أول التحديات الصعبة التي يواجهها الفلسطينيون يبدو في الانسدادات السياسية التي تواجه قضيتهم التي يظهر تراجعها واضحاً في المستويات الدولية والإقليمية والعربية، وثمة تأكيدات من مصادر عديدة ان حل الدولتين الذي طرحه الأوروبيون، ثم أعاد إحياء الكلام فيه الرئيس الأمريكي جورج بوش، صار أبعد من التداول في وقت ليس من المنتظر فيه تفعيل نشاط اللجنة الرباعية التي أخذت علي عاتقها متابعة الجهد الدولي المتصل بالموضوع الفلسطيني. ويكمل ذلك الانسداد السياسي واقع الانشغالات التي تغرق الدول العربية في شئونها الداخلية أو في موضوعات إقليمية ودولية أخري تجعلها أبعد ما تكون عن الموضوع الفلسطيني، وهو حال تماثله حالة إسرائيل في انشغالاتها الداخلية، ولو انها غير مهتمة ولا معنية في الأصل بمعالجة الموضوع الفلسطيني كما ينبغي. ويترك واقع الانسداد السياسي ظلالاً من اليأس في الواقع الفلسطيني سواء في داخل فلسطين أو لدي فلسطينيي الخارج، ولا يخفف من ذلك ما يقال عن دعم سياسي أو مالي أو كليهما تقدمه بعض الدول للفلسطينيين. ذلك ان مثل ذلك الدعم لا يمكن ان يخرق الانسداد السياسي، أو يقلب موازين القوي المتصلة بالموضوع الفلسطيني، خصوصاً انه لا يمكن القول ببراءة أغلب ما يقدم من دعم سياسي ومادي للفلسطينيين، وأغلبه يدفعهم للانخراط أو الالتحاق بمشروعات لا تتطابق أهدافها والأهداف الأساسية للمرحلة الفلسطينية. وثاني التحديات الصعبة التي تواجه الفلسطينيين اليوم، هي تحديات تتعلق بالعيش في ظل وقف المساعدات الدولية للفلسطينيين بما فيها بعض المساعدات العربية ، ومن شأن ذلك، ان يمنع استمرار عيش الحد الأدني عن قطاعات واسعة من الفلسطينيين الذين وجدوا أنفسهم وقد صاروا أسري العيش علي المساعدات، ليس لتقصير من جانبهم أو رغبة في العيش علي موائد الآخرين وأموالهم، ولكن لأنهم وضعوا في ظروف تمنعهم من تأمين احتياجاتهم بصورة طبيعية وعادية. ففي القسم الأكبر من الأراضي الفلسطينية، صادر الاحتلال أرض الفلسطينيين، وسيطر علي مواردهم المائية القليلة، وطبق سياسة المعازل بين تجمعاتهم ما سبّب تشوهاً اقتصادياً بنيوياً، وصادر أموال الضرائب التي يدفعها السكان، إضافة إلي منع العمالة الفلسطينية من التنقل والانتقال، وحصر في غزة نحو مليون ونصف المليون فلسطيني داخل قطعة صحراوية هي من أكثر مناطق كثافة بشرية في العالم، وهو حال يتجه نحوه التطور في الضفة الغربية حيث يتصاعد معدل الكثافة البشرية، وتنحسر مساحات الأراضي، وتنخفض كميات المياه. وحال الفلسطينيين في بلدان الشتات العربي، ليس أفضل في بعض تفصيلاته من واقع فلسطينيي الداخل حيث الانقسامات والصراعات السياسية موجودة مع تفاوت في الأوضاع المعيشية والأمنية. ففي العراق ثمة ظروف أمنية ومعيشية شديدة القسوة يعيش في ظلها الفلسطينيون هناك، وفي لبنان هناك تدهور معيشي وإنساني كبير أكدته جولة لمسئولين وقيادات لبنانية تمت أخيراً في المخيمات التي تضم أغلب فلسطينيي لبنان الذين تحيط بأوضاعهم السياسية صعوبات منتظرة نتيجة محاولة بعض قيادات المنظمات إدخالهم في حيثيات وتفاصيل الأوضاع اللبنانية الداخلية وعلاقات لبنان الإقليمية وبخاصة مع سوريا وإيران. وتكاد تتقارب أحوال فلسطينيي سوريا مع أقرانهم في الأردن من حيث مشاركتهم اخوانهم في البلدين ظروفاً سياسية واقتصادية مأزومة، لكن إفرازها الأساسي ماثل في تردي الأوضاع المعيشية نتيجة البطالة والفقر اللذين يطحنان الأكثرية الشعبية في البلدين، حيث البطالة نحو العشرين في المائة والفقر عند ربع السكان وأكثر. غير انه وعلي الرغم من التحديات الصعبة التي تحيط بالفلسطينيين في الداخل والخارج، فإن من الحق القول ان الفلسطينيين استطاعوا في أوقات سابقة التغلب علي تحديات مماثلة في الداخل والخارج علي السواء، وليس المثال الوحيد في ما فعله فلسطينيو الضفة وغزة إبّان الانتفاضة الفلسطينية الأولي 1987 1991، أو في السنوات الأولي من انتفاضة الأقصي، أو في دلالات انخراطهم في العملية الانتخابية البرلمانية الأخيرة التي أثبتوا فيها قدرتهم علي الانخراط في تجربة ديمقراطية قد لا تماثلها تجربة ديمقراطية عربية أخري، كما ان فلسطينيي لبنان تغلبوا في سنوات 1982 وما بعدها علي كل التحديات السياسية والأمنية والمعيشية التي فرضها غزو إسرائيل للبنان وخروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية وما تبعها من تأثيرات محلية وإقليمية، وهي تجربة تتشابه مع ما أحاط بوضع الفلسطينيين في العراق إبّان السنوات الثلاث الماضية من الاحتلال الأمريكي. ليست قدرة الفلسطينيين في مواجهة التحديات خارقة، بل هي القدرة المحكومة بواقع العيش وبالرغبة في الاستمرار مضياً نحو أهدافهم، ولهذا يبدع فلسطينيو الداخل طرقاً وأساليب تخفف معاناتهم، ويتحملون مرارات الأوضاع السياسية والأمنية، فيما يساير فلسطينيو الخارج الأوضاع المحيطة دون ان ينخرطوا في آليات يمكن أن تأخذهم إلي الدمار في العلاقة مع محيطاتهم.