من واشنطن الي القاهرة والعديد من العواصم في أرجاء الدنيا تري عزيزي القاريء أن موضوع السودان مطروح بقوة وبرؤي وتصورات مختلفة وهو ماجعل السودان خلال الفترة الأخيرة هو محل اهتمامي وتركيزي، وهذا الموقف من جانبي له سببان أحدهما موضوعي والآخر شخصي الشق الموضوعي مرتبط بتأثير التطورات السودانية علي مجمل أوضاع الأستقرار في الدول المحيطة به وهو أمر يفرض علي أي باحث ومحلل سياسي الأهتمام والمتابعة وتقديم الرؤي والأفكار خصوصا في أوضاع السودان الراهنة والموسومة بصفات الأزمة والمآزق المتعددة الأوجه. أما الجانب الشخصي فيرتبط بهذه العلاقة الممتدة لأكثر من عشرين عاما بالسودان وأهله أختبرت فيها مدي عمق العلاقات وتجذر المشاعر الطيبة بين الناس في مصر والسودان وأهدتني هذه العلاقة ثروة أعتز بها من صداقات وعلاقات علي مستويات متعددة في السودان منها ماهو في قطاعات النخب السياسية والأعلامية ومنها ماهو في صفوف البسطاء من أصحاب القلوب الذهبية في السودان. هذه المقدمة الطويلة تبدو لي لازمة حين أتعرض لموضوع الانتخابات السودانية بعد زيارة نائب الرئيس السوداني علي عثمان محمد طه وطلبه أن تقود القاهرة والنخبة المصرية دعما للسودان في الأنتخابات القادمة يسهم في دعم أقليمي ودولي لوحدة السودان وللانتخابات القادمة فيه. هذا الطلب من نائب الرئيس متوقع ومفهوم في ضوء مدي معرفة الجميع في السودان وخارجه بوحدة الموقف المصري الرسمي والشعبي في تعاطفه مع فكرة وحدة السودان بشروط جاذبيتها لأبنائه في الجنوب والشمال وهو تعاطف لاينبع فقط من مسألة المصالح المصرية المرتبطة بشكل وطبيعة وجود السودان في المستقبل ولكنه يرتبط في ظني بتعاطف الوجدان المصري العام مع فكرة وحدة الدولة باعتبارها نابعة من دولة تاريخية ممتدة استطاعت أن تحقق الأستقرار وأن ينصهر أبناؤها في بوتقة الأمة الواحدة. وحينما يكون الطلب من رجل بحجم علي عثمان محمد طه نائب الرئيس المشهود له بما لايستهان به من قدرة علي التدبر والتدبير، وحينما يكون المطلوب يقع في حيز المساندة السياسية والأخلاقية للحكومة السودانية التي طلبت هذا الدعم أجد أنه من الضروري طرح ماأتصور أنه يقع في حدود قدرة النخبة المصرية غير الرسمية علي مساندة السودان في موقفه الراهن. فمن الواضح لي أن هذه النخبة المصرية في المرحلة الراهنة لن تقدم شيكا علي بياض للحكومة السودانية أيا ماكان نوع أدائها خلال التحضير لهذه الأنتخابات بسبب ماتتعرض له السودان من إجحاف علي المستوي الدولي أو مخاطر الأنقسامات، ذلك أن طبيعة التغييرات التي شكلت النخبة المصرية خلال السنوات الأخيرة من حيث جرأتها في المطالبة بالتحول الديمقراطي في مصر وأدواتها المستحدثه في التعبير عنه من صحف وفضائيات خاصة ومستقلة سوف تنعكس علي نوع المساندة التي تقدمها للسودان أبان الأنتخابات فهناك إيمان في مصر يزيد ولا ينقص في أن سلامة الاجراءات المؤدية للأنتخابات وأتاحة الفرص المتساوية أمام جميع المرشحين "علي غير طريقة الحرق التي بشر بها السيد علي كرتي" سوف تكون محددا حاكما في مدي المساندة التي يمكن تقديمها للحكومة السودانية. كما أن الأداء العام للحكومة السودانية المرتبط بحيادية أجهزة الاعلام وعدالتها في التعامل مع جميع المرشحين علي قدم المساواة وتوفير الظروف الآمنة لتحركات المرشحين المنافسين لرموز حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وسلامة المناصرين للمرشحين المعارضين كلها سوف تكون تحت نظر المراقبين والمحللين من الخارج ويقف في الصف الأول منهم النخب السياسية والاعلامية في مصر فطبيعة الادراك المصري العام بمسألة سبل وكيفية معالجة مخاطر الانقسامات في السودان, مرتبط بالقدرة علي التحول الديمقراطي فيه علي اعتبار أنه من أقصر الطرق لتحقيق التراضي الوطني المؤدي الي الاستقرار. وغني أن البيان أن تأثيرات النخب المستقلة في مصر وقدرتها علي إثارة الجدل العام حول قضايا الساحة العربية عموما والسودان خصوصا وقدرة أدواتها أيضا علي التأثير في الرأي العام المصري والعربي هي في تعاظم بمصر ومؤثرة بطبيعة الحال والأحوال علي الميديا العربية. وكما نقول في العامية المصرية طلب نائب الرئيس ( علي راسنا ) ولكن تحقيقه مرتبط بمصداقية الوعود التي أطلقها العديد من المسئولين السودانيين وأولهم زائرنا الكريم في القاهرة نائب الرئيس علي عثمان من شفافية السياسات وعدالة الاجراءات في العملية الانتخابية. أقول قولي هذا حتي لاتتهم النخب المستقلة في مصر في أثناء الانتخابات السودانية بالتهم التي أعتدنا سماعها من تخل أخلاقي عن السودان في ظروفه الدقيقة الراهنة أو تهميش للقضايا السودانية علي الأجندة المصرية فبوابة النجاة للسودان سوف تكون في سلامة انتخاباته وقدرة حكومته علي الشفافية والعدل. في هذه الحالة قلوبنا وأقلامنا معكم فلن نبخل بهذه المساندة المطلوبة أبدا.