إذا قمت بجولة سريعة فى شارع الصاغة بوسط البلد أو سليمان جوهر بالدقى أو ميدان الجامع بمصر الجديدة أو غيرها من المناطق المشهورة ببيع الذهب، تدرك على الفور حالة الركود الذى أصاب سوق الذهب. فلم يعد لمعان هذا المعدن الأصفر قادرا على جذب المستهلك المصرى فى ظل ارتفاع أسعاره ووصولها إلى معدلات قياسية. فقد تعدى سعر جرام الذهب عيار 24 ال220 جنيها، بينما اقترب سعر ال21 من 200 جنيه، ووصل عيار 18 إلى أكثر من 160جنيها، مواصلا اتجاهه التصاعدى الذى بدأه منذ الأزمة العالمية، مما أصاب سوق الذهب ركودا ملحوظا نتيجة إحجام المستهلك عن شراء هذا المعدن النفيس. ففى منتصف الأسبوع، المحال كانت جميعها خالية فى شارع سليمان جوهر. الساعة الواحدة ظهرا، وعدد كبير من المحال لا يزال مغلقا، «الناس هربت وبيوتنا اتخربت»، كما يقول أحمد شاكر، صاحب محل ذهب فى الدقى. واكتفت كثير من المحال بالعمل نصف يوم، واكتفى عدد آخر بالعمل فى الفترة المسائية. والسبب: «اختفاء الزبون، فلم يعد هناك ضرورة ملحة لأن نبدأ اليوم مبكرا خاصة وأننا نمضى أياما لا يدخل زبون واحد إلى المحل، فالوضع سيئ للغاية، وسيزداد سوءا فى الأيام المقبلة»، كما يقول محمد فاروق، عامل فى أحد محال شارع سليمان جوهر. المحال الخالية، ليست الظاهرة الوحيدة المختلفة فى شارع سليمان جوهر، هذا الشارع الذى طالما كان يضج بالزبائن لشراء المصوغات الذهبية المتنوعة، فعدم تنوع الذهب المعروض كان مظهر آخر للمشكلة، فعلى مدار أسبوع بأكمله، أو أكثر، لا تتغير المعروضات الموجودة فى الفترينات، بل هناك عدد كبير من الفترينات خاليا ولا يوجد بها سوى عينات محدودة من المعروضات، «حين نستطيع أن نصرف الموجود، نحضر أشكالا جديدة فلماذا علينا أن ننوع المصوغات إذا كان لا يوجد زبون من أصله»، يستطرد فاروق مشيرا إلى أنه كان يضطر فى الماضى إلى تنويع البضاعة لمنافسة المحال من حوله واجتذاب الزبائن. ومن الواضح أن الارتفاع مستمر «حتى إشعار آخر»، وفقا لرفيق عباسى، رئيس شعبة الذهب والأحجار الكريمة باتحاد الغرف التجارية. ويقول عباسى إن الركود الذى يتسم به سوق الذهب فى الوقت الحالى دفع شعبة المصوغات والمجوهرات باتحاد الغرف التجارية، إلى طلب لقاء عاجل مع وزير التجارة والصناعة، لمطالبته بتخفيض ضريبة المبيعات على الذهب والتى تبلغ 2.5 جنيه على الجرام عيار 18، و170 قرشا على الجرام عيار 21، ف«يجب أن تكون الضريبة متماشية مع حجم الأرباح الذى يحققها منتج الذهب، فكيف أحصل منه ضريبة أعلى مما يحققه من أرباح. السوق تتسم بالركود والوضع لا يحتمل مزيدا من الضغوط»، كما جاء على لسان عباسى. ضغط الغلاء، عامل آخر وفقا لعباسى وراء ركود سوق الذهب، ف«الأسر المصرية تواجه عبئا فى الوقت الحالى فى سداد احتياجاتها بسبب ارتفاع الأسعار المستمر». «من الذى يستطيع أن يشترى ذهبا للزينة حاليا فى الوقت الذى يصعب علينا فيه تلبية احتياجاتنا الأساسية؟ المضطر حتى لشراء الذهب من أجل الزواج يواجه صعوبة فى ذلك»، يقول محمد الشيخ، مهندس ووالد لعريس جديد، اضطر من أجل شراء شبكته، إجراء جمعية والحصول على سلفة من العمل. وكان معدل التضخم السنوى فى الحضر قد بلغ فى شهر مايو الماضى 10.5%، وهو لا يزال برغم تراجعه، للشهر الرابع على التوالى، مرتفعا، حيث إنه يعنى أنه ما زال هناك ارتفاع فى الأسعار، ومن المتوقع، وفقا للخبراء، أن يزداد مع بداية موسم الصيف، وقدوم شهر رمضان، ف«من الطبيعى أن يهتم الناس أكثر بالغذاء عن شراء الذهب»، وفقا لعباسى. وعلى الرغم من هذه الصورة القاتمة التى تهيمن على سوق الذهب، فإن عددا من تجار الذهب توقع أن تشهد فترة الصيف انتعاشا «ضعيفا»، وفقا لبدير السيد، صاحب محل آخر فى سليمان جوهر، حيث يشهد موسم الصيف الخطوبات و الافراح، مشيرا إلى أن هذه الزيادة «لن تقارن بتلك الذى يشهدها السوق عادة فى الصيف». ولكل قاعدة استثناء، ومن ثم إذا كان هناك منتجو الذهب قد تلقوا لطمة قوية منذ بداية الأزمة العالمية، إلا أن هناك تفاوتا بين تداعيات الأزمة على مختلف المحال، فالمحال الشهيرة والأسماء المعروفة فى عالم الذهب مثل خراسانى، والكحكى والسرجانى، وغيرهم، لم يتأثروا بنفس الدرجة. «فهذه المحال تخاطب الطبقة الغنية التى لا تستغنى عن رفاهياتها أبدا، ومن ثم فهو زبون مضمون، وإن كان مما لا شك فيه سيخفض من مشترياته»، يوضح السيد. وبالفعل حين تمر فقط أمام أحد هذه المحال، لا تجدها أبدا خاوية بل بها «الزبون الخاص بها»، الذى لديه من الإمكانيات ما يمكنه من شراء مصوغات ذهبية.