في أجواء من الفرح والسعادة.. مستقبل وطن يحتفي بالأيتام في نجع حمادي    سعر الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن بداية تعاملات الجمعة 9 مايو 2025    ترامب يطالب بوقف إطلاق نار غير مشروط لمدة 30 يوما بين أوكرانيا وروسيا    باكستان والهند تجريان اتصالات على مستوى مجلسي الأمن القومي    فلسطين.. استشهاد طفل وإصابة آخرين في غارة إسرائيلية على منزل شرق مخيم النصيرات    محافظة الجيزة: إجراء غلق جزئي بكوبري 26 يوليو بالإتجاهين    السيطرة على حريق شب داخل مقر الشركة القابضة للأدوية بالأزبكية    حبس 5 متهمين لسرقتهم السيارات والدراجات النارية بالتجمع    «الأسقفية الأنجليكانية» تهنئ الكنيسة الكاثوليكية بانتخاب بابا الفاتيكان    رينو تكشف عن Boreal SUV جديدة تستهدف أكثر من 70 سوقًا عالميًا    مقربون من ترامب: الرئيس الأمريكي يقطع الاتصال مع نتنياهو لهذا السبب    موعد نهائي دوري المؤتمر الأوروبي بين تشيلسي وريال بيتيس    ملف يلا كورة.. فوز الأهلي.. رسائل الرمادي.. وتأجيل حسم أزمة القمة    أموريم: الدوري الأوروبي يختلف عن بريميرليج.. ومواجهة توتنهام ستكون رائعة    تسلا تضيف موديل «Y» بنظام دفع خلفي بسعر يبدأ من 46.630 دولارًا    «فورد» ترفع أسعار ثلاثة طرازات مصنعة بالمكسيك في يوليو    منح الدكتوراه الفخرية للنائب العام من جامعة المنصورة تقديرًا لإسهاماته في دعم العدالة    عهد جديد من النعمة والمحبة والرجاء.. الكنيسة الكاثوليكية بمصر تهنئ بابا الفاتيكان    اجتماع بين الهيئة القومية لسلامة الغذاء المصرية واللجنة الوطنية للمستهلك بجنوب إفريقيا لتعزيز التعاون في حماية المستهلك وسلامة الغذاء    طريقة عمل الآيس كوفي، الاحترافي وبأقل التكاليف    كيم جونغ أون يشرف على تجربة صاروخية ويؤكد جاهزية السلاح النووي    متحدث الكنيسة الكاثوليكية: البابا الجديد للفاتيكان يسعى لبناء الجسور من أجل الحوار والسلام    في عطلة البنوك .. آخر تحديث لسعر الدولار اليوم بالبنك المركزي المصري    كيفية استخراج كعب العمل أونلاين والأوراق المطلوبة    ب«زفة روحية».. تطييب رفات القديس مارمرقس الرسول كاروز الديار المصرية ب«كاتدرائية الإسكندرية»    الأهلي يتفق مع جوميز مقابل 150 ألف دولار.. صحيفة سعودية تكشف    سالم: تأجيل قرار لجنة الاستئناف بالفصل في أزمة القمة غير مُبرر    موعد مباراة بيراميدز ضد البنك الأهلي في الدوري    مؤتمر النحاس: نلعب مباراة كل 4 أيام عكس بعض الفرق.. ورسالة لجماهير الأهلي    خبر في الجول - أحمد سمير ينهي ارتباطه مع الأولمبي.. وموقفه من مباراة الزمالك وسيراميكا    أيمن عطاالله: الرسوم القضائية عبء على العدالة وتهدد الاستثمار    دراسة: 58% يثقون في المعلومات عبر مواقع التواصل الاجتماعي    «إسكان النواب»: المستأجر سيتعرض لزيادة كبيرة في الإيجار حال اللجوء للمحاكم    موجة شديدة الحرارة .. الأرصاد تكشف عن حالة الطقس اليوم الجمعة 9 مايو 2025    الجثمان مفقود.. غرق شاب في ترعة بالإسكندرية    في المقابر وصوروها.. ضبط 3 طلاب بالإعدادية هتكوا عرض زميلتهم بالقليوبية    جامعة المنصورة تمنح النائب العام الدكتوراه الفخرية لإسهاماته في دعم العدالة.. صور    تفحم سيارة نقل أعلى "صحراوي الجيزة"    المخرج رؤوف السيد: مضيت فيلم نجوم الساحل قبل نزول فيلم الحريفة لدور العرض    غزو القاهرة بالشعر.. الوثائقية تعرض رحلة أحمد عبد المعطي حجازي من الريف إلى العاصمة    «ملحقش يتفرج عليه».. ريهام عبدالغفور تكشف عن آخر أعمال والدها الراحل    حدث في الفن- انهيار كارول سماحة ونصيحة محمود سعد بعد أزمة بوسي شلبي    تفاصيل لقاء الفنان العالمي مينا مسعود ورئيس مدينة الإنتاج الإعلامي    مطاردات ولغز غرفة الهرم السرية.. طرح الإعلان التشويقي لفيلم "المشروع X"    موعد نهائى الدورى الأوروبى بين مانشستر يونايتد وتوتنهام    أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. انتخاب الكاردينال الأمريكى روبرت فرنسيس بريفوست بابا للفاتيكان.. إعلام عبرى: ترامب قرر قطع الاتصال مع نتنياهو.. وقيمة عملة "بتكوين" تقفز ل100 ألف دولار    مصطفى خليل: الشراكة المصرية الروسية تتجاوز الاقتصاد وتعزز المواقف السياسية المشتركة    سهير رمزي تعلق على أزمة بوسي شلبي وورثة الفنان محمود عبد العزيز    حكم إخفاء الذهب عن الزوج والكذب؟ أمين الفتوى يوضح    عيسى إسكندر يمثل مصر في مؤتمر عالمي بروما لتعزيز التقارب بين الثقافات    «الصحة» تنظم مؤتمرًا علميًا لتشخيص وعلاج الربو الشعبي ومكافحة التدخين    علي جمعة: السيرة النبوية تطبيق عملي معصوم للقرآن    ب3 مواقف من القرآن.. خالد الجندي يكشف كيف يتحول البلاء إلى نعمة عظيمة تدخل الجنة    انطلاق المؤتمر الثالث لوحدة مناظير عائشة المرزوق في مستشفى قنا العام    محافظ سوهاج يوجه بسرعة استلام وتشغيل مركز الكوثر الطبي خلال أسبوعين    "10 دقائق من الصمت الواعي".. نصائح عمرو الورداني لاستعادة الاتزان الروحي والتخلص من العصبية    نائب وزير الصحة يتفقد وحدتي الأعقاب الديسة ومنشأة الخزان الصحية بأسوان    سبب إلزام النساء بارتداء الحجاب دون الرجال.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحاكمية .. و الأصول الفكرية للفرق التكفيرية
نشر في المسائية يوم 18 - 11 - 2014

فى الفكر الأصولى .. القوانين الوضعية .. حرام لأنها ليست من الله بل من صنع البشر !
شعار الإسلام هو الحل لم يرد فى الكتاب ولا السنة ، أو حتى أقوال السلف الصالح .
ما هى الآيات الخمس التى يكفر بها الحاكميون المجتمع كله ؟
الاقتطاع من الآيات والبعد عن أسباب التنزيل ونزع بعض الآيات من السياق ليوافق هواهم .
سيدنا على بن أبى طالب : "القرآن لاينطق وهو مكتوب وإنما ينطق به البشر وهو حمّال أوجه".
يقول ابن عباس : سيكون بعدنا أقوام يقرأون القرآن ولا يدرون فيما نزل فيكون لهم فيه رأى ثم يختلفون فى الآراء ويقتتلون فيما اختلفوا عليه.
عرض و تقرير : حسين الطيب
مازلنا نحاول كشف المستور فى فكر الحاكمية وتعرفنا فى الحلقة السابقة من الدراسة التى قام بها (الدكتوران طارق مصطفى و أحمد ضياء الدين المتخصصان فى الفرق الإسلامية و نشئتها ) أن الحاكمية أصولها فرعونية .. يهودية لفكرة للأفكار السلطوية التى يجب على الجميع اتباع فئة معينة فى الفكر و العقيدة و من لم يتبع فهو كافر و وقع عليه الحد و من هنا اتضح لنا أن الحاكمية ترفض حكم البشر، بل تطالب بضرورة الثورة عليه، ولذلك تأسست النظرية السياسية فى الإسلام على نزع جميع سلطات الأمر والتشريع من أيدى البشر، ولايؤذن لأحد منهم أن ينفذ أمرًا فى بشر مثله فيطيعه. مفهوم آخر للحاكمية طرحه الدكتور حسن حنفى، ويعنى أن الله عز وجل هو قمة الكون وخالقه ويحكمه ويسيطر عليه، والأنبياء هم المعلنون للحاكمية وهم القادرون على السير على هداها، فليس هناك صاحب جلالة لأن الجلالة كلها لله، ولا صاحب تشريع لأن الله هو المشرع، وإذا كانت الحاكمية بهذا المعنى فإن الاستخلاف لايكون إلا فيها، ومن هنا جاء إقرار الأنبياء للاستخلاف مؤكدين على ثلاثة حقائق :
1- السلطة العليا على الإنسان هى سلطة الله.
2- حتمية طاعة النبى وحكمه بوصفه ممثلا عن السلطان (الله).
3- القوانين التى تقر التحليل والتحريم هى من تشريع الله وحده.
و اعتمد المنادين بتطبيق فكرة الحاكمية على خمسة آيات فى القرآن ، فى سورة المائدة الآية (41 ، 44 ، 45)، وسورة يوسف الآية (40)، وسورة الكهف الآية (26). قال تعالى: ) يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌالآية (41) من سورة المائدة
وقوله تعالى: ) إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ .الآيتين ( 44 , 45 ) المائدة
ولتفسير هذه الآيات يجب أولا معرفة سبب نزولها، لأن معرفة سبب النزول تعين على فهمها، لأن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب . وأيضا هناك آيات لايتم تفسيرها أو استنباط الأحكام منها إلا بعد معرفة سبب نزولها، ولهذا فإن ابن عباس – ترجمان القرآن – أكد أن سبب نزول هذه الآيات هو أن أقوام من اليهود اختلفوا فى دية قتيل فقالوا لنذهب إلى محمد – صلى الله علي وسلم- نتحاكم فإن أفتانا بالدية فنستمع إليه وإن حكم بالقصاص فلا نستمع إليه، وذكر أيضاً
أنها نزلت فى واقعة زنا اليهوديين . هذه واحدة .
أما الثانية فتوضحها الآيات التالية : " مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ . الآية (40) من سورة يوسف .
وتأتى كلمة الحكم هنا بالدعوة إلى عبادة الله، ويتأكد ذلك أيضا من قوله تعالى : ) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26) من سورة الكهف.
إن الآيات السابقة قصد بها دعاة الإسلام السياسى أن من يحكم بغير ما أنزل الله فهو فاسق كافر لايحق طاعته ولايجب الولاء له وحربه واجبة، وليس أدل من هذا القول على مدى تأثير الغوغائية فى تحريف مقاصد الله واستعمال آياته فى غير ما أنزلت من أجله، فهذا قول يرمى إلى أهداف سياسية محضة ولا يقصد بها حماية الدين أو الحافظ على الشريعة وصيانتها، تم استعمال لها بمعنى الحكم السياسى ، أو حين يتحول الصراع السياسى من مجال الواقع إلى مجال النصوص يتحول العقل إلى تابع للنص وتتحدد كل مهمته فى استثمار النص لتبرير الواقع أيديولوجيا ، وينتهى ذلك إلى استخدام النص من قبل مفكرى السلطة وتحويل أى صراع إلى جدل دينى حول النص(حسين مؤنس : التاريخ والمؤرخون ، دار المعارف ، القاهرة ، 1984 ، ص 32.
كما يتم استعمال أسلوب الاقتطاع من الآيات والبعد عن أسباب التنزيل ونزع بعض الآيات من السياق الذى نزلت فيه وتسويق القاعدة الفقهية "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب" فهذه ليست قاعدة شرعية نزلت فى القرآن أو جاءت فى السنة النبوية، كما أن استخدام هذه القاعدة يقطع أوصال القرآن ويباعد بين آياته ويعرض عن أسباب
التنزيل التى هى أحد الأسس فى تفسير القرآن، لقول ابن عباس أنه سيكون بعدنا أقوام يقرأون القرآن ولا يدرون فيما نزل فيكون لهم فيه رأى ثم يختلفون فى الآراء ويقتتلون فيما اختلفوا عليه.
وهذا يؤكد ما قاله ابن عباس من أن ما يحدث فى العالم الإسلامى هو صراع بين اتجاه التطرف والتعقل، ولكنه أيضاً اختلاف بين منهجين وغايتين، ومن هنا فالقاعدة توجد تناقضات شديدة بين أحكام القرآن، كما تؤدى إلى نتائج غريبة لم يقصدها التنزيل ولم يهدف إليها، أضف إلى ذلك أن الناسخ والمنسوخ فى القرآن بمعنى أن حكم لاحق يلغى حكم سابق هو مبدأ يدل على حركة المشرع إلى الأمام وهى حركة يتعين على المسلمين التمسك بها، ومن هنا ظهر مبدأ الاجتهاد لأنه مؤسس على هذه الفكرة.
ولقد ورد الحكم فى القرآن بمعنيين لا ثالث لهما، وهما القضاء والفصل فى الخصومة، ومعناه الحكمة، وهو العلم، وقد حدث خلط بين مفهوم الحاكمية بالمعنى السياسى وبين الحكم بما أنزل الله، لأن الحكم هنا معناه التشريع من الله. وينظر للحكم عند أهل السنة والجماعة على أنه فرع من الفروع، وينظر للثانى على أنه أصل من الأصول وإبطاله يعد هدماً للدين. ولقد وردت كلمة الحكم فى القرآن على سبيل الحصر بكل معانيها بمعنى القضاء. وتعنى كلمة الحكم العلم والحكمة ولاتعنى الحكم السياسى على الإطلاق، وعندما استخدم اللفظ فى أول مرة من قبل الخوارج "لاحكم إلا لله" أو "الحاكمية لله" كان ردًا على التحكيم بين سيدنا على ومعاوية –رضى الله عنهما- والذى عنى به القضاء هنا، وهو ما نصت عليه وثيقة التحكيم، فالكلمة لاتعنى أن الله هو مصدر السلطة فى الدولة لأن كلمة الحكم لاتشير إلى ذلك المفهوم الحديث، بل تعنى أن الله تعالى هو الذى يفصل فى كل شئ فى الأرض والسماء، واستخدام هذا المصطلح فى المجال السياسى يعنى صرفه عن مجاله الأصلى الرحب. ولقد استخدم اللفظ فى العصر
الحالى على غير ما قصد به فى القرآن، لأنه يعنى فى القرآن القضاء بين الناس لا السلطة السياسية، وإنما أشار القرآن إلى السلطة السياسية بمعنى الأمر، ومن هنا جاء لفظ الأمير أى الشخص الذى يتولى أمر المسلمين أو يتولى الحكم .
إن أخطر شئ فى الحاكمية هى وضع الإنسانى مقابل الإلهى ، والمقارنة الدائمة بين المنهج الإلهى والمناهج البشرية ، ومن الطبيعى أن يؤدى ذلك إلى عدمية الفكر البشرى . ولكى تتعمق الهوة بين المنهجين يتم إعادة صياغة المفاهيم الدينية بإعادة تأويلها لتصب فى أيديولوجية الحاكمية خاصة مفاهيم العبادة والإله والرب والدين . إن طرح مفهوم الحاكمية بهذه الصورة ، واستخدام الدين فى الوصول إلى السلطة ونقله إلى صراع دينى يسمح بتزييف وعى الأمة وتخديرها للوصول إلى سدة الحكم.
ومن جهة أخرى يرفض الدكتور إمام عبد الفتاح هذه المقولة، ويرى أنها عدوان على الدين، حيث يشير إلى مقولة عبد الرحمن الكواكبى "ما من مستبد سياسى إلا ويتخذ صفة لها قدسية يشارك بها الله أو تعطيه مقاماً ذا علاقة بالله" ويفضل أن يطلق عليها اسم الحكم الثيوقراطى بدلا من الحكم الدينى لأن هذا ظلم للدين، فليست ثمة دين من الديانات السماوية يذهب أو يتمسك بهذا المصطلح وإنما ظهرت فى كل عصر مجموعة من أتباع الديانات السماوية تلجأ إلى التأويل لبعض النصوص وتقدم اجتهادات وتفسيرات تمكنها من الوصول إلى السلطة فتكون لها مقاليد الأمور فتستخدم فى الأغلب أحط السبل، وينشأ هذا النوع من الحكم عن طريق استخدام بعض الألفاظ التى يكون لها أكثر من معنى أو دلالة للوصول إلى أغراضها السياسية. ويرجع ذلك كله إلى انقسام المجتمع السياسى إلى فئتين متمايزتين حاكمة ومحكومة، ويظهر هنا سؤال مهم، من أين جاء هذا التمايز إذا كان الاثنين بشراً؟ فيأتى هنا دور ما يطلق عليهم اسم رجال الدين
ليخدعوا البسطاء باسم الدين، بأن الله قد ميزهم بطبيعة غير طبيعة البشر.
كما يمكن الرد على هذه المقولة "إن الحكم إلا لله" أو "الحاكمية لله" بأنها كلمة حق أريد بها باطل، وقد ساعدت الجماعات الإسلامية أو جماعات الإسلام السياسى على الترويج لهذه الفكرة بمنطق أعوج، فهى فى الأساس مقولة غير إسلامية لايعرفها القرآن والسنة، وأول ما نشأت فى مصر القديمة ثم تلقفها اليهود وانتقلت إلى المسيحية، وجاء الإسلام وألغى هذه الفكرة. غير أن دعاة الإسلام السياسى سعوا إلى تصدير هذه الفكرة عند حدوث أى أزمة اقتصادية ليشيعوا مقولة تطبيق شرع الله، وهذا استغلال للوضع، ومحاولة منهم لدفع الناس لإيصالهم لكرسى الحكم لتطبيق المفاهيم الإسلامية من وجهة نظرهم. إن التفسير السياسى للدين هو مذهب معين فى تفسير طبيعة العلاقة بين الدين والسياسة، ويقوم على تأكيد وإثبات العلاقة بينهما، ولكنه يتطرف فى هذا التأكيد وبالتالى يساوى بين السياسة والدين فى الدرجة، وقد يتطرف فيجعل السياسة أعلى درجة من الدين، حيث يجعل الغاية هى الدولة والوسيلة هى الدين، أما التفسير الدينى للسياسة فيجعل الدين هو الأصل أى أن يكون الدين ممثلا فى مقاصده وضوابطه، والسياسة بمثابة الجزء للكل.
إن ذكر المفهوم بهذا الشكل يكرس أشد أنواع النظم السياسية والاجتماعية رجعية وتخلف ، وأيضا يظهر ان الحاكمية وحدها والمنادين بها هم الذين يملكون الحقائق الخفية على القوى السياسية والإحساس لدى بعض مستخدمى المفهوم بأنهم على صواب ، كما يتيح لهم حق إصدار التشريعات التى يحتاجون إليها للسيطرة على الناس ، خاصة أن حاكمية النصوص لاتسمح بالخلاف إلا فى الفروع وفى حدود الترجيح بين آراء القدماء للاختيار منها ، لأن التمسك بالدلالات
الحرفية لمفاهيم النص تؤدى بها إلى إهدار الواقع والنص أنما تؤدى إلى تزييف مقاصد الوحى من خلال أن الإسلام جاء ليحرر البشر من العبودية بالمعنى القديم . ويرى أن العبودية لله وحده ، وأن العبودية الحقة هى رفض حاكمية البشر ، هاتين النقطتين تفسران ما وصل إليه الحال من الاقتتال العسكرى بين الإسلام وخصومه لفرض الحاكمية كما ينادى بها أصحاب الفهم الخاطئ للدين ، ذلك أن اختزال الإسلام فى ذلك إنما هو تزييف للنص وتجميده وإلغاء الحقائق التى جاء بها الإسلام.
ويمكن الرد عليهم بأن كل عاقل يدرك أن وراء إرادته إرادة الله سبحانه وتعالى، كما أن فوق كل فعل فعلا أسمى وهو فعل الحق جل وعلا، وإزاء كل حدث فى الحياة عناية الله، ويدرك كل عاقل أيضاً أن إرادة الله لاتلغى إرادته وفعله لايلغى فعل الله، وأن هذه الأفعال والإرادة هى مناط وأساس التكليف والمسألة والحساب، وهذا هو التفسير الحقيقى للحاكمية، وهو أن الحكم لله بالقوة والمشيئة والقضاء، والحكم للناس فى الحقيقة والواقع بالإرادة.
وهذا هو مدار التكليف الذى تدور حوله الكتب السماوية خاصة أن الدين يستشرف فى الإنسان أرقى وأسمى ما يمكن أن يصل إليه الإنسان، والسياسة تستثير فيه أحط القيم، وممارسة السياسة باستخدام الشعارات الدينية يحولها إلى حرب لاتنتهى وتحزبات لاتتوقف، وتصبح الانتهازية عنوانا للدين، ويقدم للظلم دليلاً من الآيات ويصبح الجشع اسماً من الشريعة، ويضفى على القتل هالة من الإيمان ونعتبره من أعمال الجهاد.
إن الحاكمية الحقيقية فى جوهرها بيان لرد الدين إلى مصدره الذى
نجد إرادته الدينية فى الشريعة باعتبارها سنة للعباد يعلنون بها خضوعهم لله، كما أنها بجانبها التشريعى تحمل معنى قبول الاحتكام إلى الله ورسوله، وليس كما يصورها لنا أنصار الإسلام السياسى من تفسير عقيم لبعض الآيات القرآنية كما يحلو لهم دون الرجوع إلى أسباب التنزيل، أضف إلى ذلك فإن تحكم شرع الله هو الرضا والتسليم بحكمه فيما أحل وحرم ونهى وأباح، وهذا هو حق خالص لله وليس لغيره.
أما إذا أردنا استخدام المصطلح فى السياسة فإنها لن تؤدى فى الممارسة الواقعية إلا المطالبة بحاكم معصوم، وهذا مستحيل. أما إذا كان المقصود بالكلمة رفض الأمة أن تكون مصدرًا للسلطات فهذا حق المنادى بالحاكمية ولكن بشرط لايدخل الله سبحانه وتعالى فى الخلاف السياسى، إذ ليس من المقبول أن يتم وضع الله جل وعلا فى موازنة مع عباده لأنه فى الأصل خارج هذه الموازنة وبالتالى يكون البديل فى نظرهم مصدرًا آخر قد يكون علماء الجماعة أو مكتب الإرشاد وأمراء الجماعات الإسلامية.
إن هذا التحليل إنما ينصب على الفكر الدينى وليس على الدين ، إذ يجب التفريق بين اليافطات الدينية المعلنة للخطاب الدينى وبين الممارسات العملية على صعيد السياسة والاقتصاد خاصة أن التحليل النقدى للخطاب الدينى قائم على أساس التفرقة بين الفكر الدينى والدين ، أى بين فهم النص وتأويله وبين النص ذاته ، وهذه التفرقة تسعى إلى فهم موضوعى للنص لا إلغائه ، كما تسعى إلى وضع الدين فى مكانه الصحيح له أى استخدامه فى الحياة السياسية بهدف السيطرة على البسطاء باسم الإسلام ( نصر حامد أبو زيد : نقد الخطاب الدينى ، ص102).
من العرض السابق يتضح أن مفهوم الحاكمية يواجه أزمة حقيقية ما بين غموض يحيط به نتج عن مواقف وتحيزات مختلفة مع افتقار
المجتمع إلى منهجية بحثية لهذا المفهوم المعقد، والخوض فى مفهوم الكلمة أدى إلى قيام كل من عمل فيها بتناوله من وجهة نظر واحدة دون النظر إلى باقى الأوجه أو البيئة التى نشأ فيها، الأمر الذى نتج عنه قيام الجماعات الإسلامية بالترويج إلى أن الأنظمة الحاكمة جاهلية ومغتصبة لسلطة لاتستحقها لأنها سلطة الله وليست لبشر، وأن هذه الجماعات هى الأولى بالوصول إلى سدة الحكم، فما كان منها إلا البحث عن قيمة عليا أو شئ يمكن أن يجمع الجماهير ويحركهم باتجاه معين، فكان طرح فكرة الجاهلية والحاكمية وذلك بهدف استعادة السلطة للوصول إلى سدة الحكم لأننا الآن نعانى من كثير من الأمور أدت إلى تحويل المقدس وهو الدين إلى محل للاتجار، والإفتاء إلى مهنة لا ضابط فيها ولا رابط، إذ تمطرنا صحف سوداء وفضائيات بفتاوى تنحو بالعقل نحو العنف والجنون الأمر الذى أدى إلى تحويل الفتاوى إلى أسلحة تشهر فى وجه كل معارض، بل تصل إلى حد اتهام الآخر بالخروج عن الدين ؛ إذ يتخذ بعض السياسيين الدين آداة فى معاركهم السياسية متجاهلين مقولة "الدين تسليم بالإيمان والرأى تسليم بالخصومة فمن جعل الدين رأيا جعله خصومة ومن جعل الرأى دينا جعله شريعة".
ويرجع ذلك لقيام البعض بالإضافة إلى دين الله شيئا كثيرًا لايرضاه الله ورسوله، واعتبر من صلب الدين ورمى من ينكره بالزندقة، فقد أضافت أكثر كتب السير ما لايصدقه العقل ولا حاجة إليه فى ثبوت الرسالة. ولأن هذه الأقاويل قد اعتبرها البعض من صلب الدين فقد رمى من أنكرها بالإلحاد، بل أن العديد من علماء المسلمين قد اتهم بالكفر والإلحاد لمجرد إنكاره بعض الوقائع فى كتب السنة. وهذا كله بسبب المنازعات السياسية واستخدام شعارات دون الرجوع إلى أصلها فى القرآن.
ويصدق هذا قول على بن أبى طالب – رضى الله عنه : "القرآن لاينطق وهو مكتوب وإنما ينطق به البشر وهو حمّال أوجه". ولهذا لايوجد تفسير واحد لكتاب الله، بل لقد تعددت التفاسير كل منها يحاول أن يرضى طرفاً أو أن يتبع هوى. والحقيقة أن التأمل فى القرآن يرينا أن اللفظ الواحد قد أتى بمعان مختلفة، وهذه أحدى دلائل الإعجاز، ولعل ذلك هو ما دفع الإمام ابن جرير الطبرى إلى القول "لقد أجرى الله الأحكام بين عباده على الظاهر وتولى هو الحكم على سرائرهم دون أحد من خلقه".
وهناك فرق بين أن يتخذ صاحب الرأى أو الجماعات الإسلامية وسائل إقناع من الدين وتأتى بالمبررات وبين أن يكون المصدر هو المبرر فى فرضه على غيره من الناس، وسعى رجال الدين إلى تأييد هذه المقولة (الحاكمية) إنما الهدف منها أن يكون لهم مكاتب أو بيوت خبرة ليعلنوا عن بضاعتهم منها، ولحشد الناس حول من يرضون عنه من الحكام.
ومن هذه الشعارات التى رُفعت "الإسلام هو الحل"، إن هذا الشعار حديث فى الإسلام ولم يرد فى الكتاب ولا السنة ، أو حتى أقوال السلف الصالح، ولكن له دلالتين، الأول أصولية و هو التبشير السياسى للدين ويقوم على اعتبار أن المقصود بالإسلام فى الشعار هو الإمامة وقيادة المجتمع. والثانية الفروع وهى الدلالة التى يمكن أن تعبر عن التبشير الدينى للسياسة، ويقوم على اعتبار أنه ينبغى أن يكون المقصود بالإسلام فى الشعار هو فى مجال السياسة....


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.