وأصبح للعرب ميثاقهم الخاص بحقوق الإنسان! هاني الحوراني في الذكرى الستين لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقبل تسعة أشهر من الاحتفال بهذه المناسبة، أصبح للعرب ميثاقهم الخاص بحقوق الإنسان الذي دخل حيز التنفيذ يوم 15 آذار الجاري. فبعد مصادقة دولة الإمارات العربية على هذا الميثاق في منتصف كانون الثاني الماضي، أصبح عدد الدول التي صادقت عليه سبع دول عربية، وهو العدد الذي حددته المادة (49) فقرة 2 من الميثاق لكي يصبح نافذاً. أما الدول الست الأخرى فهي: الأردن، البحرين، الجزائر، سورية، فلسطين، ليبيا. علماً أن عدد الدول التي وقعت عليه حتى الآن بلغ ثماني عشرة دولة عربية. إن نفاذ الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي اعتمد من قبل القمة العربية السادسة عشرة بتونس في 23 أيار 2004 يجعل من يوم 15 آذار الجاري محطة ذات مغزى خاص للعالم العربي، الذي تخلّف كثيراً عن ركب الأقاليم الأخرى في مجال حقوق الإنسان والتقدم الديمقراطي. ويفترض أن يزود الميثاق العربي مناضلي ونشطاء حقوق الإنسان بالمزيد من العزم لتشديد نضالهم من أجل تكريس الاعتراف بحقوق الإنسان العربي المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بالاعتماد على هذه الوثيقة، بما هي حصيلة جهود عربية طويلة وصلت في نهاية المطاف إلى حيز التطبيق. وتعتبر رحلة الميثاق العربي مثالاً نموذجياً على البيروقراطية والتسويف اللذين يسمان العمل العربي المشترك، فقد بدأت هذه الرحلة بإعداد الميثاق في مطلع التسعينيات واعتُمد في مجلس جامعة الدول العربية في آذار 1994، ونام في الأدراج طويلاً قبل أن يكلف المجلس المذكور لجنة تابعة له بتحديث الميثاق في ضوء ملاحظات ومقترحات الدول الأعضاء والخبراء، وذلك في آذار2003، وقد أنهى فريق الخبراء عمله في نهاية العام نفسه، إلى أن اعتُمد بصيغته المحدثة في القمة العربية في تونس في أيار2004، أي انها رحلة استغرقت نحو عقد ونصف. ومهما كانت درجة التوفيق في صياغة مبادئ الميثاق العربي لحقوق الإنسان، حيث سبقنا الأفارقة، وقبلهم الأوروبيون وشعوب القارة الأميركية إلى صياغة مواثيق أكثر تقدماً لحقوق الإنسان، إلاّ أن دخول الميثاق العربي حيز التنفيذ يظل خطوة مهمة على الطريق الطويل الذي لا يزال يتعيّن علينا قطعه، سواء من حيث استكمال مصادقة ثلثي دول الجامعة العربية عليه، أو من حيث تحوله إلى تشريع ملزم على صعيد الدول التي صادقت عليه، علماً أنه لا يزال يفتقر إلى الآليات اللازمة لتطبيقه. فقد اكتفى الميثاق بالحديث عن إنشاء "لجنة حقوق الإنسان العربية"، لكنه لم يتحدث عن وجود أدوات أو وسائل محددة لها من أجل حماية هذه الحقوق أو وقف انتهاكها، مثل إيجاد محكمة عربية لحقوق الإنسان يمكن لضحايا حقوق الإنسان أن يلجؤوا إليها. وعلى الرغم من هذه النواقص، فإن نفاذ الميثاق العربي لحقوق الإنسان يدخل في خانة الإيجابيات القليلة في الواقع العربي الراهن، حيث سعى إلى استيعاب المعايير الدولية لحقوق الإنسان كما نصت عليها إعلانات العهدين الدوليين لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية والإقليمية ذات العلاقة. كما حاول الميثاق المواءمة بين هذه المعايير الدولية والمعتقدات والثقافات و"الخصوصيات القومية" لشعوب المنطقة، وهو ما كان موضع انزعاج الدوائر المؤيدة لإسرائيل والولايات المتحدة، خاصة لنصه في أكثر من مكان على رفضه لأشكال العنصرية والصهيونية والاحتلال والسيطرة الأجنبية كافة، التي تحد من الكرامة الإنسانية وتشكّل عائقاً أساسياً يحول دون الحقوق الأساسية للشعوب. كما طالب بإدانة جميع ممارساتها والعمل على إزالتها، كما جاء في الديباجة والمادة(1)، الفقرة3 و4. يذكر أن الميثاق العربي لحقوق الإنسان نصّ على حق كافة الشعوب في تقرير مصيرها والسيطرة على ثرواتها ومواردها، وعلى حقها في مقاومة الاحتلال الأجنبي. وقد اعتبرت الدوائر المؤيدة لإسرائيل أن بعض فقرات الميثاق العربي مخالفة لقرارات الأممالمتحدة التي شجبت المساواة بين العنصرية والصهيونية. لكن لا بد من القول إن الميثاق، رغم استفادته من عمل فريق الخبراء العرب ومن استشاراته الواسعة مع منظمات حقوق الإنسان العربية، فإنه خضع لغربلة رسمية من الحكومات، الأمر الذي أسقط العديد من الصيغ المتقدمة التي احتوتها النسخة المحدثة من الميثاق بعد مرورها على أيدي فريق الخبراء العرب. غير أن نطاقات الحقوق في الإعلان العالمي والعهود الدولية لحقوق الإنسان المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية أشمل وأكثر وضوحاً وإلزاماً مما ورد في متن الميثاق. من ناحية أخرى، فإن بعض فقرات الميثاق توفر مخارج للحكومات العربية للتحلل من الالتزامات المترتبة عليها بمقتضى الميثاق في "حالات الطوارئ الاستثنائية"، حيث تجيز للدول الأطراف في الميثاق اتخاذ تدابير لا تتقيد بالالتزامات المنصوص عليها في الميثاق، كما هو حال المادة الرابعة منه. على سبيل المثال، فإن الميثاق العربي لا يحرم عقوبة الإعدام، إذ يجيزها في حالات "الجنايات بالغة الخطورة" وفقاً للتشريعات (الوطنية) النافذة، وإن كان يضع ضوابط على تنفيذ هذه العقوبة. وباختصار، فإنه من دواعي التفاؤل أن يحتفل العرب بدخول الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عامه الستين في كانون الأول المقبل، وقد أبرموا ميثاقهم الخاص بحقوق الإنسان. ولعل الأشهر القليلة المقبلة تحمل تطورات جديدة على هذا الصعيد، مثل مصادقة المزيد من الحكومات العربية على هذا الميثاق، وربما الأهم من ذلك إقران القول بالعمل، من خلال إظهار هذه الحكومات التزاماً أكبر باحترام حقوق الإنسان العربي، والحد من الانتهاكات التي شكلت حتى الآن علامة فارقة لمنطقتنا بالمقارنة مع الأقاليم الأخرى من هذا العالم. عن صحيفة الايام الفلسطينية 16/3/2008