هل انتهى حل الدولتين وما هو البديل؟ رجا طلب مع بدء العد العكسي لخروج الرئيس جورج بوش وفريقه من البيت الأبيض ومجيء ادارة جديدة سواء أكانت جمهورية او ديمقراطية، اخذ الكثير من المراقبين بطرح التساؤل الاستراتيجي حول فرص حل الدولتين وهو هذا الحل الذي مازال يشكل القاعدة الاساسية للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين مازال قابلا للعيش ام انه دخل مرحلة الخيال السياسي ؟. من الناحية التشخيصية اصبح هذا الخيار معقدا وصعبا الى درجة كبيرة بعد ان اصاب المعطيات الرئيسية المتعلقة به، كالوضع الفلسطيني، والادارة الاميركية واولوياتها السياسية في المنطقة، والوضع الاسرائيلي الداخلي، والتجاذبات الاقليمية الحادة، الكثير من التغييرات السلبية. ففي الوضع الفلسطيني : اثر الاحتراب بين فتح وحماس وانفصال غزة عن الضفة وبروز سلطتين للشعب الفلسطيني، اثر بصورة كبيرة على مستقبل الحالة الفلسطينية ودفعها نحو المجهول وانهى الى حد كبير قوة العامل الذاتي الفلسطيني في مقاومة الحلول والمقترحات الاسرائيلية التى تبتعد عن الطموح الوطني الفلسطيني، كما انهي امكانية هذا العامل على فرض تصوراته الخاصة بعملية السلام، ليس في القضايا الحساسة كالقدس واللاجئين بل في موضوع الارض والمستوطنات، حيث شكل الاستيطان ومعه الجدار العازل عقبة عنيدة امام التواصل الجغرافي لاراضي الضفة الغربية. يقول تقرير حركة السلام الان الذي صدر مؤخرا بشان الاستيطان في الضفة والقدس (أن أكثر من 2600 وحدة استيطانية توجد في مراحل بناء مختلفة في المستوطنات المقامة فعليا. وهذه المعلومات التي جمعت بعد تنفيذ جولات ميدانية، تبين أن نحو 55% من المباني تبنى شرق جدار الفصل، (في الضفة الغربية) وفي بعض الأماكن يقترب البناء من مدن فلسطينية مثل رام الله وبيت لحم، و بحسب التقرير فان عدد العطاءات في شرق القدس ازداد 38 ضعفا (761,1 وحدة سكن مقابل 46 في العام 2007) والاستنتاج المركزي من التقرير، حسبما يقول سكرتير عام الحركة يريف اوفينهايمر لصحيفة هآرتس، هو أن إسرائيل تشطب الخط الأخضر من خلال بناء مكثف يستهدف خلق تواصل إقليمي للكتل الاستيطانية مع المستوطنات المنعزلة في قلب الضفة. ) وهو كلام يعني ان الضفة انتهت من ناحية التواصل الجغرافي . وفي الحالة الاميركية : فقد غرقت الادارة في وحل الوضع العراقي وفي البحث عن كيفية مواجهة التحدى النووي الايراني ونفوذ طهران في العراق ولبنان وغزة والاقليم، واخذت تنظر الى الملف الفلسطيني من منظار مختلف اخر غير عملية السلام وتطورها، وهو منظار مدى قدرتها على ابعاد هذا الملف عن النفوذ الايراني المتنامي، والمفاجأة ان نتائج هذا التعاطي الأمني مع القضية الفلسطينية كانت سلبية الى ابعد الحدود حيث تكرست سلطة حماس في غزة، واضطرت اسرائيل للقبول باتفاق هدنة معها عبر مصر وبموافقة اميركية مثيرة للجدل والتساؤل وذلك بحجة حماية المدن الاسرائيلية القريبة من القطاع، وهو ما اضعف السلطة الفلسطينية ورئيسها ابو مازن الذي بات بحاجة الى انجاز سياسي بحجم اتفاق كامب ديفيد المصري ليعيد له ولسلطته الاعتبار في نظر الشارع الفلسطيني. اما الوضع الاسرائيلي، وبعد غياب شارون وحرب صيف 2006 وسلسلة فضائح اولمرت، ودخول ليفني كلاعب اساسي على الساحة الاسرائيلية وتحدياتها الداخلية وعدم بلورة أي برنامج سياسي للحل مع الفلسطينيين للحكومة المرتقبة لليفني وبخاصة بعد الاشتراطات والاشتراطات المقابلة من قبل ميرتس وشاس للمشاركة في الحكومة القادمة، فان المشهد الاسرائيلي يبدو وكانه اقرب ما يكون للفراغ الذي يزيد من تعقيدات حل الدولتين وليس العكس. يعتقد ناثان ج. براون كبير الباحثين في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في دراسة له تحت عنوان (زوال حل الدولتين) ان هناك قائمة خيارات بغيضة مقابل زوال حل الدولتين وهي : خيار حل الدولة الواحدة ثنائية القومية والذي يعد عمليا مرفوضا من الاغلبية الفلسطينية والاغلبية الاسرائيلية، وخيار التعايش المؤقت على غرار الهدنة الحالية بين حماس واسرائيل او السلام الاقتصادي بدل السياسي على غرار ما طرحه شاؤول موفاز، والخيار الاخير هو الحسم العسكري والمتمثل بقيام اسرائيل بالاجهاز على حماس عسكريا وعلى قياداتها السياسية لتحرير قطاع غزة وارجاعه للسلطة الفلسطينية... وبعد ان يحلل براون صعوبات وسلبيات كل خيار من تلك الخيارات البديلة لخيار حل الدولتين يعود للتأكيد وبقلق على ان الخيار الافضل رغم كل شيء هو حل الدولتين مؤكدا أن ذلك لا يتم إلا عبر مصالحة بين فتح وحماس وبناء نظام قانوني وديمقراطي يكفل التداول السلمي للسلطة في فلسطين واعادة بناء اجهزة السلطة الفلسطينية الامنية والسياسية والاقتصادية. وهنا يبقى السؤال الاهم ... هل هناك فرصة متاحة لإعادة إنتاج اتفاق مكة وبروحية جديدة ليكون بمثابة طوق النجاة لحالة فلسطينية جديدة تحفظ خيار حل الدولتين بعيدا عن كارثة زواله، وهل حماس ومن يساندها إقليميا لهم مصلحة في ذلك؟، وهل حركة فتح التي تشكل العمود الفقري للسلطة الفلسطينية قادرة على إصلاح وتجديد نفسها لتولي مهمة الحفاظ على زخم حل الدولتين وعدم موته؟؟!. إن زوال حل الدولتين ليس معضلة للوطنية الفلسطينية فقط بل هو من الناحية العملية تحد سياسي وامني لكل المنطقة وعنوان دائم للتوتر والتطرف فيها. عن صحيفة الرأي الاردنية 20/10/2008