قامت "الأخبار المسائي" بزيارة إلى محافظة البحيرة رصدت خلالها حجم كارثة السيول التي اجتاحت المحافظة مؤخرا وأضرت بالأديرة الأثرية الأربعة بوادي النطرون وهي "دير البراموس ودير السريان والأنبا بيشوي والأنبا أبو مقار" وذلك بعدما ترددت شائعات عديدة بعضها تهوّل من حجم الأضرار وبعضها الآخر يقلل منها وأخبار أخري حول استغلال بعض النصابين تضخيم بعض وسائل الإعلام للكارثة والقيام بإنشاء "أكونتات" وهمية لهيئات غير رسمية وتدشين حملات للتبرع للدير من خلال أرقام حسابات بنكية نشروها على مواقع التواصل الاجتماعي وفيس بوك لتلقي التبرعات والأشياء العينية باسم الكنيسة والنصب باسم الدير مستغلين في ذلك أهمية المنطقة الرهبانية بوادي النطرون والتي تعد أهم المناطق الأثرية المسيحية وتعود للقرن الرابع ومستغلين تعاطف رجال الأعمال في تكوين ثروات غير مشروعة، وهو ما واجهته الكنيسة على الفور وقام رئيس دير الأنبا بيشوي بإصدار بيان رسمي يحذر فيه من تداول حسابات للنصب على المواطنين ورجال الأعمال باسم الكنيسة والأديرة، البعض الآخر من رؤساء الأديرة أصدر تعليماته للرهبان والآباء بعدم التعامل مع الصحفيين وبمنع التصوير وذلك بسبب انتشار أخبار تهول من حجم الأضرار التي لحقت بالأديرة. وادي النطرون مدينة مصرية تتبع محافظة البحيرة، تقع على الأطراف الشمالية الشرقية للصحراء الغربية المصرية، وذلك في منتصف الطريق الصحراوي الرابط بين القاهرةوالإسكندرية تقريباً؛ ومواجهة لمدينة السادات، كان لوادي النطرون مكانة كبيرة في العصر الفرعوني لاستخراج ملح النطرون منها المستخدم في تحنيط الموتى، كذلك اكتسبت صفة التقديس في المسيحية لمرور العائلة المقدسة بها، وقد عرفت المنطقة بعدة أسماء أشهرها "حقل الملح وشيهيت والإسقيط" كان أول تجمع رهباني مسيحي على أرض وادي النطرون يعود للقرن الرابع الميلادي على يد مقار الكبير الذي أنشأ دير الأنبا مقار، وهو دير عامر حتى الآن بجانب ثلاثة أديرة أخرى، وهي "دير الأنبا بيشوي ودير البراموس ودير السريان". الطريق إلى أديرة وادي النطرون محفوف بالمخاطر فقوة اندفاع الأمطار أدت إلي تحطم بعض الطرق الإسفلتية المؤدية إليها حيث تجمعت المياه في بعض المنخفضات واستقرت ببعض المزارع لتكون بحيرات على مساحات شاسعة بمناطق عديدة بمحافظة البحيرة، كما أدت سرعة اندفاع المياه إلى كسر الطريق الأسفلتى الداخلي بالدير، وشقت المياه طريقا لها داخل أروقة دير الأنبا بيشوي، وخاصة في دير السريان مما أضر بأجزاء من الكنائس الأثرية، وهو ما دفع قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، لتأجيل سينمار الآباء الأساقفة، والذي كان من المقرر عقده في دير الأنبا بيشوي وذلك بسبب الأضرار التي لحقت بالدير والأديرة المجاورة جراء السيول، والتي أدت إلى تعطل الحياة فيها بنسبة كبيرة. دير البراموس هو أقدم دير بمنطقة وادي النطرون وسمي بهذا الاسم لأنه من باروميئوس بالقبطي يعني "الذي يخص الرومانيين" وأول اثنين سكنوا بعد أبو مقار وأول اثنين ماتوا في البرية هم قديسين اسمهم ماكسيموس ودوماديوس وكانوا أولاد ملك الروم وقد ترهبنوا وقد أُسس هذا الدير في القرن السادس الميلادي، ويضم خمسة كنائس أثرية وعند مدخل البراموس بأمتار رصدنا احدي سيارات المياه تقوم بشفط ما تبقي من الأمطار بالإضافة إلي مواتير شفط صغيرة لسحب المياه في حين يقوم بعض الشباب بغسل السجاجيد التي أغرقتها المياه والرمال ونشرها على أسوار الكنيسة. لاحظنا علامة تشير إلي ارتفاع منسوب مياه الأمطار التي اجتاحت الدير وبلغ ارتفاعها داخل بعض الكنائس لما يزيد عن المتر بقليل وقد شاهدنا شكائر رملية وضعها الرهبان والعمال كحواجز لمنع وصول المياه، بالإضافة الي وجود بعض الحفر والجدران التي مازالت بعضها متشبعة بالمياه حيث تساقطت منها مادة الملاط وبعضها الآخر قاربت على السقوط والأخرى فصلت عن الجدار بسبب تشبعها بالمياه التي ملأت أنحاء عديدة من الدير بسبب انخفاض مستواه عن المناطق المحيطة، وقد رصدنا حفرة قامت الإدارة الهندسية بقطاع المشروعات بوزارة الآثار بحفرها لكشف أرضية الدير على عمق كبير واستخرجت منها رمال بيضاء جافة للاطمئنان عليها، كما تأثرت بعض الصور واللوحات الأثرية بدير السيدة العذراء البراموس بسبب غرقها في المياه وتم نقلها من الدور الأرضي إلى دور أعلى في الكنيسة، وقد أدي اندفاع المياه إلي تهدّم أجزاء من سور الدير. دير الأنبا بيشوي هو أكبر الأديرة العامرة الأربعة، وتبلغ مساحته نحو فدانين، ويضم خمسة كنائس، أكبرها كنيسة الأنبا بيشوي وهو أكبر كنائس وادي النطرون ويضم مقرا لإقامة البابا تواضروس الثاني، لأنه كان راهبا بالدير قبل رسامته أسقفا واختياره بطريركا للكنيسة القبطية، بالإضافة لمزار ومدفن للبابا شنودة الثالث، والكنيسة الأثرية بالدير، مما يجعله مقصدا للأقباط والرحلات السياحية، وكان يزوره الآلاف يوميا، وقد فلت من الأضرار حيث كان لأرضية المزار الرخامية الفضل في حمايته. أما دير السريان الأثري، وهو أصغر الأديرة بمنطقة وادي النطرون على الإطلاق، إذ تبلغ مساحته الأثرية حوالي فداناً واحداً و13 قيراطاً أسس على يد رهبان سوريون في القرن السادس الميلادي ويحتوي على أربع كنائس فقد حدثت به بعض التلفيات، ولكن قبة الكنيسة لم تسقط كما روج البعض في مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن فقط انهار سطح إحدى القباب النصف برميلية الصغيرة وظهرت شروخ بقباب وسقف الكنيسة ، وغرق كل موكيت وسجاجيد الكنيسة والتي شاهدنا شباب الدير يقوم بغسلها ونشرها أعلى أسطح الكنيسة وأسوارها، كما تسربت المياه إلي كنيسة الأربعين، وتسببت في نشع حوائط وبسقف كنيسة مغارة الأنبا بيشوي الأثرية وانهيار أجزاء من مادة الملاط القشرية وتسبب ارتفاع المياه في كنيسة الأنبا كاراس في غرق الموكيت والسجاد، كما أغرقت المياه أرضيات كنيسة الأنبا صموئيل، وسقطت المياه داخل كنيسة الملاك من السقف، كما وصلت أيضا داخل كنيسة الأنبا أنطونيوس. دير الأنبا مقار هو أحد الأديرة العامرة الأربعة بصحراء وادي النطرون، وينسب إلى الأنبا مقار الكبير، وهو تلميذ للأنبا أنطونيوس الكبير مؤسس الرهبانية المسيحية، وتبلغ مساحته الإجمالية حوالي 11.34 كم2، ويحتوي على سبع كنائس، ثلاثة منها داخل الدير وأربعة أعلى حصن الدير، وهو الدير الأقل تضررا وقد رصدنا شروخ ببعض الأسقف وطارت بعض الفتانات من مكانها على الشروخ القديمة أما كنيسة التسعة والأربعين شهيد الشيوخشيهات فبدا في سقفها رشح من المياه وكذلك كنيسة الشهيد أبا سخيرون. ومن واقع محضر المعاينة الفنية المحرر يوم الأحد الماضي بدير السيدة العذراء "السريان" والذي تم بناء على اللجنة المشكلة من مدير عام الإدارة الهندسية للآثار الإسلامية والقبطية بناء على خطاب مدير عام آثار وادي النطرون والتى ضمت كل من رفعت رزق سليمان مدير عام مشروعات آثار الجيزة ووادي النطرون ووهبه صبري مدير عام مشروعات آثار مصر القديمة وسامي توردي وإيناس فؤاد من قطاع المشروعات بمصر القديمة وبحضور عادل غنيم مدير عام آثار وادي النطرون والأثري عبد الفتاح عبد الحليم زيتون مدير عام شئون المناطق بوادي النطرون ود. جمال فتحي عيد مدير عام البحث العلمي بوادي النطرون والأثري محي بسيوني عبد العزيز مدير عام التوثيق الأثري بوادي النطرون ومحمد عبد الكريم أحمد مدير شئون المناطق وياسمين عاطف حامد أخصائية الترميم الدقيق ومن الدير القمص بيجول السرياني والقمص تداوس أفامينا منسق العلاقات بين الكنيسة القبطية ووزارة الآثار والراهب غريغوريوس السرياني مقرر اللجنة ومن خلال المعاينة على الطبيعة وفيما يخص كنيسة السيدة العذراء الأثرية "السريان" وكنيسة الأربعين شهيد تبين سقوط قبو الجهة الشمالية الغربية بالكنيسة الأثرية بسبب وجود كميات كبيرة من الرديم فوق سطح الكنيسة تتراوح سمكها ما بين 80 إلى متر تقريبا. كما تبين وجود عدد من الشروخ بحوائط وأسقف الكنيسة الأثرية يتراوح اتساعها ما بين 2 مم إلى 1 سم بالإضافة إلى تساقط بعض طبقات الملاط وتسرب مياه الأمطار من الأسقف والحوائط إلى أرضية الكنيسة وذلك بسبب انخفاض أرضيتها عن أرضية الدير. واقترحت اللجنة صلب حوائط الكنيسة الأثرية ورفع الرديم من أسقف الكنيسة بالإضافة لبناء القبو المتهدم بما يتماشي مع الطابع الأثري في الشكل والمواصفات مع وضع طبقة من "الكربون فايبر" في وسط القبو للتحمل الشد الواقع على القبة ومراعاة ذلك في الأسقف ذات القباب والأقبية، وقررت اللجنة عزل الأسقف ضد الرطوبة وتقشير طبقة في الأجزاء التي بها شروخ "طبقة – طبقة" مع مراعاة احتمال ظهور فريسكات أو رسومات وذلك للكشف عن أسباب الشروخ لمعالجاتها. كما قررت اللجنة تقشير وتنظيف طبقة الملاط من الخارج من القباب والأقبية مع تفتيح العراميس وتكحيلها ثم عزلها مع عمل طبقة الملاط للمواصفات الأثرية، ومراعاة الميول وعمل عدد من المزاريب لتصريف مياه الأمطار مع تركيب بلاطات حجرية بسمك 2 سم على الأسقف المسطحة وعمل عوازل للحوائط بمستوي الأرض حتى منسوب أثاثات المباني التي تسربت منها المياه إلي أرضيات الكنائس وعمل مباني نصف طوبة حماية مع عزلها بالبوتامين وعمل ردم من الرمال النظيفة. أما القلالى الأثرية فقد تبين من المعاينة وجود بعض الشروخ في الحوائط وطبقات الملاط واقترحت اللجنة أن يتم الترميم بعد تقشير الملاط المنفصلة والمشروخة وإعادتها بما يتفق مع الطابع الأثري في الشكل والمواصفات وتزرير الشروخ بالحوائط بدبل خشبية غاصة بقطاع 4 في 4 بوصة مع عزل الدبل الخشبية وتقشير طبقة اللياسة أعلى أسطح القلالى وعمل طبقات عزل حراري وعزل رطوبة مع تركيب طبقة من البلاط المعصراني بسمك 4 سم مع مراعاة الميول والمزاريب. وتبن من المعاينة أيضا وجود شروخ فاصلة بين درج السلم والسور الأثري خلف القلالى الأثرية واقترحت اللجنة الكشف عن سبب وجود الشروخ بتقشير الملاط وإذا تبين وجود انفصال يتم فك الدرج وتركيبه ومعالجة سور الدير الأثري في مرحلة لاحقة وأكدت اللجنة على حاجة الدير لعمل شبكة لتصريف مياه الأمطار خارج الدير الأثري مع عمل صيانة لشبكة الصرف الصحي. واتفقت اللجنة على أن تتم الأعمال تحت إشراف قطاع المشروعات والتفتيش المختص وعلى نفقة الدير، وهو ما يعني غياب دور وزارة الأوقاف وبالأخص هيئة الأوقاف القبطية في الصرف على ترميم دور العبادة الأثرية وتنفيذ المادة 30 من قانون حماية الآثار !! وفى كنيسة العذراء بالحصن الأثري أعلى كنيسة الملاك ميخائيل بدير الأنبا بيشوي تصادف وجود لجنة عاجلة شكلها وزير الآثار لدراسة حالة أديرة وادي النطرون، ووضع خطة طوارئ لمعالجة الأضرار الناجمة عن الأمطار والاستعداد الوقائي لموجات أخرى من الأمطار برئاسة د. غريب سنبل رئيس الإدارة المركزية للترميم والصيانة وتضم الأثري ممدوح عودة مدير إدارة الأزمات ود. عزت حبيب صليب مدير عام ترميم آثار ومتاحف القاهرة الكبرى والأثري مدحت سنجر مدير عام ترميم مصر القديمة ووادي النطرون ود. لؤي محمود سعيد مدير مركز الدراسات القبطية بمكتبة الإسكندرية وذلك لحصر ودراسة تلك التلفيات وكيفية معالجتها، وقد عاينت اللجنة التي زارت الأديرة يوم الأربعاء الماضي الكنيسة الأثرية بدير الأنبا بيشوي وكذلك كنيسة الرهبان والحصن الأثري وكنيسة الملاك ميخائيل أعلى الحصن وكنيسة السيدة العذراء بالطابق الأول وبئر الماء والمخازن بالدور الأرضي من الحصن وذلك بحضور القمص الراهب دوماديوس أمين الدير والقمص الراهب صرابامون أمين العلاقات العامة. نفس الأمر بالنسبة لدير السريان حيث عاينت اللجنة عناصر معمارية وزخرفيه بالكنيسة الأثرية والسور الأثري وبعض قلالي الدير المتضررة بحضور الأب بيجول السرياني والراهب غريغوريوس السرياني، وعاينت اللجنة أيضا دير الأنبا مقار والكنيسة الأثرية وكنيسة 49 شهيد وكنيسة القديس أبا اسخيرون والمائدة الأثرية والحصن وأسطح الكنائس بحضور الراهب يوحنا المقاري والراهب بطرس المقاري والراهب شاروييم المقاري، وأقرت اللجنة تشكيل فريق عمل وإعداد خطة علمية لتحديد أساليب العلاج وطرق درء الخطورة على أن يتم تشكيل هذا الفريق وإعداد الخطة بمعرفة رئيس الإدارة المركزية للترميم وذلك على وجه السرعة لدرء المخاطر المتوقعة من الأمطار والسيول خلال الفترة المقبلة.