لنا مع سيناء قصص حُب وغرام، حُب بمعناه الواسع، ليس لأن دماء الآباء والأجداد سالت على ثراها الطاهر، وهُم يقاومون الغزو البربري الصهيوني لها، وليس لأنها مليئة بالخيرات البكر التي لم تستغل بعد. لم تستغل بأمر أعداء مصر في الشرق، ولكن لأن من ليس مثله شيء في الأرض ولا في السماء تجلى فوق طورها لسيدنا الحبيب موسى عليه السلام، وأمره بأن يخلع نعليه لأنه في الوادي المقدس طوى، الذي أراه سبحانه فيه من معجزاته وآياته الكبرى.
طور سيناء الذي هبطت فوقه على الحبيب موسى الوصايا العشر والتوراة مكان مقدس ومحبوب؛ لأن سيناء هي الأرض التي مر فوق ثراها الطاهر سيدنا موسى وقومه، ومرت فوقها العائلة المقدسة التي تضم سيدنا المسيح عليه السلام والطاهرة والدته العظيمة أم الحب مريم سيدة نساء العالمين.
ومر فوق هذا الثرى أيضا صحابة الحبيب محمد صلي الله عليه وسلم عندما جاءوا لوطننا بالنور والفتح المبين.
ومنذ أن ترك الصهاينة سيناء منقوصة السيادة في كامب ديفيد البغيضة، وإثر مصرع مُوقِّع تلك الاتفاقية على أيدي رجال من جيشنا، وتسلم المتنحي الحكم بديلاً له، تم إهمال سيناء نهائياً، وعطلت مشاريع التنمية فيها.
وكان المطلوب صهيونياً منا كمصريين أن نبتعد عنها ونتركها صحراء، ونترك أهل سيناء بلا إمكانات، وبلا مشاريع تنمية، وبلا حقوق، نتركهم يشعرون بالمرارة ويشعرون أن الغزاة الصهاينة كانوا أرحم عليهم من نظام حمى الرئيس المتنحي الملعون، نتركهم فريسة للعدو يستغل عناصر منهم في تجارة غير مشروعة، وينجح في الوقيعة بينهم وبين دوائر الأمن المصري.
ويا ليت نظام مبارك اكتفى بترك أهلنا في سيناء يعيشون حياتهم في ظل هذا الجفاف التنموي والوطني والمظالم، وإنما بدأ هذا النظام المجرم يتحرش بقبائل سيناء، ويتهمهم بمهاجمة منشآت سياحية، وينتهك تقاليدهم وعاداتهم، ويريق دماء أبناءهم ويعذبهم تعذيبا لا يطاق، ويمارس بحقهم اعتقالات غير مسبوقة، وعمليات تعذيب يشيب لها الولدان جراء قسوتها وإهدارها لكرامة الإنسان.
وكان الرد من البدو الأحرار بقيادة عناصر شبابية منهم على سبيل المثال كل من الشيخ موسى الدلح، ورفيقه سالم لافي، والذين اتخذوا من مناطق وسط سيناء الوعرة ملاذاً آمنا ً لهم،كان الرد مواجهة نظام مبارك والثورة المسلحة عليه.
وبدورنا كُنا نتحفظ على أن يرفع أهل الوطن أسلحتهم بمواجهة بعضهم، ولكن شيخ موسى ورفاقه لم يعد أمامهم خيار إلا رفع السلاح؛ لأن مباحث أمن الدولة اتخذت قرارا بقتلهم، وبالفعل نجا الشيخ موسى الدلح من محاولة اغتيال بغيضة، قبيل ذهاب مبارك بشهور.
وحتى نعرف ما كانت ترتكبه امن دولة بحقهم علي سبيل المثال ، في مارس من عام 2008 م عثر أبناء قبيلة الترابين على جثث 3 شباب من ذويهم في مقلب زبالة، واتهموا الشرطة بتعذيبهم حتى الموت وإلقاءهم في هذا المقلب.
وقالت شرطة مبارك وقتها إنهم كانوا يستقلون سيارة بدون لوحات وفرا رافضين التفتيش فأطلقت عليهم الشرطة النيران،وجاء رد فعل البدو علي تلك الجريمة باحتجاز 42 من قوات الأمن المركزي التي كانت تطارد شبابهم مع قائدهم.
واستجوب البدو هؤلاء الجنود المختطفين، والذين اعترفوا بدورهم بأسماء الضابط الذي أشرف على تعذيب المتوفيين الثلاثة حتى الموت، وبعدها أطلق البدو النبلاء سراح الجنود وقائدهم ولم يؤذوهم، و انتهى هذا الاحتجاز بعد مفاوضات تدخلت فيها جهات سيادية، وتم الإفراج عن عدد من المعتقلين عشوائياً، مقابل إطلاق سراح الجنود.
ولقد اضطر البدو في مواجهة هجمات مباحث أمن الدولة أن يلجئوا إلى الحدود مع فلسطينالمحتلة، ويتخذوا منها ملاذا آمنا، لكون أن أشاوس مبارك كانوا لا يجرءون على أن يقتربوا من تلك الحدود، على الرغم من أن الأرض أرضنا والبدو داخل حدود مصر.
وتفسيرا لذلك يقول إبراهيم العرجاني شقيق أحمد العرجاني أحد المقتولين الثلاثة، الذي اعتقل عامين وخرج بقرار رئاسي بعد إصابته بجلطة جراء عمليات التعذيب.
يقول لتفسير سبب اللجوء للحدود مع "إسرائيل" لجأنا إليها، لأننا كنا نصرخ هنا في سيناء ولا أحد يسمع صوتنا، وعندما سألناه لماذا لم تذهبوا إلى مدينة العريش؟ أجاب: "من كان يذهب منا للعريش لشراء فاكهة وليس التظاهر كان يتم اعتقاله وتلفق له التهم ولا يعود".
وحول وقائع تعذيبه قال العرجاني: "تعرضت لتعذيب شديد جدا داخل السجن، واللواءان طارق الموجي ومحمد علي مسئولان عن شعبة الخطرين في مصلحة السجون، وهي شعبة خاصة بالسجناء شديدي الخطورة.
ورغم أنهما كانا من القاهرة، إلا أنهما جاءا لي بسجن برج العرب في الإسكندرية، وظلا يلتقيان بي 6 شهور يومياً، ويمارسون بحقي التعذيب كل يوم يخرجوني الساعة 6 صباحاً من الزنزانة ويعصبوا عيني ويطلقون علي 6 كلاب مدربة بلا أظافر موضوع على فمها قمامة.
تظل الكلاب تحتك بقدمي، وترهبني وأنا معصوب العينين، لا أرى شيئًا، غير المعاناة من التعذيب النفسي.
والكلاب المدربة هذه لا تحدث خدوشا، أو شيئا يثبت التعذيب، إضافة إلى أن طعامي كان عبارة ربع زجاجة مياه فقط يوميا، ورغيف عيش ناشف، مع قطعة جبنه، ولمدة 6 شهور في سجن انفرادي!
واستطرد شارحا وسائل تعذيبه قائلا: "في بعض الوقت كانوا يضعونني مع الجنائيين الصادر بحقهم أحكام إعدام، في محبس لا يوجد به حمام بل جردل!
يكمل: "وفي يوم أتوا لي بثلاثة سجناء محكوم عليهم جنائيا ولبسوهم قمصان نوم حريمي، ودعوا كل المعتقلين للفرجة عليهم، وقالوا لي الدور عليك غدا، وحاولوا فعل ذلك معي فتعبت ولم أشعر بنفسي إلا في المستشفى، واكتشفت أني أصبت بجلطة، ولا أستطيع الحركة لإصابتي بشلل نصفي.
وهنا لابد أن نتوقف لنشير إلى أنه كان يوجد أكثر من ثلاثة آلاف في المعتقلات تركهم مبارك والعادلي عند سقوط النظام في 25يناير الماضي، إلى جانب العشرات المحكوم عليهم بالمؤبد والإعدام على ذمة تهم يقولون إنهم لم يرتكبوها.
هؤلاء المعتقلون تعرضوا لأبشع عمليات التعذيب مع أسرهم، على أيدي الجلادين في جهاز مباحث أمن الدولة خلال السنوات القليلة الماضية، وللأسف نجد أن الاعتقالات التي قامت بها أجهزة الأمن ضد أهل سيناء، كانت بسبب تفجيرات طابا وشرم الشيخ.
تلك التفجيرات التي كشفت وثائق -نشرتها دوائر إعلامية حول ما عرف بالتنظيم السري لوزارة الداخلية- عن أن جمال مبارك والعادلي كانا وراءها، والمؤسف أن الدافع وراء هذا العبث بأمن ومصالح مصر هو انتقام شخصي من حسين سالم؛ لأنه تسبب في تخفيض عمولة جمال مبارك من صفقة بيع الغاز لمصر من 10 % إلى 5 %.
ووالله لولا تدخل جهة سيادية بكل قواها للحد من عربدة أمن الدولة بسيناء خلال آخر عامين من حكم مبارك، لكانت سيناء شهدت حربا أهلية لا يرضاها أي إنسان مصري شريف.
وربما يكون ما قاله خليل المنيعي أصغر هارب بسيناء الآن كافيا لأن يجعلنا نشعر بوطنية أهلنا علي تلك البقعة الطاهرة من ثري مصر، حيث قال خليل: "هم جعلوني مجرماً، وبعد تلفيق قضية لي قلت: لا ...أنا ....لا... أنتم... وركبت سيارة بدون رخصة وحملت سلاحاً للدفاع عن النفس".
ويضيف خليل : "نحن كنا نساعد الشرطة في حملاتها ضد الإرهابيين بعد تفجيرات طابا، وجدي جاهد لتحرير سيناء، وبالطبع كان يجعل جنود الجيش المصري يلبسون "جلاليب" وعقالات ويهربهم على الجمال من مطاردة الإسرائيليين.
لكن الحكومة تتعمد تشويه سمعة بدو سيناء، وقبل الحكم تقدمت للتجنيد وفوجئت بصول في منطقة التجنيد يقول علي الملأ جواسيس بدو سيناء شمالا وجنوب يرنوا على جنب، أعطونا معافاة رغم أننا مواطنون من الدرجة الأولى وندافع عن مصر بدمائنا، إلا أنه حتى الإعلام والأفلام تشوه صورتنا أيضا. [email protected]