الحجر الصحي بجنوب سيناء يتابع حالة الحجاج المصريين العائدين عبر ميناء نويبع    وزير العمل: 600 منحة مجانية لتدريب الشباب في مركز تدريب شركة الحفر المصرية    المشاط: 15.6 مليار دولار تمويلات ميسرة من شركاء التنمية للقطاع الخاص منذ 2020 وحتى مايو 2025    هذه القافلة خنجر فى قلب القضية الفلسطينية    محمد يوسف يعاتب تريزيجيه بسبب إصراره على تسديد ركلة الجزاء أمام إنتر ميامي    في عيد ميلاده ال33.. محمد صلاح يخلد اسمه في سجلات المجد    كشف ملابسات تعدي أشخاص بالضرب على آخر في البحيرة    محافظ القاهرة يتفقد أعمال تطوير شارع أحمد زكى بدار السلام.. صور    حزب العدل والمساواة يعقد اجتماعًا لاستطلاع الآراء بشأن الترشح الفردي لمجلس الشيوخ    "لا للملوك": شعار الاحتجاجات الرافضة لترامب بالتزامن مع احتفال ذكرى تأسيس الجيش الأمريكي    الرئيس السيسي يؤكد لنظيره القبرصي رفض مصر توسيع دائرة الصراع بالشرق الأوسط    كاف يهنئ محمد صلاح: عيد ميلاد سعيد للملك المصري    وزير التموين يتابع مخزون السلع الأساسية ويوجه بضمان التوريد والانضباط في التوزيع    تنفيذ 25 قرار إزالة لتعديات على أراض بمنشأة القناطر وكرداسة    سعادة بين طلاب الثانوية العامة في أول أيام مارثون الامتحانات بالقليوبية    محافظ بورسعيد يتفقد غرفة عمليات الثانوية العامة لمتابعة انتظام الامتحانات في يومها الأول    وزيرة التنمية المحلية تتفقد أعمال تنفيذ المرحلة الأولى من تطوير سوق العتبة بتكلفة 38 مليون جنيه    قرار قضائي عاجل بشأن عزل وزير التربية والتعليم في أول أيام امتحانات الثانوية العامة    وصول جثمان نجل الموسيقار صلاح الشرنوبي لمسجد عمر مكرم    عضو حزب المحافظين البريطاني: إسرائيل تقترب من تحقيق أهدافها    شكوك حول مشاركة محمد فضل شاكر بحفل ختام مهرجان موازين.. أواخر يونيو    100 ألف جنيه مكافأة.. إطلاق موعد جوائز "للمبدعين الشباب" بمكتبة الإسكندرية    نظام غذائي متكامل لطلبة الثانوية العامة لتحسين التركيز.. فطار وغدا وعشاء    الداخلية تضبط 6 ملايين جنيه من تجار العملة    حسين لبيب يعود إلى نادي الزمالك لأول مرة بعد الوعكة الصحية    جامعة القاهرة تنظم أول ورشة عمل لمنسقي الذكاء الاصطناعي بكلياتها أكتوبر المقبل    رئيس النواب يفتتح الجلسة العامة لمناقشة مشروع الموازنة العامة للدولة    فوز طلاب فنون جميلة حلوان بالمركز الأول في مسابقة دولية مع جامعة ممفيس الأمريكية    يسري جبر يوضح تفسير الرؤيا في تعذيب العصاة    "برغوث بلا أنياب".. ميسي يفشل في فك عقدة الأهلي.. ما القصة؟    المؤتمر السنوي لمعهد البحوث الطبية يناقش الحد من تزايد الولادة القيصرية    لأول مرة عالميًا.. استخدام تقنية جديدة للكشف عن فقر الدم المنجلي بطب القاهرة    ضبط 59.8 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    وائل كفوري يشعل أجواء الصيف بحفل غنائي في عمّان 15 أغسطس    «الزناتي» يفتتح أول دورة تدريبية في الأمن السيبراني للمعلمين    تحرير 146 مخالفة للمحلات لعدم الالتزام بقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    البابا تواضروس يترأس قداس الأحد في العلمين    الأنبا إيلاريون أسقفا لإيبارشية البحيرة وتوابعها    أسعار الخضراوات اليوم الأحد 15-6-2025 بمحافظة مطروح    «أمي منعتني من الشارع وجابتلي أول جيتار».. هاني عادل يستعيد ذكريات الطفولة    الأردن يعلن إعادة فتح مجاله الجوي بعد إجراء تقييم للمخاطر    «فين بن شرقي؟».. شوبير يثير الجدل بشأن غياب نجم الأهلي أمام إنتر ميامي    أخر موعد للتقديم لرياض الأطفال بمحافظة القاهرة.. تفاصيل    تداول امتحان التربية الدينية بجروبات الغش بعد توزيعه في لجان الثانوية العامة    فيلم سيكو سيكو يحقق أكثر من ربع مليون جنيه إيرادات ليلة أمس    محافظ أسيوط يفتتح وحدتي فصل مشتقات الدم والأشعة المقطعية بمستشفى الإيمان العام    توافد طلاب الدقهلية لدخول اللجان وانطلاق ماراثون الثانوية العامة.. فيديو    حظك اليوم الأحد 15 يونيو وتوقعات الأبراج    مجدي الجلاد: الدولة المصرية واجهت كل الاختبارات والتحديات الكبيرة بحكمة شديدة    مقتل ثلاثة على الأقل في هجمات إيرانية على إسرائيل    متى تبدأ السنة الهجرية؟ هذا موعد أول أيام شهر محرم 1447 هجريًا    الغارات الإسرائيلية على طهران تستهدف مستودعا للنفط    اليوم.. الأزهر الشريف يفتح باب التقديم "لمسابقة السنة النبوية"    أصل التقويم الهجري.. لماذا بدأ من الهجرة النبوية؟    لافتة أبو تريكة تظهر في مدرجات ملعب مباراة الأهلي وإنتر ميامي (صورة)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 15-6-2025 في محافظة قنا    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    موعد مباراة الأهلي وإنتر ميامي والقنوات الناقلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من الحياة..الولد.. الذي أرسل والده إلي جهنم!!
نشر في المسائية يوم 19 - 12 - 2010


من الحياة
الولد.. الذي أرسل والده إلي جهنم!!
يكتبها: سيد الهادي
من سنوات عديدة.. شاء قدري أن أكون شاهدا علي أبعاد هذه الحكاية.. ثم تكشفت لي بعد أيام من حدوثها.. جذور البداية.. وظللت طويلا أحاول نسيانها، وابعادها عن خاطري.. ولا أقدر.. حتي قدر لي ان أعرف جزءا من النهاية منذ ايام.. مما جعلني أسترجع كل التفاصيل.. التي أشهد إنهاآلمتني كثيرا.. وخدشت نفسي لتضيف جرحا إلي الجروح والخدوش التي ساهمت في عطب قلبي.. وجعلتني أحاول مداواته بجراحة القلب المفتوح.. وتغيير خمسة شرايين.. عل وعسي يعود القلب كما كان قبل أن أخوض في مواجع الآخرين.. وتنتقل إلي العدوي..عدوي الإحساس بالألم الذي يستشعره الموجوعون.. أصحاب حكايات الحياة التي أقصها عليكم في هذا المكان.. من الحياة.. كل أسبوع.
مازلت أذكر هذه الليلة. من سنين بعيدة.. كان الوقت بعد منتصف الليل بساعتين أو أكثر.. عندما هب الجيران مذعورين علي صوت انفجار مكتوم، أعقبته صرخة حادة شقت صمت الليل لامرأة ملتاعة من إحدي الشقق، ثم توالت الصيحات مصحوبة بالبكاء والعويل.. الجيران.. بعضهم هرع إلي نوافذ بيوتهم يدفعهم حب الاستطلاع إلي استجلاء سر ما حدث.. والقريبون من مصدر الانفجار المكتوم والصراخ، اسرعوا إلي مكانه يدفعهم نفس الدافع، ومعرفة حقيقة الخبر.. وكانت المفاجأة.. في البيت قتيل.
وفي ظني.. أن أحداً من الجيران لم ينم هذه الليلة.. فبعد دقائٍق كانت سيارات الشرطة تخرق بأصواتها سكون الليل.. وتحول المكان إلي خلية نحل من رجال التحقيق وخبراء المعمل الجنائي.. وإناس كثيرون آخرون لم يعرف أحد هويتهم، أو مهنتهم.. وكلهم جاءوا من أجل ما حدث في بيت القتيل.
والحقيقة.. أنني لم أعرف بأصل الحكاية وأحداثها في حينها.. ولكن شاء حظي بعد أيام من هذه الليلة المشئومة أن أقف علي أحداث الحكاية كاملة، واجيء وبعد طول سنين لأقصها عليكم في هذا المكان.. بعيداً عن السطور القليلة التي تناولت بها الصحف خبر الحادث ووصفته أيامها بأنه انتحار رجل أعمال مشهور, بسبب خلافات مع زوجته، وفشله في تربية أولاده.. وأيضاً بعيداً عن صفحات التحقيق التي سودها رجال المباحث الذين لم يكن لهم هم إلا السرعة في إغلاق الملف وإنهاء القضية.. وقيد الحادث تحت عنوان.. انتحار.
وأعترف.. أن خبر الموت انتحاراً.. يصيب النفس دائماً بالألم الممزوج بالصدمة والدهشة.. إلا أنه تضاعف ألمي عدة مرات بعدما عرفت ما عرفته من تفاصيل أحداث حكاية الانتحار.. وما ضاعف ألمي ليس حزناً علي القتيل الذي مات واختار بنفسه أن يذهب إلي الجحيم في لحظة جنون استولي عليه فيها الشيطان فأغواه بإزهاق نفسه التي حرم الله قتلها إلا بالحق.. ولكن حزني وألمي كان علي الأرملة المسكينة وبناتها الثلاث الذي رحل الرجل عن دنياه تاركاً إياهن يتجرعن كأس اليتم.. والخوف من المبيت في نفس البيت الذي قتل فيه والدهن نفسه.. خشية أن يظهر لهن عفريت المرحوم. ومن البنات الثلاث.. كانت بينهن واحدة علي وجه الخصوص.. عمرها ايامها كان 12 عاماً.. تلميذة في الصف الأول الإعدادي.. شعرت لها بإحساس من الألم المضاعف.. ودعوت الله أن يخلصها من العذاب الذي كانت تعيش فيه.. وأن يجنبها مضاعفات ما يمكن أن تلاقيه.. فهي.. حتي بعد مرور أيام عديدة علي وفاة والدها.. لم يشغلها عفريت والدها.. كما لم تتأثر ببكاء أهلها وأقاربها.. أو بصراخ أمها.. ولم تذرف دمعة واحدة.. ولكن كل ما كان يشغل بالها.. عقدة الذنب التي أمسكت بها.. وسيطرت علي تفكيرها.. فهي كما تقول.. انا قتلت أبي.. كيف؟؟.. ولماذا؟؟.. هذا هو سر اللغز الذي ظل يحير رجال المباحث عدة ساعات.. رغم أنه لا يوجد في الأمر أي سر.. وتأكد الجميع أن ما حدث.. ليس سوي حادث انتحار.. وانتهت القضية.
ولكنها معي..ومن أيامها وحتي الآن.. لم تنته.. بل تبدأ.. أبدأها معكم بأصل الحكاية التي أدت إلي هذه النهاية وتفاصيلها المثيرة.. مؤكداً أن البداية أكثر إثارة بكثير، من فصل الختام الذي أسدل عليه ستار النهاية.. بحادث الانتحار. أما كيف عرفت الذي عرفته من هذه التفاصيل؟؟.. فالصدفة وحدها التي ساقتني إليها.. أو ساقتها إلي.. لألتقي بالصغيرة مع خالتها.. شقيقة والدتها.. لم يسترع نظري بداية الأمر الثياب السوداء التي كانت ترتديها الخالة الحسناء.. ظننتها في البداية من باب الاناقة لتظهر بها بياض بشرتها.. ولكن..وبشدة.. خطفت انتباهي العيون الجامدة.. والنظرة الصامتة التي كانت في وجه الصغيرة.. التي تظن في قرارة نفسها أنها قتلت والدها.. وسألت.. يدفعني حب الاستطلاع المملوء بالدهشة عن سر هذه النظرة الجامدة في العيون الجميلة التي خلت تماماً من أي إحساس بالحياة.
وكان الجواب الصدمة.. هذه الحكاية.. التي انتهت بحادث الانتحار.. جلست خالة الصغيرة معي.. تقصها علي.. بعيداً عن مسمع الصغيرة التي اصطحبتها جدتها معها.. تبعدها عن مسرح الحادث.. ومكان الأحداث.. والخالة.. هي الأخري أيامها كانت مازالت صغيرة.. في الثانية والعشرين من عمرها.. طالبة في كلية الآداب.. قسم علم النفس.. ولعلها ظنت أن القليل الذي درسته في كتب علم النفس.. يجعلها تحكم علي الأحداث كلها من موقع خبير متمرس في النفوس البشرية.. ولكني بعد أن تقصيت منها الأبعاد، وأدركت بعض التفاصيل.. تبين لي الكثير من أوجه القصور.. فجلست مع والدتها.. حماة الرجل.. وتحايلت حتي ألتقيت بالأرملة الحزينة التي رحل زوجها عنها وتركها علي أعتاب الأربعين أو تعدتها بسنين.. فمظهرها رغم الحزن الذي يغشاها.. لا يدل علي حقيقة عمرها، وتبدو أصغر من سنها.. ولم تستطع الأيام أن تخفي مع هول الحدث جمالها الوقور.. وإن كانت الأحداث قد تركت لها هماً ثقيلا لا تدري حتي الآن مع شدة الصدمة.. كيف تواجهه.. أو تصارعه. ولم أكتف بما سمعته من الأرملة وأهلها.. بل استمعت إلي بعض الجيران.. وأهل القتيل.. حتي صارت بين يدي أبعاد الحكاية كاملة.
والحكاية.. بدأت من زمان.. منذ ما يقرب من العشرين عاماً..من يوم الانتحار.. يومها كان صاحبنا الرجل الذي انتحر في الثلاثين من عمره.. شاب وسيم تتمناه أي فتاة.. يعمل مهندساً في القوات المسلحة.. يزيده الزي العسكري الذي يرتديه رجولة مشهودة ووقارا.. وأيضاً بجاذبية من نوع خاص تجذب إليه قلوب العذاري. أما هي الأرملة الحزينة.. فقد كانت مازالت طالبة في الجامعة.. يوم أن تقدم لطلب يدها.. لم تكن رأته من قبل أن يطرق باب بيتهم، يدله عليها أحد أقاربها.. ومن اللحظة الأولي التي وقعت عيناها عليه أحبته وبهرتها شخصيته.. وجذبها إليه زيه العسكري الذي يزيد من وسامته ورشاقته ولكن الذي أدهشها وأسعدها في نفس الوقت، إنه كان صورة طبق الأصل لفارس الأحلام الذي كان يراود خيالها في أحلام اليقظة، والمنام.. وفرحت به كثيراً.. كما سعد هو الآخر بها.. ولم تدم الخطبة طويلاً.. وتم عقد القران والزواج في ليلة واحدة.
كما تقول - في الدراسة وتوفير الجو الملائم لي حتي أنجح في الجامعة وأحصل علي البكالوريوس.. وفعلاً حصلت علي البكالوريوس.. دون أن أرسب سنة واحدة.. وكان هذا مثار غيرة زميلاتي المتزوجات.. ولكني لم أعمل بهذه الشهادة.. فقد شاءت ارادة الله سبحانه وتعالي أن يهب لنا بعد حصولي علي الشهادة مباشرة كبري بناتي.. هي الآن طالبة في كلية الطب.. كان هذا ايام زمان.. وإن أصبحت الآن طبيبة مشهورة.. أدركت أن واجبي كأم أسمي كثيراً من أي واجب آخر.. فتفرغت لها كلية.. خاصة وأن دخل زوجي كان يوفر لنا حياة لائقة وكريمة والحمد الله.
ولكن زوجي كان يحلم بالولد.. لم يترك لي فرصة وأصر أن أحمل بعد عام واحد من إنجابي لابنتي الكبيرة.. وحملت.. وكان زوجي يدعو الله كثيراً أن يكون ما في بطني ولدا.. وليس سراً.. وهذا وجه العجب.. أن زوجي يعرف الله كثيراً.. ويراعيه في كل تصرفاته وسلوكه معي ومع الناس.. ولا يتحدث في أمر إلا ويستشهد فيه بآية من القرآن الكريم أو بحديث شريف للنبي صلوات الله عليه وسلم.. وكان لا يفوته فرض من فروض الصلاة.. حتي صلاة الفجر.. كان حريصاً علي أدائها جماعة في المسجد القريب من منزلنا.
وكما تقول الأرملة الحزينة.. ويوافقها في حديثها أهل الزوج.. كانت صدمة له رغم إيمانه بالقدر والمكتوب.. بعد أن وضعت حملي.. وكانت أنثي.. تغير كثيراً.. وأظهر امتعاضه.. وكأني أنا السبب في مجيء البنت.. ونسي أن هذه إرادة الله.. رغم إيمانه المطلق..وأصر بعدها مباشرة.. أن يستقيل من عمله في القوات المسلحة ويتفرغ للتجارة والتصدير والاستيراد.. وكأن وجه البنت كان فاتحة خير عليه.. فقد نجح في تجارته في فترة قصيرة.. وأصبح من رجال الأعمال.. واتسعت تجارته.. وزاد رزقه.. ولكن شيئاً في أعماقه نحوي كان قد تغير.
الزوجة الأرملة - وممن حولها.. انها لم تحفل بهذا التغيير.. كان كل اهتمامها ينصب علي إسعاده، ورعاية بنتيها منه.. وتكفلت بكل مشاكل البيت, ولم تعد تشعره بأي شيء.. ليتفرغ هو لعمله الجديد ونجاحه الذي يزيد. وبين الحين والحين كان يسافر.. وازدادت رحلات سفره وتغيبه عن البيت بحجة زيادة مشاغل العمل واضطراره للسفر.. حتي أصبح يبيت خارج منزله عدة ليالٍ في الأسبوع.. ولكنها كانت تسعد به عندما يجيء، ولم تشعره رغم حبها له بافتقادها إليه. وفي هذه الفترة كان يصر أن تحدد النسل.. حريصاً علي ألا تحمل مرة ثالثة.. وقد كان.. واستمر الحال عدة سنوات.. حتي فوجئت بالخبر الذي زلزل كيانها.
زوجها.. ومن عدة سنوات.. تزوج عليها.. وأنجب من زوجته الجديدة الولد الذي كان يتمناه.. ولكن لم يمض كثيراً من الوقت حتي شاءت ارادة الله أن تجيء له الزوجة الجديدة أيضاً بالبنت.. وبعدها.. البنت ثانية. وشعر الزوج.. في هذه الفترة بمدي ظلمه لزوجته الأولي.. فعاد اليها بعد أن كان قد هجرها.. بعد أن إكتشفت خبر زواجه عليها، والذي آلمها كثيراً.. ففتحت له قلبها، وصفحت عنه الصفح الجميل.. فقد كانت مازالت تحبه.. وفي هذه الفترة وبعد عودة زوجها.. حملت للمرة الثالثة.. وأيضاً جاءت بالصغيرة..التلميذة التي كانت في الصف الأول الاعدادي يوم الحادثة..والتي تظن أنها قتلت والدها.. صاحبة العيون الجامدة والنظرة الميتة.. الصغيرة التي أخذت قلبي وكل القلوب معها.
وحاول الرجل قدر استطاعته أن يعدل بين الزوجتين والأبناء.. ولكن.. كان قلبه مع ابنه.. والولد.. الذي كبر.. حتي بلغ السادسة عشرة من عمره.. ولم يستطع أن يعدل. وكانت إرادة الله فوق ارادة الجميع.. ظن الرجل أن ابنه الذي هو من صلبه,سيكون قرة عينه.. وسيكون العون له في الحياة.. ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.. نشأ الصغير.. سييء الطباع.. وفشل في دراسته.. وتعلم صحبة رفاق السوء.. حتي اكتشف الوالد.. يوماً.. أن ولده انخرط في سلك عصابة من الاشقياء زينوا له إدمان المخدرات رغم صغر سنه.. وبدأ السرقة.. وكان أول من سرق أبوه.. وبقلب الأب صفح عنه.. ولكن توالت مخازي الولد.. حتي تم ضبطه يسرق مع رفاقه شقة.. واتضح بعد التحقيق أنه شارك في سرقة عدة بيوت حتي يجد ما ينفقه علي ما يشمه.. وأدخل الصغير سجن الأحداث.. وسقط الرجل مريضاً.. أصيب مع ما أصاب عقله من اكتئاب.. بأعراض الشلل.. فذهب إلي زوجته القديمة.. الأرملة الحزينة الذي حدثت الوفاة في بيتها.
يومها.. ليلة الحادث.. كان الزوج في البيت.. وكانت الزوجة مصابة بانفلونزا شديدة.. فأرادت ألا تعدي الزوج برقادها بجواره.. فنامت في حجرة بعيدة عنه.. وفي الليل.. سمعت الصغيرة.. والدها يئن.. ذهبت إليه سألته ان كان يريد شيئاً.. طلب كوبا من الماء.. وايضاً طلب منها إحضار مسدسه من الدولاب.. سألته والدهشة في عينيها التي كان النوم يملؤها.. لماذا؟ أجابها.. أريد أن أنظفه.. فأحضرته إليه.. وذهبت بعد أن قبلته لتنام.. وغفت عيناها.. حتي استيقظت علي صوت الانفجار المكتوم.. وصراخ والدتها.. واكتشاف انتحار الوالد.. ساعتها أدركت حقيقة الأمر.. وأن والدها طلب منها المسدس ليقتل نفسه.. فظنت أنها السبب.. وأنها لو لم تحضر اليه المسدس.. ماكان قد مات.. أو انتحر.
ومن بين ما سمعته عن صدمة الرجل في ابنه.. وحالة المرض الذي انتابته أن الزوجة الجديدة الثانية.. التي أصبحت بتقادم الوقت قديمة هي الأخري.. قد حملته مسئولية فشل الابن.. لأنه بعيد عنه ومشغول عنها وعنه وعن بناتها منه.. بزوجته الأولي وأولادها.. فخرج من بيتها.. ولجأ إلي بيت زوجته الأولي.. واختار أن تكون نهايته معها.. وأن يكون رحيله عن الدنيا من بيتها.
ولم يدر في هذه اللحظة.. أنه يعبر الطريق إلي جهنم.. وأنه قد بات يائساً من روح الله ورحمته.. ولكن الذي لم يكن في يدريه حالة جنونه.. هو ما يمكن أن يسببه موته للمحيطين به.. وخاصة الصغيرة التي تركت جزءا من قلبي معها. ودون أن أدري.. تذكرت ما كان من قصة سيدنا موسي عليه السلام مع العبد الصالح الذي أتاه الله العلم.. عندما اصطحبه موسي ليعلمه مما علمه الله.. إلي أن بلغا قرية فوجدا بجوارهما غلماناً يلعبون فقتل الرجل الصالح غلاما منهم.. فصاح موسي .قال أقتلت نفساً زكية بغير نفس، لقد جئت شيئاً نكراً... وعندما أنبأه الرجل بعد ذلك بتأويل ما لم يستطع عليه صبرا.. قال .وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفراً. وصدق الله العظيم.. أراد الرجل الولد.. فجاءه.. وكان السبب في كفره وانتحاره.
والحقيقة.. ان ماجعلني استرجع أحداث هذه الحكاية.. وأقصها عليكم بعد مرور سنين عديدة من حدوثها..ماشاء لي الله ان أعرفه من ايام.. عقب دعوة كريمة من أرملة الرجل الذي انتحر.. تدعوني لحفل عقد قرآن البنت التي كانت صغيرة.. وأخذت مني ايامها جزءا من قلبي.. ورأيتها.. لم تتغير كثيرا.. رغم مرور سنين العمر.. ما زالت البراءة والنظرة الحزينة تكسي وجهها.. ولكن اكثر ما شدني حرصها أن تضع صورة لوالدها.. بالحجم الكبير.. احتلت حيزا واسعا من صالة الفرح.. وكأنها تصر علي أن يكون موجودا يوم عرسها.. وعرفت انها الوحيدة من بين اخواتها التي تزور أخاها.. الذي كان السبب الحقيقي في انتحار والدها..في السجن الذي يقضي فيه سنوات طويلة.. عقابا له علي جريمة الإتجار بالمخدرات، بعد ان سرق ما قدر ان يسرقه من الأموال التي تركها والده.. وماقدر عليه من نصيب إرث أمه واخواته.. ضاعت كلها في صفقة مخدرات اكتشفت الشرطة أمرها.
وعدت لأسترجع مرة أخري أحداث الحكاية من البداية للنهاية.. وأقول سبحان الله.. بنت أفضل من مائة ولد..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.