الانتخابات الأميركية: العالم على موعد مع التغيير! رجب ابو سرية ساعات معدودة وتبدأ عملية فرز أصوات الناخبين الاميركيين في انتخابات الرئاسة، التي تبدو محسومة، كما لم يحدث في اية انتخابات سابقة، على الأقل، منذ ثمانينيات القرن الماضي، حيث انه ومنذ ان حسم الحزبان الكبيران المتنافسان دائماً: الجمهوري والديمقراطي انتخاباتهما الداخلية، وكل استطلاعات الرأي تمنح المرشح الديمقراطي باراك أوباما تفوقاً واضحاً، حتى أول من أمس، وحيث لم يستطع المرشح الجمهوري ان يسد الفجوة، لا في المناظرات الثنائية ولا خلال الحملة التي عوّلت من جانبه على الأيام الأخيرة في السباق لتغيير نوايا الناخبين. وبغض النظر عن كون معسكر الجمهوريين راهن حتى اللحظة الاخيرة على ولايات بعينها لحسم السباق، الاّ ان مراكز مهمة للحزب ذاته، ومنذ أسابيع بدأت في التحضير لمرحلة ما بعد الانتخابات، ومحاولة مواجهة الهزيمة الوشيكة للحزب، فيما أوساط الديمقراطيين تتهيأ لمواصلة "تفوقها" وعينها على انتخابات الكونغرس، في الوقت الذي بدأ فيه الحديث عن تنبؤات بطاقم البيت الابيض، الذي سيرافق أوباما في ادارته القادمة. ما يمكن ملاحظته على طريق الحملة الانتخابية، قوة الدفع في أوساط الحزب الديمقراطي، الذي ظهر "موحداً" بما في ذلك معسكر كلينتون، وبمستوى الغالبية الساحقة التي وصلت إلى ثلاثة ارباع ناخبيه، مقابل اكثر بقليل من نصف مناصري أو ناخبي الحزب الجمهوري الذين أبدوا تفاؤلهم في فوز مرشحهم. لن نستبق الاحداث والنتائج، لنقول بانه وعلى عكس كثير من الانتخابات السابقة، شكل وجود الرئيس الجمهوري الحالي جورج بوش عبئاً على حملة جون ماكين، وهذا شكّل أساس هجوم الديمقراطيين الذين ربطوا طوال الوقت بين بوش وماكين، في حين لم تنجح اثارة الجمهوريين للمخاوف من راديكالية أوباما، في تحويل المزاج العام، الذي بات على ما يبدو أكثر ميلاً لاحداث التغيير في السياسة الداخلية، المتعلقة بالضرائب ومعالجة الأزمة الاقتصادية كذلك السياسة الخارجية المرتبطة بكيفية قيادة الولاياتالمتحدة للعالم، وطريقتها في معالجة الملفات الشائكة خاصة في الشرق الأوسط. كل المؤشرات تقول، على الرغم من كون الولاياتالمتحدة دولة مؤسسات بأن انتخاب أوباما، يشكل عملياً تغييراً عميقاً ومهماً، لا بد ان تنعكس آثاره، ليس فقط على داخل الولاياتالمتحدة، بل على مجمل العالم وعلى الصعيدين الاقتصادي والسياسي. لذا فان معظم العالم يتابع اليوم الانتخابات الاميركية، كأنها ليست حدثاً داخلياً يهم الولاياتالمتحدة الاميركية وحسب، بل تهم عموم العالم، وان كان البعض بالطبع "يتطرف" كثيراً في مبالغته بحجم ومستوى التغيير، الذي يراه البعض وكأنه ثورة ذات طابع ثقافي وسياسي، تحوّل النظرة واستراتيجية العلاقة بين الأجناس والأقوام، ارتباطاً بلون بشرة أوباما، لكن أوباما الذي بدا مثيراً للغاية في دعايته الانتخابية، في كونه شاباً يعد بمستقبل افضل لاميركا، التي واجهت تحديات في عهد الجمهوريين بادارة جورج بوش الابن، لم تظهرها كقوة وحيدة وقائدة للعالم، بل أحياناً كقوة "غاشمة" تلجأ للقوة بسبب الضعف الأخلاقي، خاصة ازاء ملفات الشرق الاوسط والشرق الأدنى، وتحديداً تجاه ما اعلنته من حرب على "الارهاب". تجاوز أوباما بخطابه الذي انفتح فيه على المستقبل حدود حزبه الديمقراطي، بانضمام "رموز" جمهورية لمعسكره، وبرأينا فقد انقلب تكتيك الجمهوريين عليهم، حين اضطروا الى القول بأن الصراع بين المرشحين، انما هو صراع بين الريف والمدن، بين الطبقات الفقيرة والارستقراطية، وعلى المستوى الخارجي، بين المركز والاطراف في محاولة لقطع الطريق على سياسة "اصلاحية" متوقعة لادارة أوباما، في الداخل والخارج، وآخر مخاوف الاسرائيليين التي نجمت عن الدعاية الجمهورية، بعد محاولات الربط بين أوباما "الأسود" والمسلمين الذين يشكلون نسبة مهمة في أوساط السود الاميركيين، عادت الأوساط الاسرائيلية الى سياسة التعامل مع "الأمر الواقع" على ما يبدو بالتبشير بان اسرائيل قد تحظى بقدر أكبر من التمثيل داخل البيت الأبيض، في حال انتخاب أوباما. "يديعوت احرونوت" أشارت الى احتمال تعيين رام ايمانويل (كان قد تطوع مع القوات الاسرائيلية خلال حرب لبنان) في منصب كبير في البيت الأبيض. في محاولة اسرائيلية تبدو مكشوفة لتكبيل "الرئيس القادم" المحتمل، والتلويح بمقايضة التصويت من قبل اليهود، وحتى يدفع "رئيس أسود" ثمن انتخابه واستمراره رئيساً "ثمناً" لاسرائيل مقابل انتخابه رئيساً للولايات المتحدة! على أي حال، وما لم تحدث مفاجأة مدوية، لا تبدو اشارات تلوح في الأفق، فانه ومنذ غدٍ "سيعلن" عن أوباما رئيساً قادماً للولايات المتحدة، في وقت تبدو فيه واشنطن مطالبة باعادة حساباتها الداخلية والخارجية، ومراجعة جوهر سياساتها العامة، واذا كانت سياساتها الداخلية شأناً خاصاً بمواطنيها ودافعي الضرائب من الاميركيين، فان سياستها الخارجية لا تبدو كذلك، حيث بات من حق كل الدول والشعوب في العالم تحديد مواقفها من هذه السياسة التي تؤثر على واقع ومستقبل العلاقات السياسية الدولية، بدءاً من دورها في الأممالمتحدة وليس انتهاء باحتلالها لبعض الدول (العراق وافغانستان) والتدخل في شؤون الشعوب كافة بهذا القدر او ذاك. لا بد من التحرك في المنطقة العربية لمنح شعوبها قدراً أعلى من حقها في تقرير مصيرها وفي ترتيب شؤونها الداخلية، في العراق ولبنان وفلسطين، بمعزل عن التدخل الاميركي المباشر، كما هو حال العراق او في حلول واشنطن مكان المنظمة الدولية وحتى الرباعية في "ادارة" الحوار الفلسطيني / الاسرائيلي، كما حدث منذ أنابوليس، والتي انحصرت بين دفتي اوراق كوندوليزا رايس، وكانت النتيجة المعروفة للجميع، آن الأوان اذاً ان "تقود" اميركا العالم، بالشراكة ووفق التخصص، وليس وفق صيغة العصا الغليظة التي سارت عليها ادارة بوش الجمهورية. عن صحيفة الايام الفلسطينية 4/11/2008