بدأت قصة آدم عليه السلام أبو البشرية كلها، عندما شاء الله عز وجل أن يخلقه، فأخبر الله ملائكته أنه سبحانه سيخلق آدم ليكون خليفته على الأرض، بمعنى أنه سيكون خليفته بعبادته لله، وتعميره للأرض واستصلاحها. وهنا وجد الملائكة أنفسهم فى حيرة، فتساءلوا: أيخلق الله تعالى من يفسد فى الأرض ويسفك الدماء؟، فقد كان الملائكة بفطرتهم البريئة التى لا تعرف إلا الخير والنقاء، يحسبون أن التسبيح بحمد الله وتقديسه هو الغاية المطلقة للوجود، وهى متحققة بوجودهم، فكان تساؤلهم يمثل دهشتهم ولا يعبر عن اعتراض، ولم تستمر هذه الدهشة ثوانٍ حتى ردهم الله تعالى إلى اليقين بقوله (إنى أعلم ما لا تعلمون). أخبر الله ملائكته بخلقه لآدم لا من باب استشارتهم – تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا – ولكن من باب إعلامهم كى يسجدوا له تكريماً له، جمع الله سبحانه وتعالى قبضة من تراب الأرض، فيها الأبيض والأسود والأصفر والأحمر، ولهذا يجئ الناس ألواناً مختلفة، ومزج الله تعالى التراب بالماء فصار صلصالاً، ونفخ فيه من روحه سبحانه، فدبت الحياة فى آدم، تحرك جسده وفتح عينيه ليجد الملائكة كلهم ساجدين له، ما عدا واحدا ظل واقفاً. لم يكن آدم يعلم من هو الذى رفض السجود له، إنه إبليس الذى رفض السجود لآدم غروراً واستكباراً، لأنه يرى نفسه خيراً من آدم لأنه خلق من نار، بينما خلق آدم من طين، فعصى إبليس أمر ربه فكان جزاؤه أن طرده الله عز وجل من رحمته إلى يوم القيامة، التى سيكون عذابه يومها فى النار مع أتباعه من الجن والإنس سواء. كان آدم يتابع ما يحدث وهو مملوء بالحب العميق لله عز وجل، الذى خلقه وأكرمه وأسجد له ملائكته، وبالرهبة من غضبه حين طرد إبليس من رحمته، وبالدهشة من إبليس الذى يكرهه دون أن يعرفه. وكانت معجزة آدم هى المعرفة، فهذه هى الصفة المميزة للإنسان على بقية مخلوقات الله، وهى السبب فى خلافته على الأرض، وبعد أن خلق الله آدم، أعطاه القدرة على اختصار الأشياء فى رموز ومسميات، فعلمه أن يسمى الأشياء، فهذا تراب، وهذا نجم، وهكذا إلى أخر الأسماء، وعندما عرض الله آدم على ملائكته سألهم إن كانوا يستطيعوا تسمية الأشياء مثله فلم يستطعوا، وكان ردهم (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم). بعد خلقه، كان آدم يحس بالوحدة، فلم يكن هناك من يتكلم معه أو يأنس به، فنام آدم يوماً وفوجئ عند استيقاظه بامرأة جميلة تنظر إليه، خلقها الله منه كى يسكن إليها، وسميت حواء لأنها خلقت من آدم وهو إنسان حى. أمر الله آدم وحواء أن يسكنا الجنة ويعيشا فيها، ويفعلوا فيها ما يريدا باستثناء أن يأكلوا من شجرة معينة عرفهما سبحانه عليها، وعاش آدم مع حواء أسعد أيامهما فى الجنة مستمتعين بالجنة والوجود الذى لا يعرف المشقة أو الألم أو الكراهية أو الحزن؛ وعلى الرغم من أن آدم وحواء كانا يعلما أنهما ممنوعان من الأكل من الشجرة المحرمة عليهم، ورغم أن آدم كان يعلم أن إبليس هو عدوه الوحيد والأكبر، إلا أن طبيعة الإنسان أنه ينسى، وعزمه يضعف، فاستغل إبليس ذلك وظل يوسوس له بأن تلك الشجرة ما هى إلا شجرة الخلد، وكان حلم آدم أن يخلد فى الجنة للأبد، فأخذ يفكر هو وحواء فى هذه الشجرة طويلاً، حتى قررا أن يأكلا منها، فمد آدم يده وقطف إحدى الثمار وقدمها لحواء وأكلا الاثنان من الشجرة المحرمة. ما بدأ آدم وحواء يأكلان من الشجرة حتى وجد نفسه وحواء عاريان، فأخذا يقطعان من أوراق الشجر ليغطيا جسدهما، وأمر الله أن يهبطا من الجنة، فتغير كل شىء حولهما، كان آدم حزيناً وحواء لا تكف عن البكاء وكانت توبتهما صادقة فغفر الله لهما، وأخبرهما أن الأرض هى مكانهما الأصلى، يعيشان ويموتان هما وذريتهما فيها، حتى يخرجوا منها يوم البعث. أصبح على آدم أن يحمى نفسه بالملابس والأسلحة، وأن يحمى زوجته وأولاده من الحيوانات والوحوش الموجودة على الأرض، هذا غير صراعه مع روح الشر إبليس، وهو فى الأرض يوسوس لآدم ولأولاده ليدخلهم النار، ومنذ ذلك الحين لم تتوقف العركة بين الخير والشر على الأرض، فمن يتبع هدى الله فثوابه الجنة، ومن يعص الله، ويتبع المخلوق النارى إبليس فهو معه فى النار. عرف آدم كل ذلك مع الشقاء الذى واجهه فى الأرض، الشىء الوحيد الذى كان يخفف حزنه هو أنه جاء سلطاناً عليها، ليعمرها ويخضعها لأمره، ثم ينجب فيها نسلاً يكبرون ويغيرون شكل الحياة ويجعلونها أفضل. كانت حواء تلد فى المرة الواحدة ولداً وبنتاً، حتى يتزوجوا بعضهما، وكبر أبناء آدم وتزوجوا وملئوا الأرض نسلاً، وقدر لآدم أن يشهد أول اتباع لأحد أبنائه للشيطان، عندما قتل أحد أبناء آدم شقيقه لأنه أراد زوجة شقيقه لنفسه، فقدما هو وشقيقه قرباناً لله فتقبل الله من شقيقه ولم يتقبل منه، فقتله واتبع الشيطان، وكانت أول جريمة قتل على الأرض، وحزن آدم حزناً شديداً على خسارته لولديه اللذين مات، أحدهما فى الجنة، وكسب الشيطان الآخر. وكبر آدم، وأخذ يدعو أبناءه وأحفاده إلى عبادة الله وحده، وألا يعصوا أوامره، وألا يتبعوا أهواءهم وأهواء الشيطان، مذكراً إياهم بأنه هو عدوهم الحقيقى على الأرض، فيحذرهم منه، ويروى لهم حكايته هو نفسه معه، ويقص لهم قصته مع ابنه الذى دفعه لقتل أخيه، فعندما سأل "أبو ذر" رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن آدم: أنبياً كان مرسلاً؟ قال: نعم.. قيل: لمن كان رسولاً ولم يكن فى الأرض أحد؟ قال: كان رسولاً إلى أبنائه.