط بعض ضباط الشرطة فى هذه العمليات. ويقول محمد عبد الحسين آل صالح، الذى يعمل فى متجر للمجوهرات فى حى الكرادة المزدحم: «إنهم عديمو الفائدة، نحن لا نعتمد على الشرطة أو الجيش. الله وحده هو الذى يحمينا».