تعرف علي أسعار الذهب في السوق المصرية والعالمية في 16 أبريل 2024    رئيس شعبة الثروة الداجنة يكشف عن الأسعار والتحديات في سوق الدواجن المصري    نجم الأهلي يهاجم كولر بعد هزيمة القمة ضد الزمالك    مصر تستعد لموجة حارة وأجواء مغبرة: توقعات الأرصاد ليوم غد واليوم الحالي    "مدبوحة في الحمام".. جريمة قتل بشعة بالعمرانية    اليابان تتعهد بالدفع نحو علاقات استراتيجية متبادلة المنفعة مع الصين    تهديد شديد اللهجة من الرئيس الإيراني للجميع    بعد سقوط كهربا المفاجئ.. كيفية تجنب إصابات الركبة والساق في الملاعب والمحافل    معلومات مثيرة عن كيفية فقدان الحواس أثناء خروج الروح.. ماذا يسمع المحتضرون؟    عامل يحاول إنهاء حياته ب"سم الفئران" في سوهاج    أمطار غزيرة ورياح شديدة وسحب ركامية تضرب الإمارات (فيديو)    الجائزة 5000 دولار، مسابقة لاختيار ملكة جمال الذكاء الاصطناعي لأول مرة    كندا تدين الهجمات الإجرامية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية.. وتدعو لمحاسبة المتورطين    خادم الحرمين الشريفين وولي عهده يعزيان سلطان عمان في ضحايا السيول والأمطار    الأردن تؤكد عدم السماح باستخدام المجال الجوي الأردني من قبل أي طرف ولاي غاية    السفيرة الأمريكية بالأمم المتحدة: حان الوقت لإنهاء الصراع في السودان    وزير خارجية الصين لنظيره الإيراني: طهران قادرة على فهم الوضع وتجنب التصعيد    جدول امتحانات المرحلة الثانوية 2024 الترم الثاني بمحافظة الإسكندرية    موعد انتهاء خطة تخفيف أحمال الكهرباء.. متحدث الحكومة يوضح    حظك اليوم برج القوس الثلاثاء 16-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    رئيس تحرير «الأخبار»: المؤسسات الصحفية القومية تهدف إلى التأثير في شخصية مصر    دعاء ليلة الزواج لمنع السحر والحسد.. «حصنوا أنفسكم»    لجنة الحكام ترد على عدم صحة هدف الثاني ل الزمالك في شباك الأهلي.. عاجل    45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الثلاثاء 16 أبريل 2024    قبل امتحانات الثانوية العامة 2024.. أطعمة تعزز تركيز الطالب خلال المذاكرة    أحمد كريمة: تعاطي المسكرات بكافة أنواعها حرام شرعاً    جامعة سوهاج تستأنف عملها بعد إجازة عيد الفطر    إسكان النواب: قبول التصالح على مخالفات البناء حتى تاريخ المسح الجوي 15 أكتوبر 2023    تحرك برلماني ضد المخابز بسبب سعر رغيف العيش: تحذير شديد اللجهة    أبرزها عيد العمال.. مواعيد الإجازات الرسمية في شهر مايو 2024    تفاصيل حفل تامر حسني في القاهرة الجديدة    تعليق محمد هنيدي على فوز الزمالك بلقاء القمة في الدوري الممتاز    «حلم جيل بأكمله».. لميس الحديدي عن رحيل شيرين سيف النصر    خبير تحكيمي: كريم نيدفيد استحق بطاقة حمراء في مباراة القمة.. وهذا القرار أنقذ إبراهيم نور الدين من ورطة    خالد الصاوي: بختار أعمالى بعناية من خلال التعاون مع مخرجين وكتاب مميزين    مواقيت الصلاة في محافظات مصر اليوم الثلاثاء 16 أبريل 2024    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    تفاصيل إعداد وزارة التعليم العالي محتوى جامعي تعليمي توعوي بخطورة الإنترنت    بايدن يؤكد سعي واشنطن لتحقيق صفقة بشأن وقف إطلاق النار في غزة    "كنت عايز أرتاح وأبعد شوية".. محمد رمضان يكشف سبب غيابه عن دراما رمضان 2024    حسن مصطفى: أخطاء كولر والدفاع وراء خسارة الأهلي أمام الزمالك    جمارك مطار القاهرة تحرر 55 محضر تهرب جمركي خلال شهر مارس 2024    إبراهيم نور الدين يكشف حقيقة اعتزاله التحكيم عقب مباراة الأهلى والزمالك    أيمن دجيش: كريم نيدفيد كان يستحق الطرد بالحصول على إنذار ثانٍ    هل نقدم الساعة فى التوقيت الصيفي أم لا.. التفاصيل كاملة    هيئة الدواء المصرية توجه نصائح مهمة لانقاص الوزن.. تعرف عليها    التعليم: مراجعات نهائية مجانية لطلاب الإعدادية والثانوية لتحقيق الاستفادة من نواتج التعلم    دعاء السفر قصير: اللهم أنت الصاحبُ في السفرِ    مصطفى عسل يتأهل لنهائي بطولة بلاك بول الدولية للإسكواش    رئيس تحرير «الأهرام»: لدينا حساب على «التيك توك» لمخاطبة هذه الشريحة.. فيديو    تكريم 600 من حفظة القرآن الكريم بقرية تزمنت الشرقية فى بنى سويف    لماذا رفض الإمام أبو حنيفة صيام الست من شوال؟.. أسرار ينبغي معرفتها    الإعدام لمتهم بقتل شخص بمركز أخميم فى سوهاج بسبب خلافات بينهما    خالد الصاوي: مصر ثالث أهم دولة تنتج سينما تشاهد خارج حدودها    اليوم.. فتح باب التقديم للمدارس المصرية اليابانية للعام الدراسي 2024 / 2025    رئيس تحرير "الجمهورية": لا يمكن الاستغناء عن الأجيال الجديدة من الصحفيين.. فيديو    لست البيت.. طريقة تحضير كيكة الطاسة الإسفنجية بالشوكولاتة    تجديد اعتماد المركز الدولي لتنمية قدرات أعضاء هيئة التدريس والقيادات بجامعة المنوفية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحلقة الثالثة..الحاكمية .. و الأصول الفكرية للفرق التكفيرية
نشر في المسائية يوم 24 - 11 - 2014

الخصومة بين المسلمين ظاهرها الدين وباطنها السياسة .
دعاوى تطبيق الشريعة الإسلامية ..و خدعة الباب الخلفى لسيطرة السلفية على الحكم .
سأل أحد الأعراب سيدما على بن أبى طالب لماذا لاتسير فينا بسيرة أبى بكر وعمر؟ فأجابه إن أبوبكر وعمر كانا يحكمان أمثالى أما أنا فأحكم أمثالكم.
الإمام المراغى : اءتونى بما ينفع الناس وأنا آتى بما يؤيده من الكتاب والسنة".
غلق باب الاجتهاد منذ القرن الخامس الهجرى إلى حدوث كارثة فقهية .
الفرق الجوهرى بين رسالة موسى وجوهر الرسالة المحمدية ، فالأولى تشريعية والثانية رحمانية .
عدد آيات الأحكام فى القرآن (200) آية من أصل (6140) آية . لذلك فإن الفقه يعتمد فى الأساس على الاجتهاد .
عرض و تقديم : حسين الطيب
مازلنا فى بحر متلاطم الأمواج من الأفكار و المدخلات المنهجية والفكرية الدينية و السياسية و الإجتماعية التى تضرب المجتمع بشدة من جميع الجوانب حتى جعلت الرؤية ضبابية والأفكار مشتتة و المنهجية معدومة .. و لذا فإننا فى هذه الحلقة من البحث و التنقيب عن الأصول الفكرية لدعاة الحاكمية و كوارثهم الفكرية المتطرفة التى كبدت المسلمين الكثير من الصورة العامة للمسلمين وأفقدتهم الكثير من رجالها تحت وطاءة الإرهاب و التكفير بجهالة فصار المسلمون بتلك الأفكار أعداء بعضهم البعض .. و حول النشأة العلمية و التأصيل المنهجى للفكر الحاكمى فإن الباحثين الدكتور طارق مصطفى و الدكتور أحمد ضياء الدين يستعرضا لنا الأسس المنهجية و الفكرية التى يقوم على أساسها القواعد التنظيمية للسلفية الحاكمية فيقولا : هناك أداتين أساسيتين لتحقيق الحاكمية :
(1) سياسية : ومعناها الأساسى الحكم السياسى الذى يدور حول الأفعال التى يكون معناها أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد ، وهو يتأسس على الحاكمية بمكوناتها ، ويهدف إلى تحقيق مضمونها بما يجسد عقيدة الإسلام وشريعته .
(2) القضاء : من حيث تشريعاته كلها التى يجب أن تكون منبثقة من الكتاب والسنة وما يرتبط بها من وظيفة القاضى والمفتى والمجتهد .
وللحاكمية أدوات :
(1) تكوينية :هى إرادة الله الكونية القدرية التى تتمثل فى المشيئة العامة المحيطة بجميع الكائات ، فكل ما كان ويكون لا يخرج عن سلطة هذه الإرادة .
(2) تشريعية :هى التى تتعلق بإرادة الله الدينية وتتمثل هذه الإرادة فى تصور عقدى عن الله والكون والإنسان ونظرية الشريعة العامة وتكون العبادات جزء منها .ويظهر المقصد العام والغاية الأساسية فى مقصدين هما :
1- الفصل فى الخلاف بين الناس فى الدنيا والآخرة .
2- المنع من الفساد وتحقيق مصالح العباد فى الدارين .
يقودنا هذا إلى الحديث عن الشريعة التى هى واجهة لتنظيم سلوكى يتغير بتغير الزمن .والتعريف التالى أنها منهاج لحلول المشاكل وروح عامة يستلهمها المشرع فى صياغة القوانين .ومن هنا يمكن القول بأن الشريعة وضعية تقوم على رعاية المصالح العامة وتتأسس من واقع الناس وحياتهم ، ولها مقاصد خمس :
1-الدفاع عن الحياة .
2-الحقيقة .
3-العرض والكرامة .
4- المال والثروة .
5- الإمامة .
ويؤكد ذلك القول القديم "أن الأحكام الشرعية هى ألطاف من الأحكام العقلية". أى أن الشريعة هى بعينها منهج العقل الرشيد ، وعليه فالقوانين الإلهية هى ذات طابعين : شرعى و عقلى .
الأول هو ما له حظه الشارع المقدس (الله) من مصلحة العباد ، والثانى أدركته الفطرة السليمة للإنسان ، الأمر الذى برهنت عليه فلسفة الوجود وأيده العلم عند كشفه كثيرًا من أسرار الحياة ، وعلى نفس النمط جاء نظام الحكم الذى منحه البارى الحكيم لتنظيم شئون الحياة المادية ، فإذا كان تعيين الحاكم من قبل الله تعريفا له وإرشادا إلى ما حكمت به الفطرة فالتعيين هنا على نوعين : التنصيص و التوصيف .
الأول هو اختيار الأنبياء والرسل من قبل الله ، حيث مقام العصمة ، لأن العقل يشترط فى مبلغ الرسالة أن يكون معصوما وتلك هى عناية الله التى تحول دون ارتكابه خطأ أو سهوا ، ولا يتم الاشتباه فى بيان الشريعة وتفسيرها . والثانية كما فى شأن ولاية الفقهاء ، ويشترط العقل فى هؤلاء أن يكون عارفاً بمواقع الشريعة حيث يمكنه ذلك من الاطلاع والمراقبة لتصرفات العباد ، لأن العدالة عبارة عن الالتزام بآداب الشريعة فى الأقوال والأفعال ، وهى شروط يقبلها العقل وتوافقت عليها الفطرة وهذا هو الطريق الوسط بين الانتخاب والتنصيب .وهذا النمط فى اختيار الحاكم هو فى الحقيقة طريقة للعثور على جامع أوصاف خالى من العيوب .و هناك قاعدة فقهية تقول "حيث تتحقق مصالح العباد فثمة شرع الله" .. وهذا ما قال به الإمام المراغى شيخ الجامع الأزهر "اءتونى بما ينفع الناس وأنا آتى بما يؤيده من الكتاب والسنة".
يقودنا هذا إلى تعريف آخر للشريعة وهو أنها المنهج أو السبيل ، والأحكام التشريعية فى القرآن هى أحكام عامة ، وما يطلق عليه اسم الشريعة هو فى الواقع الفقه الإسلامى . ولهذا فإن الأحكام الشرعية هى التى غلبت على رسالة موسى عليه السلام حتى أنه لقب باسم معطى الشريعة ، وأصبح لفظ الشريعة يعنى عند اليهود تشريع المعاملات والفقه الخاص بها ، وسار الفقه الإسلامى – للأسف الشديد – على خطى اليهودية دون التنبه إلى الفارق بين جوهر رسالة موسى وجوهر الرسالة المحمدية ، فالأولى تشريعية خالصة ، والثانية رحمة ، ومن هنا جاء اهتمام الفكر الإسلامى بالأحكام التشريعية التى وردت فى القرآن ، إذ لو كان التشريع فى الرسالة الخاتمة هو المهم لتضمن القرآن أضعاف ما ورد من أحكام فى محكم التنزيل ، إن جميع آيات الأحكام فى القرآن (200) آية من أصل (6140) آية ، وإذا أردنا التحديد فإنهم حوالى (80) آية أى 1/75 من إجمال آيات القرآن ، لذلك فإن الفقه يعتمد فى الأساس على الاجتهاد الإنسانى كما أنه تعبير عقلى عن واقع يتغير باستمرار ، ومن ثم فإن تجميد الفقه عند عصر معين وغلق باب الاجتهاد هو غلق للعقل .لإن التشريع إنما هو تعبير عن علاقات اجتماعية وإنتاجية سائدة ، أى إنه انعكاس لعلاقات الإنتاج وأنماطه .ومن الجدير بالذكر أن المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية أصبح مطلبا ملحاً فى الآونة الأخيرة نادى به الكثيرون من دعاة الإسلام السياسى وذلك لدوافع متعددة منها ما هو سياسى وقصد به الوصول إلى سدة الحكم وإنشاء حكومة ثيوقراطية تطبق مبدأ الحاكمية وتكون ظل الله على الأرض وتحكم بالحق الإلهى وترفض المعارضة وتتهمها بالكفر والزندقة ، وفى بعض الأحيان قد تتهمها بالعلمانية ذلك المصطلح البغيض من وجهة نظر دعاة الإسلام السياسى ، على الرغم من أن العلمانية كمصطلح سياسى انتهت صلاحيته منذ زمن بعيد ، وقد خلق أزمات نحن فى غنى عنها لأنه كمصطلح سياسى نشأ فى عصر النهضة الأوربية وأطلق لمحاولة إنهاء سلطة رجال الدين فى الكنيسة على مقاليد الحكم أو السيطرة على حكام أوربا فى تلك الفترة ، وما لبثت الأمور فى أوربا أن استقرت وذهب المصطلح إلى غياهب التاريخ ، ولم يعد يستخدم ، والغريب فى الأمر وما يدعو إلى التأمل لماذا تم بعث الكلمة من مرقدها فى هذه الفترة فإن بعث البعض عن جهل أو سوء طوية من ضريحها التاريخى فظهرت كالعفريت يدخل الرعب فى نفوس ضعاف الدين أو المطالبين بالحكم الذين يلوذون بالشعارات الإسلامية وخاصة شعار الإسلام هو الحل ، والذى انطلق من رؤية ضبابية مأخوذة من قراءة خاطئة للنصوص الدينية واستخدمت حكايات التراث وخاصة فترة حكم الخليفة الثانى عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) من أنه كان مثالا للعدل والحكمة ، واعتبر أنه مكمل الرسالة المحمدية فى الحكمة والعدل والمساواة .
القضية إذن ليست قضية تشريعية فى الأساس بل هى قضية اختيار لتوجهنا السياسى والاقتصادى والاجتماعى أولا ، ثم يأتى التشريع بما يدعم هذا التوجه ويؤكده أما الدعوة إلى تطبيق الشريعة على إطلاقها فهى على أقل تقدير دعوة مثالية .ونسى الجميع أو تناسوا قول الرسول – صلى الله عليه وسلم – "أنتم أدرى بشئون دنياكم" ، كما نسوا أقوال الإمام على بن أبى طالب (رضى الله عنه) عندما سأله أحد الأعراب لماذا لاتسير فينا بسيرة أبى بكر وعمر؟ فأجابه إن أبوبكر وعمر كانا يحكمان أمثالى أما أنا فأحكم أمثالكم. وهو تصديق لقول الرسول السابق ، أى أن الحاكم عليه أن يتصرف بالطريقة التى يراها مناسبة لإقرار الأمن والأمان للعباد طالما لايخالف شرع الله وسنة الرسول ، وهذا يشير إلى أن حقيقة الإسلام شاملة تجمع بين الناحيتين المادية والروحية ، بل إن فلسفته عامة تمزج بيت الأمرين وهما متلازمان لايمكن أن ينفصلا ، وهذه هى حقيقة الإسلام التى أصبحت واضحة ومؤيدة من حقائق التاريخ .
إلى جانب ذلك فقد احتاج الإسلام إلى وظيفة أخرى لإخراج القوة الكامنة فيه وهو مبدأ حرية التفكير للفرد ، أو بتعبير آخر اعترافه بحق الفرد فى التفكير المستقل والأخذ بالنتائج التى يصل إليها ، وهذا هو مبدأ الاجتهاد ، والمعترف به كمصدر من مصادر التشريع ، ولهذا المبدأ أثر فى مجال السياسة لأنه أدى إلى نشوء المذاهب ، ولم يضع الإسلام قيودا أو حواجز على البحث والتفكير ، أضف إلى ذلك أن الإسلام لم يورث أتباعه قواعد محددة وجاهزة لتصبح بمثابة المعتقدات الجامدة التى لايجوز معها المناقشة ولاتقبل التغيير ، وعلى ذلك فإن علماء الإسلام يصرحون بأن مسائل الحكم تدخل ضمن اختصاص الفقه ، أى إنها محل للاجتهاد وليست من أصول العقائد ، لأن الفكر السياسى هو نتاج ذهنى بشرى جاء منفعلا بعالم السياسة بواقعه ومثالبه ذلك أن السلطة السياسية ضرورة اجتماعية تقتضيها قيام المجتمعات الإنسانية وقدرتها على الاستمرار ، فالنزاع اليوم ليس حول تطبيق حكم الإسلام أو تحقيق مناطه ، وإنما النزاع فى صلب التصور وقوام الاعتقاد ، أى أن الخلاف يقع حول تحديد المرجعية العليا للحكم والتشريع فى حياة المسلم . كما أن الإسلام لم يذكر فى القرآن أو السنة بقيام حكومة على أساس دينى ولم يحدد معالم أو شكل وأدوات الحكومة وأسلوب اختيارها ، وإنما تركها لاختيار وفكر البشر وفق ظروف مقتضيات العصر ، وهذه هى عظمة الإسلام لأن المتروك هو من باب الاستحسان .أدى إلى غلق باب الاجتهاد منذ القرن الخامس الهجرى إلى حدوث كارثة فعلية ، وهو ما أطلق عليه اسم أسلمة السياسة أو تسييس الدين لمصلحة جماعة سياسية ، وكان من أسباب خلط الدين بالسياسة أيضا أن أصبح الحاكم أو الخليفة ظل الله على الأرض أو صار معصوما فى فعله وقوله مما أثر على الفقه ، وعلى المستوى الشعبى فرّذ المسلمين شيعاً كل منهم يعتصم بآيات وأحاديث فنشأت خصومة بين المسلمين ظاهرها الدين وباطنها السياسة ، دعواها تطبيق الشريعة وحقيقتها السلطان وكرسى الحكم ، وهذا هو الأثر الحتمى والنتيجة الطبيعية لاختزال الدين فى السياسة واعتبارها الركيزة الأولى للدين والصبغة الوحيدة لإقامته واستقراره . وهذا هو فكر الجماعات الإسلامية التى تتخذ من الدين ستاراً لها حتى ترهب الأمة وتجبرها على السير على نهجها عن طريق استخدام الإرهاب إما الفكرى أو العينى، ويقصد بالفكرى هو اتهام كل من يخالفهم إما بالكفر أو العلمانية ، أما الإرهاب العينى فعن طريق إحداث الفوضى بالاعتداء على الشعب ورفع شعارات براقة مثل "القرآن دستورنا والرسول زعيمنا والموت فى سبيل الله أسمى أمانينا" ، فإذا حاولت مناقشتهم فى ذلك فإنك لن تصل إلى نتيجة بل قد تتهم بالزندقة ، والدليل على ذلك ما قاله عبد الرحمن البنا لكوادر الإخوان المسلمين "استعدوا يا جنود وليأخذ كل منكم أهبته ويعد سلاحه وصفوا لهذه الأمة الدواء فكم على ضفاف النيل من قلب يعانى أو جسم عليل اعكفوا على إعداده فى صيدليتكم ولتقم على إعطائه فرقة الإنقاذ منكم فإن الأمة أبت فأوثقوا يديها بالقيود وأثقلوا ظهرها بالحديد وجرعوها الدواء بالقوة وإن وجدتم فى جسمها عضوا خبيثاً فاقطعوه أو سرطانا خطيرا فأزيلوه فكثير من أبناء هذا الشعب فى آذانهم وقر و فى عيونهم عمى".
وبتحليل هذه الفقرة نجد أنها تحث الأخوان أو الخارجين من عباءتهم على العنف ضد المجتمع حتى ينصاع إلى أوامرهم ونواهيهم حتى وإن اقتضى الأمر استخدام الاغتيال وإحداث شغب فى المجتمع ، وهذا ما يحدث الآن فى الشارع المصرى أو ما يطلق عليه بلدان ثورات الربيع العربى .إن تطبيق الشريعة الإسلامية أصبح فى الآونة الأخيرة مطلب ملح نادى به الكثيرون لدوافع متعددة منها السياسية والاقتصادية ، الدوافع السياسية قصد بها الوصول إلى سدة الحكم وإنشاء حكومة ثيوقراطية تطبق مبدأ الحاكمية وتكون ظل الله على الأرض وتحكم بالحق الإلهى وترفض المعارضة وتتهمها بالكفر والزندقة ، لذلك فإن الصراع بين التيارين السلفى والعلمانى ليس صراعاً بين مصدرين للمعرفة الموروثة والوافدة ، بل هو أيضا صراع على السلطة كل منهما يشعر أنه الوريث الطبيعى للدولة وفى حقيقة الأمر كلاهما يريد الحكم ، أنصار السلفية اعتمدوا على الشرعية الموروثة ، وأنصار العلمانية استدعوا شرعية الحداثة ولتطبيق فكرهم لابد من السلطة ، والسلطة هى الحل اعتماداً على مقولة "إن الله ينزع بالسلطان ما لاينزع بالقرآن".
ويتطلب الأمر أولا تعريف المصطلح السلفى .. " فالسلفية هى نزعة دينية تتخذ من العودة إلى التراث بمفهومه الدينى الضيق معياراً أساسياً لتقييم الحاضر والتطلع إلى المستقبل .
وهناك تعريف آخر للسلفية وهو "منهج إسلامى يدعو إلى فهم الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة وهم الصاحابة والتابعون باعتباره يمثل نهج الإسلام الأصيل والتمسك بأخذ الأحكام من القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة والابتعاد عن كل المدخلات الغريبة عن روح الإسلام وتمثل إحدى جوانبها التيارات الإسلامية العقائدية وفى جانبها المعاصر تمثل مدرسة من المدارس الفكرية الحركية التى تهدف إلى إصلاح أنظمة الحكم والمجتمع والحياة عموما إلى ما يوافق النظام الشرعى الإسلامى . ومن أبرز دعاة هذا الاتجاه أحمد بن تيمية فى القرن الثامن الهجرى ، ويعتقد السلف بوجوب إفراد الله بالحكم والتشريع أو ما يعرف حديثا باسم "الإسلام السياسى" وأن أحكام الشريعة الإسلامية الواردة فى الكتاب والسنة واجبة التطلبيق فى كل زمان ومكان حسب فهمهم ، ويعتقدون أن من أشرك فى حكمه أحدا من خلقه سواء كان حاكما أو زعيما أو ذا سلطان أو أى شكل من أشكال السلطة فقد أشرك بالله . ويرفض هذا الاتجاه الديمقراطية كنظرية سياسية ، ويروجون لمصطلح الشورى كبديل شرعى إسلامى ، كما يرفضون كافة المذاهب السياسية السائدة ولايعارضون الانتخابات كآلية للوصول إلى بعض المناصب ولكنهم يعترضون على الإطار الأيديولوجى لها ، وهم بذلك يعزفون عن المشاركة فى أغلب عمليات الانتخابات .وهناك تعريف آخر للسلفية فى فكرنا العربى الحديث هو أنه نزعة دينية من العودة إلى الأصول معياراً أساسياً لتقييم الحاضر ومواجهته وصياغة المستقبل ، أى التمرد على الحاضر والاستنجاد بالماضى واكتساب الطاقة التى تنقل المجتمع الجامد إلى آفاق المستقبل ، وهى أيضا حركة وطنية إصلاحية تتسم بالمعارضة لكل ما هو غربى ، وتدعو إلى اتخاذ الأصول الدينية وتراث الماضى أساسا للتخلص من تغريب المجتمع .ويتضمن هذا الاتجاه تيارات شتى ، فليس ثمة سلفية واحدة بل توجد أكثر من سلفية داخل كل تيار من تياراتها إن لم يكن فى فكر السلفيين أنفسهم ، ويرجع ذلك إلى عقم فكر أصحاب هذا الاتجاه ، وعدم وضوح الرؤية لديهم نتيجة للاقتصادر على جانب واحد من التراث وهو الجانب العقائدى ، ولهذا فثمة فقر مدقع لاقتصارهم على الجانب السنى ، وحسب واعتبار المذاهب السياسية والدينية الأخرى عبث ، أضف إلى ذلك انعدام الإطار النظرى والقواعد المنهجية فى التفكير ، فهم يجهلون التراث أصلا ، ولهذا أصبحت بعض الحركات السلفية أدوات لتكريس التخلف وتعميق التبعية بعد أن كانت قد بدأت دعوتها حرباً على التخلف والرجعية .
و فى الحلقة القادمة نتعرف سويا على الجذور التاريخية لنشأة التيارات السلفية الحاكمية وتطورها عبر الزمان وكيف تغيرت الفكرة من الطريق الى الله إلى طريق القتل و الإرهاب باسم الدين و تغيير الفكرة من الدعوة الدينية إلى الوصول لسدة الحكم بدعاوى تشريعية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.