سبت النور.. طقوس الاحتفال بآخر أيام أسبوع الآلام    "ارتفع 140جنيه".. سعر الذهب بختام تعاملات الأمس    "فيتش" تغير نظرتها المستقبلية لتصنيف مصر الائتماني إلى إيجابية    إسكان البرلمان تعلن موعد تقديم طلبات التصالح في مخالفات البناء    شهيد وعدد من الإصابات جراء قصف شقة سكنية بحي الجنينة شرق رفح الفلسطينية    مفاجآت في تشكيل الأهلي المتوقع أمام الجونة    حازم خميس يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد إيقاف تونس بسبب المنشطات    حار نهاراً معتدل ليلاً.. حالة الطقس اليوم على القاهرة والمحافظات    «صلت الفجر وقطعتها».. اعترافات مثيرة لقاتلة عجوز الفيوم من أجل سرقتها    برش خرطوش..إصابة 4 من أبناء العمومة بمشاجرة بسوهاج    آمال ماهر تغني بحضور 5000 مشاهد بأول حفلاتها بالسعودية    «من الأقل إلى الأكثر حظا».. توقعات الأبراج اليوم السبت 4 مايو 2024    فوبيا وأزمة نفسية.. هيثم نبيل يكشف سبب ابتعاده عن الغناء السنوات الماضية    وفاة الإذاعي أحمد أبو السعود رئيس شبكة الإذاعات الإقليمية الأسبق.. تعرف على موعد تشييع جثمانه    محمد سلماوي يوقع كتابه «الأعمال السردية الكاملة» في جناح مصر بمعرض أبو ظبي    المتحدة تنعى الإذاعي الكبير أحمد أبو السعود    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    التموين تشن حملات لضبط الأسعار في القليوبية    لندن تتوقع بدء عمليات ترحيل اللاجئين إلى رواندا في يوليو المقبل    حازم خميس يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد إيقاف تونس بسبب المنشطات    هييجي امتي بقى.. موعد إجازة عيد شم النسيم 2024    بركات: شخصية زد لم تظهر أمام المقاولون.. ومعجب بهذا اللاعب    عرض غريب يظهر لأول مرة.. عامل أمريكي يصاب بفيروس أنفلونزا الطيور من بقرة    سيول وفيضانات تغمر ولاية أمريكية، ومسؤولون: الوضع "مهدد للحياة" (فيديو)    برلماني: تدشين اتحاد القبائل رسالة للجميع بإصطفاف المصريين خلف القيادة السياسية    توفيق عكاشة: الجلاد وعيسى أصدقائي.. وهذا رأيي في أحمد موسى    مراقبون: صحوات (اتحاد القبائل العربية) تشكيل مسلح يخرق الدستور    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    دينا عمرو: فوز الأهلي بكأس السلة دافع قوي للتتويج بدوري السوبر    أول تعليق من الخطيب على تتويج الأهلي بكأس السلة للسيدات    سيدات سلة الأهلي| فريدة وائل: حققنا كأس مصر عن جدارة    ملف يلا كورة.. اكتمال مجموعة مصر في باريس.. غيابات القطبين.. وتأزم موقف شيكابالا    «البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    استقرار سعر السكر والأرز والسلع الأساسية بالأسواق في بداية الأسبوع السبت 4 مايو 2024    تراجع سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء في بداية الأسبوع السبت 4 مايو 2024    تقرير: 26% زيادة في أسعار الطيران السياحي خلال الصيف    "والديه كلمة السر".. كشف لغز العثور على جثة شاب مدفونًا بجوار منزله بالبحيرة    مصرع طفلين إثر حادث دهس في طريق أوتوستراد حلوان    احتراق فدان قمح.. ونفوق 6 رؤوس ماشية بأسيوط    أمن القليوبية يضبط «القط» قاتل فتاة شبرا الخيمة    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر وتثبت تصنيفها عند -B    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر إلى إيجابية    سلوي طالبة فنون جميلة ببني سويف : أتمني تزيين شوارع وميادين بلدنا    250 مليون دولار .. انشاء أول مصنع لكمبوريسر التكييف في بني سويف    أحمد ياسر يكتب: التاريخ السري لحرب المعلومات المُضللة    كندا توقف 3 أشخاص تشتبه في ضلوعهم باغتيال ناشط انفصالي من السيخ    حسين هريدي ل«الشاهد»: الخلاف الأمريكي الإسرائيلي حول رفح متعلق بطريقة الاجتياح    شيرين عبد الوهاب : النهاردة أنا صوت الكويت    السودان وتشاد.. كيف عكرت الحرب صفو العلاقات بين الخرطوم ونجامينا؟ قراءة    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    تصريح دخول وأبشر .. تحذير من السعودية قبل موسم الحج 2024 | تفاصيل    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    أخبار التوك شو| مصر تستقبل وفدًا من حركة حماس لبحث موقف تطورات الهدنة بغزة.. بكري يرد على منتقدي صورة حسام موافي .. عمر كمال بفجر مفاجأة    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    فريق طبي يستخرج مصباحا كهربائيا من رئة طفل    حسام موافي يوجه نصائح للطلاب قبل امتحانات الثانوية العامة (فيديو)    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من الحياة.. الابتلاء.. والعودة إلي الله!!
نشر في المسائية يوم 05 - 12 - 2010

رغم مرور عدة سنوات علي هذه الحكاية التي أقصها عليكم هذه المرة..إلا أن تفاصيلها ما زالت حية في ذاكرتي.. لم تغب أبدا عن بالي.. وما كان لي ان أقصها عليكم مرة أخري الا بعدما زرت المكان الذي تربيت فيه..ونشأت.. والذي أشهد إنني لا أشعر بالراحة في مكان.. قدر هذا المكان الذي الذي أفزع اليه إذا ضاق صدري..وأجلس هناك مع من بقي من رفاق الصبا علي قيد الحياة.. نجتر أحداث الماضي.. ونضحك.. ولا ينافس هذا المكان في قلبي إلا ساحة وضريح سيدتي نفيسة العلوم.. السيدة نفيسة رضي الله عنها وأرضاها.
وعقب الابتلاء الذي أصابني من الله.. الذي أمرضني.. وأتم علي نعمة الشفاء والذي أرجو أن يكتمل.. بعد إجرائي جراحة القلب المفتوح.. والاستعاضة بخمسة شرايين جديدة لإصلاح قلبي المعطوب.. ذهبت إلي منبتي.. والتقيت برفاق طفولتي.. وكما كل مرة.. تذكرت الحكاية.
عادت بي الذاكرة إلي اليوم الذي التقيت بصاحبها في آخر مكان كان يخطر لي ببال أن ألقاه فيه.. دققت النظر إليه.. بحلقت فيه.. التفت نحوي، ولما تحقق مني ورأي حيرتي ,أشار إلي أن أتقدم منه.. واقتربت والدهشة تجعلني أتعثر في خطاي وأنا أتخطي الصفوف لأدنو منه وأجلس اليه وأستمع إلي غريب الأحوال.. التي جعلت صاحبنا يزهد الدنيا ويعرف الطريق إلي الله.. ويقترب.. ويطمع في العفو والمغفرة. ويحلق حوله العشرات من المريدين والدراويش محاسيب سيدنا الحسين.
المكان بجوار ضريح رأس مولانا الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما.. في القاهرة.. ووجه العجب العجاب إنني ماعرفت صاحبنا هذا منذ أن وعيت في الدنيا الا سكيرا عربيداً يستحل الحرام ويرتكب كل الموبقات.. بعيداً عن الله، ولا يعرف الحلال.. ولا يؤمن بأن هناك في الدنيا ابتلاء أو في الآخرة جزاء.
لم يحادثني حال جلوسي إليه في البداية انشغل عني بما كان يتلوه في صمت حتي فرغ مما كان فيه فأمسك بيدي وقام معي يقودني إلي مجلس بعيد عن الباب الأخضر لمسجد الحسين.. ولكنه غريب كل من فيه الدراويش أو المجاذيب.. ولما رأوه قادما أوسعوا له مكاناً في صدر المكان وجلسوا كلهم بين يديه يتلمسون بركاته ويتصيدون من بين شفتيه ما ينطق به. تركته لهم وأنا بينهم ولكن خيالي طار بعيداً إلي زمان تغير كثيراً عما كنت أعرفه.
ومعرفتي به تعود إلي سنوات بعيدة.. فقد كان صديقاً لأخي الاكبر عمره من عمره أكبر ظني أنه عاشها بالطول والعرض إلي أن تغير به الحال والمقام حتي أصبح كما رأيته الآن. استعدت ما اختزنته في ذاكرتي عنه من ذكريات عرفتها منه ,أو عايشتها عنه.. فقد كان غير كل من عرفتهم من أصحاب أخي يتميز عنهم جميعاً بالحمار.. وللحمار حكاية طريفة..فصاحبنا الذي أقص عليكم حكايته من عائلة كانت بحسابات الماضي تعتبر من الأغنياء فوالده كان يملك من الأراضي عدة أفدنة ومن كان يملك الأرض في ذلك الزمان يعتبر من الأثرياء، وبجوار الأرض كان عنده عمارة كبيرة وعدة بيوت يؤجرها لغيره من متوسطي الحال.. عرفت أيامها أن صاحبنا هذا وحيد والديه جاء بعد خمس بنات وكانت أمه مريضة وسيدة بدينة وما دفعها للحمل مرة بعد المرة إلا شوقها لأن يكون لها غلام وكان هذا هو الأمر الظاهر للعيان ولكني كنت أسمع همس الجيران يقولون أنه لولا خوفها أن يهجرها زوجها ويأتي لها بضرة ينجب منها الوريث الذي يحمل اسمه ويرث ثروته، مافكرت أبداً في الحمل والانجاب. خاصة ان الوالد كان يخشي ان يرثه إخوته الذين لم يكن بينه وبينهم عمار.. وكثيرا ما عايروه بأنه غير قادر إلا علي إنجاب البنات.وما يملكه سيعود لهم بعضه أو كله عندما يأذن الله ويقصف عمره.. لهذا كانت فرحة والده به كبيرة.. لم أشهد الاحتفالات التي كان يتندر بها الناس وأقامها الوالد بعد مجيء الغلام، فأيامها لم أكن بعد قد ولدت.. ولكني سمعتها كحكايات ألف ليلة وليلة. وعرفت إن كل الناس من أجل أبيه ومكانته ,عاملوه بتدليل مسرف.. بحيث لم يكن في صغره يطلب أي شيء مهما كان باعثه من الترف.. أو النزق.. إلا ويكون جاهزاً بين يديه.
وعندما كبر قليلاً وصار كالغلمان، كانت جيوبه لا تخلو من النقود التي يشتري بها كل مايرغب فيه دون أن يجد معارضاً أو مناقضاً.. أو حتي ناصحا.. وكبر متمتعاً بسلطان مستبد يعامل رغم صغره الناس معاملة الخدم، يطلب الطاعة من الجميع، فإذا لم يجدها بكي أو بطش وضرب.. ولم يعرف أبداً كيف يعامل الغير أو يتعامل معهم بل عرف فقط كيف يعاندهم ويبطش بهم.. ويقولون إنه عندما كان صغيراً كانت هوايته معاكسة المارة بإلقاء الحجارة عليهم وكان أبوه يسترضي دائما ضحاياه ويعتذر اليهم دون أن ينكر مرة واحدة أن يعاقب ابنه أو يردعه حتي يكف عن هذه الافعال.. وكان له وهو دون العاشرة كلب أرمنت شرس.. يطلقه علي المارة فيعقرهم أو يفزعهم ويضحك. ولأنه كان غير كل الغلمان ممن كانوا في مثل عمره.. وبثروة أبيه فقد كان لصاحبنا خادم خاص وأيضا حمار خاص.. لم أر يوماً بقدر ماتسعفني الذاكرة الحمار دون الخادم أو الخادم دون الحمار.. وكلاهما دون صاحبنا الذي أروي لكم حكايته.. ومن الطريف الذي لن أنساه أن أخي عندما كان يبعثني لأجده له لم أكن أشغل فكري بالسؤال عنه والبحث عليه ولكني كنت أبحث عن الحمار.. والمكان الذي أجد فيه الحمار واقفاً فيه أو عنده كان صاحبنا بالتأكيد فيه فأبعث بالخادم اليه ليناديه.
كان الوقت الذي عرفته فيه ووعيته في الخمسينيات.. أيامها كان طالباً في الثانوية ولعل تلمذته في المدرسة هي الفترة الوحيدة الذي انتفع فيها وبها قليلاً لأن زملاءه من التلاميذ أجبروه أن يسلك في معاملتهم سلوكا غير سلوكه، في البداية تمرد ولكنه انصاع لهم في النهاية بعد أن اجتمعوا عليه ضربوه.. ولم يكن نفوذ والده أيامها يمتد إلي السيطرة علي فورة الشباب فيهم.. ومرة بعد مرة عرف صاحبنا وأدرك أنه لا قدرة له عليهم، وأنه ليعايشهم ويتعايش معهم لابد أن يهادنهم ويصالحهم ,ولكنه كان إذا خرج من المدرسة وعاد إلي بيته أثار حرباً علي أخواته البنات وجيرانه، يشتم ويضرب ويؤذي ويطلق كلبه الشرس عليهم.. والذي كنت أنا السبب في مقتله واغتياله. فقد كان أخوف مايخوفني أنا وأترابي الذين في عمري هو الكلب الأرمنت.. ويوماً وأثناء خروجي من المدرسة رأيت صياد الكلاب.. وهو اللقب الذي كنا نطلقه علي الجندي المكلف بقتل الكلاب الضالة بالرصاص.. ورغم أن المكان بين المدرسة الإعدادية التي كنت أدرس فيها وحيث كنت أسكن أكثر من خمسة كيلو مترات كنت أقطعها يومياً سيراً علي قدمي مرتين ذهاباً وإياباً من البيت للمدرسة ومن المدرسة إلي البيت فقد توسلت للعم صياد الكلاب أن يأتي معنا ليقتل الكلب الشرس وأعطيته ثلاثة أعداد من مجلة سندباد للأطفال والتي كنت أستعيرها من مكتبة الفصل ليجيء معنا.. ولم أفكر يومها فيما كان سيصيبني من مدرس اللغة العربية من عقاب لضياع المجلات أمام النشوة التي أحسست فيها من فكرة قتل الكلب.. وأطلق صياد الكلاب عليه رصاصة واحدة أرداه بعدها ميتاً وسط فرحنا وغنائنا بمقتل الكلب الذي جعل الطريق أمامنا أمانا بعد ذلك. وكبرنا كما كبر صاحب الحكاية وتزوج.. زوجة والده وهو بعد مازال طالبا في البكالوريا.. وكان أول من تزوج من زملائه.. وسهرنا ثلاث ليال من الأفراح بمناسبة زواجه.. ولكن لم يمض شهر العسل حتي كانت زوجته تحمل لقب مطلقة وتعود إلي بيت والدها بعد أن كاد يوماً أن يقتلها.. واكتفي بكسر يدها وفقأ عينها، لأنها امتنعت عنه يوما عاد فيه إلي المنزل مخمورا.. وعندما جاء والدها يعاقبه اصطدم به وضربه أيضاً.. وبقي بعد ذلك عدة سنوات وهو يذكر هذه الحكاية، ويضحك عليها مبتهجاً وهو يحكي كل تفاصيلها,متباهياً بأنه ظفر بخصمه الذي هو حماه.. وضربه وتغلب عليه. وبعدها.. لم يتزوج حتي تخرج في كلية الهندسة.. كان قد تعقل بعض الشيء.. وتحولت نزواته ومغامراته إلي طريق آخر.. فكانت هوايته أن يغوي النساء.. ولأنه قادر علي ستر جرائمه فلم يفتضح.. ولكنه كان في جلساته الخاصة يقص حكاياته وجرائمه هذه وهو يضحك.. وشاء حظي معه أن يكون أول قسم لي علي القرآن الكريم.. قسم كاذب.. صمت من أجله ثلاثة أيام.. وبأمر من والدي.. ذكرني هو به.
والحكاية.. أن صاحبنا هذا كان يوماً يجلس بيننا منتفش الريش.. يقص إحدي مغامراته مع واحدة من نساء الحي.. ولم يكن يدري أن بيننا يجلس خطيب ابنة هذه المرأة.. وبعد عدة أيام.. وجدت زوج هذه السيدة.. ونجلها وكان زميلاً لنا اختار أن يدخل الكلية الحربية ويصبح ضابطاً.. يطرقون علينا باب البيت.. ومعها خطيب الابنة.. الذي استشهد بي بعد أن وشي بما كان من صاحبنا في مجلسه معنا علي القهوة.. لأشهد معه إنني سمعت ما قال له.. وأسقط في يدي.. والرجل يسألني أن كنت قد سمعت حقيقة ما قال؟؟!.. ولكن والدي رحمه الله تداركني.. وأخذني من يدي الي الغرفة المجاورة.. وسألني بيني وبينه إن كان هذا فعلاً حدث.. فأخبرته بالصدق إنني سمعته.. فطلب مني أن أنكر حتي لو أقسمت علي القرآن.. ومازلت حتي هذه اللحظة أذكر قوله رحمه الله لي.. من ستر مؤمنا ستره الله يوم القيامة.. وفعلاً أقسمت علي المصحف إنه لم يقل ذلك.. وأن من أبلغهم هذا واش وكاذب.. وبعدها رأيت علي وجه الابن والزوج ما ارتاح له قلبي.. فقد عادت إشراقة الحياة لهما.. وابتسما لأول مرة منذ دخولهما بيتنا.. وبعدها صمت.. ثلاثة أيام.. كفارة اليمين الكاذب.. كما طلب مني والدي غفر الله له.. وبعدها انقطعت عنه.. وانقطعت كل أخباره عني.. بعدما شغلتني الحياة وسافرت.. ولم أعد أسمع عنه شيئاً حتي ظننت أنني نسيته.. لولا هذا اللقاء.
طافت كل هذه الذكريات ببالي وأنا أجلس بجواره مبهوراً متعجباً وسط حلقة الدراويش والمجاذيب.. حتي انتهي وأخذني بيده والابتسامة تضيء وجهه بالرضا والإيمان. سألته دون أنطق بحرف.. قرأ السؤال في عيني.. كيف؟.. أجابني وابتسامته تتسع.. إرادة الله.. ابتلاني بمصاب أليم.. أفقت بعده لأعرف أن كل ما كان مني ليس إلا لهو وغرور.. وأرجو الله أن يغفر لي ما كان..وأن يتقبلني ويعفو عني.. وتجرأت وسألته بلساني.. كيف؟.. أجابني.. لهذا حكاية طويلة سأقصها عليك عندما نجلس ونحتسي معاً كوباً من الشاي.
وفي ركن منزو من أحد مقاهي حي الحسين.. جلسنا.. وتحدث وذكرني.. والفضل له.. بحكاية يميني الكاذب.. وإنقاذه من الفضيحة.. وقال بعدها.. تزوجت للمرة الثانية.. وعشت مع زوجتي هذه عشر سنوات.. سافرت معها إلي السعودية بعد أن توفي والدي ولحقت به أمي.. وطوال هذه السنوات كنت أظن إنني تزوجت من سيدة فاضلة.. مباركة قديسة.. تستطيع أن تقرأ أفكاري وأن تدرك ما فعلته.. أو ما أنوي أن أفعله.. ظننتها مكشوف عنها غطاء الغيب.. فخشيتها.. صدقني كنت أخاف منها ولا أجرؤ أن أغضبها.. ورغم وجودي في الأراضي المقدسة.. طوال هذه الفترة.. ما خطر علي قلبي مرة أن أحج.. أو أري الكعبة.. أو أنعم بزيارة رسول الله صلي الله عليه وسلم - كان علي قلبي غشاوة كثيفة.. وألهاني جمع المال عن ما عداه.. واستطعت أن أحقق ثروة كبيرة.. وأعماني المال عن كل شيء.. وأصبحت غنياً كل شيء أستطيع الوصول إليه.... فالمال له سلطان يفتح أي مكان.. والمال أيضاً يأتي بالمال.. وخلال هذه السنوات العشر التي قضيتها مع زوجتي.. أنجبت منها ثلاثة أولاد.. ولدان وبنت.. لم أكن أعرف عنهم شيئاً.. فقد تركت أمرهم لأمهم.. وانشغلت أنا بالسفر والعمل ولم أنس نصيبي من لذات الدنيا بعيداً عن عيون امرأتي..التي تقرأ الغيب وتعرف كل شيء وجعلتني أخشاها وأخاف منها.
حتي كان يوماً.. اكتشفت فيه أنني كنت مخدوعاً في زوجتي.. وأنني مغفل كبير.. ضحكت علي طوال هذه السنوات امرأة ظنتها قديسة.. ولكنها لم تكن إلا امرأة مخادعة. وكان لهذا حكاية.. فقد سافرت يوماً مع أحد المعاونين للخارج.. وبحثنا عن مكان لنا في أحد الفنادق.. فلم نجد إلا غرفة مشتركة.. نمنا فيها معاً.. وفي الصباح وجدت معاوني يخبرني بما كنت أظن أن لا أحد في الدنيا يعرفه غيري.. ويكشف لي سراً من أسرار عملي، وعمولة كبيرة أسعي وراءها.. وببجاجة طلب نصيبه منها. ووسط دهشتي سألته كيف عرف؟!.. أجابني ساخراً منك أنت.. ألا تعرف إنك تتحدث وأنت نائم.. لقد وجدتك تتحدث فسألتك عن كل ما أردت معرفته.. فكنت تجيبني وكأنك يقظ.
وساعتها فقط.. انتهي خوفي من زوجتي.. وتحطمت قدسيتها في نفسي وأدركت أنني مغفل كبير.. وفي نفس الوقت أيضاً.. قررت أن أعدل عن ما كنت أنويه في هذه الرحلة.. وسافرت عائداً علي أول طائرة مع إبلاغ المعاون الذي كان في رفقتي إنني استغنيت عنه.. وطردته.. وعدت إلي زوجتي.. وأول ما فعلته معها.. أنني طلقتها.. ولم تحتمل المرأة ما حدث مني.. فانتحرت.. وماتت.. وكانت هذه أول هزة في حياتي.. ولكني لم أتعظ.. وعدت بأولادي إلي بلدي.. وفي نفسي اليوم الذي عدت فيه عدت إلي منزلي بعد سهرة ماجنة.. لأفاجأ بأن الغاز قد تسرب وخنق أولادي الثلاثة.. ساعتها.. أدركت مدي عقاب الله وأنكفأت علي وجهي أبكي حتي أغمي علي.. ولم أفق إلا بعد عدة أيام ولكني كنت قعيداً مشلولاً لا أستطيع الحركة. وفي هذه الفترة.. التي كنت طريح الفراش فيها لا أملك الحركة.. كانت حياتي تمر أمام عيني.. أدركت مدي ما كنت فيه من غي وجهل.. انجلت بصيرتي.. وأدركت أن الله شاء أن يعاتبني علي ما كان مني.. فعزمت أن أعود إليه.. وأقسمت بيني وبين نفسي إن لو رد الله علي صحتي فإنه سيكون لي شأن آخر.. وقد كان بعدها بأيام.. تماثلت للشفاء.. وكان أول شيء فعلته أنني ذهبت إلي بيت الله.. وهناك عفرت رأسي بالتراب.. وطلبت من الله أن يغفر ذنوبي.. وعدت من هناك ليشدني إليه الشوق بين الحين والحين.. حاجاً ومعتمراً.. وتركت الدنيا وما فيها.. وشعرت بالسعادة لأول مرة في حياتي مع هؤلاء الناس.. الناس الذين رأيتهم حولي.. رأيت فيهم الصفاء والإيمان.. ليس لهم مآرب من الدنيا إلا ما يسد رمقهم من جوع.. وما يكسي بدنهم ويقيهم من برد الشتاء.. ولا شيء يغريهم بمتاع الدنيا.. فعشت معهم وبينهم.. وزهدت في الدنيا كلها.. والحمد لله.
وتركته.. وأنا غير مصدق...وبعدها بفترة قصيرة عرفت ان الله اختاره إلي جواره.. رحل عنا ملبيا نداء ربه..ويحكون.. ان النعش الذي كان يحمل جثمانه كان يشد الذين يحملونه للجري وسط تهليل المشيعين للجنازة وتكبيرهم وهم يعدون وراء النعش.. ليواري في التراب ولكني تعوذت بالله من الشيطان الرجيم.. وتذكرت أن العبرة بالخواتيم.. أحسن الله ختام أيامنا.. وغفر لنا ما تقدم من ذنوبنا.. وجعل أفضل أيامنا في الدنيا آخرها..يوم نلقي الله بنفوس راضية مرضية.. انا وأنتم.. آمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.