مازال الثوب أو التوب الزي القومي للمرأة السودانية متربعا علي عرشه رغم المنافسة الشديدة التي يجدها من العباءة الخليجية والأزياء الإسلامية والغربية علي حد سواء, ولا يزال الثوب رمزا لجمال المرأة السودانية وأناقتها, بل ومجالا لإبداعها, ولايزال كذلك مفضلا لدي النساء السودانيات علي اختلاف أعمارهن وأذواقهن, رغم المنافسة الشرسة, التي تصور البعض أن تطيح به. تقول الصحفية السودانية ندي أبو سن الثوب السوداني مازال محتفظا بمكانته, وقد استطاع مقاومة الأزياء الأخري المنافسة له, بمواكبته للعصر, وتطوره المستمر, وتقديمه سنويا تشكيلات جديدة تواكب الموضة والحداثة. وتضيف: النساء السودانيات يفضلنه عما سواه, ومهما حاولت بعضهن التمرد عليه يعدن إليه, وهو لاغني عنه بالنسبة لأي امرأة سودانية, وخاصة في المناسبات الاجتماعية المهمة كحفلات الزواج والبكيات أي المآتم وسائر المناسبات الاجتماعية الأخري, والمرأة المتزوجة بالذات لايمكن أن تظهر في مثل هكذا مناسبات بدون ارتداء الثوب, حتي الفتيات والشابات أصبحن يحرصن علي ارتدائه, وتشير ندي أبو سن إلي أن العباءة الخليجية والملابس العصرية انتشرتا في السودان مثل باقي الدول العربية, لكن السودانيين يفضلون الحفاظ علي عاداتهم وتقاليدهم, ومن الصعب عليهم أن يغيروها بسهولة, فضلا عن أنهم رجالا ونساء يعتقدون أن الثوب يبرز جمال المرأة وأنوثتها بشكل راق محتشم لاتزمت فيه أو ابتذال. وقد قامت في السودان في السنوات الأخيرة عدة فعاليات وأنشطة من أجل إبراز أهمية الثوب السوداني وجماله والحث علي تجديده, وأقيمت من أجل ذلك عروض أزياء واحتفالات ولقاءات, ركزت علي تطوره التاريخي, وقدمت المبدعات والمصممات في مجاله. والمرجح تاريخيا أن الثوب أصبح زيا رسميا للمرأة السودانية كما يقول رائد تعليم المرأة في السودان بابكر بدري في مذكراته عند قيام الدولة المهدية, وذكر أن الثياب الشيفون من أجله كانت تأتي من الهند, أما الثياب الدمور فكانت تنسج في مصر, وخلافا لهذا الرأي يري أخرون ان بداية ارتداء الثوب السوداني الذي يعتبر الزي القومي والملمح السوداني التقليدي والمميز للمرأة السودانية, بدأ منذالحضارة البجراوية أي قبل أكثر من عشرة آلاف سنة تقريبا وبالتالي هو قديم قدم حضارة السودان فقد كان زيا قوميا خاصا بالملكات وكانت له تصاميم ورسومات خاصة وخامات مميزة وزخارف ونقوش وكنارات متعددة وهو مايعرف بالمورد أو المطرز الآن ويقال بأن الملكة الكنداكة تعتبر أول من لبست الثوب السوداني, وتري سعدية الصلحي باحثة ومصممة أزياء ان الثوب السوداني قديم وهو بمثابة تبيان للحضارة وعنوان للثقافة وهو ساتر للجسدوحافظ للرطوبة وقالت ان الثوب كان في السابق عبارة عن قطعتين من قماش ثم اختصر الي قطعة واحدة هي الثوب الحالي وهو عبارة عن قطعة واحدة تغطي سائر الجسد يلبس فوق الملابس. وقد ظلت أسماء الثياب تواكب المستجدات في السودان, فعند تخريج أول دفعة طب من جامعة الخرطوم التي كانت تسمي آنذاك كتشنر أطلق علي أحد الثياب اسم' ضلع الدكاترة', ومع زيارة الرئيس الهندي نهرو للسودان كان هناك ثوب نهرو, ثم أصبح الثوب يسمي بالمناسبات مثل يوم التعليم وإلتقاء السيدين( المهدي والميرغني), ثم أصبح يسمي لاحقا بأسماءالأفلام والكتب مثل الوسادة الخالية, حتي وصلة إلي التسمية باسم نيفاشا الضاحية الكينية التي احتضنت مفاوضات السلام السودانية, ثم أطلق علي ثوب اسم الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي يعتقد أن له أصولا كينية تعود إلي قبيلة سودانية, وأطلق علي ثوب آخر إسم أوكامبو مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية الذي يلاحق الرئيس السوداني عمر البشير بتهم ارتكاب جرائم في دارفور. ويلجأ التجار السودانيون إلي إطلاق أسماء ذات علاقة بأهم الأحداث الاجتماعية والسياسية والاقتصادية علي ما يبيعونه من أثواب, ويمكنك من خلال جولة بين محلات بيع الثوب السوداني أن تعلم آخر المستجدات علي الساحة الاجتماعية والسياسية في السودان. ومن بين تلك الأسماء الدش, الإنترنتو همس الخليج. وتضم سويسرا بين حدودها أكبر مصانع الثياب السودانية, فسويسرا تعد من أكبر منتجي الثوب السوداني, حيث تمد السوق السودانية بأكثر من82% من احتياجاتها من هذا الزي. ويتابع مصممو الأزياء السويسريون السوق السودانية ويرصدون اتجاهات الذوق السوداني, ليبتكروا أرقي وأجمل أنواعه. فمثل العديد من الموروثات الوطنية, تأثر الثوب السوداني بعصر العولمة والانفتاح الثقافي الذي لم يرحم الثوب من المنافسة داخل السودان مع غيره من الملابس, خاصة العباءة الخليجية التي باتت المنافس الاول للثوب بين النساء في الشمال السوداني الذي يعيش فيه نسبة كبيرة من المسلمين, حيث تمنح العباءة المرأة سهولة الحركة, مقارنة بالثوب السوداني الذي كثيرا ما تشكو المرأة من أنه يحد من حركتها, وهو ما دعا بعض النساء الي ابتكار طريقة جديدة لارتدائه, من خلال ربطه حول الوسط علي طريقة الساري الهندي, ووضع جزء آخر كغطاء للرأس تسدله المرأة علي كتفها الأيسر, ويطلق علي هذا النوع من الأثواب, الربط وتكون خاماته في العادة من الحرير والشيفون. ولايعتبر الثوب السوداني مجرد زي يميز السودانيات, اذ بات مع مرور الزمن جزءا من التراث الشعبي لذلك البلد الذي يحرص مواطنوه علي إعلان الانتماء إليه بشتي الطرق, خاصة عندما يوجودون خارج بلادهم في إشارة إلي هويتهم وثقافتهم, فضلا عن كونه معبرا عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمرأة السودانية التي لا يمكن أن تخلو خزانتها من ثوب بعدة نسخ منه, تزيد من أناقتها حتي لو لم تكن ترتديه باستمرار, وفي الماضي كانت الفتاة في السودان, تلتزم بارتدائه بمجرد بلوغها سن الثانية عشرة من عمرها, إيذانا باكتمال أنوثتها, ومعبرا عن وصولها سن الزواج. بعبارة أخري كان وسيلة للفت انتباه الناس إلي أن الصبية قد باتت بين عشية وضحاها شابة, تستطيع تحمل مسئولية الزواج والاشراف علي المنزل, إلي حد ان الفتاة كانت ملزمة بارتدائه لهذا الغرض, إلي عهد قريب. الأمر يختلف بالنسبة للسودانية المتزوجة, فهي لا يمكنها التنصل من ارتدائه, لأنه يعتبر إشارة واضحة علي أنها سيدة متزوجة. وتمتد علاقة الثوب بمفردات العادات الاجتماعية السودانية, لتصل إلي عادات الزواج المتميزة بعاداتها وطقوسها. والدليل علي أهميته أنه يتصدر قائمة الهدايا التي يقدمها العريس لعروسه, ويتراوح عدد ما يقدمه لها من اثواب ما بين3 12 بألوان مختلفة. ليس هذا فحسب, بل يتعين علي العريس أيضا شراء مستلزمات الثوب, بدءا من الحذاء إلي حقيبة اليد المناسبة, وهي العادة التي اصطلح أهل السودان علي تسميتها ب الشيلة. ألوان الثوب تتحدد حسب المناسبة التي سيتم ارتداؤها فيها, فالثوب الأحمر المزركش والمرصع ببعض الحلي, ترتديه العروس بعد انتهاء مراسم الزفاف, التي تليها عادة اسمها الجرتق, يرتدي فيها العريس الزي القومي للرجال, وهو عبارة عن جلباب وعمامة. أما الثوب ذو اللون الأبيض فترتديه السودانية في حال وفاة زوجها, حيث تواظب علي ارتدائه طيلة فترة العدة ولا تغيره أبدا. وعموما فإن اللون الأبيض في السودان يظل معبرا عن الحزن علي عكس الدول الأخري التي ترتدي النساء فيها اللون الأسود. ولا يعبر الثوب السوداني عن الوضع الاجتماعي فقط للمرأة السودانية, ولكنه أيضا يعتبر مؤشرا مهما لحالتها وحالة زوجها الاقتصادية. فخامة الثوب ولونه وموديله تلعب دورا كبيرا في تحديد سعره وبالتالي تحديد من يقبل علي شرائه, حيث يشكل الثوب مدعاة للتفاخر والتباهي, خاصة في المناسبات الاجتماعية, فنجد النساء يتنافسن علي ارتداء أفخر أنواع الثياب, كما يعرف وضع الرجل الاقتصادي بما يقوم بشرائه وإهدائه من أثواب لزوجته. ويتراوح سعر الثوب السوداني بين50 دولارا و700 دولار للأثواب ذات الخامات الفاخرة والتطريز الجميل. ويتكون الثوب السوداني من قطعة من القماش يختلف طولها حسب طريقة ارتدائه, فيبلغ طول الثوب الذي يتم ربطه من الوسط إلي أربعة أمتار ونصف المتر, بينما يبلغ طول الثوب الذي يتم ارتداؤه من دون ربطه من الوسط, نحو تسعة أمتار. أما طريقة ارتداء الثوب, فتتم عن طريق لفه حول جسد المرأة ورأسها فيما يشبه طريقة الساري الهندي, الذي يختلف عن الثوب السوداني في أنه لا يغطي رأس المرأة. وتحرص السودانية علي ارتداء تنورة أو فستان بلون مناسب للون الثوب قبل ارتدائه. وفي السودان تعرف المرأة الأنيقة من عدد ما تملكه من أثواب لا بد أن تتوافق في ألوانها مع لون بشرتها وحجم جسدها, سواء كانت نحيفة أو بدينة. ليس هذا فقط, بل يمتد الحكم علي مدي أناقة المرأة الي ما تحويه خزانتها من اكسسوارات مكملة لأناقة أثوابها. وتبدأ تلك الاكسسوارات من الحذاء وحقيبة اليد ومدي ملاءمتهما وتناسقهما مع ما لديها من أثواب. عالم أزياء الثوب السوداني هو الآخر زاخر ومتجدد, علي الرغم من نمطية التصميم التي لا تخرج عن الشكل المعتاد للثوب, ويأتي الاختلاف من نوعية القماش المستخدم وتطريزاته, فضلا عن الاكسسوارات التي يتم تنسيقها معه. فيستخدم في تصميمه الحرير, والشيفون المضغوط, والقطن وغيرها من أنواع الأقمشة ذات الألوان المختلفة, فمنها السادة ومنها المطبوع برسومات مبهرة وألوان زاهية وجريئة أو هادئة ورسمية حسب الرغبة.