ترجم للعربية .. وزير الاستثمار المصري يناقش كتابا حول الصعود الآسيوي جانب من الندوة محيط – سماح شفيق " الآسيويون نقلوا من الغرب قيمه في التقدم والتحديث، وطبقوها بمرونة عالية وصرامة في التنفيذ تشبه المسيرة العسكرية المنتظمة في إيقاعها، العالمة بوجهتها، المدركة للعواقب الوخيمة للخطأ ، ولكن الغرب لا يرى غير نفسه وما يخصه ولا يقدر ثقافة الآسيويين ولا غيرهم " ، جاءت هذه الأفكار بكتاب جديد للخبير الاقتصادي العالمي كيشور محبوباني " نصف العالم الآسيوي" والذي احتفل المركز القومي المصري للترجمة بصدور نسخته العربية ، في ندوة شارك فيها عدد كبير من الباحثين والاقتصاديين ورجال الإعلام وتحدث بها وزير الاستثمار المصري د. محمود محيي الدين ود. جابر عصفور رئيس المركز ود. عماد أبوغازي أمين المجلس الأعلى للثقافة . مؤلف الكتاب يتمتع بثقافة واسعة وعلاقات كبيرة مع دبلوماسيين ومقربين من مراكز صنع القرار بالدول الآسيوية ، ويشرح بكتابه كيف لبلد صغير مثل سنغافورة أن تتحول لدولة متنامية صناعيا واقتصاديا ، ويرى أن الصعود الآسيوي بوجه عام جاء بفضل سياسة الاجتهاد والمثابرة والتطوير والمنهج البراجماتي ( العملي ) الذي تبنته حكوماتهم ، ويعني قدرا من المرونة في التخطيط واتخاذ الإجراءات لتحقيق الأهداف السياسية ، وقدرا من انفتاح العقل أمام التجارب الأفضل ومحاولة تطبيقها . الغلاف وضرب المثل على ذلك بالزعيم الصيني الشهير " دنج زياو بنج " صاحب مقولة " لا يهم لون القط إذا كان أسودا أو أبيضا ، فطالما يصطاد فئرانا فهو قط جيد " ، هذا الرجل غير توجه الصين، وتبنى سياسة الانفتاح، وأقنع رفاقه بالطريق الجديد، وغير خطاب الإعلام واستخدمه ليقنع ألف مليون مواطن بالمنهج الجديد، موجهاً لهم بالامتناع نهائياً عن استغراق الوقت فيما لا يفيد والجدل حول الاشتراكية والرأسمالية، داعياً لأن يُستغرق الوقت والجهد في تحقيق إصلاحات أكبر وأسرع وأعمق. زار " زياو بنج " كل من بانكوك وكوالالمبور وسنغافورة في نوفمبر 1979 ، كما زار لتحقيق هدفه في تطوير الصين ، كل من كوريا وماليزيا والتي تعد من أهم الدول المحركة للنشاط الاقتصادي في الصين ، ودعا الجميع للمشاركة في النهوض بالدولة حتى الفلاحين البسطاء . أما سنغافورة فقامت نهضتها على اتباع أفكار الصين واليابان وخاصة بمجالات الزراعة والصناعة والتكنولوجيا. تحدث د. محمود محيي الدين عن فكرة الكتاب التي تدور حول المفاهيم الثقافية والدور الذي تلعبه في التنمية ، وقال أن أهم القيم التي استقتها الدول الآسيوية من الغرب هي : اقتصاد السوق الحرة ، العلم والتكنولوجيا ، الجدارة والكفاءة الشخصية للفرد ، ثقافة السلام ، احترام سيادة القانون ، التعليم والبراجماتية . د. محمود محي الدين هذه القيم نشرها الفلاسفة وقادة الرأي ، ولكن الغرب انحرف في تطبيق تلك القيم بسبب نزعته المادية ، فهو يعلو بمصلحة الفرد الشخصية على أي قيم ويختار القادة الذين يحسنون استغلال القوة والثروة ؛ فالدول الغربية الكبرى تدفع إلى تبني حرية التجارة، حتى تراك تنتفع بها أكثر منه فتحيد عنها ، ويتغنى الغرب بالديمقراطية، التي يختزلها عادة في صندوق الانتخاب، حتى يختار الصندوق أعداءه فينقلب عليه وعلى أسلوب الاختيار، ويتشدق بحماية البيئة ويحذر من مغبة تغير المناخ وسخونة الأرض، متناسياً أنه المساهم الأكبر في التلوث والانبعاثات الضارة بالبيئة. وينتقد الغرب الدول النامية إذا ما قامت ببحوث نووية، ولكن يخزن من الأسلحة النووية ما يدمر العالم عدة مرات ! . ينتقد د. محيي الدين عدم إيراد مؤلف الكتاب أي من القيم الغربية التي تسبب صداما بين الشرق والغرب ولا يمكن تطبيقها لدينا ، فالمؤلف لا يعتقد أن آسيا ستصطدم بالغرب ، رغم أنه يؤكد بموضع آخر من الكتاب أن الثقافة الغربية لا تقدر غير ذاتها ومصالحها ولا يعنيها الآخر ، ولعل المؤلف استند لتجربة " الآسيان " وهي المنطقة التي تضم دول جنوب آسيا التي حققت لأعضائها مجالات للتعاون في التجارة والاستثمار والتمويل، ولكن كل ذلك ليس دليلا كافيا على أن الآسيويين قادرون على حل مشكلات العالم ومعضلاته، بما في ذلك مشكلة الشرق الأوسط العتيدة النابعة من القضية الفلسطينية والتي نشبت منذ احتلال فلسطين في عام 1948. يقارن مؤلف الكتاب بين القطاعين العام والخاص في آسيا ؛ فبينما يوفر الأول العدالة بين الأفراد ، تتحقق الكفاءة والجودة في الثاني ، ويعاني القطاع العام من غلبة البيروقراطية ( التعقيد والروتين والتقيد بلوائح لا تحقق الإنجاز) ، كما أنه فاشل إداريا ، ولذا فلكي تحقق النمو الاقتصادي عليك الجمع بين عدالة القطاع العام وكفاءة القطاع الخاص وتحترم كلاهما . أما نهضة الهند فجاءت بعد مراقبة حثيثة لتطور سنغافورة والتي كانت تجربتها مميزة وأكثر مرونة ومنها عدم الاعتماد على حزب واحد مثل الصين ، وبدأت الهند تستعد للتطور بعد 12 عاما من الصين ، ويؤكد المؤلف أن آسيا نجحت في اختيار القيم الملائمة للنمو من الغرب وليس كل قيمه خاصة التي لا تتناسب مع مباديء الشعوب وعاداتهم . ومن عيوب الكتاب التي أشار لها وزير الاستثمار أنه يتحدث عن غرب واحد وشرق واحد ، رغم أن الفوارق كبيرة بين الدول في كل منهما ، كما أنه ينحاز بشدة للآسيويين باعتبارهم مثلا قادرين وحدهم على تحسين صورة العالم ، أو سيطرتهم على معظم القضايا ، وكذلك انحاز لهم حتى في الاستعمار ، فهو ينتقد بشدة ويهاجم الاحتلال الأمريكي للعراق ولكنه معجب بقدرة اليابانيين على احتلال سنغافورة ، ولهذا كان عليه أن يتذكر أن دول العالم كلها في شراكة واحدة ، فهو لم يتحدث عن تجارب روسيا وأمريكا اللاتينية ويقارن فقط بين الغرب وآسيا في مسألة الصعود والنمو . أما مسألة انصهار آسيا في الغرب ، فهي ليست حقيقية ، هناك تنافسا بين دول العالم من أجل البقاء. قمة أسيان فى لاوس وفي النهاية ركز د. جابر عصفور في كلمته أن المركز إذ يترجم الكتاب لا يعني ذلك ترويجه لأفكاره كاملة ، بالتأكيد هناك اتفاقا مع بعض الأفكار واختلافا مع أخرى ، والهدف دائما يكون توصيل معرفة وفكر ورأى الآخر للقاريء العربي ، وعدم وضوح الرؤية في هذه المسألة جعل الكثيرين ينتقدون بشدة ترجمة بعض الكتب في مصر وتسبب ذلك بأزمات . وهناك فرقا بين ترجمات المركز القومي للترجمة التي تختار من أشهر وابرز الكتب الجديدة وترجمات المشروع القومي للترجمة التي يشارك بها متخصصون بمجالات البحث المختلفة ، وهم ندرة للأسف في مصر ونحتاج دائما لمزيد من المترجمين النوعيين ، ولعل مبادرة د. محمود محيي الدين بتوفير قاموس اقتصادي شامل تحل مشكلة ترجمة الكتب الاقتصادية بالتأكيد . وبختام الندوة سأل بعض الحاضرين وزير الاستثمار عما ينقص مصر للنهوض ، وقال أن التعليم يعاني مشكلات مزمنة وكبيرة ، ففي سنغافورة يعد التعليم دعامة أساسية للتقدم لأنه يعتمد على التجديد والتحديث ، والثقافة لا تقوم إلا على التعليم الجيد ، اما من الناحية الاقتصادية فينقصنا الأخذ بالمرونة التي تحدث عنها مؤلف الكتاب ، أي الأخذ من التجارب الأخرى بما لا يتعارض مع القانون وطبيعة الدولة .