سعر الريال السعودي في البنوك اليوم الثلاثاء 7 مايو    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الثلاثاء 7 مايو 2024    أسعار اللحوم والدواجن اليوم 7 مايو    اليمن.. وقوع انفجارين قرب سفينة تجارية جنوب عدن    هيئة المعابر: توقف حركة المسافرين ودخول المساعدات بشكل كامل لقطاع غزة    «القاهرة الإخبارية» تعرض لقطات لفض شرطة الاحتلال بالقوة المظاهرات في تل أبيب    ارتفاع تدريجي في درجات الحرارة.. والأرصاد تحذر من ظاهرة جوية اليوم    ياسمين عبدالعزيز: كنت شقية في المدرسة.. وقررت تكون شخصيتي عكس أمي    ياسمين عبدالعزيز: ولادي مش بيحبوا «الدادة دودي» بسبب مشاهد المقالب    7 تصريحات نارية ل ياسمين عبدالعزيز في «صاحبة السعادة».. اعرفها    ياسمين عبد العزيز:" عملت عملية علشان أقدر أحمل من العوضي"    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    صدقي صخر: تعرضت لصدمات في حياتي خلتني أروح لدكتور نفسي    مصطفى شوبير يتلقى عرضا من الدوري السعودي.. الحقيقة كاملة    مصر تستعد لتجميع سيارات هيونداي النترا AD الأسبوع المقبل    ميلكا لوبيسكا دا سيلفا: بعد خسارة الدوري والكأس أصبح لدينا حماس أكبر للتتويج ببطولة إفريقيا    خبير لوائح: أخشي أن يكون لدى محامي فيتوريا أوراق رسمية بعدم أحقيته في الشرط الجزائي    سعر الحديد والأسمنت اليوم في مصر الثلاثاء 7-5-2024 بعد الانخفاض الأخير    رامي صبري يحيي واحدة من أقوى حفلاته في العبور بمناسبة شم النسيم (صور)    وسائل إعلام أمريكية: القبض على جندي أمريكي في روسيا بتهمة السرقة    كاسونجو يتقدم بشكوى ضد الزمالك.. ما حقيقة الأمر؟    العاهل الأردني: الهجوم الإسرائيلي على رفح يهدد بالتسبب في مجزرة جديدة    صدقي صخر يكشف مواصفات فتاة أحلامه: نفسي يبقى عندي عيلة    كريم شحاتة: كثرة النجوم وراء عدم التوفيق في البنك الأهلي    أمين البحوث الإسلامية: أهل الإيمان محصنون ضد أى دعوة    وكيل صحة قنا يجري جولة موسعة للتأكد من توافر الدم وأمصال التسمم    لا تصالح.. أسرة ضحية عصام صاصا: «عاوزين حقنا بالقانون» (فيديو)    صندوق إعانات الطوارئ للعمال تعلن أهم ملفاتها في «الجمهورية الجديدة»    صليت استخارة.. ياسمين عبد العزيز تكشف عن نيتها في الرجوع للعوضي |شاهد    التصالح في البناء.. اليوم بدء استلام أوراق المواطنين    البيضاء تواصل انخفاضها.. أسعار الدواجن والبيض اليوم الثلاثاء 7 مايو في البورصة والأسواق    مصرع سائق «تروسكيل» في تصادم مع «تريلا» ب الصف    النيابة تصرح بدفن 3 جثامين طلاب توفوا غرقا في ترعة بالغربية    مصرع شخص وإصابة 10 آخرين في حادثين منفصلين بإدفو شمال أسوان    عملية جراحية في الوجه ل أسامة جلال اليوم بعد إصابته أمام فيوتشر    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    وفد قطري يتوجه للقاهرة لاستئناف المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس اليوم    الدوري الإنجليزي، مانشستر يونايتد يحقق أكبر عدد هزائم في موسم واحد لأول مرة في تاريخه    عاجل - تبادل إطلاق نار بين حماس وإسرائيل قرب بوابة معبر رفح    استبعادات بالجملة وحكم اللقاء.. كل ما تريد معرفته عن مباراة الأهلي والاتحاد السكندري    يوسف الحسيني: إبراهيم العرجاني له دور وطني لا ينسى    سؤالًا برلمانيًا بشأن عدم إنشاء فرع للنيابة الإدارية بمركز دار السلام    إبراهيم عيسى: لو 30 يونيو اتكرر 30 مرة الشعب هيختار نفس القرار    الأوقاف تعلن افتتاح 21 مسجدا الجمعة القادمة    فرح حبايبك وأصحابك: أروع رسائل التهنئة بمناسبة قدوم عيد الأضحى المبارك 2024    مصر للطيران تعلن تخفيض 50% على تذاكر الرحلات الدولية (تفاصيل)    "يا ليلة العيد آنستينا وجددتي الأمل فينا".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 وأجمل عبارات التهنئة بالعيد    ب800 جنيه بعد الزيادة.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي الجديدة وكيفية تجديدها من البيت    في 7 خطوات.. حدد عدد المتصلين بالراوتر We وفودافون    رغم إنشاء مدينة السيسي والاحتفالات باتحاد القبائل… تجديد حبس أهالي سيناء المطالبين بحق العودة    هل يحصل الصغار على ثواب العبادة قبل البلوغ؟ دار الإفتاء ترد    بالأسماء، إصابة 16 شخصا في حادث الطريق الصحراوي الغربي بقنا    بعد الفسيخ والرنجة.. 7 مشروبات لتنظيف جسمك من السموم    للحفاظ عليها، نصائح هامة قبل تخزين الملابس الشتوية    كيفية صنع الأرز باللبن.. طريقة سهلة    أستاذ قانون جنائي: ما حدث مع الدكتور حسام موافي مشين    في 6 خطوات.. اعرف كيفية قضاء الصلوات الفائتة    عقوبة التدخل في حياة الآخرين وعدم احترام خصوصيتهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكاتب السوداني الحاج وراق‏:‏ السودان معرض لهزات كبيرة وابتلاءات‏
نشر في الأهرام المسائي يوم 15 - 11 - 2010

الحاج وراق كاتب ومفكر وناشط سياسي سوداني‏,‏ له العديد من الكتابات والرؤي والمشاركات والمواقف في الحياة السودانية في مختلف مناحيها‏,‏
وقد أطلق مؤخرا من خارج السودان موقعا إلكترونيا باسم‏'‏ حريات‏',‏ وفي الحوار التالي يؤكد وراق أن أزمة السودان لايمكن حلها ثنائيا ولاجزئيا ولابنفس المناهج التي خلقتها‏,‏ وأن المجتمع الدولي يرتكب جريمة بحق الشعب السوداني بتفادي تعزيزالديمقراطية بالسودان وأنه سيكتشف استحالة حدوث انفصال سلس‏,‏ ويوضح أن المؤامرات الخارجية لاتنتصر إلا حينما تتهيأ لها الشروط الداخلية‏,‏ مشيرا إلي أن أوضاع السودان تفتح الأبواب لتدخل كل قوي الشر‏,‏ ورغم أنه يري أن السودان معرض لهزات كبيرة وابتلاءات‏,‏ ولكنه بدا واثقا وهو يؤكد أن قدره أن يبقي موحدا وأنه لايمكن تقسيمه وبعثرته بالبساطة المتوهمة لدي بعض الأطراف السودانية والإقليمية والدولية‏.‏ وفيما يلي نص الحوار‏:‏
‏*‏ أطلقت مع ناشطين آخرين موقعا إعلاميا إلكترونيا جديدا تحت اسم‏'‏ حريات‏'...‏لماذا؟
‏*‏ شعار الموقع‏'‏ تجرأ لتعرف لتتحرر‏',‏ وهو موقع يتبني أن المعرفة نفسها تحتاج إلي شجاعة معنوية‏,‏ وهذه الشجاعة هدفها النهائي تحرر الإنسان‏,‏ والموقع مبني علي أن القضية الأساسية التي تواجه السودان الآن هي قضية الحريات العامة‏,‏ وأننا إذا أردنا ضمان وحدة السودان لابد أن نعمل مركزا جاذبا‏,‏ وأهم عنصر في جاذبية هذا المركز هو كفالته وضمانته لحقوق الإنسان‏,‏ ورغم أن الحريات هي قيمة في ذاتها فهي أساس في وحدة السودان الآن‏,‏ وفي بلد غالبية أبنائه فقراء وموارده تهدر بالفساد والتبديد يكون من غير الممكن حفظ موارد البلد وتنميتها إلا بحريات تكفل الرقابة والمساءلة للحكم‏,‏ ولذلك فإن الحريات هي أيضا أساس في التنمية‏.‏
‏*‏ ولماذا الموقع من خارج السودان ؟
‏*‏ الموقع انطلق من حقيقة واضحة جدا‏,‏ أكدتها تجربتنا الملموسة‏,‏ وهي أن الوضع في السودان الآن لايقبل أي استقلالية‏,‏ لا حزب مستقلا ولا منظمات مجتمع مدني مستقلة ولاصحافة مستقلة ولاشخص مستقلا‏,‏ وقد ظللنا نجرب منذ عام‏2000‏ محاولة تأسيس مجتمع مدني مستقل أو سياسة مستقلة‏,‏ وفي النهاية اصطدمنا بالحقيقة الجوهرية‏,‏ وهي أن حكم الإنقاذ هو محاولة لاحتكار شامل مطلق لايقبل استقلالية‏.‏
‏*‏ لكن ألا تري في السودان الآن صحفا مستقلة داخل السودان ؟
‏*‏ لاتوجد صحافة مستقلة في السودان‏,‏ هناك صحفيون وكتاب مستقلون يكابدون مر المكابدة الآن‏,‏ وبتدشيننا الموقع الجديد فتحنا لهم نافذة ورئة ليتنفسوا عبرها‏.‏
‏*‏ لو سئلت عن مصدر تمويل الموقع ؟
‏*‏ هناك ديمقراطيون سودانيون في جميع أنحاء العالم وهم حلفاء لنا‏,‏ وقد ساندونا‏.‏
‏*‏ وماذا عن الجائزة التي منحتها لك منظمة‏'‏ هيومان رايتس ووتش‏'‏ مؤخرا؟
‏*‏ هي جائزة تمنح سنويا للكتاب والصحفيين الذين يتعرضون للملاحقة من أنظمتهم السياسية‏,‏ وهي في جزء منها اعتراف معنوي بهم إضافة إلي مساعدتهم ماديا‏,‏ ولولا هذه المساعدة المادية لكان أبنائي قد تضوروا من الجوع‏,‏ ولذلك أشعر بامتنان عال جدا لهذه الجائزة التي تبلغ قيمتها بضعة آلاف من الدولارات‏,‏ لكنها أقامت أودي‏.‏
‏*‏ هل نلت الجائزة بسبب القضية المرفوعة ضدك بسبب مقالك الأخير ؟
‏*‏ كلا‏...‏هي تعطي للشخص علي مجموعة من الممارسات التي توصل لاستنتاج أنه يتعرض لملاحقة وتضييق سياسي‏.‏
‏*‏ سبق أن أصدرت جريدة‏'‏ الحرية‏'‏ ثم‏'‏ أجراس الحرية‏'‏ ثم مشارك أساسي في صحيفة‏'‏ الصحافة‏'‏ ومؤخرا من مؤسسي قناة‏'‏ إيبوني‏'...‏ هل رغم ذلك تري تقييدا علي حرية الممارسة الإعلامية داخل السودان ؟
‏*‏ بدون شك كل هذه التجارب تم تحطيمها بشكل مخطط ومنهجي‏,‏ لأنهم لايسمحون بصحافة أو إعلام مستقل‏.‏
‏*‏ رغم أن بعضها موجود ومستمر حتي الآن‏,‏ ويستدل بها علي وجود حريات داخل السودان ؟
‏*‏ حتي لواستمر بعضها فإنه لايستمر بذات التوجه والرؤية التي بني عليها عند تأسيسه‏.‏
‏*‏ لماذا خرجت من السودان‏..‏هل خوفا من الملاحقة الجنائية والسجن ومصادرة الحرية ؟
‏*‏ أولا من ناحية تقييد الحرية‏,‏ فقد كنت مختفيا منذ عام‏1989‏ وحتي عام‏1999,‏ فمن أجل الحفاظ علي استقرار بعض المراكز الديمقراطية في مواجهة النظام اختفيت لمدة عشر سنوات‏,‏ والاختفاء مثل السجن‏,‏ حيث تسجن نفسك بنفسك‏,‏ وبالنسبة لشخص فقير مثلي الحياة ليست مليئة بالمباهج والرفاه والمتع التي يأسي الشخص علي فقدها إذا دخل السجن‏,‏ وحقيقة لم تكن مشكلتي السجن في حد ذاته‏,‏ وقد سجنت واعتقلت وعذبت علي فترات متفاوتة في عهد الإنقاذ‏,‏ ولكنني كنت أدرك أنهم يرغبون في الحد من نشاطي في فترة مصيرية في تاريخ الشعب السوداني ومصيره‏,‏ وهي فترة ماقبل استفتاء تقرير المصير في جنوب السودان‏,‏ ولذلك قصدت ألا أسجن خلال هذه الفترة حتي تكون لدي فاعلية وتأثير في الأحداث‏,‏ وهذا ما أحققه الآن عبر الصحيفة الإلكترونية‏.‏
‏*‏ هل تري أن مثل هذه الصحيفة يمكن أن تكون مؤثرة في الأوضاع الحالية المعقدة في السودان ؟
‏*‏ للصحافة والإعلام تأثير في الرأي العام‏,‏ لكنه أثر محدود‏,‏ ولكن هذا الأثر المحدود قطعا أفضل من ألا يكون لديك أي تأثير‏.‏
‏*‏ ألديك أمل أن يكون موقعك مؤثرا في ظل عشرات أو مئات المواقع والمدونات السودانية ؟
‏*‏ المنابر الإلكترونية الديمقراطية السودانية محدودة للغاية‏,‏ وهذا فقر شديد‏,‏ ولذلك سنسد ثغرة‏,‏ وهناك حاجة شديدة لذلك‏,‏ وقد اخترنا العمل من خارج السودان‏,‏ لأننا نريد مخاطبة السودانيين في داخل السودان وخارجه‏,‏ ولأننا لن نخضع لقيود النظام السوداني أو سقوفه لحرية التعبير‏.‏
‏*‏ وماذا بعد أن منعت السلطات السودانية بثه داخل السودان ؟
‏*‏ مازلنا نستطيع مخاطبة أكثر من‏5‏ ملايين سوداني خارج السودان في المهاجر‏,‏ ونستطيع كذلك مخاطبة جنوب السودان لأنه غير خاضع للسيطرة الإلكترونية للخرطوم‏,‏ فضلا عن أننا نستطيع الوصول للناس في الخرطوم بوسائل شتي ستظهر في الوقت المناسب‏.‏
‏*‏ هل ستكون أبواب منبركم مفتوحة للجميع ؟
‏*‏ ستكون أبوابه مفتوحة للجميع‏,‏ لكل الديمقراطيين السودانيين بشتي انتماءاتهم وتواجهاتهم ولكل داع للديمقراطية‏,‏ ومعنا أشخاص في الداخل ومن أغلب المهاجر‏.‏
‏*‏ انطلاق موقعكم جاء متزامنا مع انطلاق الجبهة السودانية المعارضة العريضة في لندن‏...‏أولا أسألك عن علاقتك بها ؟وهل موقعكم هو منبر لها ؟
‏*‏ أنا أؤيد الجبهة العريضة المعارضة باعتبارها عملا معارضا للنظام‏,‏ لكنني لست عضوا بها‏,‏ لأنني أصنف دوري باعتباري ديمقراطيا مستقلا‏,‏ ديمقراطي بمعني أن لدي انحياز ضد الشمولية وضد الإنقاذ‏,‏ ومساند لكل القوي المعارضة الديمقراطية‏,‏ لكنني أساندهم من موقعي الديمقراطي المستقل‏,‏ وليس من موقع الانتماء الحزبي الضيق‏,‏ فأنا بعد تجارب كثيرة للانتماء الحزبي أفضل الآن أن أكون فاعلا من موقع ديمقراطي مستقل‏,‏ وليس من موقع حزبي‏.‏
‏*‏ مازال البعض يتحدث عنك وكأنك أحد زعماء الحزب الشيوعي في السودان أو كأنك زعيم حركة‏'‏ حق‏'‏ ؟
‏*‏ أنا تركت الحزب الشيوعي منذ عام‏1995,‏ كما تركت حركة‏'‏ حق‏'‏ منذ سنوات‏,‏ ولم أعد سياسيا حزبيا‏,‏ وعندما أقول أنني ديمقراطي فهذا يعني أنني أسعي لقيام نظام ديمقراطي تعددي في السودان وعلاقات ديمقراطية بين قوميات وأقوام السودان وشعوبه وبديمقراطية في العلاقات الإقتصادية والعائلة‏,‏ والآن لاتستهويني السياسة الحزبية‏,‏ ولذلك أؤيد الجبهة العريضة لأنها ضد حكم الإنقاذ‏,‏ ولكنني أخشي عليها أنها بدلا من تركيز العداء للإنقاذ والمؤتمر الوطني قد يركزون علي التناقضات الثانوية بين القوي المعارضة‏,‏ وهذا سيكون اختيارا لأولويات خاطئة يربك المعارضة ويشوشها بدلا من أن يضيف إضافة إيجابية‏.‏
‏*‏ هل تتوقع لهذه الجبهة أن تنجح في ظل دعوتها لإسقاط النظام ؟
‏*‏ الآن الغالبية الساحقة من السودانيين يعتقد أنه سيستعيد الديمقراطية بالضغط علي حكم الإنقاذ والمؤتمر الوطني‏,‏ وقسم آخريعتقد أنه يمكن أن يستعيد الديمقراطية بالضغط علي الإنقاذ بما في ذلك الضغط العسكري‏,‏ وقسم ثالث من السودانيين يعتقد أنه سيتعيد الديمقراطية بإسقاط الإنقاذ‏,‏ بالنسبة لي أنا بغض النظر عن التكتيك سواء التفاوض أو الضغط أو الإسقاط‏,‏ فكل هذا مطلوب‏,‏ والمهم فعلا هو استعادة الديمقراطية‏,‏ ولهذا أنا أؤيد كل حركة أو حزب تريد استعادة الديمقراطية‏,‏ بغض النظر عن وسائلها‏,‏ سواء بإسقاط حكم الإنقاذ أو التفاوض معه أو بالضغط العسكري عليه‏.‏
‏*‏ هل تري الظروف الدولية مواتية لمثل هذه الحلول العسكرية في السودان ؟
‏*‏ الوضع الدولي يركز الآن علي قضية الاستفتاء وجنوب السودان ويجعلها أسبقية قصوي‏,‏ وربما لايريد تأييد أي أولويات أخري‏,‏ وهم يحاولون تفادي الديمقراطية في السودان‏,‏ ويعتبرون أن الأفضل هو التركيز علي الاستفتاء وحل سلمي لقضية دارفور‏,‏ والحلول المطروحة لقضية دارفور بدون محاسبة غير مقبولة‏,‏ بعد الإبادة الجماعية التي تمت بالإقليم والضحايا الذين سقطوا وهم في أقل تقدير أكثر من‏50‏ ألف ضحية و‏20%‏ من سكان السودان أصبحوا في معسكرات النزوح واللجوء‏,‏ أي أن التكلفة كانت باهظة جدا‏,‏ فهل تتم بعد كل ذلك تسوية لقضية دارفور بحيث تجري الأوضاع كما كانت في السابق‏,‏ أم أن الكارثة الإنسانية التي حدثت في دارفور تستحق في أقل تقدير أن نضمن عدم تكرار ماحدث‏,‏ بضمان احترام حقوق الإنسان وبعمل تغييرات هيكلية دستورية ومؤسسية تضمن ألا يتكرر ماجري‏,‏ ولذلك أعتقد أن تركيز المجتمع الدولي علي دفن ماجري في دارفور بدون تبصر ولاهدي ولانور‏,‏ سيجعل مما حدث في دارفور يتكرر في مناطق أخري بالسودان إن لم يتكرر في دارفور نفسها‏,‏ إذن اقل مايجب عمله للوفاء لضحايا المجزرة في دارفور أن نضمن احترام حقوق الإنسان في السودان‏.‏
‏*‏ هناك حديث جري في الغرب يراجع عدد الضحايا في دارفور وأنه لايصل لمئات الآلاف‏....‏هل ماحدث بالفعل كان إبادة ؟
‏*‏ نحن نتحدث الآن بعد قبول المحكمة الجنائية بتهمة الإبادة‏,‏ ولذلك فإن النقاش الآن ليس نظريا بل هو نقاش قانوني‏,‏ بعد أن تم قبول تهمة الإبادة بما يعني حدوثها في دارفور‏,‏ والدكتور مصطفي عثمان إسماعيل وزير الخارجية السوداني سابقا ومستشار الرئيس حاليا قال في تصريح رسمي إن عدد القتلي في دارفور خمسة آلاف قتيل‏,‏ والرئيس عمر البشير قال إن القتلي في الإقليم عشرة آلاف فقط‏,‏ ولوكان القتلي خمسة آلاف فهم أكثر من قتلي اجتياح إسرائيل لغزة‏,‏ وتجدر الإشارة هنا إلي تقرير الجامعة العربية الذي وثق للجرائم في دارفور قبل أن يوضع في الأدراج‏,‏ وأيضا إلي تقرير اللجنة التي شكلتها الحكومة السودانية نفسها برئاسة دفع الله الحاج يوسف‏,‏ وحينما تقر الحكومة السودانية نفسها أن أبناء دارفور الموجودين في معسكرات اللجوء والنزوح هم‏2‏ مليون و‏600‏ ألف دارفوري فيمكن تصور حجم الكارثة التي جرت في دارفور بحجم النازحين‏,‏ أي رعب قاد‏2‏ مليون و‏600‏ ألف سوداني أن يغادروا قراهم ليذهبوا إلي معسكرات النزوح واللجوء‏,‏
‏*‏ الحكومة السودانية تقول مامصلحتي في كل ماحدث بدارفور‏,‏ وفي العالم العربي كله هناك إحساس بأن هناك أيدي خفية تحرك مايجري في السودان كله وخاصة مايجري في دارفور‏,‏ والذي تزامن مع ظهور البترول ومحاولة تقسيم السودان‏..‏كيف تري ذلك ؟
‏*‏ بشكل عام إذا اعتبرنا أن في دارفور بترولا فإنه يتطلب استقرارا سياسيا لاستخراجه وتصديره‏,‏ ولايتطلب إثارة نزاعات‏,‏ والبترول السوداني الذي اكتشف في الجنوب ترفض الولايات المتحدة الاستثمار فيه رغم الإلحاح الشديد من قبل الحكومة السودانية‏,‏ وطبعا هذا لايلغي أن هناك مؤامرات‏...‏لكن السؤال الذي لايطرح في العالم العربي والإسلامي هو لماذا في أوقات محددة تنتصر المؤامرات الخارجية‏,‏ وفي أوقات أخري تفشل‏,‏ وهذا يعني أن المؤمرات الخارجية تنتصر حينما تتهيأ الشروط الداخلية لانتصارها‏,‏ وتفشل حينما لاتتحقق لها الشروط الداخلية‏,‏ ومعني ذلك أن شروطا وأوضاعا داخلية هي التي تجعل البلد قابلا للتآمر‏,‏ ومرات كثيرة يضخم البعض من حجم المؤامرات الخارجية‏,‏ وآخرون يهونون من حجمها وتأثيرها‏,‏ وأنا شخصيا أعتقد أن العامل الحاسم هو الأوضاع الداخلية‏,‏ وهذا لايلغي أن هناك تدخلات خارجية‏,‏ لكننا يجب أن نحسن أوضاعنا الداخلية حتي لايضر بنا التآمر الخارجي‏,‏ لكن الأوضاع الداخلية في السودان هي أوضاع داعية لكل التدخلات‏,‏ ولكل قوي الشر لكي تضر بالشعب السوداني‏.‏
‏*‏ هل من بين هذه القوي إسرائيل ؟
‏*‏ مؤكد‏.‏
‏*‏ هل كانت موجودة وراء قضية دارفور وستكون موجودة في الجنوب مستقبلا وحاليا ؟
‏*‏ إذا حسبنا بحسابات مصالح إسرائيل‏,‏ فربما يكون من مصلحتها تقسيم السودان‏,‏ وكثير من التحليلات تقود إلي هذا الاستنتاج‏,‏ وبشكل عام تريد إسرائيل تقسيم المنطقة ككل إلي وحدات صغيرة حتي تكون مسيطرة وقوة أكثر فاعلية‏,‏ ولكن في الحقيقة أنك لاتقسم فقط لأن هناك قوة إقليمية ترغب في تقسيمك‏,‏ والحقيقة أن السودان سيتم تقسيمه بسبب رئيسي وحاسم وهو سوء إدارة التنوع في السودان‏,‏ وهذا الأمر مسئولة عنه بالأساس السلطة الحاكمة الآن في الخرطوم لأنها خلقت أوضاعا منفرة حتي للشماليين العرب والمسلمين‏,‏ وكثير من الشماليين صوتوا ضد هذه الأوضاع بأرجلهم وخرجوا من السودان احتجاجا علي هذه الأوضاع‏,‏ فمابالك بشخص غير شمالي وغير عربي وغير مسلم‏,‏ أما فيما يتعلق بدارفور فإن إسرائيل لم تكن طرفا في المشكلة حقيقة‏,‏ ولكن بعد انفجار قضية دارفور فإن إسرائيل لتقديرات خاصة بها انحازت لها‏,‏ لأنه لأول مرة كان الضحايا في دارفور هم أفارقة والمعتدون من قبائل عربية‏,‏ وأصبح لإسرائيل مصلحة في أن تنحاز وتظهر ماجري في دارفور‏,‏ وبالنسبة للضحايا في دارفور هل يمكن أن نجرمهم لأن إسرائيل وقفت معهم‏,‏ وللأمانة أقول أن هذا الموضوع لايستدعي تجريم أهل دارفور‏,‏ بل يستدعي إدانة الدول العربية والرأي العام العربي والإسلامي الذي لم يتعاطف مع قضيتهم‏,‏ ومن الأشياء المؤسفة التي فوجئت بها خلال حضوري لاجتماع لجنة حقوق الإنسان بجنيف أن ممثل الحكومة الإيرانية دافع عن الحكومة السودانية فيما يتعلق بمأساة دارفور‏,‏ وأيدت جميع الدول العربية الخرطوم أو وقفت متفرجة علي الحياد‏,‏ وفي المقابل كانت إسرائيل الدولة الأكثر صراحة في إدانة ماجري‏,‏ وأنا استغرب‏:‏ ألا يتساءل الرأي العام العربي لماذا ضحايا دارفور هم أكثر من الضحايا الفلسطينيين منذ اندلاع الصراع العربي الإسرائيلي‏...‏ألم يفكروا أن هذه القضية تستحق التضامن والتعاطف معها‏....‏هذا شيء غريب بحق‏,‏ وهذا الأمر يستدعي الكثير من المراجعات بالنسبة لي شخصيا‏...‏فما بالك بضحايا دارفور‏,‏ وهذه المسألة بصراحة يجب أن تستصرخ الرأي العام المصري والعربي لضرورة الاهتمام باللاجئين من دارفور الموجودين في مصر‏,‏ ومصر بقدرتها علي التأثير يمكن أن تحرك الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والأمم المتحدة‏,‏ بحيث يقدموا إعانات للاجئين الموجودين في مصر من الجنوب ودارفور‏,‏ لأنه عار علينا جميعا كعرب ومسلمين أن يستمر ذهاب السودانيين إلي إسرائيل‏.‏
‏*‏ وكيف تري الوضع الحالي في السودان علي ضوء حق تقرير المصير المرتقب بعد أسابيع قليلة ؟
‏*‏ علي المدي القصير والمتوسط أري السودان ذاهبا إلي الحرب‏,‏ وأعني بالمدي القصير يناير‏,‏ والمدي المتوسط العام القادم كله‏,‏ أرجح أن تذهب البلد لحرب‏,‏ وأعتقد أن واحدا من الأخطاء الكبري التي يرتكبها المجتمع الدولي تجاه الشعب السوداني هو محاولة تفادي الديمقراطية متصورا أن هناك إمكانية لانفصال سلس أو سلمي‏,‏ ولن يكون ذلك في اعتقادي ممكنا‏,‏ وستكتشف كثير من الدوائر الدولية أن السودان ليس تشيكوسلوفاكيا وأن الحدود فيه سترسم بالدم‏,‏ وحتي إذا حدث غير مانتوقع وتم انفصال سلس فإن تجربة يوغوسلافيا وصربيا والبوسنة تؤكد وفقا لدراسات وأبحاث علمية أنه إذا قسم بلد فإن كل جزء منه سيسعي لتأكيد هويته‏,‏ لذلك حتي إذا حدث انفصال سلمي فإن الشمال سيسعي لتأكيد هويته أكثر‏,‏ ولذلك سيكون هناك نظام حكم بالشمال أكثر تطرفا من التطرف القائم الآن في الخرطوم‏,‏ وذلك سيقود إلي طالبان أخري‏,‏ ولن يقود كما يتصور البعض إلي شمال يريد أن يتوحد مع مصر كما تري بعض التصورات الساذجة‏,‏ بل سيكون شمالا معاديا لمصر وأكثر تطرفا ضدها‏,‏ لأنه سيسعي حينذاك إلي تأكيد هوية أصولية موجودة أصلا‏,‏ وكانت من الأسباب التي تحول دون مزيد من تطرفه وتطابقه مع مشروعه الأصلي وجود سودانيين آخرين غير مسلمين وغير عرب‏,‏ وحينما نخرج منه هؤلاء سيصبح نظاما يطيح في كامل المنطقة‏,‏ علي عكس من يري أنه سيكون أكثر اقترابا من مصر‏,‏ وهذا النظام سيهدد وقتها الاستقرار والأمن الإقليمي‏,‏ وسيستخدم ورقة المسلمين في جنوب السودان والمسلمين في إثيوبيا‏,‏ ويهدد أمن واستقرار مصر وأريتريا وإثيوبيا وأوغندا وكينيا وتشاد‏.‏
‏*‏ تركز علي قضية الديمقراطية في السودان ؟
‏*‏ نعم وغياب الديمقراطية في السودان سيكلف المجتمع الدولي طالبان أخري في قلب إفريقيا‏,‏ بكل تداعيات ذلك علي مجمل الأوضاع في إفريقيا‏,‏ ولذلك فإن الديمقراطية الآن ليست مصلحة للشعب السوداني فقط‏,‏ بل مصلحة لاستقرار قلب إفريقيا‏,‏ ولذا فإن هذه التصورات الدولية الساذجة ستؤدي إلي حدوث انفصال وعدم استقرار ورعاية للإرهاب‏,‏ وكل الأشباح التي يخشي المجتمع الدولي منها ستأتي بها كل محاولات تفادي الديمقراطية في السودان‏,‏ فهم يريدون للشمال أن يظل كما هو بعد أن يتم فصل الجنوب منه وهذا لن يحدث‏,‏ وهذا الموضوع ستكون له آثار خطيرة جدا‏,‏ والآن يجب أن تنصت الآذان في المجتمع الدولي جيدا بعد حديث وزير الإعلام السوداني كمال عبيد عن عدم أحقية الجنوبيين في الشمال لأي شيء حتي الحقنة‏,‏ والذي هو مقدمة للتطهير العرقي في السودان‏.‏
‏*‏ كيف تقيم سياسات المؤتمر الوطني‏...‏وماالذي يعوزه لإخراج البلد من المأزق الراهن ؟
‏*‏ أتصور أن لدي المؤتمر الوطني معيقات للإصلاح‏,‏ أولها الحمولة الأيديولوجية الزائدة‏,‏ والآن من يتأمل الأوضاع في السودان يراه يتجه إلي الغرق نتيجة الحمولة الأيديولوجية الزائدة للمؤتمر الوطني‏,‏ وطبعا من الواضح أنك إذا كنت تريد الحفاظ علي وحدة السودان فلابد أن يكون ذلك بدولة علمانية ديمقراطية‏,‏ وغير ممكن في بلد متعدد الأديان أن تحفظ وحدته علي أساس دولة دينية‏,‏ ولا أحد يريد من المؤتمر الوطني الانتحار سياسيا‏,‏ لكن كان ممكنا في إطار خلفياتهم الإسلامية أن يقدموا علي بعض التعديلات التي تحاط بإجماع وطني وتكفل لهم التراجع مع الحفاظ علي ماء الوجه‏,‏ ومايعيق إصلاح المؤتمر الوطني ثانيا هو فوبيا الانقسام لديه‏,‏ لأنك إذا أردت الإصلاح فلابد أن تختار‏,‏ ويمكن أن تخسر لتكسب‏,‏ ولكنهم إثر تجربة الإنشقاق مع الترابي أصبحت عندهم فوبيا من الانشقاق‏,‏ والآن الإصلاح لابد أن يكلف انشقاقا في داخل السلطة الحاكمة‏,‏ وهذا الانشقاق له تكلفة لكن له أيضا مكسب‏,‏ وثالث معوقات إصلاح المؤتمر الوطني أن قياداته وكوادره قد تم استيعابهم بشكل كبير جدا في إطار الدولة‏,‏ وأغلبهم موظفون في الدولة ومصالحهم مرتبطة بها‏,‏ ولذا فإن الصدع بالرأي المخالف أصبحت فيه تعقيدات كبيرة متعلقة بهذه المصالح‏,‏ ورابعا متعلق بطبيعة القيادة‏,‏ وأن العناصر الإصلاحية نفسها داخل النظام هي عناصر اعتادت علي العمل المكتبي وصراعات المكاتب وتخشي الصراعات السياسية المكشوفة‏,‏ وطبعا أية صراعات سياسية لايمكن أن تكون داخل الغرف المغلقة وتستلزم التوجه لمجاميع واسعة‏,‏ ولكن طبيعة قيادات المؤتمر الوطني تفضل دائما المعارك في المكاتب المغلقة والتي دائما تنتصر فيها معادلات السلطة وليس معادلات مصالح الشعب‏,‏ وهذا يجعل العناصر الإصلاحية داخل المؤتمر الوطني باستمرار ضعيفة‏.‏
‏*‏ قلت معادلة تحفظ ماء الوجه‏...‏هل هذا مازال ممكنا للحفاظ علي وحدة السودان وسلامه ؟
‏*‏ نعم مازال ممكنا‏.‏
‏*‏ رغم كل التعقيدات القائمة وتوجه الجنوب للانفصال بقوة ؟
‏*‏ نعم مازال ممكنا لو وجدوا الشجاعة المعنوية للإقرار بأن هناك أزمة في البلد‏,‏ وأن هذه الأزمة لايمكن أن تحل ثنائيا ولا جزئيا‏,‏ ولايمكن حلها بنفس المناهج والطرائق التي أدت إلي خلق الأزمة نفسها‏.‏
‏*‏ هل تري قضية المحكمة الجنائية الدولية جزءا من تعقيد الأزمة في السودان ؟
‏*‏ بالعكس تماما أري المحكمة الجنائية هي تطور إنساني وأخلاقي هام وبالغ‏,‏ وأنها أحد المطالب الضرورية للشعوب الإفريقية‏,‏ وفي رأيي أن واحدة من أهم عناصر الإصلاح هي التخلص من الرئيس البشير‏,‏ الذي أصبح عبئا علي حزبه المؤتمر الوطني وعبئا علي الوطن‏,‏ وقد أضافت المحكمة الجنائية مسببات إضافية للتخلص من هذا العبء‏,‏ ولو أن هناك عناصر إصلاحية حقا في المؤتمر الوطني لايمكن أن تتعامل مع ماجري في دارفور كنزهة أو كشأن تافه‏,‏ وما جري في دارفور يتطلب تكلفة‏,‏ وأن يتحمل رأس النظام المسئولية الأخلاقية والمعنوية حتي لولم يتحمل المسئولية القانونية‏,‏ حتي إذا لم يحاكم يجب أن يتنحي‏,‏ أي في إطار صفقة يمكن أن يتحمل المسئولية الأخلاقية والمعنوية وأن يتم استخدام المادة‏16‏ التي تنص علي تأجيل المحاكمة‏.‏
‏*‏ وكيف تري الوضع في الجنوب‏...‏كيف تحول أشد دعاة الوحدة إلي مطالبين بالانفصال ؟
‏*‏ هو رد فعل طبيعي جدا للسياسات البغيضة والمقيتة بالخرطوم‏,‏ لكن هذه المشاعر الانفصالية في الجنوب في رأيي مؤقتة‏,‏ لأنها ستصطدم بالطبيعة الفاشية للنظام في الخرطوم‏,‏ وسيجدون أن انفصال الجنوب ليس بالبساطة التي يتصورها البعض منهم‏.‏
‏*‏ تقصد أن المؤتمر الوطني سيعمل علي عرقلة الاستفتاء ؟
‏*‏ مؤكد تماما‏...‏في النهاية المؤتمر الوطني في الخرطوم لن يستطيع إجراء استفتاء في الجنوب إلا تحت سلطة تابعة له‏,‏ ولذلك فإما أن يلغي الاستفتاء أو ينظم انقلابا علي سلطة الحركة الشعبية في الجنوب ويأتي بسلطة تابعة له يجري تحتها الاستفتاء‏,‏ ومن أجل هذا إما أن يعمل علي تخريب الأوضاع أمنيا بحيث لاتسمح بالاستفتاء‏,‏ أو يتنصل بشكل واضح من الاستفتاء‏,‏ أو يطالب بتأجيله إلي أن يخرب الأوضاع في الجنوب‏.‏
‏*‏ الرئيس الأمريكي أوباما قال إن تأجيل الاستفتاء سيؤدي إلي ملايين القتلي ؟
‏*‏ أعتقد أن أية محاولة لتفادي الإصلاح الديمقراطي في الخرطوم ستؤدي إلي ملايين القتلي في السودان‏,‏ والموضوع ليس فقط الاستفتاء أو الانفصال‏.‏
‏*‏ تطالب بالإصلاح الديمقراطي في الخرطوم‏...‏هل يمكن إقناع الجنوبيين به الآن‏,‏ وقد أصبحوا تواقين علي مايبدو لمغادرة هذا السودان الموحد ؟
‏*‏ الحقيقة أن غالبية الجنوبيين يفهمون دواعي الارتباط بين الشمال والجنوب‏,‏ وأبسط الأشياء هي أن البترول جنوبي ووسائل تصديره شمالية‏,‏ والاستقرار متبادل بين الشطرين والمصالح الاقتصادية وغيرها‏,‏ وأعتقد أن الجنوبيين دفعوا دفعا لتبني الانفصال‏,‏ وكذلك المجتمع الدولي دفع دفعا لتبني هذا الخيار‏.‏
‏*‏ كيف ؟
‏*‏ إذا وجدت سلطة في الخرطوم ليس لديها الحد الأدني من المرونة السياسية أو الفكرية لعمل الإصلاحات المطلوبة‏,‏ يتبقي الخيار الوحيد المطروح لك هو الانفصال‏,‏ لذلك دفع الجنوبيون دفعا للانفصال رغم أن مصلحتهم ليست في الانفصال‏,‏ وسرعان ماسيكتشفون عاجلا أم آجلا أن معركتهم ليست وحدهم مع السلطة في الخرطوم والمؤتمر الوطني‏,‏ وأن هذه معركة يشاركهم فيها أبناء دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق والديمقراطيون في الشمال‏,‏ وسرعان ماسيعيد الجنوبيون أطروحة الراحل الدكتور جون قرنق نفسها السودان الجديد الذي يسع السودانيين كلهم‏,‏ ولذلك أعتقد أن هناك مصالح جوهرية تربط أجزاء السودان مع بعضه البعض‏,‏ وأظن أن مشاعر الانفصال هذه مؤقتة وستنقشع بمجرد اكتشاف الطبيعة الفاشية في المؤتمر الوطني واختبارها‏.‏
‏*‏ وكيف تتوقع مآلات الأمور ؟
‏*‏ أنا متشائم علي المدي القصير‏,‏ وستحدث اضطرابات في السودان ونخوض في الدم وسنتشتت في الملاجئ والشتات‏,‏ ولكنني متفائل علي المدي الطويل أن السودان لن يتبعثر‏,‏ وعاجلا أم آجلا ستنهض من هذا الركام قوي جديدة بديلة تتضافر مع قوي واسعة جدا من السودانيين‏,‏ وستوحد السودان الذي قدره أن يبقي موحدا‏,‏ وهذه المسألة سيكتشفها أناس كثيرون جدا لكن عبر الخيبات والهزائم والانكسارات‏,‏ لكنهم سيكتشفون الحقيقة الجوهرية هي أن السودانيين مرتبطون ببعضهم البعض‏,‏ وأنه لايمكن أن تفصلهم بالبساطة المتوهمة‏.‏
‏*‏ رغم كل الحديث عن الاختلافات والمشاعر السلبية ؟
‏*‏ نعم رغم كل ذلك‏,‏ لأن المصالح تربط بين السودانيين‏,‏ ويمكن أن يبني سودان يسع السودانيين كلهم‏,‏ ورغم كل ذلك فستأتي لحظة يكتشف السودانيون مصالحهم الجوهرية‏.‏
‏*‏ قابلت الرئيس البشير مرة قبل سنوات في إطار محاولات الوفاق الوطني‏..‏ ماذا قلت له يومها ولماذا أخفقت محاولات الوفاق ؟
‏*‏ قابلته يومها لدعوته لاجتماع القوي السياسية السودانية مع الحكومة للوصول إلي إجماع وطني‏,‏ وقد باءت هذه المحاولة بالفشل الذريع‏,‏ لأن النظام ليس لديه أي استعداد لتقديم أي تنازلات‏,‏ حتي لو تنازلات تافهة‏,‏ وهو مصر علي احتكار السلطة احتكارا مطلقا‏,‏ وفي ذلك الوقت أنا قلت للرئيس البشير أنت ضابط مظلات‏,‏ وضابط المظلات يخترق خلف خطوط العدو‏,‏ والبلد الآن يحتاج إلي أي اختراق سياسي‏.‏
‏*‏ ماذا قال الرئيس؟
‏*‏ قال لي إن شاء الله‏..‏ إن شاء الله‏,‏ وحتي هذه اللحظة لم يحدث أي اختراق سياسي أساسي‏,‏ حتي اتفاقية نيفاشا للسلام التي عبرت عن اختراق سياسي حقيقي تم الالتفاف عليها وإغراقها في المؤامرات الصغيرة والدسائس والمكائد‏,‏ وأحيطت بأجواء من التعبئة ونفسية الحرب والحرب النفسية‏,‏ مما أضاع كل مكتسباتها‏,‏ والآن البشير غير مؤهل لقيادة المرحلة الجديدة‏,‏ والمطلوب الآن أن يتنحي‏,‏ وأن تبحث البلد عن برنامج للإجماع الوطني يلبي مصالح جميع اقوام السودان في الجنوب ودارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق وإلي آخره‏,‏ ويخفف غائلة الفقر في البلد ويكفل احترام حقوق الإنسان‏,‏ وبرنامج الإجماع الوطني هذا يتطلب حكومة إجماع وطني تتطلب بدورها رئيسا تجمع عليه جميع القوي السياسية‏,‏ والأفضل أن يأتي هذا الرئيس من الأقوام المهمشة‏,‏ خاصة من جنوب السودان‏,‏ أو أي رئيس آخر مجمع عليه‏,‏ وهذا هو المخرج‏,‏ وإذا لم يصل إليه الناس سلما سيصلون إليه بالهزات والكوارث‏,‏ وحربا أم سلما تشق الضرورات التاريخية طريقها‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.