إصابة 10 أشخاص في انفجار أسطوانة بوتاجاز داخل مطعم بسوهاج    إصابة 5 عمال في مشاجرة بسوهاج لتنافس على الزبائن    إسماعيل هنية كشف خيانة الثورة المضادة فباركوا قتله .. عام على اغتيال قائد حماس    الإخوان : وقف نزيف الحرب على غزة لن يمر عبر تل أبيب    سفير مصر باليونان: مشاركة المصريين فى انتخابات الشيوخ تعكس وعيهم بالواجب الوطنى    26 دولة تعلن غلق لجان تصويت المصريين بالخارج فى انتخابات مجلس الشيوخ 2025    رسميا الآن بعد الانخفاض.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 2 أغسطس 2025    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم بلدتين في الضفة الغربية    روسيا ومدغشقر تبحثان إمكانية إطلاق رحلات جوية بمشاركة شركات طيران إقليمية    أخبار × 24 ساعة.. وظائف فى البوسنة والهرسك بمرتبات تصل ل50 ألف جنيه    ماسك يؤكد وجود شخصيات ديمقراطية بارزة في "قائمة إبستين"    كواليس من محاكمة صدام حسين.. ممثل الدفاع: طلب جورج بوش وتوني بلير لهذا السبب    عبدالمنعم سعيد: الدمار الممنهج في غزة يكشف عن نية واضحة لتغيير هوية القطاع    الصفاقسي التونسي يكشف موعد الإعلان عن علي معلول وموقفهم من المثلوثي    نجم الزمالك السابق: فترة الإعداد "مثالية".. والصفقات جيدة وتحتاج إلى وقت    خناقة مرتقبة بين ممدوح عباس وجون إدوارد.. نجم الزمالك السابق يكشف    ستوري نجوم كرة القدم.. صلاح يودع لويس دياز.. ومحمد هاني يُشيد بأداء كريم فهمي    الزمالك يحسم صفقة الفلسطيني عدي الدباغ بعقد يمتد لأربع سنوات    كما كشف في الجول – النجم الساحلي يعلن عودة كريستو قادما من الأهلي    بيراميدز يستهدف صفقة محلية سوبر (تفاصيل)    الشباب المصري يصدر تقريره الأول حول تصويت المصريين بالخارج في انتخابات مجلس الشيوخ    أبرزها رفع المعاش واعتماد لائحة الإعانات.. قرارات الجمعية العمومية لاتحاد نقابات المهن الطبية    كيف يتصدى قانون الطفل للحسابات المحرضة على الانحراف؟    زفاف إلى الجنة، عريس الحامول يلحق ب"عروسه" ووالدتها في حادث كفر الشيخ المروع    مقتل 4 أفراد من أسرة واحدة في سيوة    علا شوشة تكشف تفاصيل مشاجرة أم مكة بقناة الشمس    «الجو هيقلب».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم: أمطار وانخفاض درجات الحرارة    مفاجأة عمرو دياب لجمهور العلمين في ختام حفله: مدفع يطلق «تي شيرتات» وهدايا (صور)    كلوي كتيلي تشعل مسرح العلمين ب"حرمت أحبك" و"حلوة يا بلدي".. فيديو    محمد ممدوح عن «روكي الغلابة»: «كان نفسي اشتغل مع دنيا سمير غانم من زمان» (فيديو)    تحبي تكوني «strong independent woman» ماذا تعرفي عن معناها؟ (فيديو)    استشارية أسرية: الزواج التقليدي لا يواكب انفتاح العصر    حدث بالفن| كارثة بسبب حفل محمد رمضان ومطرب يلغي حفله في الساحل حدادًا على المتوفي    "ظهور نجم الأهلي".. 10 صور من احتفال زوجة عماد متعب بعيد ميلاد ابنتهما    منها «الذهاب بكثرة إلى الحمام ».. 6 علامات مبكرة تدل على سرطان البروستاتا يتم تجاهلها    حسام موافي يوجه رسالة لشاب أدمن الحشيش بعد وفاة والده    وصول دفعة أطباء جديدة من عدة محافظات إلى مستشفى العريش العام    حسام موافي ينصح الشباب: مقاطعة الصديق الذي علمك التدخين حلال    ترامب: نشرنا غواصتين نوويتين عقب تصريحات ميدفيديف "لإنقاذ الناس"    مركز رصد الزلازل الأوروبي: زلزال بقوة 5.5 درجات يضرب شمال شرق أفغانستان    2 جنيه زيادة فى أسعار «كوكاكولا مصر».. وتجار: «بيعوضوا الخسائر»    منطقة بورسعيد تستضيف اختبارات المرحلة الثانية بمشروع تنمية المواهب "FIFA TDS"    تشييع جثمان فقيد القليوبية بعد مصرعه فى «حفل محمد رمضان»    الشيخ محمد أبو بكر بعد القبض على «أم مكة» و«أم سجدة»: ربنا استجاب دعائى    وزير النقل يتفقد مواقع الخط الأول للقطار الكهربائى السريع «السخنة- العلمين- مطروح»    انتخابات الشيوخ 2025| استمرار التصويت للمصريين بالخارج داخل 14 بلد وغلق الباب في باقي الدول    رئيس أركان حرب القوات المسلحة يشهد فعاليات اليوم العلمى ل«الفنية العسكرية»    محافظ الإسكندرية يتابع مؤشرات حملة 100 يوم صحة على نطاق الثغر    للرزق قوانين    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ د. يسري جبر يوضح    أمين الفتوى: البيت مقدم على العمل والمرأة مسؤولة عن أولادها شرعًا    هل أعمال الإنسان قدر أم من اختياره؟ أمين الفتوى يجيب    الأسهم الأوروبية تتكبد خسائر أسبوعية بعد أسوأ جلسة منذ أبريل    فريق بحثي بمركز بحوث الصحراء يتابع مشروع زراعة عباد الشمس الزيتي بطور سيناء    مصر تتعاون مع شركات عالمية ومحلية لتنفيذ مشروع المسح الجوي للمعادن    وزير الأوقاف يؤدي صلاة الجمعة من مسجد الإمام الحسين    إدارة مكافحة الآفات بالزراعة تنفذ 158 حملة مرور ميداني خلال يوليو    من تطوير الكوربة لافتتاح مجزر الحمام.. أبرز فعاليات التنمية المحلية في أسبوع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل كانت دولة الإسلام الأولى دينية أم مدنية؟
علماء وفقهاء يجيبون عن السؤال الشائك
نشر في اليوم السابع يوم 07 - 08 - 2009

هل كانت دولة الإسلام فى عصوره الأولى، دولة دينية، أم أنها دولة مدنية عصرية بمقاييس الوقت الذى بدأ منذ دعوة الإسلام الأولى؟ المتأمل لهذا السؤال الذى مازالت المعارك تدور بشأنه يقفز بنا إلى معرفة أننا عشنا دولة إسلامية بدأت مع الرسول عليه الصلاة والسلام تعد العدة لمواجهة الأعداء، وتختار من هم أهل الكفاءة فى قيادة الجيوش، وليس شرطا أن يكونوا من أهل الفقه فى الدين، وتختار من يفهم فى تسيير أمور الناس الاجتماعية والاقتصادية وفقا لهذه القاعدة، لم يكن الإسلام وقتئذ بتعاليمه السمحة يقوم على حتمية أن يتبحر عموم المسلمين فى فقه دينهم، وإنما أقام دولة مكتملة الأركان وفقا لقواعد الهيكلة التى نراها فى الدولة الحديثة، كإنشاء الدواوين التى يماثلها حاليا الوزارات، ولأن الدولة الإسلامية كانت على هذا النحو استطاعت أن تكون الدولة العظمى فى زمانها، وتم ذلك لأنها كانت دولة مدنية وليست دولة دينية.
«اليوم السابع» فتحت القضية فى مقال سابق لرئيس التحرير، وتعرض فى عددها الحالى آراء خص بها الجريدة علماء فى الفقه والشريعة والفلسفة الإسلامية.
الشيخ فرحات المنجى: عمر بن الخطاب استعان بغير المسلمين لإنشاء الدواوين
إن دولة الإسلام الأولى التى نشأت فى المدينة المنورة ووطدت أركانها، كان النبى صلى الله عليه وسلم يسعى ليعلم الخلق كيف تكون القيادة الصالحة، لأن الإسلام لا يمكن أن ينمو فى ظل ملكية أو جمهورية أو دولة رئاسية فى ذلك الوقت، إنما كان الخيار الوحيد هو أما أن يؤول الحكم للنبى محمد أو لرؤوس القبائل فى ذلك الوقت، لذا كان الحكم شاملا وقتها للنظام الدينى والمدنى معا، وقد أوتى النبى من الحكمة والتصريف للأمور ما لم يؤت أحد من الناس، فكان مبلغا للرسالة ناشرا للدين قائما على أمور المسلمين حاكما فيما بينهم، وكانت هذه هى طبيعة الدولة الأولى فى الإسلام.
أما بعد ذلك فكانت الأمور قد بدأت فى إدخال عناصر أخرى حتى لو كانت غير مسلمة، وعلى سبيل المثال فقد استقدم الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه أناسا من غير المسلمين لينشئوا الدواوين (وهى الوزارات حاليا)، ويعلموا المسلمين كيف تكون الإدارة، ثم بعد ذلك زاد الأمر شيئا فشيئا إلى أن تحولت الدولة إلى «مدنية» لا تخالف شرع الله لاعتبارها «مسلمة»، وليس معنى أنها لا تخالف شرع الله أنها دولة إسلامية، وإلا كان الخروج عن أى قانون يصدر عن رئيس الدولة «كفرا»، لأنه يكون حاكما للبلد بأمر الله.
والمثال القريب على ذلك ما حدث مؤخرا فى إيران من تكفير لبعض الناس لمجرد أنهم لم يلتزموا بأوامر الملالى وآيات الله والولى الفقيه، كما أن السبب الآخر الذى يقوض فكرة الدولة الدينية أن كثيرا من رجال الدين من الممكن ألا تكون فيهم الصلاحية ليكونوا ساسة ووزراء، لأنهم غير متخصصين فى هذا الأمر فلا يمكن أن نأتى بأئمة المساجد ليتولوا وزارات مثل الصناعة أو التجارة أو الصناعة مثلا، وإلا سيكون رئيس الدولة حينها دارسا وفقيها وعالما لجميع المذاهب الإسلامية ومرجعية دينية كبرى وهو أمر عسير جدا.
إذا رأينا مثالا آخر فى إسرائيل التى قامت على أساس الدين بدعوة مؤسسيها إلى الدولة اليهودية، كان هذا سببا منطقيا للهجوم عليها، ووصف من يتبنوا هذه النظرية بالتشدد والإرهاب، فمعنى أن تكون دولة يهودية، يعنى أنك لا تقيم حقوقا داخلها لغير اليهود، وقس على ذلك، فنحن لو قلنا «دولة إسلامية»، فمعنى ذلك أنه لا حق لغير المسلم فى هذه الدولة بل يجب أن يعامل معاملة مواطن من الدرجة الثانية، وهذا ما لا يرضاه الشرع، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهل الكتاب «لهم ما لنا وعليهم ما علينا»، فبالمعنى الضيق لا توجد دولة إسلامية أو يهودية أو مسيحية على الإطلاق.
النقطة الأخيرة هنا أننا حينما نقول إن هناك 56 دولة مسلمة فليس معنى ذلك أنه لا يوجد مسلمون فى غير هذه البلاد، أو أن كل المقيمين فى هذه البلدان مسلمون، والواقع الآن يحتم أن تكون الدولة مدنية لا علمانية ولا دينية، ولكن المهم هى ألا تخالف شرع الله، فقد زرت إيران أكثر من مرة وجلست مع علية القوم وأقلهم شأنا وتحدثت مع الاثنين، فوجدت الشطط عند الفئة الأولى والكره والبغض والحقد عند الفئة الثانية، لأن علية القوم أباحوا لأنفسهم ما لم يبيحوه لغيرهم، وعلمت من بعض الناس هناك أن ما يصرف من أموال على الحوزات العلمية إنما يصرف على القائمين عليها، وأقول بصدق إن أغنى طائفة فى هذه البلاد هم الملالى والآيات العظمى بينما باقى الشعب يعيش فى تعاسة.
د.أحمد الفنجرى: الإسلام لا يعرف مصطلح «رجال دين»
لا يوجد فى الإسلام ما يسمى دولة دينية، فأن تنشئ دولة بهذا الاسم فأنت تريد أن تؤسس لولاية الفقيه وهو أمر غير مقبول فى مصر، كما أن الدين الإسلامى لا يعرف مصطلح «رجال الدين».
الإسلام فقط يعرف رجال العلم، وهو ما يؤكد بكل وضوح أن الدولة فى الإسلام «مدنية» لا دينية ولا علمانية، فالذين ينادون بما يسمى «دولة الخلافة الإسلامية» ويطالبون بعودتها، لا يعلمون أن الخلافة ليست أصلا إنما هى تطبيق إسلامى للحكم قد يصلح لعصر دون الآخر.
ولعل التأكيد على مدنية الدولة جاء من ترسيخ النبى صلى الله عليه وسلم ومن بعده الخلفاء الراشدين لمبدأ الشورى فى الإسلام بوصفه تطبيقا متقدما للديمقراطية، وأكدها أبوبكر الصديق رضى الله عنه حين تولى بقوله «وليت عليكم ولست بخيركم» مطالبا المسلمين بأن يقوموه، كل هذا والبعض الآن يستشهد فى دعوته لما يسمى بالدولة الدينية، بالعودة إلى القرون الأولى من الإسلام حيث عهد الخلفاء الراشدين.
نفس الأمر أيضا لمن ينادون بتطبيق الشريعة الإسلامية بوصفها أساسا لإصلاح الحكم، وهم بذلك يتجاهلون أن الرجوع للشريعة يكون فى الأصول والمسائل القطعية فقط، أما باقى الأمور الدنيوية فهى تحتاج إلى الاجتهاد ومن دونه لن تفيد أى نصوص دينية، حتى المتحدثين عن علمانية الدولة مستخدمين حجة «السمو بالإسلام» عن السياسة والحكم والإدارة بوصفها أمورا دنيوية نحن نقول لهم لا تنسوا أيضا أن الإسلام دين ودنيا، ولا يجب فصل أحدهما فى تطبيقه عن الآخر.
أخيرا فإن وجود تطبيق الدولة المدنية التى نادى بها الإسلام يمنح الشعوب حريتها فى اختيار حاكمها وخلعهم حين تشاء (الديمقراطية بمعناها الشامل)، كما أنها تمنع توريث الحكم كما فى الدولة الدينية المزعومة، وتمنع الكثير من الظلم الذى يقع على الشعوب بذريعة «الحكم باسم الله».
د.آمنة نصير: لا نريد دولة إسلامية معلقة بكهوف التاريخ
الإسلام ليس عدوا للدولة المدنية ولا لما تحمله من قيم العدالة والحقوق والواجبات لجميع المواطنين، والبعض الذى يروج لمفهوم الدولة المدنية على استحياء، غرضه غير المعلن فى ذلك أن لا يكون للدين الإسلامى دولة، ويريدون بذلك الخلط بين أهل الفكر المتطرف ومفهوم المدنية المتزن الذى يأخذ من حضارة الحاضر دون أن ينقطع عن جذور الماضى، وبالتالى القضاء على كل ما يتصل بالإسلام حتى لو كان فيه إفادة لهم.
نحن لا نريد دولة إسلامية معلقة بكهوف التاريخ، بل ما نريده دولة تأخذ بكل ماهو فى المدنية المعاصرة ما لا يتصادم مع صحيح الشريعة.وفى ذات الوقت لا نريد رجال دين فى سدة الحكم، لأنه لا يعقل أن نتحول إلى دولة حاخامات مثل إسرائيل، بل نريد دولة تقوم على العدل ويحكمها أهل التخصص والخبرة والقدرات الذاتية، حتى لا نفاجأ بشيخ على ناصية كل وزارة. ولا حرج من أن يتواجد قبطى على رأس أعلى مؤسسات الدولة، ولا أجد غضاضة أن يتولى قيادة الدولة من أى دين مادام كان هو اختيار الشعب.
لكنى أحذر ممن يروجون للدولة المدنية كدعوة مبطنة يريدون بها الذهاب بمصر إلى ما ذهبت إليه أوروبا من الاضطهاد الكنسى فى فصل الدين عن الدولة، ليصبح الشعار «أعط ما لقيصر لقيصر.. واعط ما لله لله». متناسين نماذج فى الحكم والخلافة الإسلامية مثل عمر بن الخطاب الذى كان يطبق العدل على نفسه أولا قبل الرعية، وعمر بن عبدالعزيز الذى استطاع فى وقت قصير بث العدل ورعاية الرعية حتى إنه لم يجد فى عهده من يستحق الزكاة.
مفهوم «المواطنة» فى الدولة المدنية كان موجودا من قبل فى الدولة الإسلامية التى أسسها الرسول صلى الله عليه وسلم، ففى صحيفة «المدينة» تم الإعلان عن قيم العدالة الكاملة والحقوق والواجبات على قدم المساواة فى نصوص الوثيقة. ومن يقرأ بنود صحيفة المدينة يجد فيها المفهوم الحقيقى للمواطنة «لهم ما لنا وعليهم ما علينا». وبناء عليه فالدولة الإسلامية ليست عدوا يتربص بمفهوم المواطنة. والدولة المدنية هى تلك التى تحترم حقوق الإنسان حتى فى الحروب، وأثبت ذلك فى الوثيقة الدولية الخاصة بحقوق الإنسان فى الحروب عام 1948، فلم تأت بجديد عن ممارسات الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه من بعده فى الحروب، وهو ما يؤكد وجود الدولة المدنية تماما فى الممارسات الإسلامية سواء فى الحرب أو السلم أو الإدارة.
وفى هذا السياق أقول إن المواطن البهائى من حقه أن يتعايش وأن تتم مناقشة أفكاره، ووضعها فى حجمها الطبيعى دون تعذيب أو حجر على الرأى، ومن حقه أن يعيش دون أن يحارب العقائد السماوية، هو حر فى الإيمان بأى نظرية دون ادعاء للنبوة أو التشكيك فى أى عقيدة من العقائد.
د. حامد طاهر: نظام الخلافة أبرز حكاما رائعين.. لكنه أوقف الاختيار بين متنافسين متكافئين
يجمع المؤرخون على أن نظام الدولة لدى المسلمين إنما بدأ فى عهد الرسول «ص»، فقد كان بالإضافة إلى مهمته النبوية الشريفة هو الحاكم الفعلى للدولة الناشئة: يشرف على شئونها، ويوحد عناصرها، ويقود حروبها، وعندما استقرت قام بتعيين الحكام على بعض الأقاليم البعيدة عنها، كما أرسل السفراء إلى الدول الكبرى المجاورة.
وعندما توفى الرسول «ص» لم يحدد أحدا يخلفه، ولا نظام حكم معين يسير عليه المسلمون.. ولذلك كانت المبادرة منهم بإنشاء «نظام الخلافة»، الذى يبدأ ب«أخذ البيعة» من سائر المسلمين، على أن يحكم خليفة رسول الله بما يرضى الله ورسوله.
وعلى هذا النظام استمر المسلمون فى مبايعة الخلفاء الأربعة «أبوبكر، عمر، عثمان، على»، وكان الحاكم صاحب سلطات مدنية، ومكانة دينية فى نفس الوقت. فهو الذى يحكم ويؤمّ المسلمين فى الصلاة. أى أنه كان قائدا مدنيا وإماما دينيا، وكما نعلم حاول كل منهم أن يترسم خطى الرسول «ص» فى كل أحكامه، وأن يحقق العدل والمساواة بين المسلمين، ولهذا استحق كل منهم، وهم مجتمعون لقب الخلفاء الراشدين.
ثم تحولت الأمور بعد ذلك، فنشأت الدولة الأموية عقب انتصار معاوية بن أبى سفيان على علىّ بن أبى طالب فى حرب أهلية مؤسفة، قتل فيها العديد من المسلمين، واتبعها نظام حكم يراعى الإسلام من حيث الظاهر، لكنه يحكم فى الواقع بأسلوب مدنى، استمد بعض مناهجه، ومظاهره أيضا من الحكم فى دولة الروم، الأقرب إلى العاصمة دمشق فى الشام، ومن ذلك مثلا أن المسلم كان يأتى من بلده البعيد فيقابل الخليفة وهو جالس فى المسجد مباشرة، فأصبح لا يستطيع لقاءه إلا بعد مروره على الحجّاب، وسؤاله عن طلبه، والاستيثاق من مخبره!
لكن مما يذكر لصالح الدولة الأموية أن الفتوحات الإسلامية امتدت فى عهدها «40 - 132 هجرية» من حدود الصين إلى شواطئ الأطلسى فى المغرب العربى، وهنا يمكن القول بأن الذى يريد أن يكشف عن كثير من عناصر الحكم المدنى عليه أن يفتش جيدا فى نظام الأمويين، فقد كانوا يتخذون قراراتهم فى الغالب على أساس من المنفعة العملية، ويقيمون علاقاتهم الدولية على أساس المصالح، ولم يكن الدافع الدينى هو المسيطر عليهم تماما فى ذلك.
ولعل هذه النقطة ذاتها هى التى استغلها خصومهم العباسيون لنقد دولتهم، فقد اتهموهم بالبعد عن الدين، وعدم التمسك الدقيق بتعاليمه واستغلوا بالطبع بعض الأخطاء لدى حكامهم المتأخرين فأثاروا عليهم الجماهير، التى تعاطفت معهم، لأنهم رفعوا شعار عودة الحكم لأهل بيت النبوة، والمقصود من ذلك أحفاد على بن أبى طالب، لكنهم بعد انتصارهم نكّلوا بهؤلاء الأحفاد، وتتبعوا شيعتهم بالقتل فى كل مكان!
قامت الدولة العباسية «سنة 132 ه» وهى ترفع شعار العودة إلى الدين، وهذا أمر يجذب الجماهير، ومع ذلك فقد استمروا فى نظام الحكم بنفس أسلوب الأمويين، وبتأثير أكبر من دولة الفرس الأقرب إلى عاصمتهم الجديدة فى بغداد، التى استمر فيها الحكم من «132 - 656» وهو تاريخ غزو التتار، وتدمير العاصمة، والزحف حتى حدود مصر، حيث أوقفهم المماليك بقيادة قطز وبيبرس فى معركة عين جالوت «658 ه».
كيف كانت طبيعة حكم العباسيين؟ احترام ظاهرى لتعاليم الدين، فالخليفة له جانبان: سياسى ودينى، وفى نفس الوقت عندما تفرض الظروف تغليب الجانب الدنيوى فإن الخليفة نظرا لمصلحته ينحاز إليه. وفى هذا العهد، تم إبعاد العنصر العربى عن الحكم، وكذلك الفرس، وحل محل الاثنين الجنود والقواد الأتراك الذين ما لبثوا أن سيطروا على مقاليد الدولة، وصاروا يعزلون ويعينون الخليفة الذى يحقق مصالحهم.
لم تتقدم الفتوحات الإسلامية شبرا واحدا فى عهد العباسيين، رغم طوله، بل كان عليهم أن يحافظوا على الحدود التى بلغها أسلافهم من الأمويين، والأدهى من ذلك أن بعض المناطق البعيدة انتزعت منهم! كما أن اللغة العربية اختفت فى عهدهم من بلاد فارس نفسها، التى كانت قد تقبلت اللغة العربية، وألّف علماؤها بها.
ماذا كان حال المعارضة السياسية؟ كان أسلوب الضرب بيد من حديد هو الأسلوب المتبع فى كل من الدولتين الأموية، والعباسية. الأولون حاربوا الخوارج حتى قضوا عليهم، وكذلك الشيعة. أما العباسيون فقد كان الشيعة هم ألد أعدائهم. ولهذا السبب استشعر العلماء المسلمون الكثير من الخوف على حياتهم، فلم يخوضوا فى السياسة، على الرغم من غزارة إنتاجهم فى مختلف مجالات الحياة، وأكاد أزعم أن المؤلفات السياسية لا تبلغ عشرة كتب معتبرة، يأتى على رأسها بالطبع «مقدمة ابن خلدون».
أما نظام القضاء، الذى كان يتصل مباشرة بمشكلات الناس، فقد كان الخليفة هو الذى يعين «قاضى القضاة» وهذا بدوره يعين القضاة الذين يتفقون مع مذهبه الفقهى، وبالطبع كان بيد الخليفة أن يعزل قاضى القضاة متى شاء!
مشكلة المسلمين أنهم لم يدركوا جيدا المساحة المفتوحة فى السياسة التى أباحها لهم القرآن الكريم، والرسول «ص» فى سنته الشريفة، وبالتالى كان عليهم أن ينشئوا النظام السياسى الذى يتمشى مع طبيعة كل عصر، وكانت أكبر الأخطاء هو استغلال شعارات الدين دون العمل الحقيقى على تنزيل أحكامه على أرض الواقع، وفى حياة الناس.
ولاشك أن نظام الخلافة الذى أنشأه المسلمون قد أبرز عددا من الحكام الجيدين، بل الرائعين، لكنه فى عمومه أوقف عملية الاختيار الأفضل من بين متنافسين متكافئين، كما حدث يوم السقيفة حين جرى اختيار أبى بكر، وكما حدث عند اختيار عثمان بن عفان.
وهنا ينبغى أن يطرح سؤال: هل كانت البيعة تؤخذ برضا جميع المسلمين، وباختيارهم الحر؟ إن الواقع التاريخى يؤكد أنها لم تكن دائما كذلك، وفى أحيان كثيرة كانت تفرض على المسلمين فرضا، والذى يعترض لا مكان له إلا فى السجن أو فى القبر.
وأخيرا فإن التاريخ الحقيقى للنظام السياسى فى الدولة الإسلامية مازال يستحق المزيد من الفحص، والبحث المجرد من الهوى، وعدم التعصب، من أجل تحرير الأحكام الصادرة عليه، والتى من الممكن أن تمثل ثروة حقيقية للمسلمين فى العصر الحاضر، لكى يبتعدوا عما وقع فيها من أخطاء، ويستعينوا بما ظهر فيها من إيجابيات.
لمعلوماتك..
◄394 مليوناً عدد الشيعة فى العالم حسب إحصائية أجراها أحد المراكز البحثية الشيعية فى إيران عام 2000
موضوعات متعلقة..
◄ الإسلام فى مصر وسطى لا وهابى ولا شيعى
◄ "الاجتهاد العقلى" الفريضة الغائبة فى أدبيات السلفيين ورجال الأزهر..والوسيلة الأقرب لاتهام المجددين بالكفر
◄ الشيعة هتفوا فى لندن ضد مبارك وطالبوا بالإفراج عن العلامة والمرجع الشيعى حسن شحاتة
الإعلام ساحة الصراع المذهبى بين السنة والشيعة فى مصر
◄ حرب الشيعة والسلفيين للسيطرة على فكر الأزهر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.