هل فكرت يوما أن تدخل عالم الجن والسحر الأسود وتفك سحرك ؟ هل راودك حلما وأردت تفسيره ؟هل أفصحت يوما عن اسمك واسم أمك على شاشات التليفزيون ؟ هذا ما تطلبه منك برامج مثل خبايا، حلمي، لما يدور القدر، تفسير الأحلام، نجوم وأبراج.. لكي ينكشف سرك وتحل مصيبتك وتقرأ قدرك.
هذه باختصار نوعية من البرامج التي تقدمها قنوات مثل "كنوز، شهرزاد، الحقيقة، جرس.. الخ"، والذي يمتد من كونه برنامج إلى فترة بث القناة .
فكرة البرامج تقوم على سحب المشاهد لعالم السحرة ومفسري الأحلام عن طريق مشاهدة التليفزيون بدلا من الدخول بهم في سراديبهم المظلمة ، والاتصال بهم عبر الإيميلات ورسائل SMS ليحكي عن مشكلته التي تدور بين المرض المستعصي ، وتأخر الزواج، والعقم، والرغبة في معرفة المستقبل .
وبعد قراءة الطالع والاتصال بالعالم السفلي يأتيك الحل ملفوفا بعباءة الدين والقرآن فيعلمك الشيخ طريقة فك السحر وعمل الأحجبة ، وذلك بكتابة أحد الآيات القرآنية أو اسم من أسماء الله الحسنى أكثر من 1000 مرة في أشكال هندسية غريبة، وتحتفظ بهذا الحجاب تحت وسادتك العمر كله.
ومع أن قنوات العري والإغراء هي أول من فتح باباً للشيطان الفضائي إلا أن قنوات السحر والدجل كان لها النصيب الأكبر وسط مئات من الفضائيات العربية، حيث قفزت قناتي شهرزاد وكنوز وهما قناتين مختصتين في التنجيم وفك السحر، والتي وصلتا إلى قمة القنوات العربية الأكثر مشاهدة .
وأخذت تنافس هاتان القناتين كبرى القنوات الموسيقية التي كانت تحقق وحدها أكبر قدر من الأرباح بسبب نسبة المشاهدة العالية، حيث استطاعت أن تجذب مشاهدي القنوات الموسيقية إلى عالم الجن والسحرة وادعاء العلم بالغيب .
وحسب أحد الجزائريين المتعاملين في هذا المجال فإن الطلب في الجزائر على أرقام هاتين القناتين بلغ ذروته في المدة الأخيرة إلى درجة الازدحام وصار يضاهي الطلب على قنوات روتانا الموسيقية التي كانت الأكثر طلبا في الجزائر.
كما أصبح الجزائريين يأتون في المرتبة الثانية بعد دول الخليج من ناحية الطلب على قناتي كنوز وشهرزاد .
وتعتبر قناتى "كنوز" و"شهرزاد" نوعية جديدة من الفضائيات التي تعتمد على أسلوب التنجيم وقراءة الفنجان على الهواء مباشرة ، حيث يزعمون أنهم "يقرؤون الفنجان عن بعد"، ويكتبون "الحجاب" للمشاهدين عبر شاشات الفضائيات، لفك السحر أو جلب الرزق أو فتح الطريق للزواج أو إعادة الحب للزوجين.
وتعتمد برامجهما علي "الحبكة الدرامية" عن طريق إلباس الضيوف الذين يردون على المشاهدين ملابس تشبه لباس العرافين والعرافات في الأفلام المصرية القديمة لجذب "الزبون" وإيهامه بقدرتهم على قضاء حاجته المطلوبة، مثل استضافة امرأة عجوز تلبس لباسا غريبا، كي ترد على المتصلات بالفضائية تليفونيا، أو "شيخ" يرتدي عباءة العرافين القدامى ليفك العمل والسحر!.
والأكثر طرافة أن هؤلاء المشعوذين لا يملون من تكرار نفس المطالب القديمة على الهواء مباشرة، والتي كان يتم السخرية منها في الزمن القديم مثل طلب "ورك نملة" و"عين ديك" و"جناح خفاش". بالدورق والورقة والقلم يدعون معرفة الغيب
وتعتبر أم وائل نجمة برامج قناة كنوز وهي تأخذ اسم الشخص المتصل مع اسم أمه وتكشف لهم بالماء مستقبلهم أو ما يعانون منه بسبب أعمال شيطانية وأكثر من ذلك فإن أغلب قراءتها للآيات القرآنية غير صحيح.
أما قناة شهرزاد فنجمها الأول اسمه أبو علي الشيباني وهو يدعي أنه يقاسم الجن الأكل والشرب، والمسكن، ويقول إنه يستغل هذه العلاقة بالعالم السفلي لخدمة البشر، حتى أنه ذهب إلى تحريم زيارة الحرم والاستعانة بالرقية وقال في أحد برامجه أن السحر حلال ، ونسب للرسول صلي الله عليه وسلم حديثا يقول فيه "تعلموا السحر ولا تعملوا به"، وكان وراء هذا التصريح موجة غضب كبيرة ،حيث قام مجموعة من العلماء السعوديين بإصدار بيان يحرم متابعة قناتي كنوز وشهرزاد باعتبارهم تروجان للدجل والشعوذة .
ولا نستبعد على هذه الفضائيات المشعوذة استخدام أداة من أدواتها للنصب على الهواء ، حيث تستعين بموظفين يقومون بدور متصلين من الخارج ليشكروا العرافين والعرافات على "سرهم الباتع"، ونجاح وصفاتهم، ويطلقون على بعضهم لقب "الشيخ" أو "الشيخة"، لمزيد من إيهام أصحاب الثقافة الدينية الضحلة بأنهم "مكشوف عنهم الحجاب"، ويحرصون على كتابة إيميلات بعض المشعوذين ليتصل بهم الزوار!
وكان برنامج 99 قد عرض حلقة عن تخاريف قناتي "شهر زاد" و "كنوز" ، و استطاع فيصلالعرفج مخرج البرنامج كشف عدد من حيلهم على الهواء ، و إدخالهم مكالمات مرتبة تؤكد شفاء زبائنهم ، و عرى أساليبهم الملتوية .
وقد سببت هذه الحلقة ردود فعل واسعة أدت إلى انخفاض معدل الاتصالات على هذه القنوات ، بعدما عرفوا خطورتها وهو ما جعلهم يلجئون إلى تهديد مذيع البرنامج صلاح الغيدان المذيع بالقناة الرياضية السعودية بإيذائه و إصابته بالمرض عن طريق ما يزعمون من قدرتهم السحرية الخارقة .
ويصرح إعلاميون يعملون في بعض هذه الفضائيات إن مصدر رزقهم الأساسي يعتمد على نخبة من النساء والرجال المترفين الأغنياء، الذين يعانون من فراغ قاتل وخواء في الثقافة والأفكار والمفاهيم الدينية، ولا يجدون مشكلة في الاتصال بهذه الفضائيات بدافع التسلية وتضييع الوقت، وإن هذه الفضائيات تعتمد على اتصالات هؤلاء الزبائن وتتعاون مع مراكز دولية للاتصالات أو وكالات إعلان لجلب هؤلاء الضيوف ونزف أموالهم عبر الاتصالات التي ينفقون عليها أموالاً كثيرة.
جهل وضعف إيمان
أما علماء الاجتماع فيرون أن انتشار هذه الخرافات والفضائيات التي تروج لها، يعود لعدة أسباب ، منها رغبة أصحاب المشاكل في تجربة أي وسيلة علمية أو غير علمية للحصول على مقصدهم ، مثل لجوء الزوجة العاقر إلى المشعوذين بأمل البحث عن وسيلة للحمل، في حالة فشل العلاج الطبي، أو لجوء المريض لهذه الوسائل طالما أنه لن يخسر شيئاً من التجربة. ويقولون إن زيادة نسبة الأمية والثقافة الخطأ واستمرار اعتناق الموروثات القديمة دون تفكير علمي، وانتشار الأمثال الشعبية التي يرتبط بعضها بهذه الخرافات ، فضلاً عن سهولة الاتصال تليفونياً بدون أن يحرج الشخص نفسه بالذهاب إلى هؤلاء العرافين في أوكارهم.. يساهم في نشر هذه الخرافات.
أما د. محمود عبد الرحمن حمودة أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر فيؤكد على ارتفاع نسبة المؤمنين بقدرة الدجالين والمشعوذين على حل مشكلاتهم وشيوع المعتقدات الخاطئة بين العرب، ويؤكد أن هذه النسبة زادت لتتجاوز نسبة ال 70% من المصريين ، الأمر الذي يعكس عدم رغبة الكثيرين في إجهاد العقل بالتفكير .
وفي دراسة أعدها المركز القومي المصري للبحوث الاجتماعية والجنائية هذا العام والتي تؤكد وفق دراسة للدكتورة سامية الساعاتي أستاذة علم الاجتماع والدكتور عبدالرحمن عيسوي أن 63% من المصريين "منهم 11% من الفنانين والسياسيين والمثقفين" يلجئون للسحر في بعض الحالات، و20% يعتقدون بجدوى "الزار"، و55% من المترددات على المنجمات فعلياً أو فضائياً هن من المتعلمات المثقفات!
رفض إسلامي
أما عن رأي علماء الدين فيؤكد د.صلاح زيدان الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بالأزهر أن مبدأ قراءة الفنجان ، والأبراج ، وجميع وسائل الشعوذة على الفضائيات أو غيرها، هو أمر يخالف المصادر الأصلية للشريعة الإسلامية ، ولا يحترم العقل والإسلام ، ومشاهدة مثل هذه القنوات والبرامج فيها عبث بالعقل، وفيها إهدار للوقت. وان هذا الوقت سوف يحاسب الإنسان أمام ربه فيما ضيعه، وبالتالي فمشاهدة هذه البرامج والقنوات المتخصصة في هذا العبث.. مكروهة.
أما عن برامج تفسير الأحلام فهي أيضا شكلا من أشكال الشعوذة وادعاء المعرفة بالغيبيات التي يقول من يقدمونها أنهم علماء إسلام ويستندون إلى تفسير الأحلام لسيدنا يوسف عليه السلام التي وردت في القرآن الكريم يقول د.زيدان إن القرآن الكريم أورد تفسير الأحلام في قصة يوسف عليه السلام بالفعل، ولكن الانحراف عما أقره القرآن الكريم هو من الخزعبلات.
وهناك رأي آخر مشهور للشيخ د.عبدالرحمن السديس إمام المسجد الحرام وعضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى بالسعودية والذي يقول فيه "إن العقول البشرية قد تعرضت لعمليات وأد واغتيال خطيرة عبر حقب طويلة، عبر خناجر الوهم والخرافة، وألغام الدجل والشعوذة، ويصفها بأنها "أعتى طعنة تسدد في خاصرة الإنسان العقلية، وقواه الفكرية والمعنوية ".
أما هؤلاء الدجالين فلا يخافون الله ولا لآيات ربهم يعترون ، فلقد قال تعالي في آياته " قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون " (65) سورة النمل
" واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون " (102) سورة البقرة .
وقف المهزلة الفضائية
فضائيات الشعوذة تشهد إقبالا كبيرا ولمواجهة موجة السحر الفضائي جدد وزراء الصحة العرب في اجتماعهم في فبراير الماضي بالجزائر، إلي الدعوة " للتصدي لبعض القنوات الفضائية التي انتشرت فيها ظاهرة الشعوذة ومدعي الطب، إضافة إلى ما تبثه هذه القنوات الفضائية من مواد مسمومة لا تحترم عقول الناس".
مشددين على أن "هذه الفضائيات المشعوذة تستخف بعقول الناس وتروج للخرافات التي تسهم في زيادة معدلات المرض، والإعاقة بعد مطالبات عدة علي المستوي الإعلامى ، والجماهيري العربي لوقف مهازل القنوات الفضائية المتخصصة في ترويج الكهانة والدجل، والبدع والشعوذة أمثال قناتي "كنوز وشهرزاد".
بينما قررت المؤسسة العربية للاتصالات الفضائية "عرب سات" إيقاف بثهما من أقمار عرب سات "بدر"، والتي اتخذت هذا القرار ردا على الاستفسارات التي ترد إلى المؤسسة من مشاهدين حول بث هاتين القانتين .
وقد جاء قرار إيقاف القناتين متأخرا جداً بعد تحقيقها شعبية كبيرة وضجة إعلامية حولهما أكسبتهما جماهيرية ومتابعة أكبر وبعد أن استنزفوا أموال المشاهدين بالباطل، وبعد أن كان هؤلاء الكهنة يعيشون في سراديبهم ودهاليزهم المظلمة بشكل سري أصبحوا الآن يظهرون علانية أمام الناس ليستقبلوا اتصالاتهم واستفساراتهم على الهواء مباشرة عبر الاتصال الهاتفي الدولي والبريد الإليكتروني ورسائل شريط ل sms الظاهر على الشاشة.