سعر الذهب اليوم الأحد 19 أكتوبر 2025 بعد خسارة 10 جنيهات.. كم سجل عيار 21 الآن؟    البامية ب50 جنيهًا.. أسعار الخضروات فى أسواق الإسكندرية اليوم الأحد 19 أكتوبر 2025    وزير التموين : عدم المساس بسعر رغيف الخبز المدعم بعد تحريك أسعار السولار    تحمل 8500 طن مساعدات.. الهلال الأحمر المصري يطلق قافلة «زاد العزة» 53 لقطاع غزة    قبل مباراة اليوم.. تاريخ مواجهات ليفربول ومانشستر يونايتد    العظمى 27.. حالة الطقس اليوم الأحد 19 أكتوبر 2025 في بورسعيد    حبس تشكيل عصابي بتهمة ترويج المخدرات في الإسكندرية    مصرع شابين في حادث تصادم مأساوي بطريق قليوب قرب مزلقان العادلي    فاضل 64 يومًا.. الشتاء يبدأ رسميًا 21 ديسمبر ويستمر 88 يومًا و23 ساعة    شرطة نيويورك: متظاهرون كثيرون يشاركون في الاحتجاجات    إزالة حالة تعدٍ على الأرض الزراعية بقرية الأخصاص بمنشأة القناطر    سعر الدولار الآن أمام الجنيه بالبنك المركزي المصري والبنوك الأخرى قبل بداية تعاملات الأحد 19 أكتوبر 2025    موعد بدء امتحانات نصف العام واختبارات شهر أكتوبر 2025    أطول تلاتة في الجونة.. احمد مجدي يمازح أحمد السعدني وخالد سليم    بافرح لما راجل يديني مصحف.. منة شلبي: «الساحر» نقطة تحول في حياتي.. ولا اعترف بلقب النجمة    دعاء الفجر| اللهم جبرًا يتعجب له أهل الأرض وأهل السماء    نقيب الصحفيين: بلاغ لوزير الداخلية ووقائع التحقيق مع الزميل محمد طاهر «انتهاك صريح لقانون النقابة»    فتح فصل ثانوي مزدوج جديد لتخصص استخلاص وتصنيع الزيوت النباتية في مطروح    أحمد سعد يغادر إلى ألمانيا بطائرته الخاصة استعدادًا لحفله المنتظر    أحمد العوضي يدخل قلوب الجمهور بعد استجابته لحلم طفلة محاربة للسرطان: "أوامرك يا ليلى"    بوني يقود إنتر لانتصار ثمين على روما في كلاسيكو الكالتشيو    زيلينسكي: ترامب لم يعطني ردًا حاسمًا لصواريخ توماهوك    «العمل العربية» تشارك في الدورة ال72 للجنة الإقليمية بالصحة العالمية    رئيس مصلحة الجمارك يتفقد قرية البضائع بمطار القاهرة    توابع زيادة البنزين، ارتفاع جديد في أسعار الجبن الأبيض والرومي والشيدر بالأسواق    شبانة: أداء اليمين أمام مجلس الشيوخ مسئولية لخدمة الوطن والمواطن    وزارة السياحة والآثار تنفي التقدّم ببلاغ ضد أحد الصحفيين    موعد مباراة منتخب المغرب ضد الأرجنتين في نهائي كأس العالم للشباب والقنوات الناقلة    التعليم توضح الفئات المستفيدة من أجهزة التابلت 2025-2026.. من هم؟ (إجراءات وضوابط التسليم)    عملوها الرجالة.. منتخب مصر تتوج بكأس العالم للكرة الطائرة جلوس    نتنياهو يعلن نيته الترشح مجددًا لرئاسة الوزراء في الانتخابات المقبلة    مصرع عروسين اختناقًا بالغاز داخل شقتهما ليلة الزفاف بمدينة بدر    نتنياهو: الحرب ستنتهي بعد تنفيذ المرحلة الثانية بما يشمل نزع سلاح حماس    أتلتيكو مدريد ينتصر على أوساسونا بالدوري    إصابة 10 أشخاص بينهم أطفال في هجوم كلب مسعور بقرية سيلا في الفيوم    تفاصيل محاكمة المتهمين في قضية خلية مدينة نصر    اتحاد الكرة يهنئ نادي بيراميدز بعد التتويج بكأس السوبر الإفريقي    مكافأة على سجله الأسود بخدمة الانقلاب .. قاضى الإعدامات المجرم "عصام فريد" رئيسًا ل"مجلس شيوخ العسكر" ؟!    المستشار الألماني: الاتحاد الأوروبي ليس في وضع يسمح له بالتأثير على الشرق الأوسط حتى لو أراد ذلك    الاحتلال يشن حملة مداهمات واعتقالات في الضفة الغربية    ذات يوم مع زويل    وائل جسار: فخور بوجودي في مصر الحبيبة وتحية كبيرة للجيش المصري    ياسر جلال: أقسم بالله السيسي ومعاونوه ناس بتحب البلد بجد وهذا موقف الرئيس من تقديم شخصيته في الاختيار    زيكو: بطولتي الاولى جاءت أمام فريق صعب ودائم الوصول للنهائيات    محمود سعد يكشف دعاء السيدة نفيسة لفك الكرب: جاءتني الألطاف تسعى بالفرج    أحمد ربيع: نحاول عمل كل شيء لإسعاد جماهير الزمالك    لا مزيد من الإحراج.. طرق فعالة للتخلص من رائحة القمامة في المطبخ    الطعام جزء واحد من المشكلة.. مهيجات القولون العصبي (انتبه لها)    فوائد شرب القرفة باللبن في المساء    أتلتيكو مدريد يتخطى أوساسونا في الدوري الإسباني    أخبار 24 ساعة.. زيادة مخصصات تكافل وكرامة بنسبة 22.7% لتصل إلى 54 مليار جنيه    برج الثور.. رمز القوة والثبات بين الإصرار والعناد    هل يجوز للزوجة أن تأخذ من مال زوجها دون علمه؟.. أمين الفتوى يوضح    توجيهات عاجلة من وكيل صحة الدقهلية لرفع كفاءة مستشفى جمصة المركزي    الجارديان عن دبلوماسيين: بريطانيا ستشارك في تدريب قوات الشرطة بغزة    "الإفتاء" توضح حكم الاحتفال بآل البيت    مواقيت الصلاة اليوم السبت 18 أكتوبر 2025 في محافظة المنيا    أعضاء مجلس الشيوخ يؤدون اليمين الدستورية.. اليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إسماعيل حسني يكتب: السلفية في ميزان الشرع والإنسانية
نشر في الوادي يوم 23 - 11 - 2013

فارق كبير ما بين الدين الإسلامي العقلاني السمح وبين الدعوة السلفية التي تشوه الدين، وتسئ استخدام النص الديني لبسط سيطرتها على الناس من أجل الوصول إلى السلطة.
ولقد أدى انتشار الدعوة السلفية في العقود الثلاثة الماضية إلى إفساد عقيدة الناس الذين أصبحوا يتصورون أن التدين يعني الالتزام بتطبيق كل ما ورد في القرآن والسنة من آيات وأحاديث، وكل ما اشتق منهما من أحكام مهما تناقضت مع مقاصد الشرع، أو تنافت مع قيم وروح العصر الذي يعيشون فيه.
انسحب الناس من عصرهم، وتخاصموا مع الأعراف والقيم الحديثة التي تسود مجتمعاتهم، وانهمكوا في استنساخ النموذج القديم والبدائي للحياة من أجل تطبيق نصوص دينية عفا عليها الزمن، فأطلقوا اللحى، وارتدوا الملابس القديمة من جلاليب وعمائم وحجاب ونقاب، ومارسوا عادات القدماء في المأكل والمشرب، وأفحشوا في الأنكحة الداعرة من مسيار ومسفار، واستمرأوا تعدد الزوجات وضربهن وتطليقهن، ولم يتورعوا عن ختان البنات وتزويج الصغيرات، وتفاخروا بالدعوة إلى منع النساء من العمل ومنع الإختلاط بين الجنسين، ووصلوا إلى العلاج بالحجامة وبول البعير وماء المطر، ذلك بعد أن زين لهم مشايخ السلفية هذا الإرتداد والانسحاب باعتباره عنوانا للتدين الصحيح، والطريق الوحيد للنجاة من عذاب الآخرة.
هذا المفهوم الفاسد للدين الذي لا يعترف بأن تطور المجتمعات لابد أن يتبعه تطور في الفكر والأخلاق والقيم، والذي يوهم الناس بإمكانية إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، والذي يقدم النص الديني على مقاصد الشرع ومصالح البشر لا يتفق مع صحيح الإسلام كما بينه الرسول (ص)، وكما فهمه الصحابة، ولكنه وليد النظرة السلفية التي تبحث عن السلطة بأي ثمن فتختذل ديننا العظيم في مجموعة نصوص من أوامر ونواهي تتسلط بها على الناس.
وتتلخص استراتيجية الدعوة الوهابية السلفية في تحويل النص الديني إلى أداة للتسلط فيما يلي:
1- إعتبار كل مجالات الحياة من سياسة واقتصاد وزراعة وتجارة ومجاري من أمور الدين أو ما يسمى بنظرية شمولية الإسلام، بشكل لا يصبح معه لحديث الرسول (ص) "أنتم أعلم بشئون دنياكم" أي معنى على الإطلاق، حيث أصبحت سائر شئون الدنيا جزء لا يتجزأ من الدين.
ولإثبات هذه النظرية السلطوية المزعومة لجأ السلفيون إلى تحريف تفسير العديد من آيات القرآن وتفسيرها تفسيرا سياسيا وأشهرها الآيتين الكريمتين "مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ" و "وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ" حيث يجتزئ السلفيون هاتين الآيتين ويستخدمونهما لإثبات شمولية الإسلام لجميع مجالات الحياة، بينما التفسير الحقيقي في أمهات كتب التفسير للآية الأولى أن الله يعلم كل ما نفعل، أما "كل شيء" في الآية الثانية فتعني الحلال والحرام والثواب والعقاب وليس كافة مجالات الحياة وسائر العلوم كما يدعي السلفيون.
2- إضفاء القداسة على جميع النصوص الدينية من آيات قرآنية وأحاديث نبوية وسنن فعلية وآراء فقهية، دون تفرقة بين القطعي والظني، ولا بين المتواتر والأحادي، ودون أي اعتبار لأسباب نزول الآيات أو السياق التاريخي الذي قيلت فيه الأحاديث، ثم تشتق منها جميعا أحكاما تلزم بها الناس في كل زمان ومكان.
ولإثبات هذه القداسة المزعومة لجميع النصوص اخترع السلفيون قواعد شرعية فاسدة ما أنزل الله بها من سلطان مثل: التفسير بعموم اللفظ، ولا اجتهاد مع النص، والمعلوم من الدين بالضرورة إلخ.
3- تقديم النص على المقاصد الشرعية ومصالح العباد: فالتراحم مثلا وهو من أهم مقاصد الشرع يتم الإطاحة به في ختان البنات وتزويج الصغيرات وتشغيل الأطفال وغيرها من المصائب لمجرد وجود أدلة تثبت وقوع هذه الممارسات في صدر الإسلام.
4- وأخيرا .. إعتبار الإسلام دين ودولة: حتى يتسنى لهم المطالبة رسميا بالسلطة كما يفعلون اليوم، وهذا محض هراء لأنه لو كان الإسلام دين ودولة كما يدعون لكانت الإمامة (السياسة) من أصول الدين أو أركانه بينما هي من الفروع كما بين الله ورسوله وكما ورد في المذاهب الأربعة.
أما منهج الإسلام في التعامل مع النصوص الدينية فهو منهج مختلف تماما، وفيه من العقلانية والتحرر ما يليق بدين سام، وهو مما يتعذر تفصيله هنا ولكننا سنحاول إيجازه فيما يلي والله المستعان:
1- أن قدسية نصوص القرآن الكريم لا ترفع هذه النصوص )في غير أمور العقيدة والعبادات) فوق مقاصد الدين أو مصالح العباد، فوظيفة النص في الإسلام هو خدمة مقاصد الدين وليس القفز فوقها، بدليل أن كثير من آيات القرآن التي نزلت وقرأت وتعبد بها المسلمون قام الله سبحانه بنسخها واستبدالها بمثلها أو بخير منها، أو أنسانا إياها ومحاها تماما من ذاكرتنا وكأنها لم تكن "مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا"، ذلك ليعلمنا أن النص ليس مقدسا في حد ذاته، وأنه يمحى من الوجود إذا انتهت الوظيفة أو المهمة التي نزل من أجلها.
2- أن آيات القرآن ليست سواء، فالآيات المتعلقة بأصول الدين وأركانه الخمس هي نصوص وقفية خالدة ثابتة وصالحة لكل زمان ومكان لأنها مرتبطة بالعقيدة والشعائر التعبدية وليس بواقع الحياة المتغير، أما غيرها من الآيات المتعلقة بشئون الحياة الجارية والمعاملات فيجوز تعديلها أو وقف العمل بها نهائيا إذا تغير الواقع الذي نزلت لتحكمه. ولقد وعي الصحابة هذا الأمر جيدا فلم يترددوا في وقف العمل بالعديد من الأحكام التي وردت في آيات قرآنية وأحاديث نبوية قطعية الدلالة مثل إيقاف قطع يد السارق في عام الرمادة، وإيقاف نصيب المؤلفة قلوبهم في الزكاة، ومنع توزيع أرض السواد، وغيرها مما يضيق المقام عن سرده هنا.
3- إذا كان الإسلام يجيز لنا التعامل بهذه العقلانية والمرونة مع نصوص القرآن الكريم على قدسيتها، فمن باب أولى أن يبيح لنا التعامل مع أحاديث الرسول وما روي عن الصحابة والتابعين والفقهاء بعقلانية ومرونة أشد، فنطبق منها فقط ما يتلاءم مع روح وقيم العصر، وهذا ما تعلمه الصحابة من الرسول (ص) الذي لم يدع العصمة إلا في تبليغ القرآن، ولم يدع لكلامه قدسية كالتي يدعيها له السلفيون اليوم ليتاجروا بها، لهذا نهى الرسول عن كتابة أحاديثه، إلا أن المتنطعين خالفوا أمر الرسول بتحريض من الحكام من أجل دس أحاديث تخدم أغراضهم، ووجد الحنابلة في آلاف الأحاديث المنتشرة مادة يمكن تحويلها إلى أوامر ونواهي يتسلطون بها على عقول البسطاء فأمسكوا بها، وتوسعوا فيها، وسموا أنفسهم بأهل الحديث.
ولم يكن الرسول (ص) متشددا في التمسك بما يصدر عنه من أحاديث كما يفعل السلفيون اليوم، بل كثيرا ما تراجع في أحاديث ثبت له ما يخالفها "كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها"، كما نهى عن الرقية الشرعية ثم أجازها، وأجاز نكاح المتعة ثم نهى عنه، وكان يقول لأصحابه "إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم". ولمنع التشدد في استخدام النصوص الدينية قال "أفت نفسك ولو أفتوك"، كما كان يكره أن يسأله الناس في أمور الدنيا التي يجهلها ولا يتنزل عليه وحيا بشأنها وكان يقول لهم "أنتم أعلم بأمور دنياكم"، لهذا لم يتردد الصحابة حين تغير واقع المجتمع بعد وفاة الرسول في وقف العمل بالكثير مما أقره الرسول في حياته، فمنعوا متعة الحج والنكاح، ومنعوا بيع أمهات الأولاد، وأوقعوا طلاق الثلاثة في مجلس واحد، وأوقفوا تطبيق الحدود في السفر وغيرها الكثير، وكان عمر لا يمل من تكرار عظته الخالدة للناس "لا تعلموا أولادكم أخلاقكم، فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم".
ولقد توارثت الأغلبية الساحقة من المسلمين عن الرسول (ص) وصحابته الكرام هذا المنهج العقلاني في التعامل مع نصوص دينهم، فلم يجعلوها سيفا مسلط على رقابهم، أو عقبة تمنع تفاعلهم مع تطور المجتمع الإنساني، وهذا ما يتجلى في العقيدة الأشعرية (عقيدة الأزهر الشريف) التي تدين بها الأغلبية الساحقة من المسلمين حول العالم، والتي ابتعدت منذ البداية عن طلب السلطة وحددت رسالتها في حفظ أصول العقيدة والعبادات وفق النصوص القطعية الدلالة والثبوت في القرآن والسنة، والاجتهاد فيما دون ذلك من نصوص ظنية وأحادية وأحكام تتعلق بشئون الحياة الجارية من أجل مواكبة التطور الإجتماعي وتوجيهه نحو تحقيق المقاصد الشرعية للدين من حفظ الدين والنفس والعرض والمال.
هذا الجرم الذي ترتكبه السلفية في حق الدين والمجتمع بتقديم النصوص على مقاصد الشرع ومصالح العباد استنكره الأئمة من جميع المذاهب وعبر العصور، حتى فقهاء المذهب الحنبلي (المذهب المعتمد لدى السلفيين)، فيقول نجم الدين الطوفي الفقيه الحنبلي "إذا تعارض النص مع المصلحة قدمت المصلحة على النص، فإذا قيل هذا افتئات على النص، قلنا بل هو تحقيق للنص، لأن النص إنما أنزل ليحمي مصالح الناس، فإذا قيل النص أدرى بالمصلحة لأنه جاء من عند الله أو من عند رسول الله، قلنا النص ثابت والمصالح متغيرة وأخذها في الإعتبار إعتبار للنص كله وللحديث النبوي القائل "أنتم أعلم بأمور دنياكم".
باحث في الإسلام السياسي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.