ضوء علي العلاقات المصرية الأمريكية أحمد حمروش 8 أغسطس1970 يوم من أيام التاريخ الفريدة التي تظهر معلما مهما من معالم العلاقات المصرية الأمريكية منذ قيام ثورة23 يوليو قبل55 عاما. ففي هذا اليوم أعلنت الهدنة بين مصر وإسرائيل, وتوقف إطلاق النار الذي لم ينقطع منذ العدوان الإسرائيلي في يونيو1967, ورفض مصر الهزيمة وإعادة بناء القوات المسلحة ودخول حرب الاستنزاف التي امتدت ثلاث سنوات وشهرين, وكانت تكبد إسرائيل خسائر شبه يومية. كان جمال عبدالناصر قد اطمأن إلي الدفاع الجوي عن داخل مصر منذ18 أبريل1970 عقب وصول أطقم الدفاع السوفيتية, وإعلان موشي ديان وزير دفاع إسرائيل وقف غارات الأعماق لأنه لا يريد مواجهة السوفيت. لكن المعركة فوق قناة السويس كانت تزداد شدة, والجنود يعانون الجهد والإرهاق, ولو أن الخسائر كانت تقل مع الوقت نظرا لاعتيادهم المعركة, وكذلك ترتفع روحهم المعنوية عندما يكتشفون أن الغارات الإسرائيلية التي أعلن جمال عبدالناصر في إحدي خطبه أنها تكلف إسرائيل مليون دولار يوميا, تنتهي دون خسائر أو بخسائر محدودة. وكانت علاقة مصر بالاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت علاقة وثيقة, وكانت السياسة الأمريكية تساند إسرائيل وترقب تطورات المعركة, وقد عبر وليم روجرز عن مضمون هذه السياسة بقوله: إن الولاياتالمتحدة تهدف إلي تشجيع العرب علي قبول سلام دائم, وفي الوقت نفسه تشجع إسرائيل علي قبول الانسحاب من الأراضي المحتلة بعد توفير ضمانات الأمن اللازمة. ويلاحظ أن هذا التصريح كان يعتبر جديدا في سياسة الولاياتالمتحدة, وأنه صدر بعد اشتداد حرب الاستنزاف وتأثيرها علي القوات الإسرائيلية والمجتمع الإسرائيلي أيضا. وكان تأثير حرب الاستنزاف قد وصل إلي الحد الذي دفع الحكومة الأمريكية إلي تقديم مذكرة في2 فبراير1970 تطلب فيها وقف حرب الاستنزاف وتهدد بعودة إسرائيل لغارات الأعماق, وأرسلت الحكومة الأمريكية جوزيف سيسكو وكيل الخارجية الأمريكية إلي مصر حيث استقبله جمال عبدالناصر وأبلغه اعتراض مصر علي زيادة تسليح إسرائيل, وأبلغه أيضا رسالة إلي نيكسون يطلب منه فيها أن يأمر إسرائيل بالانسحاب من الأرض العربية المحتلة, واعتبر ذلك في طاقة أمريكا التي تأتمر إسرائيل بأوامرها لأنها تعيش علي حسابها, وقال جمال عبدالناصر أيضا: إنه إذا لم يكن ذلك في طاقة أمريكا فإن عليها أن تكف عن تقديم أي دعم جديد لإسرائيل مادامت تحتل أرضا عربية. وانتهت هذه الاتصالات إلي تقديم وليم روجرز لمبادرته التي طلب فيها وقف إطلاق النار الذي لم يتوقف من جانب مصر برغم قرار مجلس الأمن, وقال لي الفريق أول محمد فوزي: إنه عندما استشير في بنود المبادرة أعلن قبولها من وجهة نظر عسكرية بحتة لأنه كان يريد الوصول بحائط الصواريخ إلي الضفة الغربية للقناة لحماية قواتنا. وأعلن جمال عبدالناصر قبوله لمبادرة روجرز في أثناء زيارة له إلي موسكو, ووضح موقفه لبريجينيف بقوله: إننا نحتاج إلي أن نعطي فترة راحة لقواتنا المسلحة, وأن نقلل من خسائر المدنيين, وهذا التوقف لن تحترمه إسرائيل إلا إذا كان اقتراحا أمريكيا, لكنني لا أعتقد أن لهذه المبادرة أي نصيب من النجاح, وفرصتها في ذلك لا تتجاوز نصفا في المائة. كان قبول جمال عبدالناصر للمبادرة من موسكو ردا علي موقف اتخذه أنور السادات في القاهرة في أثناء غيابه, وذلك بعد دعوة اللجنة السياسية للجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي التي رفضت المبادرة بأغلبية الأصوات. وحرص جمال عبدالناصر بعد عودته إلي القاهرة علي دعوة اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي التي اجتمعت بحضور جميع الأعضاء عدا أنور السادات وقررت قبول المبادرة بالإجماع علي أن يكون تعليقهم علي قبولها من وجهة النظر السياسية وليس العسكرية, حيث كانت الخطة هي تحريك الصواريخ سرا إلي غرب القناة. وأعلن جمال عبدالناصر قبول المبادرة في خطابه يوم23 يوليو العيد الثامن عشر للثورة, وهنا يجب أن نشير إلي ظاهرة خروج الإسرائيليين للرقص في الشوارع احتفاء بقبول المبادرة التي دخلت حيز التنفيذ في الساعة الواحدة من صباح السبت8 أغسطس1970. ولم يحقق القدر هدف جمال عبدالناصر من قبول المبادرة, فقد لحق به القدر يوم28 سبتمبر1970 برحيله من الحياة مودعا من شعبه أروع وداع. عن جريدة الاهرام المصرية 6/8/2007