الخيارات المتاحة بعد ستين عاما من النكبة: لا حرب ... لا سلام... لا مقاومة
* ثامر الزغلامي
سال الابن : متى نعود يا ابي؟... فاجاب الاب: سنعود بعد عشرة ايام يا بني... مرت الايام العشر ... و الاشهر العشر ... و السنوات العشرة ... و الستون.. و توفي الاب و الام و الخال و الاخ الاكبر .... و لم يعد الطفل الى قريته الفلسطينية التي هجر منها قسرا .
يوم 15 ماي –ايار2008 ادركت ماساة هذا الطفل الفلسطيني و غيره من اطفال المخيمات و الشتات سنواتها الستين و لم يتحقق حلم العودة, بل اصبح من المنظور السياسي بعيد المنال بعد ان صارت طاولات المفاوضات الثنائية و الاقليمية و الدولية تتحدث عن طروحات من قبيل التوطين و التعويض و الادماج و تحسين الخدمات داخل مناطق التخييم . عاشت الرقعة الجغرافية لفلسطين التاريخية في الذكرى الستين للنكبة و قيام دولة اسرائيل فعاليات مختلفة اختزلت مشاعر متناقضة بين الفرح و الحزن و الفخر و الذل والعزة و الهوان , و استضافت بذات المناسبة قادة العالم يهنئون و يعدون بالوقوف دائما الى جانب الدولة العبرية و يذرفون دموع الندم لما اصاب اليهود في رحلتهم التاريخية حتى ارض الميعاد .
وفي المقابل تلونت سماء فلسطين بالسواد في تعبير دقيق من الفلسطنيين عن قتامة الوضع العربي تجاه القضية الفلسطينية .
لقد كان مشهد بكائية و احتفالية فلسطين التاريخية في غاية الدلالة و الاهمية اثبت تخبط المشروع العربي و فشله في مقابل نجاح عبقري للحركة الصهيونية في تاسيس دولة الميعاد و تثبيت شرعية وجودها و بقائها لمائة و عشرين عاما كما وعد الرئيس الامريكي جورج بوش . ستون عاما كانت كافية للحركة الصهيونية لمحاصرة المشروع العربي و هزيمته في خياراته المختلفة .
و هي الحرب و السلام و المقاومة . **الحرب : فصول هامة في تاريخ الصراع العسكري العربي – الاسرائيلي انتهت بهزائم متكررة و مخجلة للعرب اضاعت ما تبقى من اراضي فلسطين . الحرب خيار تنازل عنه العرب نهائيا بعد ان اكدت التجارب ان الجيوش النظامية العربية عاجزة عن دحر الجيش الاسرائيلي المجهز باحدث اسلحة الامبريالية الغربية .
هذا الغرب الراسمالي الذي تفانى في دعم المشروع الصهيوني اذ اوكلت مهمة التاسيس لبريطانيا و فرنسا و مهمة الاستمرار و البقاء لالمانيا و امريكا . حقيقة نجحت اسرائيل في تسويقها و تاكيدها, فرسخت في الوعي العربي الذي صار يردد على لسان مسؤوليه ان الحرب مع اسرائيل ليست لعبة و ان السلام خيار استراتيجي .
السلام : دشن الرئيس المصري الراحل انور السادات مشروع السلام العربي- الاسرائيلي سنة 1979 بخطاب شهير في الكنيست . مد يده الى الاسرائليين مراهنا على السلام كخيار للاجيال القادمة, و من ثمة تلاحقت مبادرات السلام الى ان وصلت الى اطراف المحيط . بعد ثلاثين عاما لم يتحقق حلم الدولة الفلسطينية و لم يثبت السلام الذي بدا الحديث عنه نشازا في ظل الهجمة العسكرية الاسرائيلية المتواصلة على الضفة و القطاع, و في ظل الاستيطان و قتل الاطفال و النساء و المدنيين .
المقاومة: تبنت حركة حماس خيار المقاومة و لم توفق في استثماره سياسيا بعد مشاركتها في السلطة, فانقلبت الحركة على شرعيتها النضالية و انحصر خيارها في غزة و بدا عبثيا و خاليا من أي معنى سياسي كالمتشبث بقشة في عاصفة بحرية . ...خيار وصف بالارهاب في الخارج و المغامرة في الداخل و انتقل من دور الداعم السياسي , كما كان , الى عقبة في طريق المفاوضات التي تبنتها السلطة الفلسطينية منذ اتفاقيات اوسلو.
بعد ستين عاما يجب ان نعترف و نسلم ان المشروع الصهيوني لم يترك امام العرب بابا واحدا مفتوحا, و الغى كل الخيارات الممكنة و المتاحة و رحل القضية الفلسطينية الى دوامة من التجاذب العربي و الفلسطيني وصلت الى حد التناحر . هذا الاعتراف قد يكون السبيل لادراك حجم هذا المشروع و التعامل معه وفق خيارات جديدة .