جامعة المنيا الأهلية تعلن نتيجة المرحلة الأولى للقبول بالكليات لطلاب الثانوية العامة عام 2025    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 16 أغسطس 2025    أسعار الخضروات اليوم السبت 16 أغسطس 2025 بأسواق الأقصر    السيسي يوافق على ربط موازنة هيئة دعم وتطوير الجامعات لعام 2025-2026    عودة الحياة وتشغيل الكهرباء بكامل طاقتها بمركز ومدينة إدفو    ترامب يطلع زيلينسكي وقادة أوروبا على نتائج قمته مع بوتين    أكسيوس: ترامب أبلغ زيلينسكي وقادة الناتو أن بوتين يفضل اتفاق شامل لإنهاء الحرب    سقوط طائرة إسرائيلية بدون طيار في غزة والسكان يتحفظون عليها.. فيديو    18 قتيلا و24 مصابا فى حادث سقوط حافلة وسط العاصمة الجزائرية    وكيل لجنة الشئون العربية بمجلس النواب : البيان العربى رسالة سياسية قوية موجهة لإسرائيل بأن الدول العربية والإسلامية تمتلك إرادة جماعية    القنوات الناقلة لمباراة مانشستر سيتي ضد ولفرهامبتون في الدوري الإنجليزي والموعد    فوز 4 من أبناء بني سويف في برلمان الطلائع على مستوى الجمهورية    ظاهرة جوية تحجب أشعة الشمس.. حالة الطقس اليوم السبت 16 أغسطس 2025 في القاهرة والمحافظات    الانتهاء من تصحيح أوراق إجابات الدور الثاني لطلاب الشهادة الإعدادية 2025 بالمنيا    محاكمة 6 متهمين في خلية «بولاق أبو العلا» الإرهابية| بعد قليل    إنقاذ سائق وتباع بعد انقلاب سيارتهما أسفل كوبري أكتوبر| صور    بعد عطلة الجمعة.. مواعيد القطارات من محطة بنها إلى المحافظات السبت 16 أغسطس 2025    وزير الثقافة يطلق «اليوم المصري للموسيقى» في 15 سبتمبر إحياءً لذكرى سيد درويش    خالد سليم يلتقي جمهور القلعة اليوم ضمن فعاليات الدورة 33 في هذا الموعد    وفاة والدة صبحي خليل وتشييع جثمانها بعد صلاة الظهر    حان وقت الدفاع عن حقوقك وأهدافك.. حظ برج القوس اليوم 16 أغسطس 2025    أمين الفتوى يوضح حكم من تسبب في موت كلاب بغير قصد وحقيقة طهارتها    رئيس هيئة الرعاية الصحية يعلن بدء التشغيل التجريبي لمستشفى السباعية المركزي بأسوان    مدير الرعاية الصحية بالأقصر يتفقد 5 مستشفيات بالمحافظة لمتابعة الخدمات    فيتامينات شائعة تسبب مشاكل صحية غير متوقعة.. احذرها    موعد مباراة ليفربول القادمة في الدوري الإنجليزي بعد فوزه على بورنموث    "رقم تاريخي".. ماذا قدم محمد صلاح مع ليفربول أمام بورنموث في افتتاح الدوري الإنجليزي؟    "بعد حفل زفافه".. 20 صورة وأبرز المعلومات عن أحمد الجندي بطل الخماسى الحديث    وزير الخارجية يحذر من خطورة أوهام إسرائيل الكبرى    أسعار الفراخ اليوم السبت 16-8-2025 فى الأسواق بالمنوفية    90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. السبت 16 أغسطس 2025    مصرع وإصابة 15 شخصًا في حادث تصادم ميكروباص بسيارة نقل بالوادي الجديد    وزارة الأوقاف تحدد 15 نقطة لاستغلال وقت الفراغ والإجازة الصيفية.. اعرفها    سيولة مرورية بالطرق السريعة بالقليوبية اليوم 16 أغسطس 2025    وفقا للقانون.. تعرف على حالات تتسبب فى وقف ترقيات الموظفين    بدائل الثانوية العامة محاصرة بالشكاوى.. أزمات مدارس «ستيم» تثير مخاوف العباقرة    حلا شيحة تفاجئ جمهورها ب إطلالة محتشمة في أحدث ظهور.. ماذا قالت؟    اليوم، انطلاق تصفيات مسابقة "دولة التلاوة" ووزير الأوقاف يقرر بثها على 4 قنوات    أول تعليق من مدرب فاركو بعد الخسارة أمام الأهلي    إخلاء سبيل صاحب فيديو المتحف المصري الكبير    موعد إجازة المولد النبوي الشريف لعام 2025 في مصر    تنسيق الجامعات 2025، خطوات التقدم للالتحاق ببرامج الساعات المعتمدة بآداب القاهرة    عمر طاهر عن الأديب الراحل صنع الله إبراهيم: لقاءاتي معه كانت دروسا خصوصية    ترامب يغادر ألاسكا بعد قمته مع بوتين    بوتين يدعو كييف والقادة الأوروبيين إلى عدم عرقلة "التقدم الناشئ"    «سر البشاميل الكريمي».. خطوات مضمونة لنجاحه من أول مرة (الخطوات والطريقة)    محمد معيط يشارك في عزاء وزير التموين الأسبق علي المصيلحي    السيطرة على حريق بمحطة كهرباء الحصايا بأسوان    مفاجآت في قائمة الزمالك لمواجهة المقاولون العرب    «مرسال» يعلن إطلاق مبادرة الإستثمار الزراعي في كينيا    عبيدة تطرح فيديو كليب أحدث أغانيها «ضحكتك بالدنيا»    غلق حمام السباحة بالتنمية الشبابية ببني سويف بعد غرق طفل صغير    تنسيق المرحلة الثالثة 2025 علمي علوم ورياضة.. كليات ومعاهد متاحة والحد الأدنى 2024    ماذا قال ريبيرو بعد فوز الأهلي على فاركو برباعية ؟    «لو بتكح كتير».. تحذير قد يكشف إصابتك بمرض رئوي خطير    وزير الأوقاف السابق: إذا سقطت مصر وقع الاستقرار.. وعلينا الدفاع عنها بأرواحنا (فيديو)    خطيب المسجد الحرام: الحر من آيات الله والاعتراض عليه اعتراض على قضاء الله وقدره    حكم من مات في يوم الجمعة أو ليلتها.. هل يعد من علامات حسن الخاتمة؟ الإفتاء تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا لا يدخل السلفيون النار أيضا
نشر في صباح الخير يوم 06 - 09 - 2011

ما الذى قدمته جماعات الإسلام السياسى كى يدعوا أنهم الأولى بإقامة دولة الدين وأن على المسلمين فريضة أن يرتضوا بهم وكلاء لله؟
الإجابة: قدموا كل ما ينبغى معه فصلهم عن إدارة الدنيا، قبل سحب ولايتهم على الدين، هذا إذا كان الله سبحانه قد ولاهم من الأساس.
ولى الإسلاميون الدين شطرهم هم، وناحيتهم وحدهم قبل محاولاتهم تطويعه لما أرادوه من حكومة وسلطة لذلك عصفت رغباتهم فى ولاية أمور المسلمين أحيانا كثيرة بالمسلمين، رغم ادعاءاتهم بحراسة الدين وبأوامر قالوا إنها من عند الله.
السؤال الثانى: هل السلفيون هم وحدهم أحباب الله كما يحبون أن يظهروا أنفسهم؟ الإجابة: لا. السؤال الأهم: هل يصلح الفكر «السلفى»، الجامد للتماشى مع عصر واسع مرن؟ الإجابة أيضا لا.
فالذى حدث، أن جمد السلفيون الإسلام بعد أن رجعوا به إلى الخلف ثم علبوه وقالوا إنهم احتكروا ماركاته وخلطاته بسيرهم على خطى السلف الصالح رغم أن السلف الصالح لا أمروا ولا شهدوا والأقرب أنهم لم يكونوا ليرضوا لو عرفوا.
السؤال: هل قدم السلفيون للإسلام جديدا؟ الإجابة: لم يحدث.
سؤال آخر: هل يمكن للسلفية إصلاح الدين وتجديد خطابه ومن ثم إصلاح الدنيا حسبما أراد الله ومثلما حثت شريعته كما يقولون؟
الإجابة: لا بوادر لهذا ولا تاريخ. ربما لذلك كان طريفا إعلان تياراتهم نية المشاركة السياسية، بعد يناير أملا فى إصلاح الدنيا.. وكان مدهشا أيضا.
سبب الأزمة أن الذين يظنون أنهم وحدهم أهل الله وبوصفهم المحتكرين وحدهم لحقائق الله كانوا فى الوقت نفسه، هم الذين يرفعون رايات التعاون كثيرا والجدل أحيانا مع من لا يعترفون، بأن لله حقوقا جعلها حكرا على أحد وأنه سبحانه لم ينص على طرق بذاتها للتعاطى مع أمور الدنيا ومن ثم أمور السياسة رغم أن السلفية لا يرون ذلك، لذلك هم يحرمون الفصل بين الدنيا والدين، ويؤكدون الوصل ويخرجون المعارضين من الملة.
تعاونهم مستحيل والتوافق معهم مستحيل أيضا، فالسلفيون يرون أنهم أدرى المسلمين بشئون دنيا المسلمين ويرون أيضا أنهم القيم على الدين القيم وهم يكذبون، لذلك فربما يدخلون النار.
الدين تراث؟!
تاريخيا كل محاولاتهم للانخراط فى المجتمعات الحديثة باءت بالفشل فخطاب «أهل السلف» واحد «جامد» بينما خطابات مجتمعات العلم والاجتهاد «واسعة»، «حرة» لا الدين فيها حكر على أحد ولا الإسلام قائم فيها بأحد ولا قائم لأحد.
فالإسلام على عكس ما يرى أهل السلف ليس دينا سلفيا، فلم تنص شريعته على أن «السلف الصالح» رضوان الله عليهم كانوا هم الإسلام، ولا أن أقوالهم وأعمالهم، رضى الله عنهم جميعا كانت عماد الدين، هذا رغم أن بعض الذين ولدوا بعد أكثر من ألف وأربعمائة عام على وفاة الصحابة لايزالون مصرين على ذلك.
يدخل السلفية النار أيضا لأنهم أحدثوا فى العقيدة مثلما أحدث الهراطقة والوضاعون فإذا كان هؤلاء قد خاضوا فى الإسلام تجريحا وذما فإن السلفية على الجانب الآخر جمدوه واحتفظوا به فى ثلاجات التاريخ لتفسد المواد الحافظة إسلامهم مع أن الله سبحانه لم يشرع الدين إلا لصلاح المجتمعات وصلاح المجتمعات لا توجد أدواته فى «ثلاجات» التاريخ!
ربما لا يعلمون لكن المنهج السلفى دعوة للعودة بالدين إلى الوراء، فتقليد السلف الصالح، والمحاولات المستميتة لمحاكاة زمانهم بزماننا رغم تغير الظروف واختلاف البلاد وتلون العباد، كانت فاحشة تاريخية ومقتا اجتماعيا وساء سبيلا.
«أهل السلف» إذن ليسوا أهل الله، حتى لو قالوا ذلك فهم «مقلدون» تراثيون مع أن الدين تقدمى عفا الله فيه عما سلف، أى ما مضى قبل نزول الرسالة، وجاءت شريعته واضعة المستقبل أمام أعينها.. للذين يتفكرون والسلفية لا يفعلون.
فى الاصطلاح تعنى «السلفية»: الاعتقاد بضرورة العودة إلى نهج الصحابة والتابعين وتابعى التابعين فى أصول الدين والمعاملات «أو هى فى تعريف آخر» انزال حكم السلف، أو المسلمين الأوائل على الواقع بصرف النظر أو المقارنة عما تقضيه المقارنة بين ظروف زمان الأوائل وبين ظروف زماننا. فالأجيال من جيل الصحابة حتى تابعى التابعين هم المقصودون بالسلف أما ما جاء بعدهم من أجيال فهم الخلف وفى اللغة أن الخلف تال على السلف وأن السلف هو ما قبل أو ما مضى.
مكمن الأزمة ومحل الخطورة فى إصرار التيارات السلفية على الاعتقاد توقف الاجتهاد فى فهم الدين وتأويل نصوصه ومعرفة علل آياته، أسبابها على ما مضى وعند من مضى.
وهم يرون أيضا وفق ما سبق أن اجتهادات الأوائل فى التفسير وفى المعاملات كانت هى الدين مع أن هذا ليس صحيحا ولا معقولا ، فى شريعة سماها الله ب«الدين القيم»، بما يحويه التعبير من قدرة على التطور والتجديد وإضافة إلى ما فيه من مرونة لاستيعاب كل ما يطرأ عليه من تغيرات مجتمعية أو ما يدخل على ظروف اتباعه من مشاكل ومعضلات حياتية.
إذًا الإسلام ليس هو السلف ولا السلف الصالح رضوان الله عليهم، كانوا هم الاسلام لأنهم لو كانوا، فالمعنى وقتها انتهاء الرسالة المحمدية بوفاة الشخص الأخير من جيل تابعى التابعين ما يعنى أن كل ما ظهر فيما بعد من علوم أصول فقه وعقيدة وفلسفة إسلامية كان عليها لو صح هذا أن تشتغل على فهم ما فهمه أجيال السلف الصالح من الدين لا أن تشتغل على كيفية فهم الدين نفسه وهو ما لم يحدث وما لم يكن له متصورا أن يحدث.
فالسلف كانوا بشرا وما سنه البشر القدماء يمكن أن يكون تراثا لكنه لا يمكن أن يكون مقدسا، فالمقدس هو الذى يأتى من عند الله مهما طال على وجوده الزمن، بينما التراث هو الذى تركه الأقدمون سواء ما كتبوه من تلقاء أنفسهم أو ما تركوه من محاولات تفسيرهم لمقاصد الله.
لذلك يمكن القول أن سلوك الخليفة أبو بكر (رض) مثلا فى واقعة ما وتفسيره لحكم قرآنى ما، كان انعكاسا لتدين أبى بكر (رض) أو مرآة لفهمه الشخصى للدين فى الوقت نفسه لا يمكن القول أن سلوكه (رض)، واجتهاداته فى الفهم، هو بالضرورة الدين نفسه.. والفارق بين الحالتين كبير.
اعتبار سلوك السلف مرادف للإسلام يعنى تحويل الإسلام إلى تراث والإسلام ليس كذلك، لذلك فالأولى اعتبار مسالكهم فى فهم الإسلام وتطبيقاته كان اجتهادا وفق ثقافتهم وقدرتهم على الاستيعاب بما يتماشى مع أرضيتهم المعرفية والعقلية ذلك الوقت.
اجتهادات السلف الصالح هى التى كانت تراثا وميراثا لأنها من عند أنفسهم بينما لا يمكن القول بأن القرآن الذى من عند الله كان كذلك، فكتاب الله ثابت نصه منذ عصر السلف للآن بينما المتغير هو تفسيرات السلف له واجتهاداتهم فيما يرون أنه القصد من آيات الله فى بناء المجتمعات وتقدمها.
لماذا إذًا لن يدخل السلف الصالح النار؟ لأنهم فهموا طبيعة الإسلام وقدرته على استيعاب الخلاف والاختلاف على عكس ما فهمه الشيخ محمد حسان أو الشيخ ياسر برهان.
ثم إن السلف أنفسهم لم يكونوا سلفيين ففى خلافة أبوبكر (رض)، حدث خلاف شديد بينه وبين عمر بن الخطاب رضى الله عنهما بعدما جهز الأول جيشا للخروج إلى ما سمى بحروب «الصدقة»، بينما رفض ابن الخطاب الحرب وشهر عنه قوله (رض): «لو لم تكن فتنة لمنعت أبا بكر».
السبب كان فى إصرار أبي بكر على الاقتداء بالرسول فى كل ما فعله دون اجتهاد وبصرف النظر عن ظروف تصرفات النبى (ص) فى وقائع بعينها لذلك قرر الخروج لحرب قبائل امتنعت عن دفع أموال كانوا يدفعونها للنبى بعد وفاة النبى.
فى الأزمة بدا أبو بكر سلفيا بينما كان عمر تقدميا حرا وعلى خلاف أبى بكر رأى عمر أن خروج جيش المسلمين لحرب قبائل تدين بالإسلام لا يجوز . ورأى أيضا أن الأموال التى كانت تلك القبائل تؤديها للنبى (ص)، كانت مقصورة على النبى (ص) وحده فى حياته بنص الآية الكريمة «خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكنا لهم» «التوبة - 103».
رأى عمر أن خروج جيش المسلمين لقتل مسلمين حرام كما رأى أن رغبة أبى بكر فى محاكاة كل تصرفات النبى (ص)، بلا ضابط رغم تغير الظروف ليس من الدين، بينما لم تخرج كل تصورات أبى بكر عليه السلام عن استعداده لحرب «كل من يمنعنى عقالا كان يعطيه للنبى» كما قال (رض) بلا اجتهاد، وبلا أدنى فرصة لمعرفة أسباب أو علل اعطاء النبى (ص) «العقال»!
خلاف «التقليد» مستمر
الخلاف بين السلف والخلف سلسلة فى تاريخ الإسلام لم يظهر لها حلول للآن مع أن نتائجها متكررة ومستمرة لا تخرج عن صدام بين تصورات مجتمعات «التقليد» على قدرتها على التجديد وبين مجتمعات ترغب فى التجديد بالفعل يغل السلفيون يدها بمناورات إعلان المشاركة أحيانا وإعلانات الرغبة فى التعاون أحيانا أخرى.
ولعل تلك النوعية من الصدام تظهر بوضوح فى الصراع الفكرى بين مدرسة «الحديث» فى المدينة المنورة وبين مدرسة «الرأى» أو «الاجتهاد» فى العراق.
فرغم طول المدة وتغير الظروف بعد وفاة النبى (ص)، ظلت مدرسة المدينة التى شكلت نواة «السلفية» على نهجها فى «التقليد»، و«التقييد»، رافضة كل ما ابتكرته مدرسة العراق من فلسفة وتحرير واجتهاد فقد استقر فى عقيدة معظم ائمة المدينة حتى ما سمى بإغلاق باب الاجتهاد فى القرن الرابع الهجرى، إن كل ما يخرج عن دراسات السنة وأسانيد الحديث وتفسيرات القرآن وفق اجتهادات الصحابة الأوائل هو خروج عن الدين، لذلك الذى قامت كل مدارس الفلسفة الإسلامية وحركات التجديد الدينى من مدرسة الرأي فى العراق منشئة علوما كثيرة رفضت التقليد ورفضت فى الأساس قبول كل المنقول من السنة النبوية دون التيقن أولا من أن النبى (ص) قد قاله أم لا.
على خلاف «سلفية المدينة»، تحسب فقهاء العراق وفحصوا واحتذروا ثم نقضوا غالب ما جاء من مدرسة «السلفية»، حتى وصلوا إلى أبعد مدى.
فشهر عن الإمام الشافعى مثلا، رفضه التسليم والإيمان بكل ما نقله أهل المدينة بوصفه منقولا عن النبى (ص) وأعلن الشافعى جزمه باطمئنانه إلى أن حديث واحد هو الذى تأكد أن النبى (ص) قد قاله فعلا وهو: «من كذب على متعمدا..».
تحسب الشافعى من نفاذ اللامعقول إلى المنقول أو السنة قابله فيضان فى المدينة بتداول كل ما شهر أن النبى (ص) قد قاله من حديث دون التيقن ما إذا كان (ص) قد قاله بالفعل أم لا، وهذا كان قمة ما أحدثه المنهج السلفى من مشكلات فى الدين وقتها ولما تلونت التيارات السلفية فيما بعد وتغيرت، أحدثت ثانى ما يمكن أن يحدث فى الدين من مشكلات إذ أصرت على رفض إعادة تصحيح ما حدث أو إعادة التفكر فى الذى حدث.
والنتيجة انتقال خطيئة السلف، إلى الخلف ففى كتابه الموطأ قال الإمام مالك فقيه المدينة أنه جمع فيه كل ما نمى إلى سمعه من حديث بصرف النظر إن كان صحيحا من عدمه قال مالك أنه جمع فى الموطأ كل ما سمع أن السلف قد رووه عن النبى وقال فى مقدمته «ضم كتابى هذا مع الصحيح الضعيف والمشهور والمرسل» والثلاثة الأخيرة أنواع لا تأخذ بها غالب مدارس الفقه الإسلامى.
ومن المدينة أيضا شهر عن الإمام أحمد بن حنبل «أستاذ ابن تيمية السلفى» عمله بالحديث الضعيف وتفضيله له عن الاجتهاد وإعمال العقل وقال ابن حنبل: «الحديث الضعيف أحب إلى من الرأى» والرأى يعنى الاجتهاد!
ممنوع الاقتراب أو التصوير
التصورات عن تعاون السلفية مع الليبراليين أو قوى اليسار مثلا، وفق إعلاناتهم الأخيرة عن رغبتهم فى الانخراط السياسى والاجتماعى حتى الآن غائمة وضبابية وربما الأصح أن يدخل أصحاب «مدرسة التقليد» إلى الساسة وحقول السياسة، بنفس ما دخلوا به ساحة التفسير والتأويل أول مرة.
الأصح أن تدخل أحزاب السلفية ساحات السياسة بالاملاءات لا بالتوافق مع أن المجتمعات الحديثة توافق لا تراشق كما أن السياسة اجتهاد لا اجهاد وغلبة أو سيطرة.
لذلك، فالصدام بين «أهل السلف» وبين مجتمعاتهم حتمى لأنه لا سبيل لقبول «السلفية» بالتجديد فى السياسة، أو استيعاب الآخر تماما كما لم يقبلوا التجديد فى الدين باستيعاب الجديد إضافة إلى أنه لا سبيل إلى اقناعهم بهذا لا هنا ولا هناك فى الوقت الذى لا يمكن للمجتمعات الحديثة ولا لمواطنيها تصور أن تكون سياسة بلادهم فى المستقبل حكرا على أفكار الساسة القدامى ولا وقفا على اجتهادات المسلمين الأوائل فى الماضى.
ثم إن «السلفييون» الجدد لم يقدموا ما يمنع هذا التداخل ولا هم هيأوا ما يمكن أن يحسن صورتهم لدى الذين يرونها تزداد قتامة. منهج أهل السلف فى رفض التجديد بالضرورى سوف يكون وبالأعلى السياسة كما كان وبالا على الدين.
فأهل السلف هم أهل السلف، جمودهم فى السياسة هو نفس جمودهم فى الدين للحد الذى أدخل على الدين ما ليس فيه وأبقى على الذى ما كان يليق له أن يبقى لولا دعوات تقديس الأوائل والقرب من تأليه تراث الذين قد سلفوا.
خذ عندك فى الفقه على سبيل المثال فحتى الآن لازالت كثير من مدارس السلفية تأخذ بثبوت نسب الطفل لأبيه مادامت قد حملت به الزوجة رغم عدم ثبوت التلاقى بين الزوجين!
ففيما يسمى بالزواج «الحكمى»، إذا عقد رجل فى بلد عقدا على امرأة فى بلد آخر بتوكيل أحد أقاربه ثم حملت الزوجة يثبت نسب المولود للزوج ودون الداعى لإثبات قدومه من البلد التى كان فيها وحتى إن لم يكن قد جاء فعلا!
وسبب ثبوت النسب فى هذه الحالة كما يرون هو قول بعض السلف أنه يجوز للزوج أن يكون من «أصحاب الكرامات»، وهم الذين فتح الله عليهم بالقدرة على التواجد فى أكثر من مكان فى نفس الوقت فيما يعرف فى التراث الشعبى ب«أصحاب الخطوة». فقالوا إنه يجوز للرجل، فى هذه الحالة أن يجامع زوجته دون أن يلقاها فعلا ودون أن تدرى هى وهو حكم ما كان ليبقى لولا الخوف من الاقتراب من أحكام الأوائل وإعادة فحصها!
وإليك هذه المشكلة أيضا فلدى كل مدارس السلفية لا يثبت نسب الطفل لأبيه فى الزواج الباطل حتى مع ثبوت التلاقى بين الرجل والمرأة، فإذا عقد مجنون أو صبى غير مميز قرانه على فتاة أو تزوجت مسلمة بغير مسلم ولو دون علمها بديانته فإنه لا يترتب على عقد زواجهما سوى ثبوت المهر للأنثى بينما لا يثبت نسب طفل ذلك العقد لأبيه!
فى المقابل استقرت مدارس كثيرة فى الفقه، على ثبوت نسب الأطفال فى الزواج الفاسد لأبيهم، متعللين بالحرص على مصلحة الأولاد إضافة إلى ثبات المهر للمرأة وضرورة أن تعتد عدة الطلاق قبل الزواج بآخر بعد التفريق بينها وبين زوجها. ماذا يعنى هذا؟ يعنى أنه فى الزواج الفاسد الأقوى من الزواج الباطل، يثبت نسب الأطفال بينما لا يثبت النسب فى الزواج الباطل فى الوقت الذى يثبت فيه المهر للزوجة فى الحالتين!
تناقضات ومثلها الكثير لازال ساريا حتى الآن بينما المنهج السلفى هو المسئول عن منع الاقتراب أو التصوير من تلك الأمور للحد الذى حرم مجرد الإعلان عن ضرورة إعادة فحصها لجبرها أو حلها بما يوافق العقل ويتماشى مع تطور الظروف، المهم أن التيارات التى منعت فحص القديم فى الدين هى نفسها التى أعلنت بعد يناير استعدادها مشاركة المجتمع سياسيا وفق ما يريد المجتمع من تجديد!
نكتة!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.