هيلارى كلينتون ونتنياهو وعباس ومفاوضات بلا جدوى وصل قطار التسوية السلمية للقضية الفلسطينية لمحطته الأخيرة بعد إعلان الإدارة الأمريكية فشلها في إقناع نتنياهو وحكومته المتطرفة بوقف بالاستمرار في المفاوضات رغم حزمة الإغراءات التي قدمتها واشنطن مقابل وقف الاستيطان لفترة محدودة ليخسر العرب رهانهم علي أوباما الذي لن يغامر بمستقبله السياسي وفرص ترشحه للبقاء لولاية ثانية في البيت الأبيض فآثر السلامة ، وليكتشف العرب أن المفاوضات علي مدي قرابة عقدين من الزمن لم تسفر عن أي تقدم يذكر في مسيرة سلام أشبه بالعبث وشغل الفراغ بينما واصل المشروع الاستيطاني الصهيوني تقدمه بخطوات واسعة بالتهام مساحات ضخمة من الأرض الفلسطينية ، عملية السلام دخلت مرحلة الموت السريري ولم تعد لها قابلية الحياة بفضل الانحياز الكامل من الراعي الأمريكي لإسرائيل وإمتناع الأوروبيين عن التدخل في مشكلة هم صناعها وعجز العرب أن تكون لهم كلمة فاعلة ومؤثرة في قضيتهم المركزية، أما الفلسطينيون فليس لديهم خيار سوي العودة لمشروعهم الوطني الذي يرتكز علي ثوابتهم الوطنية وحقوقهم المشروعة والتي بدونها لن تكون لهم دولة ولاحتي وجود !! لم يكن إعلان إدارة أوباما عن فشلها في مواجهة تعنت نتنياهو مفاجأة للعرب وغيرهم فبعد خسارة حزبه (الديمقراطي) لانتخابات التجديد النصفي في نوفمبر الماضي وتراجع شعبيته بصورة كبيرة في الشارع الأمريكي بعد عجزه عن وقف آثار وتداعيات الأزمة الاقتصادية مع استمرار إفلاس المزيد من البنوك الكبري وتذبذب معدل البطالة ارتفاعا وانخفاضا ومايواجهه هذه الأيام من محاولات الغالبية الجمهورية بالكونجرس لعرقلة تمويل مشروع الرعاية الصحية وضخ المزيد من الأموال في الميزانية الفيدرالية كلها عوامل تهدد فرص أوباما في الترشح لولاية رئاسية ثانية عام 2012 إضافة لحالة الارتباك في ملفات العراق وأفغانستان وكوريا الشمالية وإيران وسوريا، ويضاف لذلك كله الضغوط التي تمارس عليه من جانب أقوي جماعات الضغط في واشنطن وهي اللوبي اليهودي والذي تمثله (إيباك) وهي أحد أهم أدوات الدعم السياسي لإسرائيل في دوائر صناعة القرار الأمريكي وخاصة الكونجرس المؤجر لسنوات طويلة ماضية وقادمة لحساب هذا اللوبي والتحالف الوثيق مع قوي اليمين المحافظ والتيارات الدينية المتطرفة. صحيفة "الجارديان" البريطانية لخصت الوضع الحالي حيث ذكرت أن عملية السلام في الشرق الأوسط قد ماتت ولم تدفن بعد وأمريكا لن تقوم بعملية الدفن لأنها ستضطر لمراجعة المحاولات الفاشلة خلال قرابة عقدين من الزمن وهو ما لايرغب فيه أي رئيس أمريكي يخوض معركة البقاء لفترة ثانية بالحكم لكنه سيواصل تقديم المبررات والأعذار والذرائع لعدم تحقيق شيء يذكر في التوصل للسلام والحالة تنطبق علي أوباما. حوافز وضغوط يدرك نتنياهو جيدا أنه وهو يرفض حوافز لم تقدم لإسرائيل من قبل مقابل وقف الاستيطان لشهرين فقط أن إدارة أوباما لن تضغط عليه ولن تقرر عقابه علي هذا الرفض والتمنع لكنها ستقبل برفضه ولن تتصدي لهذا التحدي وإلا فإن تجربة جورج بوش الأب ستتكرر عندما جمد خطابات الضمان للقروض الإسرائيلية ففقد فرصته في البقاء لولاية رئاسية ثانية وستمضي في ممارسة ضغوطها علي الطرف الأضعف في المعادلة (الفلسطيني) كما أن نتنياهو يعلم جيدا أن الحوافز ستصل لتل أبيب حتي مع هذا الرفض ، لكن الغرابة أن نتنياهو لم يتوقف عند هذا الرفض بل مضي لمدي أبعد بإعلان التوسع في النشاط الاستيطاني لتعويض فترة التجميد المؤقتة وهدم ومصادرة المزيد من المنازل في الضفة والقدسالشرقية وجلب المزيد من يهود الخارج وكأنه يتحدي أوباما وإدارته التي يراها نتنياهو ضعيفة ومهزوزة ومرتبكة في التعامل ليس فقط مع قضية الصراع العربي الإسرائيلي ولكن في ملفات الداخل والخارج. ومن الغريب أن واشنطن بعد هذا الفشل الذريع بدأت تتحدث عن جولات جديدة لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ومبعوثها الخاص للمنطقة جورج ميتشل بهدف إطلاق جولة جديدة من المفاوضات غير المباشرة لستة أسابيع بعد فشل المفاوضات المباشرة والتي لم تتعد ثلاث جولات بعد قمة واشنطن الخماسية وهكذا تواصل إدارة أوباما ممارسة سياسة الخداع التي تستهدف العرب بالدرجة الأولي علي اعتبار أنهم ينتظرون دائما المبادرة من جانبها ليتجاوبوا معها كالمعتاد لأبعد مدي بينما يتعامل معها نتنياهو باستخفاف ومجاراة لاستهلاك المزيد من الوقت وابتلاع المزيد من الأرض. ويبدو التوافق والتناغم بين واشنطن وتل أبيب وكأنها موقف واحد لذا فهي لم ولن تقدم في السابق ولا الحاضر ولامستقبلا علي الضغط علي الدولة العبرية بأي شكل أو إجبارها علي تقديم تنازلات للجانب الآخر ولعل خطاب أوباما في إيباك يعطي دلالات واضحة علي مثل هذه التوجهات والمواقف فقد ذكر أن أي تهديد لإسرائيل هو تهديد للأمن القومي الأمريكي وأن واشنطن تعترف بيهوديتها وتعتبر أن أي محاولة للمساس بأمنها نوع من الإرهاب كما أن القدس هي العاصمة الموحدة للدولة إذن نتنياهو يدرك جيدا أنه يواجه رئيسا ضعيفا مهتزا لايقدر علي مواجهته لأن قوة رئيس الوزراء الإسرائيلي تستمد من الداخل الأمريكي بفضل نفوذ اللوبي اليهودي وماتتمتع به تل أبيب من تأييد في الكونجرس أما العرب والفلسطينيون فلا يتمتعون بمثل هذا النفوذ وهنا تكمن المشكلة فكل الضغوط تمارس عليهم فلا محمود عباس قادر علي اتخاذ أي قرار دون الرجوع للجانبين الأمريكي والإسرائيلي حتي عند القيام بزياراته الخارجية ولايستطيع التفكير في إلغاء التنسيق الأمني أو حل السلطة أو حتي الاستقالة فهو يعلم جيدا أن مثل هذه الخطوات تعني نهايته السياسية وحياته أيضا كما يدرك أيضا أنه لايحظي بالدعم العربي الذي يؤمن له الاستمرار في حال صدامه مع واشنطن وصار هدفا لتل أبيب وكذلك الحال بالنسبة للعرب الذين لايقتربون من مرحلة إغضاب واشنطن ويعطونها الأعذار ويتوافقون في العادة مع كل توجهاتها ولو كانت ضد مصالح الشعب الفلسطيني ولذا فهناك معسكران عربيان يتعاملان مع الطرف الفلسطيني الأول يتعامل مع مجموعة أوسلو (التسوية السلمية) في رام الله والآخر مع (نهج المقاومة) حركة حماس في غزة ، والغريب أن العرب أصبحت حركتهم مقصورة علي مبادرة السلام العربية ولجنة متابعتها التي تواصل إعطاء المهلة تلو الأخري لواشنطن وكأن ذلك هو نهاية المطاف للجهد العربي !! الخيارات الصعبة وهنا يطرح تساؤل مهم وهو ماهي خيارات العرب في المواجهة بعد الإعلان عن فشل عملية السلام ووصول التسوية لمرحلة الفراغ ؟ ولايبدو أن العرب يملكون ترف الإجابة علي هذا التساؤل فهم من أوصلوا القضية لهذا المفترق الصعب بفضل تركهم لكل الأوراق في يد واشنطن والتي وضعتها بدورها في أيدي الجانب الآخر حيث اختار العرب طريقا وحيدا للسير فيه وهو التسوية السلمية واستبعدوا الخيارات الأخري كالمقاومة للمشروع الأمريكي الإسرائيلي بل وقفوا في وجه هذا الخيار رغم ما يمثله من ورقة ضغط تعزز من قدرة المفاوض علي المضي مدعوما بهذه القوة كما حدث في كل حركات التحريرعبرالتاريخ المعاصر . كما أن من أخطاء العرب أنهم أهملوا وتخلوا عن اللجوء للشرعية والقرارات الدولية ووافقوا علي النهج الأمريكي بالتوصل لاتفاقيات ومعاهدات خارج هذا الإطار من كامب ديفيد مرورا بأوسلو ووادي عربة وهو النهج الذي تواصل واشنطن تبنيه وتري في اللجوء للشرعية الدولية تعطيلا لجهود إحلال السلام - المجمد منذ أوسلو– بل وأصبحت كل الحلول المطروحة لاتمر إلا من خلال البوابة الأمريكية والتي تقف خلفها إسرائيل لتوافق أو ترفض بدعم ومساندة لم تتوقف طالما ظلت عملية السلام في قبضة وسيط وراع وحيد بعد نجاح واشنطن في استبعاد أو تحييد الأطراف الأخري بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتراجع الدور الأوروبي الذي مازال يدور في فلك السياسة الأمريكية خاصة مايتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي والمشكلة تكمن في أن هذا الراعي لم يكن في يوم من الأيام نزيها ولامحايدا وإنما حرص علي رعاية من نوع خاص للدولة العبرية وهذا هو سبب فشل كل مشاريع السلام. من هنا فليس أمام العرب والفلسطينيين من طريق سوي اللجوء للشرعية الدولية والقرارات التي صدرت عن الأممالمتحدة منذ عام48 رغم توقع وقوف أمريكا في وجه هذه المحاولات عبر استخدامها للفيتو وممارسة الضغوط علي بلدان العالم ، وقيام بعض دول أمريكا اللاتينية بالاعتراف بالدولة الفلسطينية علي حدود عام 67 كالبرازيل والأرجنتين وأوروجواي وبوليفيا تعد خطوة لها دلالتها المعنوية ويمكن البناء عليها مع باقي القوي الدولية مما سيجعل أمريكا وإسرائيل في مرمي الضغوط العالمية وقد يقود ذلك لفرض عقوبات علي إسرائيل لخرقها للقانون الدولي واستمرار احتلالها للأرض الفلسطينية. كما أن علي العرب أن يطوروا خياراتهم عبر تقديم الدعم للمشروع الوطني الفلسطيني والعمل علي إعادة توحيد الصف الفلسطيني ودعم خيارات هذا الشعب التي قد يكون منها المقاومة وعودة التضامن بإتمام المصالحات العربية ، ودون تحقيق ذلك فستظل القضية الفلسطينية تدور في الفراغ والذي يمكن أن يكون سببا في دخول المنطقة في دوامة حروب لن تنتهي.