ادفع نقداً واستلم بالتقسيط؟ حسن البطل في تبسيط التبسيط، يبدو مشروع السيد إيهود أولمرت لاتفاقية الرفّ مع السيد محمود عباس، مثل علاقة البائع الجشع بالزبون المحتاج. كيف؟ يقف الزبون، صاحب الحق بالأصل، عند صندوق الدفع (كاشينغ) ويدفع للبائع ثمن البضاعة نقداً، على أن يتسلّمها بالتقسيط غير المريح. بما أن الدفع النقدي صار ينتمي إلى اقتصاد متخلّف، فيمكن للبضاعة أن تكون عقاراً، ويمكن للعقار أن يكون عملية تبادلية تبدو مثل أرض داخل مخطط عمراني في مقابل أرض زراعية.. بل بور، بل جرداء. لكن، في المنطق العقاري المقبول، يفترض أن تكون مساحة العقار في المخطط العمراني أصغر من مساحة العقار في أرض جرداء. مشروع أولمرت، وهو محام في الأصل، يخالف هذا المنطق تماماً، لأنه يقترح مبادلة غير متكافئة لا في المساحة ولا في قيمة العقار. بمعنى، ستأخذ إسرائيل منا أرضاً نوعية وأكبر مساحة، لتعطينا أرضاً أقل نوعية وأصغر مساحة. الأسوأ في هذه الصفقة أن إسرائيل ستأخذ حصتها نقداً وفوراً من هذا التبادل الجائر، على أن تدفع حصتها بالتقسيط المريح لها وليس لنا. إذا استلمت إسرائيل حصتها سيكون الاستلام بلا شروط فلسطينية، لكن ستفرض إسرائيل شروطاً على استلام الفلسطينيين حصتهم، المرهونة بقدرة السلطة الفلسطينية على استعادة قطاع غزة المتمرّد إلى سيادتها. هذه صفقة علاقة ربوية جشعة ولئيمة.. وتكاد تكون أحادية المنفعة. مع أن السياسة الدولية صارت تابعاً لآليات اقتصاد السوق، فإن تسوية مقترحة هي أشبه بصفقة عقارية مخلولة، تبدو أسوأ من شروط (الرهن العقاري)، التي قادت الاقتصاد الأميركي إلى أزمة ركود، أجبرت مشتري العقارات السكنية الأميركية على بيع عقاراتهم بنصف السعر. مع هذا، فإن صفقة تسوية الرفّ تضع العقار المقدسي جانباً، علماً أن مساحة القدس، في المخطط العمراني - الاستيطاني - السياسي الإسرائيلي تكاد تكون في مثل مساحة قطاع غزة وأكثر (400كم2 مقابل مساحة تل أبيب البالغة 55كم2). سيترتب على ما سبق، أن يعترف الفلسطينيون بأن خط الجدار العازل هو خط تحديد وترسيم جديد للحدود السيادية بين الدولتين. بذلك، يتخلى الفلسطينيون عن جملة القرارات الدولية التي تقول بلا شرعية الاستيطان، وعدم جواز نقل سلطة الاحتلال رعاياها إلى المناطق التي تحتلها. وبالذات، سينقض الفلسطينيون بأنفسهم حكم قضاة محكمة لاهاي، بينما تقوم إسرائيل بملء الكتل الاستيطانية بالمستوطنين والمستوطنات. مساحة الكتل الاستيطانية، حسب مقترح أولمرت، تعادل 7% من مساحة الضفة، دون حساب مساحة (القدس الكبرى). هذا يعني أن إسرائيل ستضم إليها أرضاً عقارية نوعية في الضفة تزيد قليلاً عن مساحة قطاع غزة (حوالي 400كم2 تساوي 7% من الضفة)، ناهيك عن تفاوض لاحق وغير متكافئ حول (عقار القدس) الذي لا يقل مساحة عما سبق، ويفوقه في القيمة الريعية والنوعية.. وبالطبع، السياسية والاقتصادية والدينية والديمغرافية. ظاهرياً، تبدو الصفقة المقترحة كأنها تسوية وسطاً بين عرض إيهود باراك على ياسر عرفات في قمة كامب ديفيد، والعرض الذي نوقش في طابا بعد ذلك، أي ستضم إسرائيل أكثر من 2% من مساحة الدولة الفلسطينية المزمعة. هم سيأخذون على الأرض وسيعطوننا على الورق. حتى الآن، تقاعست إسرائيل عن تنفيذ وعدها لواشنطن بإزالة زهاء 100 بؤرة استيطانية أقيمت بعد العام 2002، وهي ستتقاعس أكثر إذا اعترف الفلسطينيون بجدار العزل خطاً أخضر ثانياً وجديداً. و(معترفاً به) من جانب الفلسطينيين! هذه التبادلية العقارية غير متكافئة في حجمها وفي نوعها وفي شروطها.. وفي المدى الزمني لتنفيذها، حيث سيأخذ الإسرائيليون (الآن) بينما يعيدون الأقل حجماً ونوعاً (فيما بعد). زواج بدل.. ولكن صبية مقابل عجوز..! الاستيطان الفعلي في الضفة سيغدو حقاً فعلياً وسياسياً وشرعياً في مساحة 7% من الضفة مضافاً إليه 5% هي مساحة القدس.. في مقابل عودة رمزية ومؤجلة ومشروطة ل 20 ألف فلسطيني. العرض غير مقبول، لكن المفاوضات مستمرة، ولن يتم الاتفاق على شيء حتى يتم الاتفاق على كل شيء. عن صحيفة الايام الفلسطينية 16/8/2008