د. محمد السيد سعيد عادت السيدة كوندوليزا رايس لبلادها دون ان تحصل علي أي تنازل يذكر من الحكومات العربية في مجال الدمقرطة؛ فقبل ان تأتي الي المنطقة كان مجلس الشعب المصري قد قرر تأجيل انتخابات المجالس المحلية لعامين مرة واحدة، كما قرر المجلس أيضا تأجيل طرح مقترحات التعديلات الدستورية، والآن يكون قد مر عام كامل شهدت فيه مصر انتخابات وحكايات ثم عاد كل شيء الي ما كان عليه وكأن لم يحدث شيء من الداخل أو الخارج. وكانت الولاياتالمتحدة قد طرحت مبادرة الشرق الاوسط الكبير بصورة غير رسمية في نهاية عام 2003 واخذ المشروع يتبلور وصولا الي اقراره من جانب الدول الثماني الصناعية الكبري ثم توالت المشروعات التي تزعم اصلاح الشرق الأوسط وتعزيز الديمقراطية فيه منذ ذلك الوقت. ولم يحدث تحول ديمقراطي في أي بلد عربي، بل ربما يكون الاحتكار السياسي قد تفاقم وازداد الغموض حول المستقبل سوءا. انتصر الرئيس مبارك مع عدد آخر من الرؤساء والملوك العرب علي مثقفيهم في الداخل وعلي الدول المتقدمة الثماني في الخارج. خف البطش قليلا ولكن الحكومات احتفظت ب "الحق في البطش". ويجب الاعتراف بأن امريكا بكل وزنها وثقلها لم تنجح في تغيير اسلوب الحكم الاستبدادي في العالم العربي. وربما يعود الفشل الي الخوف من التفكك - اذا حلت الديمقراطية - بتأثير عوامل شتي مثل التطرف الديني والفجوة الاجتماعية المتفاقمة والشعور الحاد بالظلم القومي الواقع علي العرب من جانب امريكا تحديدا. ولهذا السبب يؤكد القادة العرب ان الاولوية في الاصلاح السياسي للمنطقة يجب ان تكون حل الصراع العربي - الاسرائيلي فبدونه لا يمكن تجفيف منابع الغضب المتصاعد والتطرف المتزايد، وفشلت امريكا في تغيير العرب لانها لم تعالج هذه القضية اولا بل زادتها سوءا. فإذا لم تنجح امريكا في تغيير العرب هل يمكن للعرب ان يغيروا امريكا؟ السؤال يبدو عبثيا او مستحيلا. فكيف يمكن للاتباع تغيير الكفيل الأكبر؟ وكيف يمكن للدول الصغيرة ان تغير هذا العملاق او القطب العالمي الاوحد؟ حسنا لقد فعلها اسامة بن لادن وغير امريكا للابد.. ربما! فلماذا لا تغيرها عدة دول عربية معا بطريقة مختلفة؟ لقد تمكنت مصر من تغيير امريكا من قبل عندما اضطرت امريكا للتدخل ضد البريطانيين والفرنسيين بل واسرائيل في ازمة السويس عام 1956 التي يمر عليها هذا العام نصف قرن كامل. وغيرت مصر الولاياتالمتحدة مرة ثانية عندما ادخلت الروس الي المياه الدافئة أو البحر المتوسط فأدي التواضع الذي اجبرت امريكا علي التحلي به بفضل نهاية احتكار النفوذ الي الوفاق الاول بين العملاقين بداية السبعينيات. ثم غيرت مصر امريكا مرة ثالثة عندما طردت الروس من مصر، ومنحت الامريكيين وضعا مهيمنا من جديد، علي ان يكون ذلك عربونا للسلام العادل والدائم والشامل الذي نصت عليه "اتفاقية كامب ديفيد" عام 1978 ولم تف امريكا بهذا الشرط ولكن مفهوم السلام نفذ الي قلب الثقافة السياسية الامريكية دون مبالغة. والسؤال الآن هو ماذا تريد مصر والدول العربية من الولاياتالمتحدة وكيف تحقق مبتغاها. تريد الدول العربية صفقة جديدة تقوم علي الشراكة لا الوصاية التي تفرضها امريكا. وتريد الدول العربية ان تبدأ مستقبلا جديدا للمنطقة بدءا من حل المشكلات القديمة وخاصة المشكلة الفلسطينية والصراع العربي - الاسرائيلي بشكل عام. الصفقة تقوم في الجوهر علي حل مجمل الصراع حلا عادلا مع مختلف الاطراف العربية مقابل التزامات طويلة المدي تحقق توازن المصالح بين الولاياتالمتحدة والعرب هذه الصفقة تؤدي الي تخفيض اجواء التحريض الذي يدفع الشباب العرب للتطرف والعنف وتتيح تطورا آمنا نحو حكم القانون والمشاركة الديمقراطية ومن ثم النهوض الاقتصادي والاجتماعي. الالتزامات طويلة المدي تستجيب اساسا للمصالح النفطية المنطقية للولايات المتحدة واوروبا العربية والسوق العالمي كما تنشيء نظاما للضمانات الدولية للأمن بين العرب واسرائيل وتساعد علي وضع نهاية عادلة للعنف والارهاب. "عن الاتحاد"