كان آدم أول مواطن في البشرية ودعا آدم اسم امرأته حواء لأنها أم كل حي وصنع الرب الإله لآدم وامرأته، أقمصة من جلد وألبسهما وقال الرب الإله هوذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفاً الخير والشر ولعله يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضاً ويأكل ويحيا إلي الأبد، فأخرجه الرب الإله من جنة عدن ليعمل الأرض (يسكنها ويعمل بها) التي أخذ منها فطرد الإنسان وأقام شرقي جنة عدن الكروبيم ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة -العهد القديم- تكوين- آيات من 19- 22، أو كما جاء بالقرآن الكريم في سورة البقرة الآيات من 29-31. إذاً فالمواطنة حق أعطاه الله لآدم والبشرية -بدءاً من ولديه قايين (قابيل) الذي كان يفلح الأرض وهابيل كان راعياً للغنم، ومن هنا كانت بداية المواطنة وأصبح لها مفهوم تغير وتبدل ودام واستقر علي مدي التاريخ- أري من الضروري ذكر حقبة من الزمن كان الإنسان فيها يباع مع الأرض أو يشتري كعبد وكان هؤلاء الأرقاء لا يتمتعون بأول حقوق المواطنة وهو الحق في الحياة ومازالت هناك ممارسات في العالم تنبذ بعض الشرائح وتسترق بعض المخلوقات في العمالة أو الجنس أو الطفولة، مما أفسد مفهوم المواطنة بل في الحقيقة أبيح الرق والعبودية ونماذج أخري من التعصب والتميز وعدم التمتع بكل الحقوق الإنسانية، إلي أن جاءت الأديان لتحرر الإنسان من هذا المصير، وبالتالي جاءت تعاريف المواطنة لتهدف إلي حقوق ثابتة لكل من يعيش علي هذه الأرض- إذا فهي وبدون الدخول في متاهات وجدل متسع ومتشعب أقول: إنها وثيقة سياسية، اجتماعية حقوقية تهدف إلي إبراز الحقوق الأساسية للمواطن وهي بالتالي ترتب وتشرع حقوق لكل (المصريين) مثلاً دون تميز بسبب الجنس أو الأصل أو الجنسية وحرية العقيدة والعبادة وحماية حرمة الحياة الخاصة إلي نهاية الحقوق الأساسية والتي تنتهي بالحق في بيئة نظيفة. وأعجب لفكر الجماعة من رفضهم لمبدأ المواطنة في المادة الأولي -فبأي منطق أو حكمة أو رؤية عادلة للإنسانية يمكن رفض المساواة المقامة بين جميع المواطنين الذين يحيون علي أرض هذا الوطن- والأمر كذلك وقد ظهرت النياب المتعصبة- فمن حق الطرف الآخر أيضاً أن يرفض المساواة في المواطنة لمن كان علي غير دينه وهو أمر في حد ذاته إنكار لرغبة الله في المساواة بين جميع مخلوقاته البشرية فنحن جميعاً أبناء الله لا فرق بين إنسان وآخر إلا بأعماله وإيمانه- وعندما نتكلم عن المواطنة والمساواة فلعل أفضل تشبيه هو أنها كأسنان المشط المتساوية- وأري من الضروري ذكر أن مصر قد وقعت علي وثيقة المواطنة العالمية وإن كانت قد تحفظت علي نقطتين رأت أنها لا يتفقان مع ما جاء بالكتب المقدسة أو مع العادات السارية بالمجتمع المصري. وأعجب أيضاً من التطور الجذري في مفهوم الأمريكان عن المواطنة الكاملة والحقوق والالتزامات وأسلوبهم في غزو الغرب الأمريكي وما فعلوه بالهنود الحمر السكان الأصليين والذين يعيشون اليوم في مستوطنات أو محميات علي بيع منتجاتهم التقليدية، ومع السود المستوردين من أفريقيا- وبين مطالبة أمريكا اليوم بتطبيق الديمقراطية والمواطنة والعدل إلي آخر هذه الألفاظ الخلابة التي تتجمل بها الخطب والمقالات والضغوط- بل أكثر من ذلك وهو التركيز علي أن يكون رئيس أمريكا بروتستنتي العقيدة ولم يخالف هذه القاعدة سوي جون كيندي الذي اغتيل. والحقيقة الضائعة هي أن العالم كله اليوم يمارس التفرقة والتميز والاضطهاد بشكل أو بآخر. كنت في مرحلة ما أردد النشيد - وطني حبيب وطني الأول.. وكنت فعلاً أشعر بأن الأرض التي أقف عليها وعلي اتساعها والنيل يتهادي خلالها يعطيها الحياة والنماء وأن الله قد رفع السماء ليظللها وانطلقت الطيور تشدو لها والأزهار تلونها والرياحين تعطرها والأهل والأصدقاء يعيشون في محبة يتكاثرون يتحابون يمرحون - كل شيء كان جميلا حتي القبح كان جميلاً- ولم أكن أدري لماذا هذا أسمر اللون والآخر أبيض، فلقد كانوا جميعاً أهلا وخلاناً وأننا شركاء في هذا الوطن، وكان للفقير حق أصيل للعيش الكريم دون تدوين أو تشريع وكانت ممارسة الشعائر ليست للتفرقة بل للتقرب إلي الله- ولم يكن أمامنا إلا أن نتعلم ونرتقي لنخرج الطغاة (الإنجليز) وكان سعد زغلول أبو الوطنية يغذي قلوبنا وأرواحنا وعقولنا بحب مصر- كنا نحفظ كلماته ونتغني بها في محبة طاغية- كان الفقير منا يذاكر علي ضوء أعمدة النور- كنا لا نعرف التزويغ أو الدروس الخصوصية ولا الغش أو الاستهتار- كنا رجالاً في أعمار الشباب- كنا إذا أعطينا لمحتاج باليمني نحجب ذلك عن اليسري- فالصدقة هي محبة وليست للتظاهر- لم يكن بيننا من بيت تحت الطل أو خاوي الوفاض، فعندما يطفئ الله نور الشمس كنا جميعاً ننام مسرورين مستورين شبعانين شاكرين حامدين- احترام الكبير كان طبعاً أصيلاً -ما علينا- أردت فقط ولو للحظات أن أعيش في العصر الجميل قبل أن أنطلق للعصر القبيح الذي نعيشه اليوم -والآن لا تغضب مني إذا ما واجهتك بالحقيقة وهي أننا لا نعيش في وطن كان اسمه مصر فيما مضي أو الكنانة أو الأرض المباركة- لأننا اليوم نعيش علي أرض الشقاء والجفاف، أرض البوم والغربان- ننهش في أجساد بعضنا البعض ويكفي أن تطالع أي صحيفة في الأخبار المحلية لتري صورتنا الحقيقية- أطفال يغتصبون ويقتلون ويقذف بهم من أسطح القطارات- شيوخ ومرضي يرمي بهم إلي الشوارع- قتل وحرق لسرقة محمول أو بضعة جنيهات- نصبح علي كذب وبنيتت علي غش، تدليس ونهب بكل الأشكال والألوان- إنكار للآخر وتعصب مهين وبين كل جملة وأخري سباب مقيت- الكل غير راض ولا مستريح وأذكر قول صديق: هاجرت إلي أمريكا لأبحث عن الهدوء والمستقبل فكنت الغريب واشتقت إلي مصر، فعدت إليها ووجدت أني مازلت الغريب- أين الرجولة والنخوة- لقد اغتيلت البراءة وأصبح حسن النية عبيطاً والمسامح أعبط ولم يعد أحد ينظر إلي قلبي بل ينظر إلي جيبي- وآخر ينادي بأن الغريب البعيد أقرب إلي قلبه وإيمانه من ذاك القريب الذي يسكن معه الديار ويلتحف معه بذات السماء- ذاك القريب الذي هو الأصيل وهو المحب والصديق أنكره فقط لأنه علي خلاف الدين- هل هذا منطق؟ وإذا كان الأمر كذلك فمن هي مصر الكنانة التي نتشدق بها؟ هل هي أطلال الماضي أو عشوائيات الحاضر- هل هي ذلك النسيج الواهي والبؤجة التي تهرأت وترقعت وأصبحت علي كل لون ونسيج؟ ونحن علي مشارف الألفية الثالثة مازلنا نجادل ونحاور ونكابر ونطاطي هل المرأة من ذات البشر التي يحق لها أن تكون علي قدم المساواة أم أنها رجس من عمل الشيطان- أو هل الأقباط لهم الحق أم أن حقهم ينحصر في حق الحياة ودفع الجزية وكفي المؤمنين شر القتال- بل أحياناً أعجب هل الحكومة الحالية مدنية بمرجعية دينية وبالتالي تري في الجماعة المنافس الوحيد والنذير المخيف- أم أنها مدينة بمرجعية بوليسية أنانية مع بعض المقبلات الدينية وبالتالي هل هذه هي الأرض التي أطمئن للعيش علي ترابها والدفاع عن حريتها وكيانها وهي لم تراع عرضي وكياني وكرامتي!! وأصبحت كيانا يحمل في طياته قنابل غير موقوتة تنفجر في أية لحظة إذا ما أحبت شابة قبطية شاباً مسلما أو العكس- وطن لا نستطيع أن نعيش فيه إلا إذا كان لك ظهر والمثل يعزز ذلك بقوله: اللي له ضهر لا يضرب علي معدته- وطن نستطيع أن نشتري فيه أي شيء طالما كان معك أرانب- وأصبح- مع تحفظي- لكل رأس ثمن سكوته وآخر ثمن شراؤه برقم أمامه عدة أصفار- وطن أصبح فيه الكذب شطارة والسرقة فهلوة ولكي أجمل هذا الوصف، شعب أصبح ليس له لوون أو طعم وبدأ في التقوقع داخل ذاته وهي الحالة التي نعاني منها اليوم في العزوف عن المشاركة السياسية. لماذا هذا؟ لأن الشعب لم يجد نفسه- لقد مات وهو حي- لقد تاه الطريق من تحت قدميه. أرجو ألا أكون قد سودت لك الحياة وسممت لك الأجواء-0 أقول هل هذا هو الوطن الذي نرغب أن نعيش علي أرضه؟ إذا كنت تري ذلك فقل لي ماذا نفعل؟ أقول لك في بيت شعر- إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا- الضمير والأخلاق وحب تراب هذا الوطن هو الطريق- الانتماء والحب دستورنا والمواطنة كياننا لنترك الماضي للماضي ونكتب من أول السطر نكتب من جديد ملحمة الصعود ..ملحمة الوطنية والمواطنة.